خلا البيت
خلا البيتُ، لا خفقةٌ من نعالْ
ولا كركراتٌ، على السُّلَّمِ،
وأنَّتْ على الباب ريحُ الشمال
وماتت على كرمه المظلم:
تلاشت خُطى موكب الدَّافنينْ
ومن مسجد القريةِ المعْتم
تلوَّى، كما رفَّ فوق السفين
شراعٌ حزين،
أذانٌ (هو الله باقٍ، وزال
عن الأرض إلاه) الله أكبرْ،
وفي قبره اهتزَّ، كالبرعم
إذا الصبح نوَّر،
دفينٌ … وأصغى: أنين الرمال
وتهويدةُ النخل ينعِّس والليلُ أقمر
وفي بيته الآن — خلِّ العويلْ
ونوحَ اليتامى وندبَ النساءْ —
لقد فتَّح الآن زهرُ الشتاء
ليملأ تنوره بالشذى والضياء،
أنار وجوهًا وأخفى وجوهًا، فسال الأصيل
ينثُّ سنابله الدافئه،
وسمراء تُصغي إلى الشاي فوق الصلاء
يوسوس عن خيمةٍ في العراء
وعن عيشةٍ هانئه.
خلا البيت وانسلَّ لونُ المغيب
إلى المخدع المقفرِ،
هنا كان يطوي خيوط الدروب
صغيران تطفئُ شمس الغروب
بشعريهما نار فانوسها الأحمر،
إذا ما ارتختْ تحت ظلِّ الهجيرْ
جفونٌ يرنِّقُ فيها النعاسْ
أفاءا إلى قصة عن أمير
تخطَّفَه الجنُّ حتى أتى منزلًا من نُحاس
تلامحَ شبَّاكه عن أميره
تُدلِّي إليه الضفيره
ليرقى إليها.
خلا البيت إلا أنين يابقا
يصعِّدها شاطئٌ من حنين.
البصرة، ٢٦ / ٧ / ١٩٦٤