فترة استجمام!
كانت فترة الاستجمام التي بدأها الشياطين اﻟ «١٣» بأحد شواطئ «الإسكندرية» لم تنتهِ مدتُها بعدُ. وفي أحد أيام الإجازة — وعلى الشاطئ — كان كلُّ واحد مستغرقًا في عالمه الخاص به. وكل واحد منهم قد أخذ المكان المناسب له على الشاطئ، «خالد» ينظر إلى الأمواج الجميلة الرائعة، ويتأمل طيور النورس وهي ترتفع وتهبط، وبجواره «أحمد» يستند على ذراعه اليمنى، وينظر إلى الأمواج الصغيرة، وهي تنطفئ على الشاطئ.
بينما استغرق كلٌّ من «عثمان» و«بو عمير» في قَصْرٍ من الرمال صنعاه، وأخذَا يتأملانه، أما «فهد» و«قيس» فقد رسمَا «شطرنج» على الرمال، ووضعَا عليه عددًا من حصى البحر وأصدافه ومحاره، واستغرقَا في معركة على الرمال، أيهما يهزم الآخر؟
أما «مصباح» فقد تمدَّد على كرسيٍّ من كراسي البحر، وراح في نوبة نُعاس لذيذة تُهدهدها أنسام البحر الرقيقة، واضعًا قُبعتَه فوق وجهه حتى لا تلفحَه أشعة الشمس.
وكان «رشيد» و«باسم» و«ريما» يلعبون بكرة الماء يتداولونها فيما بينهم.
ونظر «خالد» إلى «أحمد» ثم قال له: إلى أين ذهبت؟
قال «أحمد»: أنا هنا معك على الشاطئ.
خالد: إذن انظر لهذه اللوحة الجميلة.
أحمد: أين هي؟
خالد: هناك على صفحة الماء … هذه المياه الزرقاء الصافية تبعث في النفس الراحة، كأنها تمتصُّ من النفس كلَّ رواسب الإجهاد، والهموم، والقلق. وطيور النورس اللطيفة … في حياتها البسيطة، تقوم من نومها لا تحمل أيةَ وسيلة من وسائل الصيد لتطير فوق المياه الزرقاء بمنتهى الرقة والخفَّة تلتقط رزقَها دون أية صراع أو منافسة، أو مؤامرات. ما أجمل هذه الحياة!
أحمد: إن الحياة في مجملها بسيطة … لكن الإنسان هو الذي يُعقِّدها وينشر فيها الدمار والصراع …
في تلك اللحظة كانت «إلهام» تقترب آتيةً من الفيلَّا، التي يُقيمون فيها إلى حيث «أحمد» و«خالد». فتنبَّه «أحمد» لها، ونظر إليها، وقال: ماذا هناك؟
قالت «إلهام»: رسالة من رقم «صفر»!
نادى «أحمد» على بقية الشياطين، وسرعان ما اجتمعوا تحت «الشمسية» التي يجلسون تحتها على الشاطئ.
فهد: ماذا حدث؟
قيس: لا بد أن هناك أمرًا هامًّا.
أحمد: رسالة من رقم «صفر»، ويبدو أنها مهمة؛ لأن رقم «صفر» حين يطلبنا في هذا التوقيت فإن الأمر يكون جديرًا بالاهتمام. اقتربوا أكثر … اقرئي الرسالة يا «إلهام».
إلهام: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»: «أعرف أنكم تقضون فترة راحة واستجمام، لكن الأمر خطير للغاية، المهمة هذه المرة قريبة جدًّا منكم. إنها في «الإسكندرية»، لقد جاءنا من بعض عملائنا أنهم رصدوا سمكة غريبة تطفو فوق سطح البحر، في فترات متباعدة من الليل والنهار، في منطقة محددة من «رأس التين» شرقًا إلى «برج العرب» غربًا، وقد التقط بعضُ عملائنا بعضَ الصور أثناء دخول إحدى السفن إلى ميناء الإسكندرية … ورغم أن الصور من مسافة بعيدة وفي الظلام، إلا أن الملامح الظاهرة هي لسمكة «الدلفين» وعلى رأسها جسم غريب قد يكون آلة تصوير دقيقة أو جهاز رادار دقيق. المهمة تتركز في اكتشاف سر «الدلفين الغامض»، أمامكم ست ساعات لتستريحوا وتستعدُّوا … إلى اللقاء في الساعة الثامنة.»
نظر «خالد» إلى الشياطين، ثم قال: ألم تلفت هذه السمكة نظرَ أحد؟
أحمد: لا … لأنها شيء عادي … فالبحر هنا ممتلئ بهذه الأسماك، ووجودُ الماء الذي تكثر به الأسماك الصغيرة … أمرٌ طبيعي لا يلفت نظرَ أحد.
عثمان: مع أن برأسها شيئًا غريبًا — كما تقول الرسالة — فكيف لا يكتشفها أحد؟
مصباح: إن الواقف على الشاطئ يسترعيه المنظرُ الكلي، لكنه لا يدقِّق النظر في أشياء كهذه، إلا إذا كان باحثًا، وإلا فلماذا لم نكتشف نحن هذه السمكة، أو نراها ونحن هنا منذ عدة أيام وقريبون من هذه المنطقة؟
أحمد: أشعر هذه المرة أن الأمر خطير … فلا داعيَ لتضييع أي وقت في التحليل، ويجب أن نستعدَّ من الآن … قد يكون وراء هذه السمكة شيءٌ نجهله … أو عصابة للتهريب أو التجسس … أو …
المهم أن الأمر يبدو لي هذه المرة خطيرًا … هيَّا بنا إلى العمل أيها الشياطين … انتهت الراحة.
جمع الشياطين أمتعتَهم من على الشاطئ ورجعوا إلى مقرِّهم، كان لا يزال أمامهم وقتٌ كافٍ لتناول الطعام وأخْذ قسط من الراحة، حتى يتأهَّبوا لهذه المغامرة الجديدة، لكنهم كانوا مشغولين. إنه شيء غريب حقًّا … سمكة تسير بجهاز!
هدى: هي الوحيدة التي لم تكن على الشاطئ … لكنها علمت بأمر الرسالة من «إلهام»، وكانت قد أعدَّت طعامًا للشياطين، فجلسوا يأكلون وقد خيَّم عليهم الصمت … لكن الأمر المسيطر على فكرهم جميعًا كان هو سؤال واحد: ما هو سرُّ هذا «الدلفين الغريب»؟
فجأة، توقَّف «خالد» عن الطعام ثم نظر إلى الشياطين، وقال: أتوقع أن يكون وراء هذه السمكة أمرٌ خطير للغاية. ليس بالطبع تهريب مخدرات، أو تفجير منشآت … لقد قفز إلى ذهني خاطرٌ في صورة سؤال: لماذا لا تكون عملية من عمليات التجسس؟
في هذه اللحظة توقَّف «أحمد» عن الطعام، ونظر إلى «خالد»، ثم أدار بصرَه في وجوه بقية الشياطين … كأنه كان يدور في ذهنه هذا الخاطر لكنه لا يريد أن ينطق به حتى تتكشف الأمور. ثم ترك الطعام وقال في نبرة حزينة: إنها مصيبة فعلًا لو كانت إحدى عمليات التجسس. أرجو ألَّا تكون كذلك.
قام «أحمد» دون أن يُكملَ طعامه، وسار ناحية الحمام، ووضع «خالد» رأسَه بين كفَّيه، وأخذ ينظر إلى الطعام، بينما راح «عثمان» يرفع الطعام إلى فمه ببطء، ثم ترك الملعقة بما فيها من طعام في الطبق، بعد أن رفعها إلى فمه …
وانصرف بقيةُ الشياطين قبل أن يُكملوا طعامهم إلى أماكن الراحة، لكنهم كانوا في حالة لا تسمح لهم بالراحة ولا الخلود إلى النوم قليلًا … لأن هذا الخاطر أيقظ كلَّ حواسهم. وجعل كلًّا منهم يفكر ويتقلَّب في مكانه … وسيطرت على فكرهم عمليةُ التجسس، وإن حاول كلٌّ منهم أن يستبعدها من بؤرة فكره.
كانت الساعة تقترب من السادسة، والهدوء يخيِّم على المكان. قفز «خالد» من فراشه وبجوار السرير أخذ يقوم ببعض التمرينات الرياضية الخفيفة … فنظر إليه «عثمان» بعينَين لامعتَين من طرف الوسادة كأنه ثعلب ماكر، ثم قال له: ماذا تفعل؟
قال «خالد»: ما ترى؟
قال «عثمان»: إنها السادسة مساءً لا صباحًا …
قال «خالد»: أحاول أن أخرج مما أنا فيه.
قال «عثمان»: هل أدلُّك على شيء مفيد أيضًا؟
خالد: ما هو؟
قال «عثمان»: اذهب وخذ حمامًا منعشًا … سيتبدَّل حالك فورًا.
قال «خالد»: نعم إنها فكرة جيدة، وإن كانت ليست جديدة.
انصرف «خالد» إلى الحمام بينما نام «عثمان» ووضع رأسه تحت الوسادة، في هذه اللحظة كان «أحمد» قد نزل من فوق السرير، وفتح باب الصالة المؤدي إلى «الشرفة»، ثم سار حتى وقف ينظر إلى البحر من بعيد … واستغرق فيه بوجدانه … كأنه على اتصال لاسلكي مع الأعماق.
كانت الأفكار تضطرب بداخله كالأمواج … كان هناك صراعٌ داخلي وثورة في أعماقه … إنه يتعجل الدقائق والثواني حتى تصل رسالة رقم «صفر» … حتى تتكشَّف الأمور وتتضح المسألة، إنه يذهب ويجيء، ويقيس الأرض بقدمه … فيذهب بالطول ثم بالعرض … لا يدري ما يصنع.
لا … إنه يقلِّب أفكاره على كل ناحية ووجه …
إن شبح الخيانة يتجسَّد أمامه … إنه حزين … لأنه في اللحظة التي كان يستجمُّ فيها على الشاطئ، كان غيرُه يتجسَّس على بقعة من وطنه … ولكن كيف يعرف أنهم يتجسسون؟ وماذا يصنعون إذن؟ وما سرُّ هذا الجهاز؟
كانت ظنونُه قد وصلَت به إلى طريق مسدود؛ فضرب بقبضته على الحائط، ثم مضى داخلًا …
جلس الشياطين يشربون الشاي … وبين كل لحظة وأخرى ينظر أحدهم في ساعته … كان التوتر فعلًا قد بدأ يسيطر عليهم؛ فكلما اقتربَت الساعة من الثامنة، ازداد الاضطراب وبدَت علاماتُه على الوجوه في العصبية والسرعة الزائدة في تناول الشاي.
كانت اللحظاتُ تمرُّ وكأنها الجبال … ثقيلة … مملَّة … فجأة سمع الجميع إشارات جهاز الاستقبال، وفي حركة لا إرادية وقف الجميع فجأة … فأسرع «أحمد» إلى الجهاز ليستقبل الرسالة.
من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»: «الآن أقول لكم كلَّ شيء بوضوح … فانتبهوا … المسألة غاية في الدقة والسرية … هناك عصابة تعمل لصالح دولة معادية يقومون بأعمال التجسس، يملكون غواصة صغيرة تحت تصرفهم بكامل أجهزتها وطاقمها … استطاع أحد العلماء بها أن يسيطر على مخِّ هذا «الدلفين» بواسطة أجهزة تحكُّم خطيرة ودقيقة، فهو يسير بالأجهزة، وقد ثبَّت فوق رأسه جهاز رادار خطير للغاية، يكشف كلَّ التحركات والمعدات، ويعمل في الظلام الشديد كما يعمل في النهار الساطع … ويقول عملاؤنا إن الغواصة بمكان ما تحت سطح البحر … قد تكون قريبة متخفية بالقرب من الصخور، وقد تكون بعيدة … والمهمة هي مراقبة تحركات وتصوير المعدات في قاعدة «د. الجوية وقاعدة. د. البحرية».»
بهذه الصورة تكون الأمور قد وضحَت وأصبحَت المهمة عاجلة … لأننا لا نعرف كم من الأسرار قد عرفوا، ومتى ستنتهي مهمتُهم؟ ويجب علينا جميعًا المبادرة بإنهاء المهمة في أسرع وقت وبمنتهى الدقة؛ فالوقت ضيِّق، والمنطقة حرجة لا تحتمل المغامرات. سيكون أمامكم ملفٌ كامل عن العملية غدًا في تمام الساعة العاشرة صباحًا، سيذهب «أحمد» إلى مطعم وكافتيريا «س جول» بالقرب من «المكس»؛ فهناك أحد عملائنا سيُسلمه الملف … مع أمنياتي ودعواتي بالتوفيق.
انتهت رسالة الزعيم رقم «صفر» ثم نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «أحمد»: الأمر كما تصورنا تمامًا. الحمد لله أننا بهذا الوعي … لكن رغم وضوح كلِّ شيء إلا أننا لا نستطيع عملَ أيِّ شيء، حتى يأتيَنا بالتقرير الكامل والملف الخاص بها … إنها مهمة صعبة جدًّا … لكنها ليست مستحيلة.