الجحيم تحت الماء!
بعد أن دمَّر «أحمد» ورفاقه الزورق «قاهرًا»، اندفع زورقُهم يتراقص فوق الأمواج. ثم قال «أحمد»: عظيم هذا الزورق … إن الزعيم رقم «صفر» له مفاجآت مذهلة.
قال «خالد»: فعلًا … مفاجآته مذهلة … ويتعامل مع كل البشر، كأن الكرة الأرضية ورقة في جيبه يحرك ويتحرك في أي مكان وهو في مكانه.
فردَّ «أحمد»: لا بد أن نقدِّمَ له مفاجأة تُسعده الليلة.
قال «بو عمير»: ها هو البحر أمامكم … والعدو تحتكم … فانطلقوا على بركة الله.
ضحك الشياطين … ثم قال «خالد»: أشعر بالجوع … ألَا يُشاركني أحدٌ هذا الإحساس؟
قال «بو عمير»: نعم … أشعر أن شهيتي مفتوحة للطعام. ما السر في ذلك؟
قال «أحمد»: جو البحر.
قال «قيس»: ماذا تعني؟
قال «أحمد»: أعني أن هواءَ البحر نقيٌّ، يُنشِّط الدورة الدموية ويجدِّد حيويتَها، فتساعد على هضم الطعام سريعًا … فيشعر الإنسان بالجوع على فترات متقاربة.
قال «بو عمير»: إذن هذا الطعام لن يكفيَنا الليلة.
ضحك الشياطين، وقال «أحمد»: أريد فقط مشروبًا دافئًا. كانت شاشة جهاز الرادار مضيئة وأسماك السردين الصغيرة تتلألأ عليها كحبات اللؤلؤ … تلمع وتختفي، وكانت شاشة الرادار تغطي مساحة واسعة تحت سطح الماء؛ لأنها تختلف عن الكاميرا، التي كانت معهم في المرة السابقة … الدقائق تمر … لا جديد … البحر هادئ … والرياح خفيفة، ثم هدَّأ «أحمد» من سرعة الزورق، وقال: يجب أن نكون مستعدين الآن، سنتجه إلى النقطة «ب» ثم نمسح المنطقة في حركة لولبية حتى لا يفوتَنا شيء …
قال «خالد»: لقد فرغنا من كل شيء … فابدأ … سيحالفنا الحظ إن شاء الله …
اتجه «أحمد» إلى النقطة «ب» والزورق يتهادَى مع الأمواج كأنه ذاهبٌ إلى عُرسٍ … وفجأة سمع «أحمد» أزيزَ جهاز الإرسال، فرفع الجهاز ليتلقَّى الرسالة، إنها من «رشيد» وبقية الشياطين: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» لقد اصطدنا ثلاثة طيور من المطعم، لكن طيرًا واحدًا من الطيور سقط في الطريق.»
ردَّ عليه «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» تحفَّظ عليهم كلهم حتى نُنهيَ المهمة ونُبلغ بهم رقم «صفر» انتهت الرسالة …» وقال «أحمد» لرفاقه: لقد أوقع «رشيد» وبقية الشياطين بثلاثة رجال من العصابة لكن أحدهم مات في الطريق.
قال «بو عمير»: يبدو أن العملية كبيرة.
قال «أحمد»: طبعًا كبيرة … لكن ستنتهي سريعًا بمشيئة الله.
حين وصل الزورق إلى النقطة «ب» اتجه «أحمد» ناحية الشمال، ثم اتخذ طريق الغرب والأسماك تظهر وتختفي على شاشة العرض داخل «غرفة القيادة».
كان «بو عمير»: في هذه اللحظة يُمسك بالنظارة المكبرة وينظر على صفحة الماء في اتجاهات مختلفة، فقال له «خالد»: ماذا تصنع والدنيا مظلمة؟
قال «بو عمير»: خُيِّل إليَّ أني رأيت شعاعًا لامعًا أو شيئًا يبرق على صفحة الماء.
قال «خالد»: أين؟
قال «بو عمير»: في هذا الاتجاه.
أمسك «خالد» بالنظارة المكبرة، وأخذ يُجيل النظر … ثم فجأة مال برأسه قليلًا إلى الأمام، ثم قال «بو عمير» … إني رأيت هذا الشيء، إنها تلك السمكة الضخمة تلمع تحت سطح الماء، وتظهر وتختفي كأنها البرق.
ثم أسرع إلى «أحمد» داخل غرفة القيادة: «أحمد» … اتجه شمالًا … انظر … «الدلفين» قادم من النقطة «أ». سدَّد «أحمد» شاشة الرادار المائي تجاه «الدلفين»، فظهر مهولًا على الشاشة الكبيرة … فأخذ الشياطين يتأمَّلون وينظرون إليه مستغربين.
ثم قال «خالد»: ماذا سنفعل الآن؟
قال «أحمد»: لا شيء … سننتظر حتى يعود ثم نتعامل معه قريبًا من الهدف الآخر.
أبطأ «أحمد» من سرعة الزورق … لتتناسب سرعتُه مع سرعة «الدلفين» وبدأت المطاردة. كان «الدلفين» يعلو فوق سطح الماء كل فترة ثم يختفي تحت سطح الماء كأنه ينقضُّ على أسراب السمك. وكان الشياطين يتبعونه برفقٍ حتى لا تنكشفَ خُطتهم.
لم يكن الشياطين وحدهم في هذه المنطقة بزورقهم، بل كانت تتناثر هنا وهناك أضواء زوارق الصيد، وذلك مما أعطى للعصابة الأمان؛ حيث يظنون أن كل القوارب والزوارق تُمارس الصيد فقط.
ولم يَدُر بفكرهم أن هناك عيونًا ساهرة تترقَّب الفرصة المناسبة لتُخلِّص الإنسانية من شرِّهم.
أخذ «الدلفين» يتقلب عدة مرات كأنه يلعب ويلهو، ثم أدار وجهته إلى حيث تستقر الكارثة، حينئذٍ أدرك الشياطين أن النهاية تقترب، فجرَى الدمُ ساخنًا في عروقهم … وبدأ العرق تلمعُ حبَّاتُه على جِباههم، لقد بدءوا العدَّ التنازلي لتبدأ نهايةُ مهمةٍ من أخطر المهام التي قاموا بها …
إنها مهمة لا تعرف أنصافَ الحلول … لا بد لها من حلٍّ جذريٍّ وحاسم وسريع …
أشار «أحمد» بيده إلى «خالد»: رجالك جاهزون.
قال «خالد»: في انتظار إشارة …
قال «أحمد»: كُن مستعدًّا في أية لحظة … المهمةُ كلُّها لحظة، إن أصبتَ الهدف الأول نجحنا وإلا … فسنكون نحن الفريسة …
قال «خالد»: أعطِ أوامرك فقط … ونحن علينا التنفيذ …
قال «أحمد»: لقد اختفى «الدلفين» تحت الماء … سأقترب أكثر، لا بد أن تتخذ مكانك في مقدمة الزورق وثبِّت نفسك جيدًا … وفي اللحظة التي يصعد فيها إلى سطح الماء يجب أن تكون «الإبرة المخدرة» في جسده … تنبَّه جيدًا … امضِ الآن.
سار «أحمد» إلى مقدمة الزورق، واتخذ مكانه بين الحبال، كان الزورق يسير بسرعة متوسطة، جهَّز «خالد» المسدس وصوَّبه ناحية الماء وعينُه تنظر في حدَّة إلى صفحة الماء، ثم رأي تحت سطح الماء «الدلفين» وهو يصعد إلى السطح، وما إن أخرج رأسه حتى كان «خالد» قد سدَّد إليه «إبرة مخدرة». فزع «الدلفين» ثم أحدث جَلَبة على سطح الماء، وصرخ «أحمد»: أطلق إبرة مخدرة أخرى … بسرعة …
وفي لمح البصر كان «خالد» قد وجَّه «للدلفين» إبرة مخدرة أخرى جعلَت «الدلفين» يتباطأ في حركته ويلفُّ حول نفسه … و«خالد» ينظر إليه.
في نفس اللحظة كان «بو عمير» يحمل آلة «السهم النفاث» على كَتِفه كالمدفع ثم نظر في عدسته وصوَّب السهم تجاه «الدلفين» وضغط على «الزرِّ» فانطلق محدِثًا صوتًا في الهواء، ثم استقر في جسم «الدلفين».
بدأ «الدلفين» يتوقف تمامًا عن الحركة، وأخذ الشياطين يجذبون الحبل المربوط به السهم، واقترب «الدلفين» المهول من الزورق. حاول الشياطين رفعَه. لكنه كان ثقيلًا، فخشيَ الشياطين أن ينقطع الحبل ويسقط «الدلفين» في البحر … فخرج «أحمد» من غرفة القيادة، وقال: يجب أن نتصرَّف بسرعة … الآن نحن في خطر.
أمسك «أحمد» بقطعة من حبل من النايلون وصنعها على هيئةِ فخٍّ ثم أدخلها من ناحية ذيل «الدلفين»، ثم جذبها فقبضَت على ذيله … ثم ربطها بطرف الونش المثبَّت على جانب الزورق … ثم دخل غرفة القيادة، وضغط على أحد الأزرار، فأخذ «الدلفين» يرتفع حتى استقر على ظهر الزورق.
ثم قال «أحمد» ﻟ «خالد»: انزع بعض هذه الأسلاك حتى يتعطل الجهاز فورًا.
أخرج «خالد» آلة مغطاة بالبلاستيك تُشبه «الكماشة»، لكن بها عدة أزرار، ثم نزع بها عدة أسلاك من على جانبَي رأس «الدلفين».
في هذه اللحظة كان «أحمد» يزيد من سرعة الزورق ثم صرخ في «خالد»: انظر في اتجاه مقدمة الزورق … انظر في الماء … العوامة … العوامة في هذه المنطقة.
صاح «خالد» مشيرًا إلى الشمال: إنها هناك … قريبة منَّا، اتجه إلى الشمال قليلًا …
اعتدل الزورق متجهًا ناحية العوامة التي تركها قبل ذلك ليحدِّد بها مكان واتجاه الغواصة بين الصخور، كان الرادار قد كشف الصخور تمامًا … لكن ذلك الشيء المختفي كان قد غيَّر من وضعه وأخذ وضع الاستعداد.
صاح «أحمد»: الوقت ليس في صالحنا … سنضيع كلُّنا، أين «بو عمير»؟
فصاح «خالد»: إنه خلفك عند جهاز القذائف.
فصاح «أحمد»: حاول أن تُمسك بالعوامة سريعًا. أدلى «خالد» عصًا حديدية طويلة في نهايتها شيء يُشبه الصنارة، ليصيدَ بها العوامة.
لكن الزورق كان قد اهتزَّ عنيفًا وارتجَّت أركانُه.
فصرخ «أحمد»: لقد أصابَتنا قذيفة.
مسح «أحمد» قاع المركب بالرادار. فوجد أن القذيفة أطارَت «الرفاصين»؛ فالزورق له محركان.
ثم صاح بأعلى صوته: هيَّا يا «خالد» … لكن «خالد» لم يستطع أن يحصل على العوامة؛ لأن القذيفة أبعدَت الزورق عن العوامة.
فنادى «أحمد»: اتركها وتعالَ مع «بو عمير» … اتركها فورًا، ثم رفع «أحمد» سرعةَ الزورق إلى أعلى درجة، ودار بالزورق دورةً سريعة حول نفسه، فهدأ الموج من حوله، ثم أبطأ المحركات فجأة. وقال في حدَّةٍ: «۳–۲–۱–٠» اضرب.
فانطلقَت قذيفةٌ أسرع من البرق ليتحول قاعُ البحر إلى الجحيم.
ثم يصيح «أحمد»: اتبعْها بأخرى … أطْلِق …
فأصبح الماء أسود بعد أن كان صافيًا … ثم بدأت الأمواجُ تتلاطم في قوة. كأن زلزالًا وقع تحت الماء، وأخذ الزَّبَد يظهر على سطح الماء متقلبًا فورًا، كأن تحت سطح الماء نافورة لكنها تُلقي بالطين وقِطَعِ الخشب … والأسماك التي أحرقَتها النيران.
وكان هذا الطوفان الهائل، والثورة المفاجئة للبحر قد جعلَت الأمواج ترتطم بزورق الشياطين، فأصابهم الموج وابتلَّت ثيابهم.
لكن الزورق المهيب كان كأنه يرقص رقصةَ الانتصار أو سعيد؛ لأنه استطاع أن يحقِّق ذاتَه وينتصر على غريمته تحت الماء.
كان شعاع الفجر المضيء قد بدأ يتسلَّل إلى الأفق … حين كان الزورق في طريق العودة إلى النقطة «ب» التي خرجوا منها أول الليل.
ودخل الزورق إلى مستقرِّه هادئًا … وكان الشياطين يحسبون أن في مثل ذلك الوقت لن يجدوا أحدًا ينتظرهم أو يشعر برجوعهم، لكنهم فُوجئوا بالرصيف، وقد اصطفَّ عليه عددٌ من الجنود مدجَّجين بالسلاح، وعند مقدمة الزورق كان يقف ضابطان، أحدهما برتبة عقيد بحري، والآخر برتبة مقدِّم … وما إن هبط الشياطين من الزورق حتى كان الضابطان يقدِّمان لهم التحية العسكرية … وصافحهم ثم قال العقيد: أُهنِّئكم باسمي وباسم بلدكم … لقد قمتم بعمل مُعجز وخارق للعادة.
ثم سلَّم ﻟ «أحمد» رسالة.
«نهنئكم بسلامة الوصول … لقد انتهت القصة … ولم يَعُد أمامكم إلا إجازة هادئة في مرسى مطروح بعيدًا عن الضجيج.»