النبوة والنبي … دراسة لغوية
أولًا
(١) النبي … اللفظة العربية
وإذا كان «المفهوم الاصطلاحي» للنبوة يرتبط — كما وضح — بنسقٍ أشمل من التصورات يكمن خلفه، فإن «التعريف اللغوي» للنبوة لا ينفك — بالمثل — عن هذا النسق. وذلك هو ما يفسِّر الإحالة المتبادلة بينهما. ففي عالمٍ رأى الأشاعرة أنه لا يبدو فيه غير الله — بحيث تصبح «النبوة» فعلًا خالصًا من الله يتمثَّل في قوله — دونما مبرر — لواحدٍ من عباده «أرسلناك فبلِّغ عنَّا» — فإنَّ النبوة لغةً ترتدُّ إلى مجرَّد الإنباء والإخبار. أما في عالم رأى فيه المعتزلة فاعليةَ الإنسان تتجلَّى إلى جانب الفاعلية الإلهية — بحيث تصبح النبوة جزاءً «إلهيًّا» على فعل «إنساني» مخصوص — فإن النبوة لغةً ترتد إلى «النباوة» بمعنى الرفعة التي تفيد الخصوصية.
(٢) المجال الدلالي للفظة «النبي»
(٣) تطور دلالة لفظة «النبي»
وإذن، فقد ظهر أنَّ لفظ «النبي» لفظٌ دال؛ إن من حيث اشتقاقه اللغوي، أو انتماؤه لمجال دلالي بعينه، أو من حيث تطور دلالته ومعناه. فقد لوحظ أنه يكشف — في كل الأحوال — عن نسق من التصورات المتكاملة التي يتعذَّر البتة تكشُّفها بعيدًا عنه. وأخيرًا، يبقى السؤال عمَّا إذا كان الانتقال من لفظ «النبي» إلى لفظ «الرسول» يتبدَّى عن ذات الكلية من التصورات أم لا.
(٤) من «النبي» إلى «الرسول»
وإذن فقد انتهى الأشاعرة إلى تمييز بين النبيِّ وبين الرسول، كان ضروريًّا لإظهار الاتساق بين عناصر النسق الأشعري. فإن تبنِّيَهم ردَّ النبوة — لغةً — إلى «النبأ» قد دفعهم إلى التمييز بين نبأٍ أو وحيٍ خاصٍّ يقتصر على شخصِ الموحى إليه فقط، وبين نبأٍ أو وحيٍ عامٍّ يتعدَّى شخصَ الموحَى إليه إلى «ضبط قوى التاريخ وتوجيهها نحو بناءِ عالمٍ جديد». ويبدو أن ذلك قد فرض ضرورةَ التمييز بين «متلقٍّ» للنبأ أو الوحي الخاص (وهو النبي)، وبين «متلقٍّ» للنبأ، أو الوحي العام (وهو الرسول)، وعلى هذا فإن التمييزَ الأشعريَّ بين النبيِّ وبين الرسول، يبدو وقد انتظمه الموقفُ الخاص من النبوة لغةً. واللافت أن هذا «الانتظام» لا يجد تفسيره إلا في نسق أشمل من التصورات المتجانسة المعبِّرة عن جوهر الرؤية الأشعرية للعالم في لحظة محددة.
وهكذا وضعَتنا «المسألة اللغوية» في مواجهة أنساق نظرية عُليا تُفسِّرها وتحكم حركتها، بحيث ثبت أنَّ التباين اللغوي بين كلٍّ من الأشاعرة والمعتزلة بصدد النبوة، إنما يرجع إلى تباين أعمق بين الفريقين يتعلَّق بالتصورات التي أقاموا عليها النسقَ النظري كلَّه. إذ وضح من خلال استكشاف هذه الأنساق، أن علم الكلام قد توتَّر أساسًا بين نسقَين متمايزَين عكَسَ كلٌّ منهما تصورًا مختلفًا عن العلم وأصل بنائه. ولقد تبدَّى مفهوم «النسق» عن ثراء وخصوبة جمَّة، حين ساعد على لمِّ شتاتِ كثيرٍ من الأفكار التي كانت تبدو مبعثرةً لا رابطَ بينها. كما أنه يساعد — إضافةً إلى ذلك — على تفسيرِ كثيرٍ من التصورات التي تتحكَّم في وَعْينا المعاصر بالعالم، وذلك من خلال ردِّها إلى أنساق كلية يصبح تحليلُها وتفسيرها بمثابةِ توطئة لنقدِ الوعي المعاصر (بالمعنى الكانطي للنقد) وفهمِ حدوده. وكأننا بتحليل النسق لا نفعل أكثرَ من تحليل وَعْينا، ومن هنا ينبثقُ المعنى الحيُّ والمتجدد لعلم الكلام الذي يُصبح بذلك علمًا معاصرًا أبدًا، وذلك مثلما كان التاريخ — من حيث إنه تحليلٌ لوضعنا المعاصر — معاصرًا أبدًا عند كروتشه.
ثانيًا: النبي … اللفظة الأجنبية
-
(١) اللفظة العبرية: يبدو أن لفظة nabi «النبي» قادرةٌ في العبرية
أيضًا على إحالتنا إلى ما يتعدَّاها، أو مَنْحنا، على الأقل، فهمًا أفضل لمسألة
النبوة، بحيث يصبح القول بأنه «لا يمكن فهمُ النبوة على أحسن وجه إلا من خلال البدء
بتحليل لفظة nabi (نبي)»٩٣ قولًا لا يجانب الحقيقة. فإن تاريخ اللفظة وتطوُّر دلالتها يتجلَّى عن
بناءٍ كامل من الأفكار والحقائق التي يتعذَّر في غيابها النفاذُ إلى طبيعةِ النبوة
اليهودية، وذلك إلى الحد الذي أصبح معه مجردُ ظهور اللفظة دالًّا إلى حدٍّ كبير؛
فبالرغم من أن لفظة nabi لم تُستخدم بصورتها على
الأقل في نصٍّ أقدم من العهد القديم،٩٤ إلا أن ظهورَها في العبرية يكشف عن قبائل استغرقَتها نزعةٌ حسية فجَّة،
حتى إنه عندما بدأ الربُّ وحْيَه إليهم، بحثوا عن لفظٍ يُطلقونه على ذلك الذي ينقل
إليهم وحْيَ الرب، وحين لم يجدوا في لغتهم المتداولة ما يصلح لذلك، اضطروا للاستعارة
والاقتراض من اللغات الأخرى المجاورة. وهكذا ظهرت لفظة
nabi العبرية، وهي تدين بأصل وجودها إلى لغات
القبائل والشعوب المجاورة.٩٥ ويبدو أن هذا الأصلَ المستعار قد أكسب اللفظةَ
nabi قدرًا من المرونة والقابلية على اكتساب المعنى
المتجدد؛ لأنها لم ترتبط بنظام اشتقاقي أصيل تقيَّد بالنظام المعجمي الذي تتطور
اللغةُ تبعًا له. ولذا كان تطوُّرها غيرَ مقيَّد، بحيث كان المعنى الذي تَعْنيه لفظةُ
nabi يرتبط بالدَّور الذي يؤدِّيه النبي. ولا شك
أنه دَور متطور، بمعنى أن أيَّ تغيُّر في هذا الدور كان يعني تغيُّرًا في طبيعة
النبوة ومعناها. وقد أدَّى هذا الارتباطُ إلى التصاق اللفظة «بطابع وظيفي»٩٦Functional من حيث المبدأ، بحيث لم تكن تحمل أدنى
إشارة إلى وجود أو عدم وجود أيِّ «هبات خاصة» يتمتَّع بها النبي. وهذا هو المعنى
الأقدم الذي التصق باللفظة، والذي يكشف عن النبيِّ بوصفه فاعلًا
(active) «أي مبلغًا ورسولًا»، وليس بوصفه منفعلًا
(passive) «أي مجرد متلقٍّ للرسالة
Recipient of Vocatian».٩٧ وبالرغم من أنه يتعذر تمامًا — من الناحية الفعلية — الفصلُ بين «البُعد
الإيجابي» — أو النبي بوصفه كيانًا فاعلًا — وبين «البُعد السلبي» — أو النبي بوصفه
كيانًا منفعلًا — لأنهما بُعدان متكاملان غير منفصلين ينبغي إدراكهما في وحدتهما
الحيَّة التي يحققها جدلُ السالب والموجب، إلا أن النبوة اليهودية قد تبلورَت — إلى
حدٍّ كبير — حول المدلول الإيجابي للفظة nabi. بمعنى
أن مفهوم «الدَّور» الذي يؤدِّيه النبيُّ هو الأهم في تقرير كونه نبيًّا.٩٨فقد استُخدمَت لفظة Nabi لأوَّل مرة — تبعًا للعهد القديم — في عصر إبراهيم الذي استحق أن يُلقَّب «نبيًّا» «لدَوره» كشفيع وواسطة بين الله والإنسان.٩٩ وكذلك استحق موسى اللقبَ نفسه «للدَّور» الذي قام به في التوسُّط بين الرب والشعب أثناء حادثة سيناء.١٠٠ وهكذا تبلورَت لفظةُ nabi بدءًا من «الدور» الذي يؤديه النبي، وهو يتمثَّل أساسًا في التوسط بين الله والبشر، أو «التحدث باسم الله إلى البشر»١٠١ أو العكس. فاللفظة العبرية تعني — لغويًّا — الناطق بلسان جماعة أو إله، أكثر ممَّا تعني المتنبِّئ أو الكاهن. «فلم يكن يُقصد بلفظة nabi ذلك الرجل الذي يُخبر عن الحوادث المستقبلة، بل هو الذي يتحدث بالنيابة عن آخر، وهذا هو المعنى اللغوي للفظة nabi العبرية.»١٠٢ وبعبارة أخرى، لا تعني اللفظة العبرية nabi أكثر من أن النبيَّ يُعَد فمًا للرب من ناحية، وفمًا للشعب من ناحية أخرى، فهو — إذن — مجردُ مُبلِّغ ينوب عن أحدهما عند الآخر، دون أيِّ إشارة إلى مقدرة على التنبؤ بالمستقبل أو التكهُّن بالغيب. وقد ذهب أحدُ الباحثين — تبعًا لذلك — إلى القول بأن «الترجمة العادية للفظة nabi العبرية إلى لفظة Prophet الإنجليزية تُعَد ترجمةً مضللة؛ لأن النبي (حسب اللفظة العبرية) لا يتنبأ بالأحداث المستقبلة (وذلك ما تُشير إليه اللفظة الإنجليزية). بل هو — أي النبي — مَن ينطق كلمة يهوا وحكمه على الأحداث الجارية».١٠٣ يلاحظ إذن أن ما ينطق به النبيُّ يتعلق — حسب المفهوم العبري — «بالأحداث الجارية» وليس «بالأحداث المستقبلة». ولكن ذلك كان — فيما يبدو — ما تَعْنيه اللفظة في استخداماتها الأولى فقط، فإن ثمة تطورًا قد أدَّى إلى إكسابِ اللفظة دلالةً أوسع بعد ذلك، «حيث أصبحَت تُطلق بعد عصر صموئيل على ذلك الشخص الذي كان يُطلق عليه قبل ذلك «الرائي» (Seer, Hazeh, Ro’lh).١٠٤ (وهو — أي الرائي — شخصٌ قادر على التنبؤ والرؤيا بالطبع). فإنه «سابقًا في إسرائيل، هكذا كان يقول الرجل عند ذهابه ليسأل الله، هلمَّ نذهب إلى الرائي؛ لأنَّ النبي اليوم كان يُدعى سابقًا الرائي».١٠٥ فالنصُّ يُفيد أن الذي أصبح يُسمى اليوم «نبيًّا» كان بالأمس رائيًا، وذلك يعني أن النبيَّ قد أصبح يقوم ﺑ «الدور» الذي كان يقوم به الرائي قبل ذلك والمتمثل أساسًا في الرؤيا.١٠٦ وليس من شك في أن تطور دلالة اللفظة nabi يكشف — كما سبق أن لاحظنا في تطور دلالة لفظة «نبي» العربية — عن تطورات أعمق حدثَت خارج اللغة ذاتها. يؤكد ذلك أن المفاهيم الرؤيوية أو المسيانية (Messianic) — التي لعبَت دورًا هامًّا في تطوير النبوة اليهودية ذاتها، والتحوُّل بها من نبوة «إخبار» إلى نبوة «رؤيا» — قد تبلورَت بدءًا من تغيرات طرأَت على الوجود اليهودي نفسه. فقد انبثق مفهوم «الرؤيا» (Messiah)، للمرة الأولى في عصر داود الذي مسحه صموئيل النبي ملكًا على إسرائيل — وذلك بعد مقتل شاءول ملك إسرائيل الذي هزمه الفلسطينيون هزيمةً مُرَّة انتهَت بالسيطرة على مدن إسرائيل١٠٧ وبعد أن ضرب داود رقابَ الفلسطينيِّين وردَّهم عن مدن إسرائيل تنبَّأ صموئيل لحكمه أن يدومَ إلى نهاية التاريخ، كما تنبَّأ له بالسيادة على الشعوب الأجنبية.١٠٨وهكذا أصبح الأنبياء يتنبَّئون بالأحداث المستقبلة، بعد أن كانوا لا ينطقون إلا بحكم «يهوا» على الأحداث الجارية. ولقد تبلورَت المفاهيمُ المسيانية بحسم أثناء عصر النفي اليهودي إلى بابل؛ حيث بلور اليهود بدءًا من قسوة المنفى «فلسفةً في الأمل» قامت أساسًا على «الرؤيا» والتنبُّؤ بالمخلِّص الذي يقود شعبَه عبر مسالك الخلاص. ومن هنا اتَّسمت نبوةُ عصر النفي بطابع تنبُّئٍّ خالص، «فحفلَت الأسفار المقدسة بنبوءات كثيرة مستوحاة من أماني الشعب وآلامه تأسيةً له وسلوانًا وتنفيسًا عن ألمه المكبوت».١٠٩ فقد اعتمد الأنبياء في بناء ثقة الشعب اليائس على التنبؤ بتدخل الربِّ لكي يخلصَ شعبه من منفاه ويعود به إلى أرض صهيون، «وتُمثِّل نبوةُ حزقيال طبعَ نبوة النفي إذ تتضمَّن بشرى الخلاص والعودة إلى البلاد ومشروع بناء المعبد المهدَّم».١١٠ وليس أدل على الأثر الذي أحدثَته فترةُ النفي في النبوة اليهودية من «أن الجزء الثاني من سفر إشعيا (المعروف بتثنية إشعيا) — والذي كُتب بعد النفي — يتميز عن الجزء الأول من ذات السفر — الذي كُتب قبل النفي — بما ينطوي عليه من تنبؤات بقدوم المسيح أصبحت فيما بعد أهمَّ نصوص العهد القديم التي سِيقَت دليلًا على أن الأنبياء قد تنبَّئوا بمجيء المسيح عيسى».١١١وهكذا أيضًا، وضعَنا البحثُ اللغوي — المتعلِّق بلفظة nabi العبرية — في مواجهة نسقٍ نظري متكامل يطوِّر آلياته الداخلية، بدءًا من مفهوم «الدور أو الوظيفة»، الذي يبدو مهيمنًا على كلِّ تطور في طبيعة النبوة اليهودية. وقد أظهر هذا المفهومُ خصوبةً فائقة «في إعادة بناء اللاهوت اليهودي»، وتُمثِّل كتاباتُ: هيشيل، ومارتن بوبر، وموردخاي كابلان، وروزنز فايج — أهم المنظِّرين اليهود المعاصرين — نماذجَ دالة على ذلك.صعوبات الاشتقاق: حَظيَ البحث في المصدر الذي يمكن أن تُردَّ إليه لفظة nabi العبرية بقدر كبير من الغموض والاضطراب؛ وذلك لأن «الصورة الأساسية للفعل الذي يرتبط بلفظة nabi غير موجود في اللغة العبرية».١١٢ ولذا يكاد الباحثون أن يُجمعوا على أن «اللفظة العبرية nabi ذات أصل لغوي غامض وموضع شك»،١١٣ ولكنهم انتهَوا مع ذلك إلى أنها قد تكون لفظةً دخيلة على العبرية، أو أنها ترتبط على الأقل بأصول غير عبرية. وبالرغم من هذا الاضطراب، فإن الباحثين قد حصروا المصادر الممكنة للفظة العبرية nabi في مصدرَين أساسيَّين؛ الأول: أكادي-آشوري، والثاني: عربي. إذ يذهب فريقٌ من الباحثين إلى «أن لفظة nabiu العبرية ترتبط بالفعل الآشوري nabiu (نابيو)، ويعني يدعو أو يُعلِّم أو يأمر»،١١٤ أو «أنها ترتبط بالكلمة الآشورية nebo نيبو — وهي تعني المتكلم نيابةً عن الله الذي يمتلك وسائل التعبير المتاحة للبشر»،١١٥ أو «أنها ترتبط بالفعل الآشوري nabiu (نابو)، ويعني يُسمي Ta name»،١١٦ ويقال أيضًا إنها ترتبط بالفعل الآشوري NI، ويعني to cary off؛ أي ينقل شيئًا بقوته الخارقة، «فيكون النبي، بذلك، هو الشخص الذي ينقل بقوته الخارقة شيئًا من طور إلى آخر»، ولكن يبدو أن الاستخدامَ الآشوري لهذا الفعل لا يُقدِّم ولو أضعف دليل يؤكد ذلك التخريج».١١٧ وثَمة مَن يؤكد أن اللفظة العبرية nabi ترجع إلى أصل واحد هي والفعل الأكادي nabiu، ويعني: يدعو أو يُعلن.١١٨ واللافت هنا أن الآراء تتفق على أن اللفظة العبرية مشتقةٌ من مصدر يحمل معنى «الدعوة والإعلام والتعليم»، وهو أمرٌ له دلالتُه الكبيرة في فهمِ مضمون النبوة.١١٩ ولكن، بالرغم من هذا الاتفاق فإن ثَمة مَن يردُّ لفظة nabi العبرية إلى صيغة آشورية انفعالية naba، وتعني to bubble up أو to fall in transports؛ أي «يتحمس ويتهيج وينتشي».١٢٠ بل إن ثمة مَن يرى أن الجذر الأصلي (الذي اشتُقَّت منه لفظة nabi) كان يعني الجنون والخبل (insanity)؛ ولذا فإن لفظة nabi تعني أصلًا ذلك الشخص الذي تستحوذ عليه قوةٌ خارقة فيغدو ممسوسًا فيها. وإضافة إلى اشتقاق لفظة nabi فإن ثَمة نماذجَ معينةً من سلوك الأنبياء تَرِد كشاهدٍ يدعم هذه النظرية؛ إذ كان يفترض أن لفظة nabi تُشير إلى شخص تتدفق أحاديثُه من فمه بصوتٍ عالٍ وهائج ومصحوب بأنفاس عميقة.١٢١ ومع أن هذه النظرية تُفسِّر وجهةَ نظرٍ١٢٢ تتمثَّل في وسم النبوة اليهودية بسمةٍ انفعالية وجدانية، إلا أنها تُعاني من أوجُهِ ضعفِ عدَّة، منها «أنها تعزل الفعل naba عن أصوله السامية Semitic (التي تحمل معانيَ الدعوة والإعلان، وليس الحماس والهياج)، إلى جانبِ أنها تتجاهل فروقًا صوتية بين الفعلَين اللذَين يمكن أن نردَّ إليهما لفظة nabi، ومن ناحية أخرى فإنه إذا كانت لفظة nabi تعني «التحمس والهياج»، فإن النبيَّ لن يكونَ مُلامًا على حماسه وهياجه»،١٢٣ وبالتالي ضياع رسالته خلال غيبوبة النشوة.١٢٤وثمة فريقٌ آخر من الباحثين يذهب إلى «أن اللفظة العبرية nabi مشتقة من الفعل naba الذي يرتبط بالفعل العربي «نبأ» بمعنى «أعلن».»١٢٥ وثمة مَن يربط اللفظة العبرية nabi «بنفس الفعل العربي المشار إليه «نبأ»، ولكن باعتبار أن هذا الفعل يعني مَن يتحدث مؤيدًا بسلطة؛ ولذا يكون النبي هو المتحدث الرسمي (Speaker authorized)».١٢٦ ولكن بعض الباحثين يرى أن ذلك استنتاجٌ متعسِّف، «لأن الفعل العربي لا يدل على مَن يتكلم أو يتحدث (to Speak)، بل يدل على مَن يخبر (to inform) أو من يُعلن (to announce)».١٢٧ وبغضِّ النظر عن معنى الفعل العربي الذي تَرِد إليه لفظةُ nabi، فإن هناك مَن يؤكد — بناءً على الربط بين الفعل العربي واللفظة العبرية — على «أن منطقة شبه الجزيرة العربية هي أصل النبوة».١٢٨وعلى أي حال، فإن الأمر المؤكَّد هو أن لفظة nabi العبرية تُعَد لفظة مقترضة من لغة مجاورة (أكادية، أو آشورية، أو عربية). وبالرغم من أن هذه الملاحظة تؤكِّد ظاهرةً عامة تتعلَّق بالتفاعل الحي بين الحضارات المختلفة، إلا أن لها — هنا — أهمية خاصة تتعلَّق بالتقليل من صحة الادعاء بخصوصية ونقاء (Purity) الحضارة اليهودية التي تنظر لنفسها على أنها بنيةٌ حضارية مغلقة تندُّ عن التفاعل مع أيِّ أبنية حضارية أخرى؛ إذ تؤكِّد ملاحظتُنا — على عكس هذا الادعاء — أن النسق الحضاري اليهودي، كغيره، لم ينهض بعيدًا عن جدليات التفاعل الخلَّاق بين الحضارات المختلفة.١٢٩
-
(٢) اللفظة الإغريقية: ظهر أثناء نقل التوراة إلى اللغة الإغريقية — وهي العملية المعروفة بالترجمة
السبعينية — أن لفظة ΠeoφyTys هي أفضل لفظة ملائمة
لترجمة اللفظة العبرية nabi.١٣٠ وهذه اللفظة مكوَّنة من مقطعين؛ الأول:
Πeo، ويعني «الإلمام المسبق بشيءٍ آتٍ أو وشيك
الوقوع»، والمقطع الثاني φyTys، ويعني المتكلم
(Speaker)، وهو مشتق من الفعل الإغريقي
avai، ويعني يتكلم (To
Speak).١٣١ وهكذا تُشير اللفظةُ في الإغريقية القديمة إلى شخص ينطق بالنبوءة
ويُفسرها، وكان يُعتقد أنه لا ينطق، آنئذٍ، بأفكاره الخاصة، بل بوحيٍ من الخارج.١٣٢ فالنبي، إذن، ليس مجردَ ناطق أو مبلِّغ للنبوءة، ولكنه مفسِّرٌ وشارح لها أيضًا.١٣٣ ولذا، فإن الكاهنة الهائجة Frantic بیثیا
Pythia، كاهنة معبد دلفي، لم تكن تُدعَى «نبية»
(Prophetess)، بل يُدعى كذلك حراس معبدها المقدس
الذين كانوا يُصورون صراخها الهائج في ردود يمكن فهمها بوضوح،١٣٤ إذ «إن الربَّ الذي تقوم معجزته في معبد دلفي لا يُفصح ولا يُخفي ولكنه يُلمِّح».١٣٥ ومن هنا، فإن كلماتِ بيثيا كانت غامضةً، بوجه عام؛ ممَّا جعلها في حاجة
إلى تفسير واضح اللغة والمعنى، وذلك ما كان يقوم به خدمُ المعبد الذين سُمُّوا — لذلك
— أنبياء.١٣٦ وبذا يكون تفسير النبوءة، وليس مجرد النطق بها، هو الأهم في تقرير كون
الشخص نبيًّا عند الإغريق.١٣٧ويبدو أن لفظة ΠeoφyTys الإغريقية قد خضعَت لنوع من التطور اللغوي، «فقد كانت تُشير من الناحية الاشتقاقية إلى النطق بشيء وشيك الوقوع بمقتضى سياق الأحداث الجارية (Farthtelling)، وليس إلى التنبؤ والتكهُّن بالمستقبل «على غير أساس» (Foretelling). ولكن لأنَّ المقطع Πeo يدل على المتقدم في الزمان (Before in Time)، وكذلك لأن النبوءات (Prophecies) تتناول دائمًا الأحداث المستقبلة ومعرفة الأحداث قبل وقوعها (Foreknowledge) التي يسود الاعتقاد بأنها لا تتم في ظروف الإدراك العادي، فقد تطورت بسهولة الفكرة القائلة بأن التنبؤ والوجد الصوفي يُعَدان من العناصر الضرورية في النبوة. ولذا نظر فيلو (Philo) السكندري، في العصر الهلليني، إلى تفسير النبوءات (ذلك الذي كان العنصر الأهم في تقرير كون الشخص نبيًّا) على أنه دجل، بينما أظهر احترامًا فائقًا للمجذوب (ecstatic) الذي لا ينطق بشيء من عنده.»١٣٨ وهكذا، فإن لفظة ΠeoφyTys الإغريقية لم تكن تُشير، بحسب النشأة إلى التكهن والتنبؤ الغامض المجهول المصدر، بل إلى نوع من القراءة الواعية للمستقبل من خلال تفسير إشارات معينة، ولكنَّ ظروفًا خاصة نابعة من طبيعة اللفظة جعلَتها أقدر على الإحالة إلى معانٍ ومدلولات أوسع اقتضتها متغيرات حضارية معينة،١٣٩ وذلك ما يؤكد حيوية اللغة ومرونتها، أو يؤكد «أن في استطاعة اللغة، أن تعبِّر عن الأفكار المتعددة بواسطة تلك الطريقة الحصيفة القادرة التي تتمثل في تطويع الكلمات وتأهيلها للقيام بعدد من الوظائف المختلفة. وبفضل هذه الوسيلة تكتسب الكلمات نفسها نوعًا من المرونة والطواعية، فتظل قابلة للاستعمالات الجديدة من غير أن تفقد معانيَها القديمة».١٤٠
- (٣) اللفظة اللاتينية: كانت اللفظة الإغريقية ΠeoφyTys تُترجم، أولًا، إلى اللفظة اللاتينية Vates،١٤١ وهي لفظة كانت تُطلق على الشعراء، لكنها أصبحت موضعًا للاحتقار فيما بعد، ثم استردَّت قيمتَها مع فرجيل، كما أنها تُطلق — أيضًا — على المتنبِّئ والمعلِّم أو السيد الذي له اليد الطولى في أيِّ فن أو مهنة.١٤٢ وأول ما يتبادر إلى الذهن هو أن لفظة Vates، ترتبط بالتراث الوثني القديم الذي كان يوحِّد بين الشاعر والمتنبئ والمعلِّم، وذلك ما جعل التحول من هذه اللفظة إلى لفظة أخرى تلائم الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية أمرًا ضروريًّا. وبالفعل سرعان «ما تم نقل اللفظ الإغريقي ΠeoφyTys بصيغته الإغريقية تمامًا إلى لفظة لاتينية هي Propheta، وذلك في فترة ما بعد العصور الكلاسيكية، وكان ذلك يرجع إلى التأثيرات المسيحية القوية؛ ولذا كانت هذه اللفظة اللاتينية Propheta هي الشائعة في الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس، ثم تسرَّبت هذه اللفظة من اللاتينية الكنسية إلى اللغات الرومانية والتيوتونية».١٤٣ واللافت في هذا التحول أنه قد تم بتأثير مسيحي؛ مما يعني أن التحول الروماني إلى المسيحية لم يكن فقط تحوُّلًا دينيًّا، بل أيضًا تحولًا حضاريًّا يتوجَّه من طورٍ وثنيٍّ إلى طور ديني. ومن الصعب كذلك، إغفال التشابه الكبير بين اللفظة الإغريقية ΠeoφyTys وبين اللفظة اللاتينية التي تم التحول إليها Propheta. فقد نُقلت اللفظة الإغريقية بصيغتها الكاملة إلى اللغة اللاتينية؛ وذلك يعني أن الحضارة الرومانية اللاتينية قد استسلمت تمامًا للاكتساح الثقافي الإغريقي والمسيحي، ويبدو ذلك واضحًا في تبنِّي الحضارة الأضعف لألفاظ الحضارة الأقوى وأفكارها،١٤٤ فإن «الدافع الذي يكمن وراء هذا الاقتراض اللغوي هو النزعة إلى التفوق والامتياز، ومعنى هذا أنه قبل الاقتراض لا بدَّ أن تكون الأمة التي يُراد الاقتراض من لغتها محسوبة في عداد الأمم التي يُنظر إليها بأنها جديرة بالتقليد في كل المجالات بوجه عام، أو في مجال معين على أقل تقدير».١٤٥
-
(٤) اللفظة الإنجليزية: بالرغم من «أن الاستخدامات الأولى للفظة الإنجليزية
Prophet قد حكمها اشتقاقُ اللفظة من النصوص المقدسة»،١٤٦ إلا أن ذلك لم يقف حائلًا أمام الاستخدام الواسع والمتنوع الدلالة الذي
عكسَته اللفظة فيما بعدُ. «فقد كانت اللفظة Prophet
تعني، في الأصل، ذلك الشخص الذي يتكلم نيابةً عن الله أو عن أي إله آخر، وذلك بوصفه
موحًى إليه وملهَمًا أو مفسِّرًا لإرادة الله. كما كانت اللفظة تُشير إلى شخص يعتقد
أو يزعم أنه في منزلة معلِّم مُلهَم … ولكن اللفظة تُستخدم، في الوقت الحاضر، في كل
المعاني القديمة، وفي معانٍ أخرى حديثة مشتقة منها»،١٤٧ وبذا أصبحت اللفظة Prophet تُطلق على «أي
متحدث باسم جماعة أو حركة، أو على الشخص الذي يتنبأ بالأحداث المقبلة بأية طريقة»،١٤٨ كما أنها تُطلق على «المصلحين والقادة الاجتماعيِّين والسياسيِّين
الدينيِّين. وإجمالًا، فإن كلَّ اتجاه جديد يتعارض مع ما هو تقليدي في الأدب والفن
والسياسة وغيرها، يمكن أن يُطلق عليه، بهذا المعنى الواسع، أنه اتجاه نبوي
(Prophetic)».١٤٩ وهكذا يبدو أن اللفظة الإنجليزية
Prophet، لم تتوقف عن اكتساب المعاني والدلالات عبر
التاريخ، بالرغم من الأصول المقدسة التي اشتقَّت منها، ويعكس ذلك قدرة كبيرة على نقل
اللغة من مدارات المقدس إلى مستويات التاريخ.١٥٠هكذا أثبت النموذج اللغوي أنه يمثِّل مدخلًا حسنًا للكشف عن الأنساق الفكرية والحضارية القارَّة خلفه. فقد نجحت النماذج اللغوية التي درسناها في وضعنا أمام أنساق نظرية متكاملة، تتعدَّى النموذج اللغوي ذاته، ولكنها لا تظهر أبدًا بعيدًا عنه. تبدَّى ذلك من النظر في اللفظة العربية (النبي) التي أظهرت، مثلًا، من خلال انتمائها لمجال دلالي خاص عن نسق شامل للعلاقة التي تكشف عنها النبوة بين الإلهي من جهة وبين الإنساني من جهة أخرى. كما أظهر التباين، بين الأشاعرة والمعتزلة، المتعلق بالاشتقاق اللغوي للفظة ذاتها، عن تباين أعمق يتناول الأنساق النظرية المتكاملة لكلا الفريقين. وبالرغم من أن هذا التباين الأعمق، على مستوى الفكر، بين الفريقين لم يتيسر إدراكه جيدًا إلا من خلال البحث اللغوي، في حالتنا، إلا أنه لم يكن من الممكن أبدًا تفسير التباين المتعلق بالاشتقاق اللغوي بين الفريقين مع غياب إدراك واضح لهذا التباين الأعمق على مستوى الفكر بينهما. وفي حالة اللفظة العبرية nabi أظهر البحثُ اللغوي حقائقَ مهمة تتعلق بوضع النسق الحضاري اليهودي في التاريخ؛ فقد كشف التطور الدلالي للفظة، الذي ارتبط بمؤثرات حضارية أجنبية خضعَت لها اليهودية، وكذلك الصعوبات المتعلقة بأصل اللفظة العبرية واشتقاقها، عن مدى زيف النقاء والتميز الحضاري الذي يدَّعيه اليهود. وإذ يكشف التداول والاقتراض بين اللغات المختلفة عن نمط المواجهة السائدة بين الحضارات، فإن الحضارة الإغريقية تكشف عن وضعٍ متميز في هذا المجال؛ إذ حافظَت على هُويَّتها الحضارية الخاصة في مواجهة النسق الحضاري اليهودي، وذلك بترجمة اللفظة العبرية nabi إلى صيغة قومية تمامًا ΠeoφyTys، بينما اكتسحَت، من مركز الحضارة الأقوى، الحضارة الرومانية اللاتينية؛ حيث أجبرَتها على نقل اللفظة الإغريقية بصيغتها الكاملة إلى اللفظة اللاتينية Propheta، وهكذا كشف النموذج اللغوي، في كلِّ الحالات، عن نسقٍ فكري وحضاري أشمل يكمن خلفه، والحق أنه ما كان يتيسر أبدًا الكشف عن ذلك كلِّه إلا بالإفادة من الأبحاث اللغوية المعاصرة التي تُعامل اللغة على أنها بناءٌ يُحيل إلى وجود خلفه. يبقى أخيرًا أن الانحصار في هذه الأنساق التي يضعنا «البحث اللغوي» في مواجهتها قد يؤدي بنا إلى صورية شاملة، يصبح معها اللجوء إلى «البحث التاريخي» مطلبًا ضروريًّا.
M. Maimonides: The guide of the perplexed, trans by, M. Fridlander, New York, 1956 pp. 219-220.
وهكذا أدرك المعتزلة «الله» — لا بإدراك مباشر كما فعل الأشاعرة — ولكن من خلال وساطة «العالم والإنسان»، فكشفوا بذلك عن قناعة — وإن كانت لا واعية — مؤدَّاها أن المعرفة المباشرة تُعَد من أكثر صِوَر المعرفة فقرًا وتجريدًا؛ لأنها «تجعل أي مضمون يندرج تحتها أحادي الجانب». انظر: هيجل، موسوعة العلوم الفلسفية، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، بيروت، ١٩٨٣م، ص٢٠٥. في حين يمثِّل التوسُّط إثراءً هائلًا للمضمون؛ لأنه يعني: «أن نتَّخذ من شيء نقطةَ بداية نسير منها إلى شيء آخر، بحيث يكون وجودُ هذا الشيء «الثاني» متوقفًا أو معتمدًا على وصولنا إليه من خلال شيء آخر متميِّز عنه.» انظر: المصدر السابق، ص٦٦. ولهذا، «فإنَّ المعرفة المباشرة بالله لا تسير أبعدَ من القول بأنَّ الله موجود، أما أن تقول لنا ما هو، فذلك فعلٌ من أفعال الإدراك يتطلَّب توسطًا». انظر: المصدر السابق، ص٢٠٥. وهكذا «نجد أنَّ معرفة الله، هي في طابعها الحق تتضمَّن توسطًا». انظر: المصدر السابق، ص٦٦، ويبدو أنَّ ذلك هو ما أدركه المعتزلة بالضبط.
Hassan Hanfi: Religious dialogue and revolution Cairo 1977, p. 19.
R. Saltzer: Jewish people, Jewish thaught, Macmillan, New York, 1980, p. 733.
وكذلك، فإن الانقسام بين ما يسمَّى «دين المسيح» و«الدين المسيحي»، الذي ساد كتاباتِ التنويريِّين في القرن الثامن عشر، يعكس مثل هذا التوتر. انظر: لسنج، دين المسيح، ضمن مجموعة كتب أخرى للمؤلف، نشرها وعلَّق عليها حسن حنفي في: تربية الجنس البشري، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، ١٩٧٧م، الطبعة الأولى، ص٢٩٨–٣٠٥.
Encyclopedia Judaica, vol. (5), Cecil Rathe (ed). Jerusalem 1972, p. 6.
وكذلك أقام «مارتن بوبر ١٨٧٨–١٩٦٥م» العلاقةَ بین الله والإنسان على أساسِ نسقِه المحوري عن الحوار بين الأنا والأنت I-than. وهو حوارٌ حقٌّ ما دامت أطرافُه متساوية، ولكنه يكون زائفًا حين يُصبح أحدُ الطرفين أقوى من الآخر، بحيث يحوِّل الطرف الآخر الذي يواجهه في الحوار إلى أداة أو موضوع يستغله ليُنقذ أخاه. انظر: Ibid., vol. (1), op. cit. p. 1431. وهكذا قامت بين الله والإنسان علاقةٌ متكافئة غدَت من أهم مصادر الحيوية في اللاهوت المعاصر؛ حيث أمكن بدءًا منها إعادة صياغة الوجدان اليهودي وتحويله من وجود خامل مستكين إلى وجود فعال غاية في التأثير.
ولا بد من أن نُشير إلى أنَّ هذا التمييز العبري بين مدلول إيجابي active وبين مدلول سلبي passive للفظة nabi، يستدعي إلى الذهن مباشرةً الخلافَ بين تصوُّر الأشاعرة للنبوة — وهو تصورٌ سلبي جعل من النبي كيانًا يقتصر دورُه على مجرد تلقِّي الرسالة دونما فعل منه — وبين تصوُّر المعتزلة للنبوة، وهو تصوُّر إيجابي جعل من النبي كيانًا فاعلًا ليست «النبوة» غيرَ جزاء على عمل يقوم به.
يقول الرب «يجب أن تُعيدَ زوجة الرجل (أي إبراهيم)؛ لأنه منذ أصبح نبيًّا سوف يتشفع لك لأجل إنقاذ حياتك» (التكوين، ٢٠: ٧).
وكذلك Bernard S, Cayne (ed): Encyclopedia Americana, vol. (22), (Art, Prophecy). U. S. A 1980. p. 663.
وكذلك J. Hastings (ed): Dictionary of the Bible, (Art. Prophecy) op. cit, p. 802.
Walter Yust (ed): Encyclopedia Britanica, vol. (18), (Art, Prophet) op. cit. p. 586 A. J. Heschel: The Prophets, vol. (2), New York, 1971. p. X 11.
زينب محمود الخضيري، أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، ١٩٨٣م، ص١٢٦.
A. J. Heschel: The Prophets, vol. (2), op. cit. pp. 147-148, pp 175-176.
C. Roth (ed): Encyclopedia Judaica, vol. (13), (Art. Prophecy) op. cit. pp. 1180-1181.
محمد عبد الوهاب المسيري، موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية، مادة «نبوة»، ص٣٩٥.
وانظر أيضًا: W. Yust: Encyclopedia Britanica. vol. (18), (Art, Hebrew prophecy) by Konig. op. cit. p. 586.
وهذا هو أحدُ المعاني المحتملة للفظة nabi في العبرية الحديثة. انظر: يحزقيل قوجمان، قاموس عبري-عربي، بيروت، ١٩٧٠م، ص٨٦٥.
J. Horovitz: Encyclopedia of Islam, vol. (3), Part 2. (Art. Nabi) Leiden, 1936 p. 802.