مسألة المياه في مصر
(١) جيوبوليتيكية المياه كمؤسس سياسي في مصر والشرق الأوسط١
- (١)
أن الظروف المناخية كانت أرطب نسبيًّا من الجفاف الشديد الحالي.
- (٢)
ميزان التناسب بين أعداد السكان والنمط الحياتي الاقتصادي والسكني من ناحية ومياه النيل من ناحية أخرى كان يميل غالبًا إلى التناسب، ومن ثم وفرة في المياه بغض النظر عن سنوات انخفاض أو ارتفاع الفيضان في سنوات محدودة بالقياس إلى النظام المائي المعتاد معظم السنوات. بمعنى أن عدد السكان كان أقل كثيرًا مما هو الآن وأن احتياجات المياه الحالية أصبحت متعددة بين الزراعة والصناعة والسكن المدني المتزايد، مما يستدعي إمداد أنابيب طويلة ومحطات دفع وأحواض تنقية وترع ورياحات وقناطر وسدود، وفوق ذلك احتياج للري الدائم موسمين زراعيين أو أكثر، بينما كان النشاط الزراعي في الماضي مرتبط بري الحياض كاستجابة لمعطيات نظام النيل الطبيعي وزراعة موسم واحد بعد الفيضان.
وبعبارة أخرى فإن المصري في ستة آلاف سنة كان — عددًا ومجتمعًا — متلائمًا حياتيًّا ومتكيفًا بيئيًّا مع طاقة نهر النيل، ولكن منذ قرن ونصف تغير هذا التكيف بتغير كافة الموارد الحياتية تقنيًّا واقتصاديًّا وهندسيًّا وعدد السكان. وهذا هو ما وَلَّدَ أزمة المياه التي نعيشها الآن. فالعنصر الطبيعي ثابت — النيل، بينما العنصر البشري متغير ويطلب المزيد من النهر هو غير قادر على تلبية هذا المطلب — ناهيك عن متغيرات دول حوض النيل التي أصبحت في حاجة لنصيب من مياه تجري على أرضها. هذا وذاك في زمن نعاصره الآن يتسم ببدايات تغير مناخي يميل إلى مزيد من الجفاف وتراجع كمية المطر المغذية لمنابع النيل في الهضبتين الحبشية والاستوائية معًا. والتغير المناخي لا حيلة لنا أمامه ولكن جانب منه يعود إلى استفحال الإنسان في المزيد من النشاطات المؤدية إلى زيادة غازات ضارة في الجو ترفع درجة الحرارة عالميًّا مما يعرف «بمناخ الصوبة» بين المتخصصين.
ولا شك أن مناخ الشرق الأوسط قد تغير تدريجيًّا خلال العصور التاريخية إلى الجفاف مما دعا الناس إلى التزاحم حول الأنهار الكبرى والصغرى: النيل، الفرات، العاصي، الأردن، وعشرات الأنهار الصغيرة التي تجري مياهها موسميًّا وتنتهي إلى البحر المتوسط، ومنها ومن الأمطار تروى الزراعات المعتادة في السهل الساحلي لشرق المتوسط في سوريا ولبنان وفلسطين الحالية. ومع تكثيف الزراعة والتجارة المحلية والإقليمية والدولية — آنذاك — زادت الوفرة ومعها زادت أعداد السكان وزاد الطلب على الماء، وزادت الهجرات الجماعية في صورة أشبه بالغزوات، ومن ثم ظهرت المشكلات السياسية والحروب المستمرة.
(١-١) المياه والأمن للجميع أم للقوة؟
وليس معنى هذا أن إسرائيل، وحدها، هي التي أدخلت حسابات سياسية في مياه الشرق الأوسط. فهناك المشكلات الناجمة عن إنشاء السدود التركية على أعالي الفرات والدجلة، وحبس قدر كبير من مياه النهرين لفترة بناء السدود عن سوريا والعراق، معتمدة في ذلك على القوة وسياسة الأمر الواقع من ناحية، وانهماك الدول العربية في قضايا العرب وإسرائيل من ناحية ثانية.
ومرة أخرى فليس معنى هذا أن التداخل السياسي في موضوع المياه مرتبط فقط بالعلاقات بين الدول العربية والدول غير العربية في الشرق الأوسط. فهناك اختلافات ونزاعات بين الدول العربية وبعضها البعض حول المياه. مثال ذلك النزاع العراقي السوري حول مياه الفرات، أو عدم الوضوح حول أنصبة سوريا والأردن من مياه اليرموك. وهناك أيضًا المطلب السوداني حول إعادة تحديد حصة السودان من مياه النيل التي نصت عليها اتفاقية ١٩٥٩ بين مصر والسودان. وهذا المطلب تلح عليه دوائر سودانية معينة، ويحظى بتعاطف دوائر أجنبية من أجل مزيد من التنمية الزراعية. والتنمية الزراعية السودانية صيغة مبهمة تتناول أماكن وأقاليم الكثير منها لا تتعلق بمياه النيل. وسوف نخصص لهذا الموضوع بعض هذا البحث فيما بعد، وإن كان ذلك لا ينفي حق الدول في إيجاد الطرق والوسائل من أجل التنمية.
(١-٢) هل مشكلة المياه موضوع مؤجل؟ أم يجب أن يكون ضمن نسيج المشكلات السياسية؟
باختصار فإن المياه يجب أن تأخذ حيزًا من سياسات دول المنطقة أكبر مما هو عليه الوضع الحالي. البعض يرى أن هذه مشكلة مؤجلة مقابل المشكلة السياسية مثل مشاكل الحدود واستعادة الأراضي السلبية وإقامة الدولة الفلسطينية وتأسيس السلام مع إسرائيل. صحيح أن المشكلات السياسية لها بريق أكبر؛ لأنها تمس الكيانات الوطنية والقومية، ويحس بها الداني والقاصي داخل الشرق الأوسط وخارجه، وصحيح أيضًا أن مشكلات المياه تعتمد في أساسها على المعرفة التكنوقراطية التي لا تدخل تفصيلاتها الوجدان العام كالمشاكل السياسية. لكن برغم ذلك فإن المياه موضوع مزدوج الأهمية للتكنوقراطي والسياسي معًا. وليس بوسع السياسي أن يخوض المشكلة دون التسلح برأي الخبراء وخياراتهم في حدودها العليا والدنيا، بحيث تسمح للسياسي بمساحة للمناورة أثناء المفاوضات. هذا إلى جانب استخدام السياسي لواقع الأمور المشاركة في زمن التفاوض، كميزان القوة العسكرية أو متى يكون التشدد أو الحلول الوسطى، وحسن استخدام الظروف الدولية لتكوين جبهة متعاطفة — الأحسن أن تكون مساندة — وغيرها من الأمور.
وثمة حقيقة يجب أن ندخلها في الحساب العلمي. فبعيدًا عن العواطف والمشاعر القومية يجب ألا نتكلم عن المياه العربية فقط، إلا إذا اقتصر الأمر على المياه الجوفية من الأحواض الكبرى كحوض الحجر الرملي في مصر وشمال السودان، أو الطبقات الحاملة للمياه في الجزيرة العربية، أو مجموعة من الأنهار الصغيرة التي تنبع وتنصرف داخل البلاد العربية، كأنهار الليطاني والأولى وإبراهيم والكبير … إلخ، في لبنان، أو غالبية روافد الدجلة داخل العراق. أما الأنهار الكبرى فهي جزئيًّا عربية، وخاصة في مساراتها الوسطى والدنيا، بينما أعاليها ومنابعها تجري في بلاد غير عربية في الشرق الأوسط بصفة عامة. ومعظم الخطاب المعاصر والمستقبلي حول مشكلة المياه ينصب على مياه هذه الأنهار الدولية، لأهميتها البالغة لعدد كبير جدًّا من سكان البلاد العربية في الشرق الأوسط. كما أن نهر الأردن، برغم صغره، يندرج تحت هذه الفئة من المشكلات المائية السياسية.
ومن هنا فإن هناك ضرورة أن تشكل وزارات الخارجية العرب إدارات قوية للمياه بالاشتراك مع وزارات المياه وتلك مختصة بالمياه كالزراعة والري والبيئة. مهمة هذه الإدارات إعداد مخططات للتفاوض مع دول المنابع للأنهار الدولية.
فعلى مصر والسودان أن تأخذا المبادأة بالتفاوض مع دول المنابع الاستوائية ومع إثيوبيا وأوغندا بوجه خاص للتوصل إلى اتفاقية شاملة حول مياه النيل. فهناك مقترحات مصرية من أجل تحويل بحيرة ألبرت إلى خزان كبير بحكم أنها المجمع الأساسي للمياه الاستوائية. ويرفد هذا المقترح مشروع قناة جونجلي المتفق عليه بين مصر والسودان، لإنقاذ جانب من المياه الاستوائية من الضياع بالبخر والتبعثر والنتح في منطقة السدود في جنوب السودان.
هذا إلى جانب الأخذ بعين الاعتبار حاجات الدول الاستوائية، وبخاصة أوغندا، من مياه النهر من أجل التنمية البشرية والاقتصادية وتأمينها ضد موجات الجفاف التي تصيب أفريقيا في بعض أحيان. لكن لأوغندا أفضلية أخرى. فهي لا تميل إلى مشروع بحيرة ألبرت؛ لأنها مناصفة مع جمهورية الكنغو بينما هي تحتاج مشروعًا ضمن سيادتها الكاملة، كما أن ألبرت تقع في شمال غرب أوغندا بعيدًا عن المناطق التي تزمع تنميتها في وسط البلاد. ومن ثم فهي تميل إلى تنفيذ مشروعات على أواسط نيل فكتوريا، بالإضافة إلى مشروع رفع منسوب التخزين في بحيرة فكتوريا من أجل الحصول على الطاقة المائية وري الأراضي في المنطقة الوسطى التي هي مركز الثقل السكاني والعمراني الأوغندي. ولكن رفع منسوب مياه فكتوريا سيترتب عليه إغراق مساحات كبيرة من الجزر والشواطئ في تنزانيا وكينيا، فهل توافق الدولتان على ذلك؟ بما فيه من أعباء تكلفة نقل قرى ومدن ومواني على ساحل بحيرة فكتوريا في الدول الثلاث.
أما مشروعات السدود في إثيوبيا فتبدو أخطر تأثيرًا على مياه مصر والسودان، حيث إن الروافد الإثيوبية هي التي تأتي بمياه الفيضان السنوي. وتخطط إثيوبيا لحجز مياه من النيل الأزرق وروافده لري نحو مليوني فدان في وسط شمال البلاد — وهي المنطقة التي تهددها ذبذبات المطر سنويًّا، وتعاني من الجفاف إذا ما تعاقبت عدة سنوات قليلة المطر. كما تخطط في جنوب غرب البلاد إلى تخزين مياه نهر البارو، رافد السوباط الأساسي لري ما يقرب من أربعة ملايين فدان. وفي مجال الخطر بالنسبة لمصر والسودان تأتي مشروعات النيل الأزرق في المقام الأول؛ لأنه هو المسئول الأول عن حالة فيضان النيل بالإضافة إلى مياه نهر العطبرة، بينما يقل تأثير السوباط على منسوب الفيضان في مصر وشمال السودان أولًا: لأن جانبًا من مياهه يفقد في مستنقعات مشار داخل السودان، وثانيًا: أن التصريف المتبقي من مياه السوباط يتجه إلى النيل الأبيض الذي تحتجزه مياه النيل الأزرق جنوب الخرطوم. ولكن أي مشروعات تنمية زراعية على النيل الأبيض في السودان قد تتأثر بمشرعات إثيوبيا على السوباط الأعلى.
والخلاصة أن الموضوع معقد في توازناته داخل إثيوبيا. وقد يبدو أن لمنطقة السوباط أولوية تنمية لاعتبارات طبوغرافية ومناخية، بينما مشروعات النيل الأزرق أصعب تضاريسيًّا ولكنها تقع داخل الكتلة السكنية والسكانية الرئيسية في إثيوبيا. وعلى العموم فإن احتياجات النبات من الماء في هذه المناطق أقل مما عليه الحال في مصر والسودان، لاعتبارات مناخية على رأسها انخفاض معدلات الحرارة والتبخر ووفرة المطر في الهضبة الإثيوبية، وهو ما يدعو إلى بعض الطمأنينة في مصر والسودان، وإن كان لا يغني عن ضرورة التفاوض من أجل تخصيص الأنصبة المائية بما لا يضر المستفيد الحالي ولا يمنع إثيوبيا من تحقيق برامج التنمية.
أما نهر الأردن فهو على صغر حوضه ومائيته إلا أنه يمثل إشكالية شديدة التعقيد بين سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وإسرائيل، وحلها ينتظر حل المشكلة السياسية بين إسرائيل والعرب في الشرق الأوسط. ذلك لأنه يمثل النهر الوحيد جاري المياه في هذه المنطقة واحتياجات كل دولة من الدول سالفة الذكر هي احتياجات حيوية. ومن هنا فإن التسوية السياسية سوف تتضمن مساومات ومناورات كثيرة حول مياه الأردن، كأحد البنود السياسية شديدة الأهمية للحياة في هذه المنطقة من الشرق الأوسط والتي تتصدر القلقلة وعدم الاستقرار السياسي والتفاعلات الإيديولوجية بين التطرف والحلول الوسط التي تستقدم من القوى الكبرى، وبخاصة مشروع «خارطة الطريق» الأمريكي المشوب بالكثير من الإبهام، ومع ذلك تماطل إسرائيل في إعلان خطوات تنفيذه بمئات الحجج والحكايات!
الحوض النهري | الدولة | قدر الاحتياج ٥ نقاط | القوة العسكرية ١٠ نقاط | الموقع في الحوض ٥ نقاط | مجموع النقاط ٢٠ نقطة |
---|---|---|---|---|---|
الأردن | إسرائيل | ٥ | ٩ | ٥ | ١٩ |
الأردن | ٥ | ٢ | ٢ | ٩ | |
سوريا | ٣ | ٣ | ٢ | ٨ | |
لبنان | ١ | ٠٫٥ | ٢ | ٣٫٥ | |
الفرات | تركيا | ٥ | ٨ | ٥ | ١٨ |
سوريا | ٥ | ٣ | ٣ | ١١ | |
العراق | ٤ | ٢ | ١ | ٧ | |
النيل | مصر | ٥ | ٧ | ١ | ١٣ |
السودان | ٤ | ١٫٥ | ٤ | ٩٫٥ | |
إثيوبيا | ٣ | ٠٫٥ | ٤ | ٧٫٥ |
(١-٣) الاحتياجات المستقبلية من المياه في البلاد العربية شرق أوسطية
لقد قدر الخبراء أن احتياجات دول الشرق الأوسط من المياه بعد نحو ربع قرن — عام ٢٠٢٥ (إسقاط متوسط)، تتراوح بين أقل من ١٠٠٪ وأكثر من ٣٠٠٪ من مصادرها المائية المتاحة الآن، وذلك في ظل نمو أعداد السكان وثبات الدخول إلى قرابة ما هي عليه الآن. فالدول العربية التي لديها موفور من المياه يمكنها آمنة أن تستخدمه في التنمية دون الوصول إلى الحد الحرج هي لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية من فلسطين واليمن — وهي كما نرى البلاد التي تعيد الأمطار تغذية مياهها الجارية وينابيعها ومياهها الجوفية، ويمكن أن نضيف العراق إلى هذه الفئة التي تتوفر فيها أمطار غزيرة وثلوج مذابة في الشمال وجريان مائي عظيم القدر في نهر الدجلة على الخصوص.
أما مصر والسودان فهما الفئة الثانية التي تحتاج إلى تنمية مصادر مياهها بنسبة أقل من ١٥٠٪ من مصادرها الحالية، وإن كانت السودان أحسن حالًا من مصر في هذا المجال — ولنا عودة إليهما تفصيلًا. أما الدول التي تحتاج إلى مصادر تزيد ثلاث مرات أو أكثر عن مواردها المائية المتاحة فهي بلاد الخليج التي تسيطر عليها صفة الجفاف وعدم وجود مجاري نهرية، ومعظم مواردها الحالية هي من الطبقات الجوفية الحاملة للماء ومن معامل تحلية مياه البحر. تحتاج السعودية والبحرين إلى موارد إضافية بمقدار ٣٦٣٪، ٣٢١٪ على التوالي، بينما تحتاج قطر والكويت إلى أكثر عشرة أضعاف ما لديها من موارد. عمان هي الوحيدة بين دول الخليج التي يقل احتياجها عن ٢٠٠٪ بسبب سقوط أمطار متذبذبة الكمية سنويًّا، لكنها تساعد على الوفاء بقدر معقول من الاحتياجات المائية، وهي لهذا أقل دول الخليج اعتمادًا على مياه البحر المحلاة.
(١-٤) المستخدم والمتاح من المياه
فإذا كان هذا هو الوضع المستقبلي القريب، فما هي كميات الماء المستخدمة فعلًا الآن في الشرق الأوسط العربي؟ تقدير الخبراء في ١٩٩٠ أن هذه الكمية تبلغ نحو ١٥٣ مليارًا من الأمتار المكعبة من المياه الجارية والمياه الجوفية والمياه المحلاة. ٣٧٪ من هذه المياه تستخدم في مصر، و٢٨٪ في العراق، و١٢٪ في السودان، و١٠٪ في السعودية، و٢٪ في سوريا، و١٫٨٪ في اليمن، و٠٫٨٪ لكل من عمان والإمارات، و٠٫٥٪ في لبنان والأردن والضفة، و٠٫٢٪ في الكويت، و٠٫١٥٪ في البحرين، وأقل من ٠٫١٪ في قطر. واضح من هذا أن مصر والعراق والسودان تستخدم ٧٧٪ من المياه المستغلة من بين هذه الدول؛ لتوفر الجريان النهري للنيل والدجلة والفرات. وهي أيضًا أكثر البلاد العربية انشغالًا بأعمال الزراعة. فإذا أضفنا السعودية بمياهها الجوفية نجد أن أربع دول تسيطر على ٨٨٪ من المياه المستخدمة في المنطقة العربية شرق أوسطية. وهذه أوضاع قريبة من التناسب مع أعداد السكان. فالدول الأربع تمثل نحو ٧٥٪ من مجموع عرب الشرق الأوسط (مصر ٣٥٪، السودان ١٦٪، ١٢٪ لكل من العراق والسعودية).
وهذا يقودنا إلى تأكيد أن هناك فرق بين المياه المتاحة والمياه المستخدمة. وفي مجال المياه المتاحة تنقسم الدول العربية المشار إليها إلى مجموعتين: التي لديها وفرة تمكنها من تنمية استخدام الماء، وتلك التي تفتقر إلى مصادر مياه طبيعية متاحة. وفيما بين المجموعتين تقف مصر وفلسطين — جغرافيًّا — والأردن موقفًا وسطًا، بحيث تتراوح كمية المياه المتاحة والمياه المستخدمة في ميزان دقيق للغاية.
(١-٥) كيفية المحافظة على توازنات رصيد المياه الآمن؟
هذه الصورة القائمة ليست مما يدعو إلى اليأس، هناك عدة ضوابط يجب مراعاتها من أجل زيادة فعالية المياه المستخدمة، نذكر منها الضوابط الرئيسية الآتية التي تمكن الدولة من استخدام جزء من المياه المفقودة عمليًّا دون إجهاد مالي ودون إضرار بالرصيد المائي، حتى لو كان هذا الرصيد صغيرًا.
-
(١)
حسن إدارة المياه بالتدرب على وسائل تقليل الاستهلاك في الزراعة والصناعة واستخدام البشر في المدن والقرى.
-
(٢)
زراعة محاصيل غير نهمة للماء، وأخرى متوافقة مع احتياجات مائية قليلة متناسبة مع ظروف المناخ.
-
(٣)
تنمية موارد الماء بصورة علمية في المناطق التي تؤهلها ظروفها الطبيعية والبشرية لذلك، دون مصادمات مع عناصر طبيعية سلبية، كمناطق الحرارة العالية والتبخر الشديد، أو مناطق الصخور ذات المسامية العالية، مما يؤدي إلى فقدان المياه بالتسرب إلى جوف الصخور.
-
(٤)
في مشروعات التنمية الزراعية يفضل استخدام سدود وقناطر وإدارة مياه متناسبة مع قدرات موازنة الدولة، بحيث لا تؤدي إلى إنهاك الموارد المالية أو إلى الدين العام الداخلي والخارجي، وبعبارة أخرى فإن مشروعات التنمية المتوسطة والصغيرة قادرة على جذب مبادآت الأفراد، ومن ثم تضمن توفير عمالة أكثر من المشروعات الكبيرة — العملاقة في المصطلح المتردد كثيرًا في هذه الآونة، كما أنها — إذا فشلت لسبب أو آخر — فهي أقل خسائر في رأس المال والبنية الأساسية التي تخدمها.
وبالرغم من أن مشروعات التنمية المائية الكبرى هي حق مشروع داخل إطار سيادة أي دولة، وقد تصبح في مستقبل محدود إرثًا حسن الناتج، فإنه من المستحسن ألا تكون هي النمط السائد في التنمية. ذلك أنه في المشروعات الضخمة تتداخل عوامل كثيرة غير محسوبة أثناء التنفيذ، مما قد يؤدي إلى تعثر المشروعات أو إتمامه بتكلفة عالية غير مرصودة، مما يخل بالقصد من وراء التنمية. كما أنه ليس من المستحسن أن تكون المشروعات المائية كبيرة القدر حتى لا تأتي على الرصيد المتبقي من المياه للدولة، وهو أمر يجعل من الصعب إجراء مشروعات أخرى ضرورية وحيوية في المستقبل، وفي مصر الآن مشروعات من هذا النوع في توشكى وشمال سيناء ربما أدت إلى استهلاك كبير في وفورات الموارد المائية المتاحة حاليًّا — إذا وجدت!
وكذلك فإن مشروعات الاستيطان الإسرائيلية الكثيرة التي تنشأ لأغراض عسكرية غالبًا ما قد تؤدي إلى سرعة تآكل رصيد المياه الجوفية في هضاب فلسطين الوسطى، مما قد يترتب عليه كوارث بشرية وبيئية تؤدي إلى انقطاع العمران وتكوين قرى «أشباح». وقد تلجأ إسرائيل إلى عملية تحلية المياه ذات الملوحة في بحيرة طبرية والبحر المتوسط — وهي بالقطع عملية عالية التكلفة. وإذا كانت إسرائيل قادرة على تكلفة التحلية أو استيراد مياه من تركيا، فما هو الحل بالنسبة لعرب الضفة وغزة بعد أن تنضب موارد المياه الجوفية نتيجة الاستنزاف الإسرائيلي؟
(١-٦) النيل في مصر والسودان
نتكلم كثيرًا عن الروابط الخاصة بين مصر والسودان ونسميها روابط الأشقاء. وقد يختلف الأشقاء أحيانًا لكنهم سرعان ما يتخطون الخلاف. ونهر النيل، أو النيل الخالد هو العمود الأساسي في هذه العلاقة — كما لو كان أرضًا أو «حِمًى» متوارثًا لعشيرة واحدة.
لكن ذلك لا يعني وجود مصالح خاصة جنبًا إلى جنب المصالح المشتركة. فالمساحة كبيرة، واختلاف النظم الاقتصادية كبير في داخل السودان، مما يستدعي احتياجات مختلفة القدر من المياه في كل إقليم سوداني على حدة.
وبصورة عامة فإن السودان الشمالي من نحو عرض الدويم/ود مدني جنوب الخرطوم بقليل حتى الحدود مع مصر، هو أشبه أقسام السودان بمصر من حيث الاعتماد على النيل بالدرجة الأولى، والقليل من الأمطار التي تمكن القبائل الرعوية من الحياة خارج إطار النيل. ولكن كل شيء معكوس، فأرض الجزيرة السودانية بين النيلين الأزرق والأبيض هي بمثابة الدلتا المصرية — هي الجنوب بينما في مصر هي الشمال. والوادي عندنا في الجنوب بينما الوادي السوداني من شمال الخرطوم إلى حلفا هو الشمال، ومع انعكاس الترتيب الجغرافي إلا أن كل شيء متشابه: الجزيرة مركز ثقل سكاني اقتصادي مماثل للدلتا منذ آلاف السنين، والوادي السوداني مماثل للصعيد المصري في ضيقه، وإن اختلف في استمرار أماكن قدراته الإنتاجية التي تتكون من أحواض وسهول منفصلة عن بعضها كمنطقة شندي ومنطقة عطبرة وأبو حمد ومروى وسهل دنقلة، كلها تفصلها مناطق شديدة المحدودية قليلة الإنتاجية. ثم تأتي منطقة الجنادل في بطن الحجر وإقليم المحس والسكوت مماثلة نسبيًّا للنوبة المصرية القديمة، ومناطق شمال أسوان حتى حوض كوم أمبو في فقر الأرض، وضيقها بين حافات الصحاري والجبال.
أما القسم الأوسط من السودان: فهو أقل اعتمادًا على النيل، إما لانحدار مياه النيل الأزرق بقوة — روضها سد الرصيرص، وإما لابتعاد الناس عن النيل الأبيض لعدم تحدد مجراه بين الانخفاض والارتفاع حسب المواسم، ومن ثم فهو يغرق مساحات كبيرة خلال موسم فيضان النيل الأزرق، ويغيض عنها في الشتاء. وحياة الناس في هذا القسم من السودان تتراوح بين الرعي بصورة واسعة تمتد إلى كردفان ودارفور، والزراعة المحدودة على الأمطار الصيفية في جنوب إقليم الجزيرة وفي جبال دارفور، وزراعات مكثفة قرب ضفاف النيل الأبيض وجزره الطولية العديدة التي من أشهرها جزيرة أبا الغنية بما ينفقه آل المهدي من تجهيزات وجهد كبيريْنِ.
وفي هذا المجال يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن استمرار نمط حياة الرعي لقبائل إقليم السدود، وبخاصة الدنكا والنوير، هو واحد من العوامل التي تجعل هذه القبائل تنظر إلى مشروع قناة جونجلي نظرة سلبية؛ لأنه سوف يقوض أسس الحياة التي درجوا عليها مئات السنين؛ لهذا فالواجب أن تضيف الدولة، بعد انتهاء الحرب الأهلية، مشروعات تنمية بشرية تساعد النوير والدنكا على إعادة تشكيل حياتهم الاقتصادية إلى نمط آخر، فبدلًا من القيمة الاجتماعية للأبقار يمكن أن تصبح لها قيمة سوقية — سواء في ذلك تجارة الحيوانات الحية أو اللحوم. لكن ذلك يحتاج أيضًا إلى خدمات النقل الحديث لكي يمكن نقل الماشية بالسرعة المطلوبة إلى الأسواق الداخلية والخارجية.
وأخيرًا ظهر البترول في منطقة إيبي شمال منطقة السدود وبخاصة قرب التقاء بحر الغزال ببحر الجبل، لكن من المعروف أن صناعة إنتاج البترول لا توفر سوى نشاط اقتصادي محدود العمالة مما قد لا يكون له أثر كبير في التحول الاقتصادي للرعاة التقليديين. ولكن ربما يمكن أن تقام بعض الصناعات على البترول، مثل تكرير بعض الخام وما يلي ذلك من صناعة بتروكيماوية محدودة قد تساعد على تشكيل أنماط أخرى من النشاط تستخدم أعدادًا لا بأس بها من السكان، سواء عند منطقة الآبار أو شمالها في جبال النوبا أو جنوبها في حوض بحر الجبل وحوض بحر الغزال، مع تقوية وتحديث خط حديد كردفان-واو في بحر الغزال الأوسط وإنشاء طرق نقل أخرى صالحة لكل جواء في جنوب السودان.
(١-٧) اتفاقيات المياه بين مصر ودول حوض النيل
نظمت اتفاقيتا ١٩٢٩ و١٩٥٩ نصيب مصر والسودان من المياه على النحو الآتي:
اتفاقيتي المياه بين مصر والسودان | مليار متر مكعب | |
---|---|---|
السنة | نصيب مصر | نصيب السودان |
١٩٢٩ | ٤٨ مليار | ٤ مليار |
١٩٥٩ | ٥٥٫٥ مليار | ١٨٫٥ مليار |
والملاحظ أن بريطانيا هي التي أبرمت اتفاق ١٩٢٩ بين مصر والسودان، باعتبارها صاحبة النفوذ في البلدين في ذلك الوقت، ومع أوغندا وكينيا وتنجانيقا باعتبارهم مستعمرات إنجليزية، وبالاتفاق مع بلجيكا باعتبارها الدولة المنتدبة على رواندا وبورندي، ومع إيطاليا باعتبارها الدولة المستعمرة لإريتريا، ومع مملكة الحبشة. وحينما استقلت هذه المستعمرات، أو تغير نظام الحكم فيها — إثيوبيا وإريتريا، فإنها لم تلغِ اتفاقيات ١٩٢٩ حول مياه النيل، لكنها تعبر من حين لآخر عن رغبتها في إقامة مشروعات هندسية على النهر أو روافده من أجل الري والطاقة. وهذا يحتاج إلى مذكرة تفاهم أو اتفاق بين كل دول حوض النيل، وبخاصة مصر والسودان المستفيدان الأساسيان حتى الآن؛ لأنهما يعتبران دول المصب.
أما اتفاقية ١٩٥٩ فقد أبرمت بين مصر والسودان فقط. وقد يكون ذلك قد أغضب بقية دول الحوض؛ لأنه لم يؤخذ رأيهم فيها. وربما جاز لنا أن نقول: إن اتفاقية ٥٩ مبنية على سريان فاعلية اتفاقية ١٩٢٩ فيما يخص كل الدول الأخرى، وأن اتفاق مصر والسودان كان لإعادة تحديد الأنصبة بينهما على ضوء متغير جديد، هو مشروع السد العالي الذي ألغى فكرة التخزين السنوي إلى التخزين الدائم. وبمقتضى هذه الاتفاقية وافقت الدولتان على أن تبني مصر السد العالي، وتبني السودان سد الرصيرص على النيل الأزرق. كما نصت على مناصفة أية مياه زائدة بواسطة مشروعات أخرى كقناة ونجلي، والزيادة المرتقبة في حصيلة النهر عند بحيرة ناصر. وقد استفادت مصر والسودان من هذه الاتفاقية كثيرًا. ففي سنوات الجفاف المتعاقبة في أواخر الثمانينيات والتي بلغت حد المجاعة في شمال إثيوبيا، كانت بحيرة ناصر تعمل كمنظم ضَمَن لمصر والسودان الماء اللازم لاحتياجاتهما، بحيث لم تحس الدولتان بقسوة الجفاف، هذا بالإضافة إلى أن سد الرصيرص قد ساعد السودان على التوسع الزراعي في منطقة المناقل إلى الجنوب مباشرة من مشروع الجزيرة.
(١-٨) الماء في السودان
إذا طرحنا فاقد الماء داخل السودان والمنصرف شمالًا إلى مصر (٢٦ + ٦٥ = ٩١) من متوسط كمية الماء الجاري في السودان (١١٠–٩١)، سوف نجد أن حصة السودان هي نحو ١٩ مليار متر مكعب. وهذه هي نحو الكمية التي نصت عليها اتفاقية عام ١٩٥٩، والتي تستخدمها السودان للري والأغراض المدنية الأخرى في السودان الشمالي المتضمن أرض الجزيرة الغنية.
أرقام التصريف المتوسط والعالي نقلًا — مع التدوير — عن محمد عوض محمد «نهر النيل» الطبعة الرابعة — القاهرة ١٩٥٦، ص٢٩٦.
المصادر | متوسط – عالي | الفاقد | متوسط – عالي | الخارج إلى مصر |
---|---|---|---|---|
مجموع | ١١٠–١٨٨ | ٣٠–٦٠ | ٦٥ | |
مياه هضبة البحيرات | ٢٧–٥٠ | السدود | ١٧–٣٩ | حلفا ٦٥ |
مياه بحر الغزال | ٤ | السدود | ٤ | |
السوباط | ١٥–٢٣ | النيل الأبيض ومستنقعات مشار | ٤–١٢ | |
النيل الأزرق | ٥٣–٨٨ | من الخرطوم إلى وادي حلفا | ٥ | |
العطبرة | ١١–٢٧ |
وهنا لا يجب أن ننسى كمية كبيرة من الأمطار الساقطة في أنحاء مختلفة من السودان تقدر بنحو ١٠٩٤ مليار متر مكعب، أكثرها يسقط في الجنوب وبعضها يستغل بصور عديدة للزراعة والرعي واحتياجات السكن القروي والمدني في هذا، إلى جانب شبكة التصريف النهري الكبيرة في منطقة بحر الغزال. أما دارفور وكردفان في الغرب، فهي مناطق أمطار ذات قدر معقول وبعيدة كل البعد عن أي استخدام ممكن لمياه النيل ولو بتكلفة شديدة الارتفاع، وينطبق على شرق السودان ما يجري في الصحاري المصرية الشرقية: من حيث الجفاف العام، وعدم القدرة على أي شكل من الاستخدام الاقتصادي لمياه النيل. ولكن قدر الأمطار الساقطة على جبال البحر الأحمر السودانية أكبر من مثيلتها في مصر، فضلًا عن أن الأطراف الجنوبية من شرق السودان تطولها أمطار الحبشة الموسمية بدرجة كافية لمسيرة مسيلات وأنهار قصيرة، يمكن استخدامها بالحجز لأغراض اقتصادية متعددة. وهذه المنطقة مليئة بنمو غابات وأشجار من فصائل متعددة كرمز لكثافة التساقط المطري وبخاصة إلى الجنوب من سهل البطانة.
وعلى هذا تنقسم السودان إلى قسمين: الشمالي المحيط بوادي النيل من إقليم الجزيرة إلى الحدود مع مصر، والأوسط والجنوبي. والقسم الشمالي هو أكثر الأقسام تشابهًا مع مصر من حيث الاعتماد على مياه النيل فقط، لكنه يختلف بارتفاع أكبر في درجة الحرارة، مما يؤدي إلى ضرورة ارتفاع في قدر احتياج النبات من المياه. وباستثناء إقليم الجزيرة ومنطقة دنقلة، فإن الأراضي الصالحة للزراعة ضيقة جدًّا وتتخذ على الأغلب شكل جيوب صغيرة منفصلة عن بعضها. ويسقط من المطر على الجزء الجنوبي من هذا القسم كمية لا بأس بها تساعد على ري النباتات. لكن القسم برمته يحتاج إلى مشروعات ري سواء كانت سدودًا وخزانات — الرصيرص وسنار وجبل الأولياء، أو محطات طلمبات — وهي كثيرة في الشمال — تحل محل السواقي التقليدية التي لا تظهر إلا في المساحات الزراعية الصغيرة.
ولقد قامت السودان بمحاولات جدية من أجل استخدام أنواع من المياه في التنمية. في شرق كردفان حفرت آبار كثيرة من أجل تحسين مصادر المياه لاستخدام الرعاة وزراعة بعض المحاصيل، وفي جبال النوبا في جنوب كردفان حيث تتوفر الأمطار أدخلت الزراعة الآلية، وفي خشم القربة قرب الحدود مع إثيوبيا أقيم مشروع للري على مياه النهر على نمط مشروع الجزيرة، ولكن بمقياس أصغر كثيرًا. ولكن هذه المشروعات لم تحرز النجاح المأمول لسبب عام هو أن السكان لم يؤهلوا بكفاية للنشاط الجديد. وهناك أيضًا أسباب أخرى منها نقص تسهيلات التسويق للمحاصيل النباتية والحيوانية في شرق كردفان، وأن الزراعة الآلية في جبال النوبا استفاد منها كبار المستثمرين، الذين قضوا على أشكال من الحياة الشجرية اللازمة لحياة السكان المحليين الذين لم توجه إليهم ذتها اللغة العربية فيما بعد وأيضًا بتسهيل النطق مشروعات التنمية الجديدة برغم أنهم زراع مهرة من قديم، ربما لقلة مواردهم المالية. وفي خشم القربة كان يجب أن يصاحب المشروع تنمية جنوب سهل البطانة بتقاليده الرعوية، وذلك بزراعة مساحات كبيرة من الذرة.
وفوق هذا فإن تخطيط وتنفيذ هذه المشاريع كان يتم بواسطة قرارات حكومية بعيدة عن استطلاع خبرة السكان المحليين حول بيئتهم. وهذا هو أحد مثالب التنمية، ليس في السودان وحدها، وإنما في غالبية دول العالم النامي. صحيح أن النوايا وراء قرارات التنمية خيرة، لكن الملاحظ أن الهدف التنموي شيء، وتنفيذ المستثمرين لهذه المشروعات شيء آخر يفيدهم في الكثير ويفيد السكان في القليل. وحتى هذا القليل يتخذ كواجهة دعائية لنجاح المشروع! هذا فضلًا عن تضارب ملحوظ بين الوزارات والهيئات العامة.
(١-٩) إسقاطات حول احتياجات المياه للعام ٢٠٢٥١٦
فيما يلي جدول للتوقعات حول احتياجات مصر والسودان من المياه لسنة ٢٠٢٥ هي التوقعات المنخفضة والمتوسطة والعالية:
-
ترشيد استخدام مياه الري في مصر بتغيير نظام الري بالغمر.
-
أو إدخال محاصيل أو بذور غير نهمة للمياه.
-
أو الكف عن التوسع الأفقي للزراعة والاتجاه التنموي للصناعة أكثر من الزراعة.
-
أو التخصص الزراعي في محاصيل محددة لها قيمة عالية في السوق المحلي أو العالمي.
-
أو تراجع نمو السكان إلى حدود آمنة، وبالتالي تقليل احتياجات المياه.
هذه الإجراءات وغيرها منفردة وتدريجية تؤدي في نهاية الأمر إلى خفض توقعات الطلب على المياه، لكن من المؤكد أنها مجتمعة كليًّا أو جزئيًّا تصبح ذات فاعلية أكبر في هذا المضمار البالغ الحيوية لمصر. استخدامات الزراعة غالبًا بدون تغيير (نحو ٥٠ مليارًا)، بينما يتوقع زيادة الاستخدامي الصناعي للمياه بين ١٩٩٠ و٢٠٢٥ من نحو ٤٫٦ إلى ١٢٫٩ مليارًا، والاستخدام المنزلي من ٣٫١ إلى ١٣٫٩ مليارًا.
أما في حالة السودان فالواضح أن توقعات التنمية هناك محدودة ربما للحرب الأهلية، أو أن التنمية على مياه النيل قد بلغت درجة قريبة من المنتهى في الجزيرة وغيرها، والواقع أن مشكلة المياه هناك هي مشكلة التركيز العمراني والتنموي في المنطقة الجافة الشمالية، تاركة مساحات شاسعة في جنوب البطانة وكردفان ودارفور لأشكال الحياة التقليدية بصورة أو أخرى، بدليل أن نمط الاستخدام لا يكاد يتغير بين احتياجات الزراعة (١٨ مليارًا)، والاستخدام المنزلي (٢ مليار).
- (١)
مصر والسودان في مواجهة إثيوبيا أو دول أعالي النيل.
- (٢)
السودان وإثيوبيا في مواجهة مصر.
- (٣)
السودان وأوغندا في مواجهة مصر.
والملاحظ أن المعادلة الأولى أكثر دوامًا وتمثل مصر والسودان في خندق واحد بحكم مجموعة العلاقات المعروفة، وبحكم أنهما تمثلان دول المصب، سواء كان ذلك بالنسبة لمجموع مياه النيل في مصر، أو مجموع مياه الروافد الإثيوبية وروافد أعالي النيل بالنسبة للسودان. وبحكم احتياجهما الحيوي للمياه مقابل المناخ الممطر في أعالي النيل وإثيوبيا.
وفي أحيان قد تحاول السودان الضغط على مصر بواسطة التفاهم مع إثيوبيا أو أوغندا كما توضحه المعادلتين ٢ و٣. وربما كانت هناك مساع من هذا النوع في حال تعكر العلاقات المصرية السودانية في أواخر الثمانينيات. لكن هذا هو أولًا: سلاح يرتد على مصالح السودان المائية في المدى الطويل، وإن كان له بريق النجاح في المدى القصير. وهو ثانيًا: غير ممكن في ظل الأوضاع المعاصرة، فالعلاقات السودانية مع إثيوبيا وأوغندا وإريتريا علاقات جفاء، فالسودان تتهم الدولتين بمساعدة ثوار الجنوب ومنحهم تسهيلات عسكرية. وأوغندا وكينيا وإريتريا وإثيوبيا تتهم النظام السوداني الحالي بتصدير القلاقل إليها؛ ومن هنا فإن ساحة المناورة السياسية السودانية المناهضة لمصر شديدة الضيق في الوقت الحاضر، بل هناك تنفيذ شبه كامل لاتفاقية ١٩٥٩ بين الدولتين. ولا يجب توقع استمرار ذلك الوضع. فحالما تنتهي مشاكل السودان الكثيرة، سواء في الجنوب أو في شكل الحكم، أو دارفور وشرق السودان، ستعود دوائر معينة إلى العودة إلى مطالب لا تكل حول زيادة حصة السودان من مياه النيل.
ولا شك في أن المشكلة ذات أبعاد كبيرة، وإن كان يغلفها أطر من العلاقات الثقافية والدينية تقلل من حدة بروزها. وفي هذا المجال يمكن أن نسترجع مؤشرات فردريك فراي التي سبق طرحها في أوائل هذه الورقة. فمعامل القوة يلعب دورًا أساسيًّا لصالح مصر، ليس باستخدامها في صدام مباشر، ولكن بالتلويح بها كعامل مساعد على إيجاد تسوية مناسبة. وكذلك عوامل التاريخ والشرعية والعدد السكاني والتقدم الاقتصادي تؤكد حقوق مصر في رفض أو قبول أية مشروعات تقام على النيل وروافده. ولهذا فالمستحسن أن يجدد الاتفاق على بنود ١٩٥٩ بإضافة بنود خاصة بإثيوبيا ودول أعالي النيل، مع الالتزام بحصة مصر الضيقة دون مساس، أو يعاد اتفاق شامل بين كل دول الحوض خاصة وأن هناك علاقات دائمة، ودية في أحيان كثيرة، بين وزارات المياه لدول حوض النيل، لكن الود شيء والمفاوضات الصعبة شيء آخر.
(١-١٠) مقترح مشروعات نيلية متكاملة
بغض النظر عن الأوضاع الحالية من سدود وسياسات فإنني أقدم الاقتراح التالي:
كي يتم ضم دول حوض النيل في نسيج ذو مصالح متكاملة بحيث لا تطغى مستجدات سياسية أو اقتصادية متسمة بطابع فردي، فالمستحسن العودة إلى فكرة المشروعات المشتركة لضبط النيل، والتي كانت سائدة في دوائر هندسة الري في الأربعينيات من القرن الماضي تحت مسمى «التخزين القرني»، بحيث تتكامل المشروعات مع بعضها فلا يتهددها انتقاص دولة على المجموع. وبعبارة أخرى التخلص من إنية دولة ما؛ لأن المشروعات متراكبة على بعضها ولا يمكن المساس بها؛ لأنها ملك الجميع وليس دولة واحدة، وخلاصة التكاملية بناء مجموعة مترابطة من المنشآت الهندسية: سدود وقناطر وقنوات وجسور وصرف مستنقعات … إلخ، في السودان وإثيوبيا وأوغندا باعتبارهم مع مصر المكون الخطي الأساسي للنيل وعموده الفقري. الغرض النهائي الاستفادة بنسبة أكبر من الجريان السطحي للمياه إلى لا شيء، كما في بحر الغزال والجبل في السودان الجنوبي، أو بحيرة كيوجا في أوغندا، أو اندفاع المياه في جبال وخوانق إثيوبيا، والتحكم والترشيد لاستخدام المياه في مصر. أين تقام السدود أو القنوات أو غيرها؟ فهذا هو اختصاص اللجان المختلفة لتقصي وبحث الأوضاع على الطبيعة، وليس فقط بين جدران مكاتب الوزراء والاستشاريين والنافذين. ولدينا الآن فرصة المجلس الوزاري لدول حوض النيل لتفعيل سياستها واتفاقاتها على الواقع المأمول، بتكوين لجان الخبراء في الجوانب العديدة من التخصصات الاقتصادية والاجتماعية والهندسية … إلخ، التي سوف تكتب أشكال التكامل الحقيقي بديلًا للمنافسة والقومية الراهنة، وبذلك نضيف إلى العالم إقليمًا كاملًا من الدول المترابطة في علاقات سلام وتعاون من أجل الجميع.
وختامًا فإن العبرة ليست كامنة في كم من المياه تريد هذه الدولة أو تلك، لكن العبرة هي كيف توظف هذه المياه — أو بعبارة أوجز العبرة هي في مدي إنتاجية المياه!
آخر أراضي ري الحياض ١٩٦٤ ربما في محافظة قنا، انظر ملحق الصور.
(٢) السدود الكبرى: نهاية مرحلة فكرية
المقصود من السدود الكبرى تلك التي ترتفع مناسيب الخزن في بحيرات التخزين أمامها عن ١٥ مترًا فوق منسوب النهر الطبيعي، أو تلك التي تخزن جسمًا من الماء في حدود خمسة ملايين متر مكعب أو يزيد. الفكر وراء إقامة سد هو فكر قديم ومتعدد المقاصد، ويبدأ بسدود طينية على المجاري النهرية الصغيرة والقنوات الضحلة من أجل صيد الأسماك فيما يشبه المحبس راكد المياه. وهي ممارسة ما زالت قائمة إلى اليوم. ولا شك أن إقامة سدود أكبر على بعض المجاري النهرية قد راودت أفكار الناس من أصحاب الحضارات العليا القديمة، في المناطق التي بدأ المناخ فيها في التحول إلى الجفاف. وينطبق هذا تمامًا على مهاد الحضارة في الشرق الأوسط وبخاصة في مصر والعراق، لكن ذلك ليس له إلا ما ندر من شواهد وآثار باقية.
(٢-١) هل لمصر السبق في القناطر والسدود الكبرى
والأغلب أن إنشاء محمد علي القناطر الخيرية وتشغيلها في أول الستينيات من القرن ١٩ كانت أولى الإنشاءات الهندسية الكبرى الدائمة على الأنهار الكبرى، من أجل الموازنة بين المياه والري الدائم لزراعة محاصيل تجارية وصناعية وغذائية — القطن والذرة بوجه خاص.
أما السدود الكبيرة الحديثة فعمرها الآن قرن من الزمان، والأغلب أن سد أسوان ١٩٠٢ كان أقدم السود الكبرى الحديثة في العالم. وأقيمت له تعليتان في ١٩١٣ و١٩٣٣ من أجل ضمان محصول القطن المصري فائق الجودة لمصلحة مصانع لانكشاير البريطانية، وأصبح القطن ملكًا دون منازع على الاقتصاد المصري لنحو قرن من الزمان قبل وبعد سد أسوان.
وقد كان الغرض الأولي لبناء السدود على الأنهار هو ري مساحات أوسع، أو ضمان مياه تفي بأغراض الزراعة لإنتاج المزيد من الغذاء للسكان المتزايدين، وإنتاج محاصيل تستخدم خامات صناعية كنباتات الألياف وعلى رأسها القطن. ثم أضيف إلى وظيفة السدود توليد الطاقة الكهربائية الرخيصة والنظيفة معًا. وما زالت هاتان هما الوظيفتان الأساسيتان للسدود الكبرى والصغرى معًا أو منفردين.
وفي العالم الآن نحو ٤٥ ألف سد كبير، كانت مرحلة السبعينيات تمثل قمة إنشاء هذه السدود في أرجاء العالم. في الستينيات كانت الدول المتقدمة قد استكملت بصورة عامة بناء كل السدود الممكنة، بينما كانت السبعينيات وأوائل الثمانينيات تمثل قمة بناء السدود في العالم النامي.
(٢-٢) بدايات تراجع أفكار السدود الكبرى
وباختصار صارت أنهار مهمة في العالم تحت القيد والسيطرة نتيجة الإتقان الهندسي في بناء السدود، واستمرار سيادة الفكر الذي يؤيد النظم الهندسية للسيطرة على الموارد المائية وتوجيهها إلى حيث يريد، لكن الملاحظ أنه برغم استمرار بناء السدود هنا وهناك إلا أن هناك تراجعًا واضحًا في بناء السدود الكبيرة منذ منتصف الثمانينيات وإلى الآن. بل هناك فكر جديد يطالب بالتوقف عن بناء السدود وإزالة بعضها، مثل إزالة ٢٩ سدًّا مؤخرًا في الولايات المتحدة وثلاثة سدود على نهر اللوار في فرنسا.
(٢-٣) أسباب تراجع فكرة السدود
-
(١)
هناك تخوف من قلة المياه العذبة التي تنصرف إلى البحار والمحيطات نتيجة كثرة السدود، وهو ما قد يضر ضررًا بالغًا بالنظام المائي العالمي. وفضلًا عن ذلك فإن الكثير من المياه المنصرفة إلى البحار حاليًّا محملة بمخلفات الأسمدة الكيميائية، مما قد يؤدي بدوره إلى مخاطر غير محسوبة بيئية للحياة البحرية والإنسان.
-
(٢)
والواقع أن هناك معارضة شعبية من الدول النامية، ومعارضة أنصار البيئة في الدول المتقدمة، بلغت من القوة ما أدى إلى إيقاف مشروعات على نهر الألب في ألمانيا وفي جمهوريات التشيك والسلوفاك والمجر والبرازيل والهند وتايلاند والفلبين … إلخ.
-
(٣)
وفوق المعارضة البيئية والشعبية فإن للتراجع أسباب اقتصادية مرتبطة بالإسراف في حجز المياه أمام السدود وتحويل بعض الأنهار في قنوات جديدة من أجل استزراع أرض جديدة. وقد أدى هذا إلى عدة متغيرات في مائية الأنهار منها تراكم الإرسابات — ظاهرة الإطماء — في بحيرات التخزين، مما يقلل سعتها وكمية الماء المخزون على مر السنين ويفقد بذلك الغرض الأساسي من بناء السدود.
-
(٤)
استمرار مناسيب المياه في النهر على مستوى ثابت من أجل توفير مياه الري طوال السنة، قد أدى إلى ارتفاع منسوب الماء الجوفي إلى حدود غير مرضية تصل في حالات إلى ظاهرات «تطبيل» وتمليح التربة وفقدانها لخصوبتها، وهو ما يحتاج إلى تكلفة كبيرة لصرف المياه بالطلمبات الضخمة وشبكات مصارف معمقة تستوعب مساحات من الأرض الزراعية. بينما كان كثير من المياه الباطنية ينصرف طبيعيًّا إلى مجاري الأنهار والقنوات الرئيسية عندما يهبط منسوب الماء فيها أثناء فترة انخفاض المياه بعد الفيضان الطبيعي للأنهار.
-
(٥)
وفضلًا عن هذا فإن المياه الرائقة التي يسمح بمرورها وراء السدود هي غالبًا ذات درجات حرارة أبرد نوعًا؛ لأنها تنصرف من الأقسام التحتية من جسم مائي كبير، وهو ما يؤثر على بعض خواص النظام البيئي في الأنهار. وفي الولايات المتحدة كثير من الاعتراضات على السدود وبخاصة على أنهار الباسيفيك، مثل نهر كولومبيا وسنيك؛ لأن السدود تؤثر بشدة على مرابي أسماك السلمون.
-
(٦)
كما أن المياه تفقد الكثير مما تحمله من الطمي والعناصر المخصبة والمغذية للحياة المائية والأرض الزراعية، وهو ما دعا إلى زيادة استخدام كل أشكال المخصبات الكيميائية، ورفع بذلك كلفة الإنتاج الزراعي فوق قدرات الفلاحين الفقراء.
-
(٧)
كل هذه الإشكاليات — بالإضافة إلى ديون البنوك الزراعية وأعباء التسويق — ترتب عليها أولًا: ازدياد أعداد فقراء الريف ونزوحهم إلى المدن حيث أصبحوا عبئًا اجتماعيًّا اقتصاديًّا فهم غير مؤهلين مهنيًّا واجتماعيًّا. وثانيًا: اضطرار حكومات الدول المتقدمة في أوروبا وأمريكا إلى دفع إعانات للمزارعين كي تتعادل دخولهم مع مناسيب الدخل العام داخل كل بلد، وهو ما أصبح من الأعباء المالية التي تعاني منها تلك الدول إلى جانب التأمينات الاجتماعية ضد البطالة …
ومرة أخرى باختصار فإن السدود الكبيرة لم تأتِ بالناتج المرجو الموازي لتكلفة بنائها وصيانتها، ليس فقط من النواحي الاقتصادية التي أسلفنا بعضها، بل نتيجة لإضافة أعباء مالية ونفسية عديدة ناجمة عن نقل مئات الآلاف من الناس من قراهم ومساكنهم التي تغرقها مياه بحيرات التخزين وبناء مستوطنات جديدة في بيئات جديدة، وضرورة تغيير نشاطهم المهني وعاداتهم الاجتماعية. وربما زاد عدد المنتقلين من مواطنهم التي أغرقتها مياه السدود الكبيرة في العالم عن نحو خمسين مليونًا في العالم. وبعض هؤلاء اضطروا إلى النزوح الجبري بقوة الشرطة كما حدث في الهند، ولكن الغالبية نزحت على أمل تحسين أشكال الحياة خاصة وأن السدود تغرق مساحات فقيرة جبلية الطابع في أعالي الوديان النهرية.
ومما لا شك فيه أن حجز مياه الأنهار في البلاد ذات المناخ الجاف أمر شديد الحيوية، كما هو الحال في مصر والشرق الأوسط. والموازنة هنا هي بين الوقوع في أزمة مياه أو الوقوع في مشكلات إطماء السدود، ومشكلات التربة وفقدان الخصوبة، وارتفاع تكلفة الزراعة، وتحول فقراء الريف إلى الهجرة للمدن. والموازنة صعبة جدًّا وخاصة في مصر المتزايدة سكانًا بشكل يأكل مدخرات التنمية باستمرار.
(٢-٤) الموقف في مصر
لقد اكتفى المصريون القدماء بنظام ري الحياض الذي أثبت جدارةً فائقة وتَواؤُمًا كاملا مع معطيات البيئة النهرية لنحو ستة آلاف سنة أو يزيد. والقول بأن المصريين القدماء بنوا سدًّا عند خانق سمنة وقمة في السودان الشمالي الحالي هو قول غير مؤكد. ولعلهم، على أحسن الفروض قد حسنوا أحد المجاري المائية في شبكة النهر عند الجندل الثاني من أجل تأمين الملاحة. وربما كان العمل الهندسي المائي الكبير الذي يذكر في هذا الشأن ضبط مياه بحر يوسف عند انحدارها إلى منخفض الفيوم، وما ترتب على ذلك من تجفيف أجزاء من الفيوم واستخدامها أرضًا زراعية غنية منتجة للحبوب والأعناب وغيرها لمدة آلاف السنين.
لقد كان المصريون القدماء من خيرة شعوب الحضارة الذين برعوا في استخدام الأحجار الضخام. وما كان أسهل عليهم إقامة جسور وقناطر وسدود حجرية قوية على النيل وفروعه في الوادي والدلتا. لكنهم — فيما يبدو — استخدموا مهاراتهم البنائية في عمل قناطر موازنة حيثما تدعو الحاجة على الفروع الدلتاوية والقنوات، وعزفوا تمامًا عن عرقلة المسار الطبيعي للنهر لأسباب: على رأسها عدم إفساد هذا الطريق الملاحي العظيم الذي يربط كل أجزاء مصر من ناحية، وعدم إحداث تغيير في مائية النيل مما يفسد عماد النظام الاقتصادي المصري الموروث من ناحية ثانية. وباختصار انتفع المصريون بالنهر كما هو، وتجاوبوا معه في قحطه وفيضه. وربما كان هذا سر بقاء مصر آلاف السنين واحة خضراء لم تتدهور خصائص تربتها بما يأتيه النيل سنويًّا من طمي مجدد للخصوبة ينفرش بتعادل طبيعي على طول الوادي وعرض الدلتا.
(٢-٥) الثورة الزراعية الثانية في مصر
وفي ١٩٠٢ بني سد أسوان. وكان أول إنشاء هندسي يغير النظام الهيدرولوجي لمياه النيل في مصر، وذلك بتخزين المياه في أواخر فترة الفيضان في بحيرة التخزين جنوب السد وإطلاقها وقت التحاريق قبل الفيضان التالي. وقد أدى ذلك إلى تغيير منسوب الماء في إقليم النوبة، وأصبح موسم الفيضان هو موسم انخفاض مستوى النهر الذي يأخذ في الارتفاع مع إغلاق بوابات السد إلى ارتفاع نحو ٣٥ مترًا عن منسوبه الطبيعي عند السد. وقد أدى هذا إلى هجرة متكررة للنوبيين في اتجاهات شتى شمال أسوان، وجنوبًا إلى قرى توشكى وبلانه وغيرهما، ولكن أكبر هجرة كانت إلى أعلى الحافة الهضبية والجبلية في مواقع وعرة صعبة، وهنا اتسعت بيوت النوبيين اتساعًا كبيرًا في هذه الأرض المضرسة القاحلة بعد أن كانت صغيرة متقاربة، شأن القرى إلى جوار النيل في ظل ظروفه الطبيعية.
ثم أتى السد العالي فارتفعت مياه بحيرة التخزين الدائم إلى متوسط نحو ٧٠ مترًا فوق المنسوب الطبيعي عند السد، مما أدى إلى هجرة كاملة للنوبيين في مصر، وبعض النوبيين في السودان. ذلك أن الفرق بين سد أسوان وبين السد العالي أن بحيرة التخزين أمام سد أسوان كانت تشغل حوض النهر بضعة أشهر ثم تنصرف إبان الفيضان إلى بقية الوادي والدلتا محملة بالطمي المساعد على تعويض التربة بعض خصوبتها، وتاركة في بلاد النوبة أرضًا للفلاحة وأنشطة أخرى بقية السنة. بينما بحيرة التخزين أمام السد العالي — المتعارف على تسميتها بحيرة ناصر بحكم قرار منشئها، أو دعوة لتسميتها بحيرة النوبة بحكم موقعها الجغرافي في بلاد النوبة — هي من النوع الدائم لا تنصرف كلية، وإن كان منسوب مياهها يتأرجح سنويًّا حسب كمية مياه الفيضان وبين كمية السحب إلى خلف السد بقية العام.
(٢-٦) دعوة لتصحيح ما فات من سلبيات
والغرض الختامي من هذه المداخلة أن النظام البيئي في مصر قد حدث له ما حدث في أجزاء كثيرة من العالم نتيجة إقامة السدود الكبيرة. والدعوة موجهة للمختصين في هندسة الماء والزراعة والصحة والتشريع للعمل المشترك من خلال مجلس ذو سلطات عليا حقيقية، من أجل تحسين الكثير من مشكلات الري والصرف، وتقليل الاعتماد على الأسمدة والأعلاف المصنعة والمشكلات الصحية المتضخمة.
وربما يمكن ذلك جزئيًّا بفتح بعض المجال لاندفاع مياه الفيضان في النهر والترع إلى الأرض الزراعية لغسل التربة وتجديد بعض خصوبتها بالغرين وغسل النهر من نباتات المياه الراكدة أو قليلة الحركة، وغسل هذا النهر العظيم مما ينصرف إليه من مياه ملوثة بمخلفات الأسمدة الكيميائية شديدة الضرر.
يكفي ما وقع فيه العالم المتقدم من أزمة تلو أزمة في الغذاء المعالج وراثيًّا، والعلف المصنع، وجنون البقر والأغنام، وما يستجد من أمراض قد تحل محل الأوبئة التي كانت تجتاح العالم في العصور الوسطى كالطاعون والسل وما إلى ذلك — وقانا الله شرها بعمل جاد للحفاظ على حياة الجنس البشري وحياة المصريين.
(٣) نموذج لإطماء بحيرات السدود: تقييم مشروع «خشم القربة» في السودان — استخدام المياه في منطقة جافة
اختيار هذا النموذج هو لتوضيح واحدة من أخطر سلبيات السدود وهو إطماء حوض التخزين المائي، وبالتالي فقد دور السد بعد عدد من السنين — بمعنى أن أي سد يبنى بتكلفة ما وفي الحساب أن له عمرًا معينًا ينتهي به وظيفته التي من أجلها أنشئ. وصحيح أن سد خشم الجربة صغير بالمقارنة مع السد العالي، إلا أنه نموذج حي يوضح ما سيئول إليه السد العالي بعد خمسين أو مائة سنة. وهناك فارق آخر هام هو موقع أي سد بالنسبة لنوع الصخور التي تسير عليها المياه الجارية، وما إذا كان قريبًا من المنابع ونوع وقوة الفيضان الموسمي، وغير ذلك من أمور يختلف فيها السد العالي عن خشم الجربة كما سيتضح مما يأتي من تفصيل.
(٣-١) وصف المشروع
-
أقيم مشروع سد وخزان خشم القربة — الجربة على النطق الشائع — على نهر العطبرة ١٩٦٤ بمعونات وتعويضات مصرية للنوبيين الذين غرقت أراضيهم نتيجة إنشاء السد العالي في مصر.
-
تضمن المشروع أيضًا توطين مجموعة من عشائر بدو البطانة، وبخاصة الشكرية واللحويين والبجة والكواهلة … إلخ.
-
تقع أرض المشروع غرب مسار العطبرة في مساحة نحو ٤٤٠ ألف فدان، تمتد مسافة ٩٥كم بحذاء النهر وعرض يتراوح بين ٢٠ و٣٥كم. والاسم الشامل هو حلفا الجديدة كناية عن توطين المهاجرين النوبيين.
-
أقيمت ٢٥ قرية مجهزة بالخدمات للنوبيين داخل أرض المشروع، و٥١ قرية داخل المشروع وعلى أطرافه لسكن البدو، لكن تجهيزها أقل من القرى النوبية.
-
بلغ عدد النوبيين الموطنين ٥٢ ألف شخص عام ١٩٨٠ يشكلون نحو سدس سكان المشروع — نحو ٣٥٠ ألفًا — والباقي هم عشائر من القبائل البادية في شرق إقليم البطانة.
-
وزعت أرض المشروع على مستأجرين بلغ عددهم ٢٢٣٧٦ مؤجرًا، منهم ٦٥٥٣ نوبي بنسبة نحو ثلث أرض المشروع. يخص كل مؤاجر أرض مساحتها ١٥ فدانًا بإجمالي مساحة قدرها ٣٣٥ ألف فدان.
-
تبلغ المياه المخططة لاستخدام ري أرض المشروع ١٫٦ مليار متر مكعب.
-
تربة أرض المشروع طميية لومية جيدة، وتسقط على المنطقة أمطار صيفية تتراوح بين ٢٥٠ إلى ٣٠٠ مليمتر، وهي ليست بالكمية الكبيرة إذا أخذنا في الحساب ارتفاع درجات الحرارة معظم السنة، مما يؤدي إلى احتياجات مائية كبيرة في الزراعة، وإن كانت تكفي لنمو أعشاب فقيرة للرعي التقليدي.
-
المحاصيل المزروعة حسب المخطط والإشراف الإداري للمشروع هي دورة سنوية تشمل القطن والقمح وفول السوداني في مساحة ٣٣٠ ألف فدان.
-
يشتمل المشروع على ٢٥ ألف فدان مزروعة قصب السكر، و٢٤ ألف فدان حرة للراغبين في الاستثمار.
(٣-٢) حالة المشروع عام ١٩٨٠ (دراسة ميدانية مطولة للدكتور محمد أبو سن)٢٠
أولًا: المياه
- (أ)
نهر العطبرة يأتي في فيضانه القوي بكميات كبيرة من الرواسب التي أطمت جزءًا كبيرًا من حوض التخزين بما يعادل ٢١٪ من مياه المشروع.
- (ب)
قُدر التبخر من سطح الخزان والترع بالإضافة إلى التسرب في الصخور المسامية بما يساوي ١٧٪ من مياه المشروع.
- (جـ)
١٤٪ فواقد أخرى نتيجة لممارسات الري الخاطئة في الحقول.
وقد أدى تناقص كمية مياه الري إلى التفكير بتعويضها بواسطة إنشاء سد آخر على نهر ستيت، أحد الروافد الهامة للعطبرة. ذلك أن المقدر أن تتناقص كمية مياه خزان خشم الجربة إلى ٥٠٠ مليون متر مكعب في أواخر التسعينات، نتيجة استمرار إطماء الخزان سنويًّا. وهذا باختصار يعني إعالة المشروع بإنفاقات كبيرة لم تكن في الحسبان.
ويعني تناقص الماء فقدان ثقة المزارعين في جدوى المشروع. فإذا أنشىء سد نهر ستيت فإن ذلك يعني أنه سيتعرض هو الآخر للإطماء بعد فترة، وتزيد بذلك الفجوة النفسية عند المزارعين.
ثانيًا: المحاصيل والإنتاجية المتدنية
-
تحول جانب من المزارعين من زراعة القمح إلى الذرة لاعتبارات أهمها أن الذرة مردودها أكثر، وأنها تمثل الغذاء المعتاد للناس أكثر من القمح.
-
تدنت إنتاجية الفدان من كل المحاصيل بصورة خطيرة نتيجة لظروف عدة، منها تناقص مورد مياه الري والممارسة غير الماهرة في الزراعة. يتضح ذلك من الأرقام الآتية:
المحصول ١٩٦٥ ١٩٨٠ القطن ٣٫٥ ١٫١ قنطار/فدان القمح ٠٫٤٥ ٠٫١٢ طن/فدان فول السوداني ٠٫٥ ٠٫٢٣ -
برغم ذلك فإن إدارة المشروع ترى بعض الإيجابيات في جدوى المشروع. ففي الرأي الرسمي ينتج المشروع نحو ٣٢٪ من القطن متوسط التيلة في السودان، و٢١٪ من إنتاج القمح و١٤٪ من إنتاج فول السوداني بقيمة إجمالية تساوي ٥٫٩ مليون جنيه سوداني و١٫٥ مليونًا و١٫٨ مليونًا على التوالي. المجموع الكلي لهذه المحاصيل الثلاثة في المشروع هو ٩٫٢ مليون جنيه سوداني، لكن يجب أن يضاف إلى ذلك نحو ٩ مليون أخرى قيمة مبيعات الإنتاج الحيواني من أرض المشروع.
-
وعلى المستوى الفردي فقد قدر أبو سن دخل المزارع بنحو ٢٠٠ جنيه سوداني سنويًّا من الزراعة، ونحو ٦٠٠ جنيه من الثروة الحيوانية، وهي مبالغ زهيدة كما نرى.
-
نتيجة لهذا فإن المزارعين يضغطون من أجل تحويل جانب كبير من نشاطهم إلى تربية الحيوان، بتخصيص مساحات كبيرة لإنتاج الأعلاف بدلًا من المساحات الكبيرة التي تشغلها الآن المحاصيل الثلاثة المقررة بواسطة إدارة المشروع. ويمثل البدو مجموعة الضغط الأولي في هذا المجال باعتبار أنهم رعاة أصلًا، بينما يتأرجح النوبيون بين هذا الرأي وبين الإبقاء على التنظيم الحالي للمشروع.
-
لكن الإدارة تقاوم هذه الضغوط خوفًا من ارتداد الرعاة إلى ممارسة حرفتهم المفضلة، وخوفًا على المحاصيل، وبخاصة القطن، من أن تصبح هي الأخرى غذاء للحيوان من الإبل والماشية والماعز والأبقار. وحيث أن +٦٠٪ من سكان المشروع هم أصلًا من عشائر الرعاة فإن الرضوخ لضغوطهم معناه فشل جانب كبير من ركيزة المشروع.
الخلاصة: أن المشروع يعاني فيزيقيًّا من تناقص مستمر في موارد الماء، وماديًّا من زيادة تكلفة الإنتاج وتدهور الإنتاجية، واجتماعيًّا من تناقضات أصول السكان بين الرعاة من البدو والمزارعين من النوبيين. كما أنه يعاني إداريًّا نتيجة عدم التقاء مصالح الإدارة العامة للسودان مع رغبات السكان، بمعنى عدم التفاهم بين المخططين الرسميين في الخرطوم والمنفذين والممارسين الفعليين على أرض الواقع …
(٤) سلامة المياه في مصر
(٤-١) مياه النيل
ليس أكثر من مياه النيل حساسية في مصر. وسواء صدقت مقولة هيرودوت منذ نحو ٢٥٠٠ سنة أن «مصر هبة النيل.» أو مقولة أستاذنا الراحل سليمان حزين إن «مصر هبة أبنائها.» فالنتيجة الفعلية واحدة: النيل والمصريون معًا بالتعاون وإدراك قدرات كل منهما صنعوا واحدة من أقدم حضارات العالم المثيرة للبحث والتقصي لعلماء العالم دانيه وقاصيه قديمًا ومستقبلًا.
ومع متغيرات الزراعة المصرية من ري الحياض إلى الري الدائم، وتحديد مسار النيل بالجسور وتقنين كمية المياه بالقناطر والسدود وصلنا إلى أقصى تفعيل ممكن لمياه هذا النهر الخالد. لكننا لسنا وحدنا في حوض النيل، فهناك تسع دول تشاركنا في ملكية ماء النهر بدرجات ومساحات متفاوتة. بعض الشركاء ليسوا في حاجة حيوية لمياه النيل بما يتوفر لهم من أمطار وبحيرات ومستنقعات. والأغلب أن احتياجاتهم الأساسية هي الحصول على الطاقة الكهربائية بإقامة سدود متعددة — جنبًا إلى بعض المشاريع الزراعية خلال موسم قلة المطر والجفاف. وهذا هو حال كل دول المنابع الاستوائية للنيل — أوغندا وكينيا وتنزانيا والكنغو ورواندا وبوروندي. وتمثل إثيوبيا دولة منابع تتميز بعشرات الروافد التي تتحد في ثلاثة نظم نهرية كبيرة تتصل بالنيل في السودان هي السوباط والنيل الأزرق والعطبرة. وأمطار إثيوبيا عادة كافية تسقط في موسم واحد، وتتعرض للذبذبة في الكمية وموسم السقوط؛ مما يترتب عليه مجاعات مخففة أو ثقيلة خاصة في شمال إثيوبيا في حوض العطبرة، وفي إريتريا حيث حوض نهر الجاش الذي يرفد العطبرة أحيانًا، وأصبح الآن مجالًا هامًا للزراعة والنمو الاقتصادي في جنوب غرب إريتريا وجزء من شرق السودان.
وتعتبر السودان ومصر دولتي مصب تتجمع فيهما كل مياه المنابع الاستوائية والحبشية. وتختلف السودان عن مصر في أن الجنوب وافر المطر والمجاري النهرية القادمة من المنابع الاستوائية، فضلًا عن مياه نهر السوباط الذي يصرف جنوب غرب إثيوبيا. لكن جانبًا كبيرًا من هذه المياه يضيع بالبخر والنتح النباتي في منطقتي مستنقعات السدود ومشار الشاسعتين. أما شمال السودان فهو صحراوي مشابه في جفافه إلى حد كبير مع الصحاري المصرية. ووسط السودان يتأرجح بين ندرة المياه شماله ووفرتها جنوبه. والوسط هو حتى الآن المجال الأكثر أهمية في حياة السودان الاقتصادية والسكانية. وتحصيل حاصل أن المعمور المصري يتركز حول النيل في الوادي والدلتا.
- (١)
إلحاح شديد في مصر (٧٠ مليون فرد).
- (٢)
إلحاح مماثل في السودان الأوسط والشمالي وإن يكن بدرجة أقل نسبيًّا (٢٨–٣٠ مليون فرد).
- (٣)
احتياج إلى تأمين مصادر معقولة للمياه للزراعة الدائمة سواء كان المطر كافيًا أو شحيحًا في إثيوبيا الشمالية والغربية (نحو ٦٠ مليون فرد)، وفي إريتريا (نحو ٤ ملايين).
- (٤)
احتياج إلى إقامة مشروعات حجز للمياه في بلاد المنطقة الاستوائية أيضًا بغرض استزراع، ولكن بالأساس لتوليد الطاقة الكهربائية.
إن حصة مصر من مياه النيل مثبتة منذ اتفاقية ١٩٥٩ مع السودان عند ٥٥٫٥ مليار متر مكعب سنويًّا. وهناك أفكار في السودان نحو تعديل الاتفاقية بحيث ترتفع حصتها عن المقنن الحالي البالغ ١٨٫٥ مليارًا من أجل إقامة مشروعات زراعية للسكان المتزايدين في النطاق الأوسط، خاصة بعد التزاحم فيه نتيجة للعمليات العسكرية في الجنوب وهجرة السكان إلى مناطق لا تطولها ويلات الحرب. هذا فضلًا عن عملية التحضر لكثير من القبائل السودانية والتي تتكدس بالدرجة الأولى في إقليم الخرطوم. ولدى إثيوبيا مشروعات طموحة لإنشاء عدد كبير من السدود الصغيرة والمتوسطة على الروافد النيلية العديدة. وهذه المشروعات ربما تسييسها شركات مقاولات عالمية كبرى، قد لا نستثني منها استشارات إسرائيلية كوسيلة للضغط على مصر كي توافق على بيع أكثر من نصف مليار من مياه النيل سنويًّا — غالبًا عبر شمال سيناء!
وهذا أو ذاك مما قد يؤثر على الحصص المائية لدول الحوض قد استدعى تأسيس «مجلبس وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل» عام ١٩٩٨ من أجل التفاهم المشترك، وربما من أجل عقد اتفاقية مياه أشمل من الاتفاقية الحالية بين مصر والسودان، تشارك فيها معظم دول النهر إن لم يكن جميعهم. وبطبيعة الحال فإن هذا أمر مشروع أن يكون لدول المجرى حقوقٌ في المياه الجارية، لكنه قد يتعارض مع الحقوق الراهنة والتاريخية، فضلًا عن تقييم الحصص على ضوء الحاجة الفعلية وكثافة السكان حول المجرى النهري وروافده، وكثافة العمل الزراعي على المياه، إلى آخر ذلك من القضايا التي هي حياة أو موت في ظل الأحوال الراهنة، وأفضليتها بالنسبة إلى إقامة مشروعات تنمية مستقبلية.
والمطلوب الآن ألا تظل أمور المياه بعيدة عن الإعلام العام في مصر حتى لا يفاجأ الناس بخبر خطير حول حصة مصر. والمعنى أن مثل هذا الموضوع لهو من الحساسية بحيث لا يجب أن تظل حقائقه باهتة أمام المهتمين بل وكل المصريين. فهو في نتائجه أشبه بحالة حرب إذا أدركها المواطن تصرف بما تقتضيه أمور الحرب من توفير واقتصاد في الاستهلاك. والملاحظ أن قلة التوعية بالمياه هي سبب لاستخدام غير مرشد للمياه في الحقل والمصنع والمسكن وأبنية الحكومة. فلا تزال كثرة الناس على ما ولدوا عليه أن النيل معطاء على الدوام. أعطِ الناس المعلومات الصريحة يتجاوبون معك ويتكون رأي عام على قدر الأهمية التي نوليها الآن لشئون البيئة!
وهناك مخاطر مائية قادمة نتيجة تداخلات واتفاقات دولية كمؤتمر لاهاي في مارس ٢٠٠٠ الذي نظمه البنك الدولي، وعدد كبير من الشركات العالمية التي تتجر في الماء — إنشاء السدود ونقل وتخزين المياه … إلخ. وحضره عدد كبير من وزراء الموارد المائية في العالم، ومصر من بينهم، والذي أقر مبدأ تسعير المياه باعتبارها سلعة كغيرها من السلع. وكذلك الاجتماعات المتسارعة لمجلس وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل في عنتبة ودار السلام وأديس أبابا … إلخ، خلال السنتين ١٩٩٨–٢٠٠٠، وما قيل عن تكوين «كونسورتيوم» بين مصر والسودان وإثيوبيا لإقامة مشروعات مائية مشتركة على النيل وروافده. فما هي هذه المشروعات المشتركة، وما هي المبادئ التي اتفق عليها في توزيع الحصص المائية بين الدول الثلاث؟ وهل ستتأثر حصة مصر؟ وهل سيكون هناك مقابل مالي نظير الحصول على حصص أكبر؟ أسئلة كثيرة محيرة تحتاج إلى توضيح وإعلام أكبر مما هو متبع حاليًّا.
-
ما هي المشروعات التي نبدأ بها وكمية الماء والعائد الفعلي المادي والاجتماعي من مثل هذا المشروع أو ذاك؟
-
وما هي المشروعات التي نخطط لها والتي يمكن تأجيلها إلى أن نتأكد من قدر حصتنا من المياه في ظل ظروف متغيرة؟
-
وهل لا بد أن تكون التنمية في مصر مرتبطة بتأسيس مشروعات زراعية كبيرة المساحة؟ ولماذا لا نقلل من البيروقراطية التي تحبط جهود الأفراد المستثمرين في الأراضي الجديدة؟ وبدلًا من الإنفاقات الكبيرة التي تتحملها الدولة في الاستصلاح الزراعي بشكله الراهن، لماذا لا تصبح المشروعات الفردية الصغيرة — أفرادًا أو تعاونيات — رائدة الفكر التنموي الزراعي الجديد؟ وهل لا نتجه إلى تغيير نمط الري في الوادي والدلتا.
-
معروف أن الزراعة الحالية بشكلها ومحاصيلها وريها بالغمر تستولي على أكثر من ثلاثة أرباع المياه المستخدمة في مصر سنويًّا، فلماذا لا نغير هذا النمط بزراعة أكثر علمية تستخدم مياه أقل، ويتجه بعضها إلى محاصيل أخرى لها أسواق معروفة في الداخل والخارج؟ أو محاصيل صناعية كالكتان إلى جنب القطن والذرة من أجل الصناعات القائمة عليها، وغير ذلك يعرفه علماء مصر وفلاحوها، إنما ينقصهم التمويل والتنظيم الإداري وتنظيم السوق الداخلي والخارجي … إلخ.
-
أليس من الممكن أن تحل أشكال من التنمية الصناعية والإلكترونية بتكنولوجيا عالية محل صناعات تقادم عليها العهد، كتحسين صناعة النسيج والطباعة من السجاد إلى الكتان إلى الأقطان عالية الجودة إلى صناعات الملابس وابتكار أزياء قابلة للتداول الداخلي والخارجي معًا … إلخ، مع الابتعاد التدريجي عن الصناعات الملوثة؟
مثل هذه الأشياء يجب أن تطرح بصراحة و«شفافية» كما هو المصطلح كثير الاستخدام الآن. قد يغيب عن غير المختصين دقائق هندسة المياه؛ لكن لن يغيب وعيه كمية المياه المخصصة للزراعة والصناعة والاحتياجات المنزلية للناس جميعًا، ولن يغيب عن فكره ماذا سوف نخلفه لأحفادنا: نهر عظيم قدسه الأجداد وتغنى به الشعراء، أم مشكلة مياه؟
(٤-٢) هل تهدد الطحالب السامة مياه بحيرة ناصر
الماء هو أساس الحياة على سطح كوكبنا الأرضي كما نعرفها، وتؤكد الآية القرآنية الكريمة وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ صدق هذه المقولة، لدرجة أن واحدًا من أهم أبحاث الفضاء الآن هو الإجابة على سؤال «هل توجد مياه» على سطح كوكب المريخ أو أحد أقمار كوكب المشترى؟ بمعنى هل هناك صلاحية لحياة الإنسان الأرضي على كوكب آخر؟ والإجابة حتى الآن هي بالنفي. ويعني هذا ببساطة أن الإنسان ربيب كوكب الأرض يجب أن يتخذ كل الوسائل التي بلغتها علومنا الأرضية للمحافظة على المياه العذبة المؤهلة للحياة من التلوث، وأن يرشد استخدامها حتى لا تفنى أو تتغير خواصها بحيث تتسبب في فناء الحياة النباتية والحيوانية والبشرية الحالية، كما حدثت من قبل كارثة فناء حياة الديناصورات منذ نحو ستين مليون سنة نتيجة ظروف كوكبية أخرى.
ومن أجل شيء ما نبتغيه أسرف الإنسان في استخدامات المياه العذبة الجارية في الأنهار: إذا أردنا تحويل الزراعة المطرية إلى زراعة ري دائمة، أو إذا أردنا تأمين مياه الشرب للمدن والمستوطنات البشرية المتزايدة بسرعة فائقة، أو إذا أردنا توليد الكهرباء أقمنا من السدود والقناطر ما شئنا لنفرض على الأنهار ما نريد من حجز أو تصريف بتقنين، مما أدى إلى تغيير طبائع الجريان النهري فنحيله هدارًا صاخبًا من خلف بركة ساكنة تتغير خواصها الحياتية بالتدريج، إلى أن تنتج إيكولوجيا جديدة مائية ومناخية ونباتية وحيوانية تمتص من الماء جزءًا مما أردنا تخزينه كاحتياطي حيوي، وغالبًا ما تؤدي إلى تكاثر بكتريا غير مرغوبة البعض منها ذات سمية تشكل أخطارًا ضارة بصحة الإنسان وأشكال الحياة الأخرى.
صحيح أن المياه العذبة نتلقاها بالأساس في صورة تساقط الأمطار، وأن حياة الكثير من المدن والناس تقوم على ضخ المياه الجوفية الناجمة عن تسرب مياه المطر داخل الأرض، ولكننا لا نستطيع التحكم فيها قدر تحكمنا بالأنهار في صورة تلك السدود الهندسية الجبارة التي برع الإنسان في إقامتها طوال القرن العشرين. وفيما يلي مقارنة بين ما حدث مؤخرًا في كندا عن تسمم مياه الشرب، وما تقصى عنه البحث العلمي عن تلوث مياه بحيرة ناصر.
كندا: حادث وردود فعل منهجية
مياه بحيرة السد العالي
(تلخيص معلومات عن تحقيق نشر بالأهرام ١١ يونيو ٢٠٠١ حول بحث د. أحمد مصطفى حمد أستاذ علوم البيئة بجامعة أسيوط، باسم بحيرة السد العالي ومخاوف التنمية).
وحسب ما جاء في دائرة المعارف البريطانية لعام ٢٠٠٠ فإن «طحالب الألجا الزرقاء الخضراء يمكن أن تستهلك الكثير من الأوكسجين الذائب في الماء العذب إلى درجة تؤدي إلى موت الأسماك، وكائنات أخرى كطيور الماء والأبقار … إلخ، كما أنها متهمة بتسميم الإنسان، فهل سنفقد مصايد أسماك البحيرة؟
هذا البحث يحمل في طياته إنذارًا خطيرًا يجب أن نستعد له بالمزيد من الدراسة بواسطة فريق بحث على نحو ما حدث في حالة كندا؛ أي مجموعة من المتخصصين في كل علوم الحياة من الجامعات، ومراكز البحوث، والجهات التنفيذية من وزارات عديدة منها الري والأشغال والزراعة والتعمير وجهاز السد العالي وبحيرة ناصر ومحافظة أسوان، يجلسون معًا ويخلصون إلى أقرب الحلول الممكنة. فإذا كان موت سبعة أشخاص في كندا قد شغل وزارات ولاية أونتاريو وجامعاتها، وحشد هذا العدد من الباحثين والعلماء في هذا المركز البحثي الجاد المكلف، فلا أقل أن نحذو حذوهم؛ لأن مخاطر هذه الطحالب شديدة الضرر تهدد ملايين البشر في مصر بأمراض بعضها في الحسبان، والبعض الآخر يحتاج إلى معرفة كنهه وأسبابه كي نوقف الداء ونحجم انتشاره.
مخاطر الزراعة والسياحة على ضفاف البحيرة
كنت من المتعاطفين مع رغبة بعض سكان النوبة القديمة العودة إلى شواطئ البحيرة وإقامة مستوطنات نوبية جديدة تقوم على الزراعة، وحزنت حينما أزالت الأجهزة الحكومية مؤخرًا بعض المستوطنات النوبية القائمة فعلًا على البحيرة بترخيص سابق. لكنني الآن أعيد النظر حتى تنجلي الأمور بصفة علمية مؤكدة. فلقد كان النوبيون فيما قبل السد العالي يمارسون الزراعة على النهر، لكن مياه الفيضان السنوي كانت تغسل النيل من أقصى مصر إلى أقصاها، وبالتالي لم تكن هناك مخاطر مماثلة لحالة بحيرة السد الحالية التي لا تنساب مياهها إلا بقدر محكوم. فهل لي أن أظن أن إزالة المستوطنات النوبية قد تمت بعد معرفة أخطار الطحالب على المياه، وسرعة تكاثرها نتيجة المخلفات العضوية الناجمة عن الاستقرار البشري والزراعة؟ أم أن هناك أسباب أخرى غير معلنة؟ وحيث إن النوبيين يفهمون هذا القدر من الأخطار، فالمعتقد أنهم سوف يتجاوبون برضاء مع مثل هذه الإجراءات الضرورية.
لكن ذلك الرضاء لا يمكن أن يكون كاملًا في ظل عدم الأخذ بنفس إجراءات الإزالة لمستوطنات أخرى على البحيرة حول مدينة أبو سمبل، سواء كانت مستوطنات زراعية أو سياحية أو إدارية. ومثل هذا ينطبق أيضًا على محطات الزراعات التجريبية لمشروع توشكى، وهي المقامة على ضفاف البحيرة مباشرة، وعلى أية مشروعات سياحية أخرى تقام على شاطئ البحيرة.
وكذلك فإن كثرة السفن التي تسير بالوقود السائل قد تكون مسئولة عن زيادة نسبة الكربون في الماء. فحسب دراسة د. أحمد مصطفى حمد المشار إليها سابقًا زاد الإنتاج العضوي في البحيرة، بحيث وصل إلى ٥ جرام كربون في المتر المكعب/يوم.
ولحسن الحظ، وبرغم التكلفة العالية لقنوات الري، فإن صلب مشروع توشكى يقع بعيدًا عن البحيرة، ويمكن أن تنصرف مياه الزراعة إلى باطن منخفض توشكى الشاسع غرب المشروع. هذا فضلًا عما يعلن دائمًا بأن الزراعة في مشروع توشكى سوف لا تستخدم المخصبات والأسمدة الكيماوية، وتقتصر على المخصبات العضوية؛ مما يقلل من مخاطر مياه الصرف على إيكولوجية الحياة في المنطقة وما جاورها.
وعلى أية حال فإنه نتيجة لهذه المخاطر، وإلى أن يثبت عكس ذلك، فالواجب أولًا: التحذير مما تردد عن بيع بعض شواطئ البحيرة للمستثمرين بغرض إقامة مشروعات سياحية. فإن ذلك سوف يعجل بنمو الطحالب، وبالتالي يهدد بأخطار تلوث عالٍ لهذا الماء الذي هو المنبع الوحيد لمياه النيل في مصر.
وإلى أن تتم دراسات عديدة في جسم بحيرة السد وأخوارها الكثيرة والتأكد من سرعة تكاثر الطحالب أو ثبات نسبة نموها، ووسائل القضاء عليها، وحفاظًا على مصدر مياه مصرية أقل تلوثًا وأقل ضررًا، فالمطلوب التأني والتريث — بل وتأجيل — إصدار التصاريح بإقامة أي شكل من أشكال الاستخدام البشري للبحيرة وضفافها من ناحية، وإبعاد ما يمكن إبعاده من القرى والمستقرات الحالية عن مياه البحيرة من ناحية أخرى. صحيح أن ذلك سوف يهبط بحركة استخدامات كثيرة مربحة وبالأخص السياحة، ولكنها معادلة صعبة أن نقارن عوائد سياحية بأرواح الشعب المصري وصفاء النيل الخالد.
(٤-٣) نحو «جمعية أصدقاء بحيرة السد العالي»
في السادس من الشهر الماضي نشرت في الأهرام موضوعًا بعنوان «هل تهدد الطحالب السامة مياه بحيرة ناصر»، أتساءل فيه عن مدى مخاطر هذه الطحالب على صحة الإنسان المصري، وأدعو إلى تكوين لجنة من العلميين والمسئولين لدراسة الموضوع من أجل مستقبل مصر.
وقد وردت إليَّ منذ هذا النشر خطابات بالبريد العاجل من عدد من الأكاديميين في جامعتي أسيوط وسوهاج، ومكالمات تليفونية من عدد من النوبيين الذين يهمهم موضوع بحيرة السد العالي، باعتبار أن بعضًا منهم أقام على شواطئ البحيرة منذ قليل من السنين مستوطنات زراعية، لكن السلطات المعنية أزالتها مؤخرًا. وذكر لي المتحدثون من أهالي النوبة الكرام أنهم لم يكونوا يدركون مخاطر الإقامة على البحيرة، وهم على استعداد للتخلي عن مثل هذا الحلم الجميل إذا تخلت السلطات عن مشروعات استزراع وقرى سياحية ومدن على شواطئ البحيرة أيضًا، خوفًا على سلامة المياه التي يشرب منها ٦٥ مليونًا.
أما الرسائل التي وصلتني من العلماء فهي تؤكد مخاطر وجود طحالب عديدة من «الميكروسيست» و«أوسيلاتوريا» و«أروجينوزا»، تؤثر على نوعية المياه كما تؤثر على أسماك مزارع الأسماك في سوهاج. وكل ما تطرق إليه رأي الباحثين والعلماء هو نتائج أبحاث متعددة مشتركة مع متخصصين أجانب في مياه البحيرة ومياه مزارع الأسماك في سوهاج. إن ظروف الحرارة العالية والضوء الشديد ومياه الأخوار غير العميقة المتصلة بالبحيرة، كلها عوامل تؤدي إلى نمو الطحالب الخضراء المزرقة التي تتكاثر بعنف وسرعة أكثر في حالة وجود مخلفات عضوية ناجمة عن مشروعات مزارع الخريجين التي تتبناها مديرية الزراعة في أسوان، ومشروعات بيع أجزاء من شواطئ البحيرة لإقامة فنادق سياحية. والخلاصة: أن مياه البحيرة هي منبع مياه مصر، فإذا فرطنا فيها فالنتائج لا شك وخيمة كما يذكر أ.د. أحمد مصطفى حمد من جامعة أسيوط.
وفي أيام كثيرة نطالع في الصحف المصرية شكاوى عن نوعية مياه الشرب في محافظات مصرية عديدة، ليس فقط لتلوث بعضها بمياه الصرف الصحي، ولكن أيضًا مياه الآبار ملوثة بمخلفات الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية المستخدمة لزيادة المحاصيل الزراعية، وكل أشكال التلوث هذه غالبًا ما أسهمت في ظهور أو تفشي أمراض عديدة، كأمراض الكلى والجهاز الهضمي التي يعاني منها قدر كبير من المصريين، بدليل انتشار مستشفيات خاصة بهذه العلل التي لم تكن شائعة من قبل.
والآن يأتي دور مسبب آخر لتلويث المياه هي تلك الأنواع العديدة من الطحالب التي تشكل مخاطر صحية وبصفة خاصة الكبد الوبائي. على سبيل المثال فإن الدراسة المشتركة بين د. زكريا عطية (جامعة سوهاج) وأ. د. «واين كارمايكل» وتحليل العينات في واحد من أكبر معامل السموم في الولايات المتحدة، أن حيوان «دافنيا» المستخدم كجزء من غذاء الأسماك، يتغذى على طحلب الميكروسيست السام، ويركز السموم التي تتراكم في أحشاء ونسيج الأسماك التي تتغذى عليها! هذا البحث نشر في مجلات علمية، وفي المؤتمر العلمي الدولي الرابع للطحالب الخضراء المزرقة في أستراليا في شهر يوليو الحالي.
-
إن هناك طحالب سامة في مياه بحيرة السد العالي.
-
إن هذه الطحالب تتكاثر بدرجة انفجارية في حالة وجود مخلفات عضوية.
-
إن في بعض مزارع الأسماك — سوهاج يقينًا — مخاطر صحية لم يحسم قدرها بعد.
-
هذا فضلًا عن مشكلات مياه الشرب في أجزاء كثيرة من مصر.
فما هو موقف السلطات التنفيذية؟
- (١)
إيقاف كل المساعي لتنفيذ مشروعات زراعية حول شواطئ البحيرة من أجل اتقاء وجود مخلفات عضوية تساعد على تكاثر الطحالب السامة.
- (٢)
إيقاف أية مشروعات سياحية على شواطئ البحيرة للسبب السابق، فللسياحة مخلفاتها العضوية الكثيرة، فضلًا عن أن استخدام السفن السياحية هو في حد ذاته ملوث مستمر طوال رحلتها في البحيرة، بإلقاء الفضلات والمواد العضوية فضلًا عن زيادة نسبة الكربون في الماء نتيجة للوقود السائل.
- (٣)
الدعوة إلى إعلان بحيرة السد محمية طبيعية لمسافة نحو عشرة كيلومترات على جانبي البحيرة، يحظر فيها أية أنشطة اقتصادية وحضرية؛ تجنبًا لحدوث المخاطر المذكورة سابقًا — رأي أ. د. أحمد مصطفي حمد.
- (٤)
الدعوة إلى تمويل حكومي كثيف لإجراء بحوث علمية مستمرة على المياه في كل أجزاء البحيرة. فلا أقل من أن تسعى حكومة مصر لضمان سلامة هذا المنبع الفعلي لمياه مصر سعيها في اتجاهات التنمية المختلفة. فهو مشروع قومي بكل المعنى، ولا شك في أن عائده سوف يرتد في صورة تناقص تكلفة العلاج لملايين المصريين.
- (٥)
وجريًا على عادة المشروعات القومية في أي دولة من العالم، فإن المشروعات القومية يجب أن تحظى بتأييد شعبي في صورة جماعة أو جمعية غير حكومية تكون وظيفتها الأساسية إثارة الوعي بين الناس وعلى الصعيد الإعلامي، واستثارة الأجهزة المسئولة على منح المزيد من الجهد لتنفيذ هذا المشروع.
- (٦)
ربما نقترح اسمًا لهذه الجماعة هو «جمعية — أو منتدى — أصدقاء بحيرة السد»، يشارك فيها من أجل مصر علميون وإعلاميون وسياسيون وأعضاء برلمانيين، وكل من يحب مصر من صناعيين وفلاحين وإداريين.
فهل تحتضن مؤسسة «الأهرام» الصحفية مشكورة مثل هذا المنتدى من أجل مصر؟
وهل تبدأ صفحاتها بالدعوة إلى مثل هذا المشروع؟
لكن ذلك لم يحدث … لماذا؟
والأخطر استمرار الدولة في إنشاء قرى استيطانية زراعية على شواطئ البحيرة لمجتمعات يقال عنها: إنها أولى بالتوطين من مناطق الفقر في كل مصر الزراعية، ونادرًا ما يكون بينهم نوبيون أصحاب الدعوة إلى استعادة الحياة على هذه الشواطئ نوبية الأصل!
Quoting (P. 280) Frederick Frey, ‘Water: An emerging issue in the Middle East’, Annals. American Association of Political Science. Vol 431. Nov. 1985.