الفصل الأول
المشهد الأول
(سطح سفينة في البحر، عندما يرتفع الستار تعلو أصوات الريح العاصفة ويومض البرق ويهزم الرعد، ثم يدخل ربان السفينة مع أحد ضباط السفينة.)
هيا أقول! وأسرع!
(يخرج الربان.)
(ويدخل الملَّاحون.)
أسرعوا!
نريد أن نطوي الشراع الرئيسي! وانتبهوا إلى صفَّارة الربان!
وأنتِ أيتها العاصفة! هُبي حتى ينفجر صدركِ، ما دام في البحر
متَّسع!
(يدخل ألونزو وسباستيان وأنطونيو وفرديناند وجونزالو وآخرون.)
أنكم رجال! ١٠
بل وتساعدون العاصفة!
باسم الملك؟ إلى حجراتكم! لا تتكلموا ولا تزعجونا!
فإذا استطعتَ أن تأمر الريح والأمواج بالسكون حتى
يعود الصفاء، فلن ألمس حبلًا آخر! استعمل سلطتك! أمَّا
إذا لم تستطع، فاحمد الله على نجاتك حتى الآن، وتهيأْ في
حجرتك لأسوأ ما قد يحدث، إذا قدر الله حدوثه! (إلى
البحَّارة) وأنتم يا أحبابي! أسرعوا! (إلى الركاب) ابتعدوا عن
طريقنا أقول!
(يخرج.)
من أمارات الغرق، بل كُتِب عليه أن يموت شنقًا! أيتها الأقدار ٣٠
الكريمة! أرجوكِ الإصرار على شنقه! ولْيكن حبل مشنقته حبل
النجاة لنا؛ فهذه الحبال لن تفيدنا! أمَّا إذا لم يكن الشنق
مصيره، فقد كُتِب علينا الشقاء!
(يخرج مع الجميع.)
(يدخل الضابط.)
تسكن السفينة! (تعلو الأصوات من حجرات السفينة السفلى) لعنة
الله على هذا العويل! إن أصواتهم أعلى من صوت الريح وأصوات البحَّارة.
(يدخل سباستيان وأنطونيو وجونزالو.)
لماذا رجعتم؟ ماذا تفعلون هنا؟ هل نستسلم ونغرق؟ هلتريدون أن تغرقوا؟
لا نخاف الغرق قدْر ما تخافه أنت!
قشور البندق، ولو اتسع خرْقها على الراقع!
للبحر! ولنبتعد عن الشاطئ! ٥٠
(يدخل البحَّارة وملابسهم مبللة.)
(يخرجون.)
الوغد الواسع الشدقين، ليْتك تغرق وتظل راقدًا حتى يعلو المَد
وينحسر عشر مرات!
وفغرَت فاها لابتلاعه!
(أصواتٌ مختلطة في الخلفية، نتبين منها بعض الكلمات.)
يا زوجتي! الوداع يا أطفالي! الوداع يا أخي! انشقَّت السفينة!
انشقَّت! انشقَّت!
(يخرج الضابط.)
(يخرج مع أنطونيو.)
القاحلة الجرداء، بأشواكها وقتادها أو أي شيء! فلتكن مشيئة الله
وإن كنت أفضِّل الموت بغير البلل!
(يخرج.)
المشهد الثاني
(الجزيرة، أمام صومعة بروسبيرو.)
(يدخل بروسبيرو وميراندا.)
تهدر هذا الهدير، فخفِّف من فوْرتها!
وإخال أن السماء كانت ستمطر قارًّا أسود
لولا أن البحر الثائر قد علا إلى خد السماء
فأطفأ نيرانها! ويْحي! لقد عانيتُ
مع من رأيتهم يعانون! فيا للسفينة الجميلة الغارقة!
(ولا بد أن بعض النبلاء كانوا يركبونها.)
لقد أصبحَت حطامًا! ويا لصيحاتهم التي أصابتقلبي في الصميم! ويا للمساكين الذين هلكوا!
لو كنتُ ربة سلطانٍ لكنتُ أغرقتُ ١٠
البحر نفسه في الأرض قبل أن يبتلع تلك السفينة الجميلة
ومن تحمله من البشر!
إن السلامة كُتبَت للجميع.
أنت يا حبيبتي، ويا ابنتي التي تجهل من تكون، وتجهل
موطني الأصلي، بل لا تعرف أكثر من كوني
بروسبيرو، صاحب هذا الكهف المتواضع الفقير، ٢٠
والدك الذي لا يزيد عنه تواضعًا وفقرًا!
وانزعي ثوبي السحري. هكذا!
(يخلع عباءته.)
انتظري هنا يا طاقتي السحرية. جفِّفي دموعكِ واطمئني!واعلمي أنني أنا الذي دبرتُ ذلك التحطيم الرهيب للسفينة،
وهو الذي أثار إشفاقكِ وعطفك،
واستخدمتُ من الحيَل السحرية التي أُجيدها
ما استطعتُ أن أكفل به السلامة للجميع،
بل لم يفقد أحدٌ منهم شعرةً واحدة من رأسه، ٣٠
ونجا كل ركاب السفينة الذين كنتِ تسمعين صرخاتهم،
وتشاهدين السفينة أثناء غرقها! اجلسي الآن،
فلا بد أن أحيطكِ علمًا بالمزيد!
ثم تتوقف وتتركني أتساءل دون جدوى،
قائلًا إن الوقت لم يحنْ بعد!
تفتحي أذنَيكِ وأن تطيعي وتنتبهي. هل تذكرين أي شيء
عن الزمن الذي سبق مجيئَنا لهذا الكهف؟
لا أظنكِ تذكرين، فلم تكوني قد أكملتِ الثالثة من عمرك! ٤٠
أم صورة أي شيء؟ حدثيني عما
لا يزال عالقًا بذاكرتك!
منه إلى الواقع! ألم يكُن يرعاني
أربع نساء أو خمس نساء؟
يظل ذلك حيًّا في ذهنك؟ وما الذي ترَينه غير ذلك
في هُوة الزمن المعتمة السحيقة؟ ٥٠
إن كنتِ تذكرين شيئًا قبل مجيئك إلى هذا المكان
فعسى أن تذكري كيف جئتِ إلى هنا!
كان والدكِ دوق ميلانو، وكان أميرًا ذا سلطان!
ابنتي، وكان أبوكِ دوق ميلانو، وكانت وارثته الوحيدة أميرةً
لا تقل عنه في النبل وكرم المحتد!
أم تُراها كانت عناية الله بنا؟
ولكن عناية الله ساندَتنا هنا!
وسقطَت من ذاكرتي! أرجوك أن تكمل القصة!
وأرجو أن تنتبهي لما أقول — يا عجبًا! كيف يُقدِم أخ
على مثل هذه الخيانة؟ — لم أكن أحب في الدنيا أحدًا،
بعد نفسي، أكثر منه! وكنت عهدتُ إليه بتدبير
شئون دولتي، وفي ذلك الوقت كانت ٧٠
دوقية ميلانو أُولى الدوقيات جميعًا
وبروسبيرو أعلى الحكَّام مكانةً؛ لِما ذاع عنه
من العزَّة والمهابة، وكان في الفنون والآداب سبَّاقًا
لا يدانيه أحد. ولما كنت قد شُغِلتُ بالدرس والبحث
فقد ألقيتُ بأعباء الحكم على كاهل أخي، وابتعدتُ
عن شئون الدولة، وانتشيتُ بدراسة الأسرار والسحر،
فإذا بعمكِ الخائن … هل تصغين إلى ما أقول؟
وفن رفضها، فعرف من يُرقَّى ومن يُمنع ٨٠
إذا تجاوز موقعه، فأعاد إنشاء ما كنتُ أنشأته،
وجعل الكل تابعًا له، أو عدَّل من هذا وذاك،
فأعاد تشكيل كل شيء! ولما كانت بيده مفاتيح
الوظائف والموظفين؛ ضبط أوتار القلوب في الدولة كلها
حتى تعزف ما يروق لأذنه من ألحان، حتى أصبح
اللبلاب المتسلق الذي يحيط بجذع الشجرة، شجرة إمارتي،
فيمتص منها رحيق الخضرة والنماء … أنتِ لا تصغين!
للدراسات السرية، والارتقاء بذهني ارتقاءً ٩٠
لا يُقدِّره العامة حقَّ قدره، لولا ما تطلَّبه ذلك من عُزلة
أيقظَت في أخي الخائن طبيعة الشر، فكانت ثقتي
فيه تشبه الوالد الصالح الذي أنجب
ابنًا فاسدًا، وكان فساده عظيمًا
لا يماثله إلا صلاح الوالد العظيم،
أي يماثل عِظم ثقتي، التي كانت بلا حدود،
أو قولي كانت ثقةً مطلقة! ولما أصبح السيد الجديد،
بفضل ما تدرُّه عليه أملاكي من دخْل، وكذلك
بفضل ما يُتيحه له سلطاني، بات
يصدق الكذب بترديده، ١٠٠
وأوقع ذاكرته في الخطيئة الكبرى
حين قَبِلَت أكاذيبه؛ إذ أصبح يعتقد حقًّا
أنه الدوق! واستطاع من خلال التبديل
أن يكتسب المظهَر الخارجي للحاكم
بكل امتيازاته، فازداد طموحه … هل تسمعين؟
وبين الممثِّل الذي يقوم بالدور، أي أن يصبح فعلًا
دوق ميلانو! وأمَّا أنا المسكين، فكانت دوقيتي
هي مكتبتي وحسب! وأصبح يظن أنني أصبحتُ ١١٠
عاطلًا من كل سلطةٍ زمنية، فتآمر —
لشدة تعطُّشه للحكم — مع ملك نابولي،
ووافق على تقديم الجزية السنوية له، وإظهار الولاء له،
وإخضاع تاج الدوقية الصغير لتاج نابولي الكبير،
بحيث تركع له الدوقية، التي لم تركع من قبل أبدًا لأحد،
ركوعًا مُزريًا! وا أسفا عليكِ يا ميلانو المسكينة!
إن كان يصح أن يكون لي أخًا!
ولكن أرحام الصالحات قد تحمل شرَّ الأبناء! ١٢٠
ولذلك فقد أصغى لطلب أخي واستجاب له،
ووعده بأن يقوم — في مقابل عهد الولاء والجزية
التي لا أعرف مقدارها — بطردي أنا وأهلي من الدوقية
على الفور، وتعيين أخي في حفلٍ رسمي باذخ
دوقًا على ميلانو الجميلة! وهكذا أعد أنطونيو
جيشًا من الخونة، وفي الليلة التي رصدها القدر،
فتح وكلاؤه أبواب ميلانو،
وفي جنح الظلام طردونا مسرعين منها، ١٣٠
وكنتِ أنت إلى جِواري تذرفين الدموع!
لكنني سوف أبكي من جديد! فالحادثة تعصر عيني عصرًا!
حتى آتي إلى حالنا الراهن، ولا بد من ذلك
حتى تكتسب القصة مغزاها!
لم يجسروا على ذلك يا حبيبتي! ١٤٠
فلقد كان شعبي يحبني حبًّا شديدًا
ولم يريدوا للمؤامرة أن تحمل وصْمة لون الدم!
لكنهم لوَّنوا غاياتهم الدنيئة بألوانٍ أزهى وأجمل!
وبإيجازٍ أسرَعوا بنا إلى ظَهر سفينةٍ
ورافقونا عدة فراسخ في البحر؛ إلى حيث أعدُّوا لنا
زورقًا باليًا، لا حبال فيه ولا أشرعة ولا سواري!
بل إن الفئران نفسها قد هجرَته بالغريزة!
وألقَونا فيه فجعلْنا نصرخ في وجه البحر
وهو يزأر في آذاننا، ونتأوَّه
في وجه الريح التي أشفقَت علينا واستجابت بآهاتها، ١٥٠
فلم تزِد قسوتها عن عتاب العُشاق!
وقد ألهمكِ الله الصبر،
وأنا أزين البحر بقطراتٍ من الدموع الملحة،
وأعبائي ترغمني على الأنين!
وكانت بسمتكِ تحيي روح الجلَد والمثابرة في نفسي
حتى أتحمل ما تلا ذلك!
إذ كان جونزالو، وهو من أشراف نابولي،
قد عُيِّن للإشراف على هذه المؤامرة،
وكان طيِّب القلب، فوضعهما في القارب إلى جانب
الملابس الفاخرة، والأقمشة، والأدوات والضروريات،
التي أفادتنا فائدةً كبيرة، كما أثبت كرم معدنه!
كان يعرف أنني أُحب كتبي، فوضع في القارب منها
— ومن مكتبتي نفسها — مجلدات السحر التي أعتبرها
أغلى من دوقيتي كلها!
حتى أنتهي من رواية أحزان البحر!
وصلْنا إلى هذه الجزيرة، وهنا أصبحتُ معلِّمًا لك،
فعلَّمتُكِ أكثر مما تتعلَّمه غيركِ من الأميرات،
ممن يقضين وقتًا أطول في اللهو، ويبذل معلِّموهن رعايةً أقل!
أن تجيب على السؤال الذي ما زال يقلقني؛ لماذا
تسببتَ في هبوب هذه العاصفة ؟
أن ربَّة الحظ (التي أصبحَت ترعاني) ساقت أعدائي
إلى هذا الشاطئ، وكنتُ أعلم من قبلُ ١٨٠
أن ذروة سعدي تعتمد على طالع سعدٍ مشرق،
وأنني إذا لم أنتفع بقوَّته الآن أو أهملتُه
فسوف يذوي حظِّي إلى الأبد!
لا تطرحي الآن أية أسئلةٍ أخرى
(يستعمل سِحره لتنويمها.)
فالنوم يداعب جفينكِ، إنه كالخدر اللطيففلا تقاوميه، وأعلم أنه لا خيار لكِ في هذا!
(تنام ميراندا.)
أقبِل يا خادمي السحري أقبل! أصبحتُ مستعدًّا لك!اقترِب يا آرييل! تعالَ هنا!
(يظهر آرييل، يدخل.)
حضرتُ لإجابة طلباتك فاطلب ما تشاء! أن أطير ١٩٠
أو أسبح، أو أقفز في النار، أو أركب
متن السحب المكورة! سوف ينهض بأصعب المهام التي تأمر بها
خادمك آرييل ورفاقه من أبناء الجان!
كنت أقفز من مقدمتها، إلى وسطها، ثم إلى سطحها،
وأدخل كل غرفة في صورة لهبٍ يثير الرعب!
كنت أنقسم أحيانًا إلى ألسنةٍ من النار
حتى تلتهب في عدة أماكن، على السارية العليا
والقلوع ومقدمة السفينة، بحيث يستقل كل لهب بنفسه ٢٠٠
ثم تلتقي وتندمج! لم تكن تفوقني في السرعة بروق جوبيتر،
وهي التي تنذر بهزيم الرعد القاصف، بل كاد سنا برقي اللمَّاح
يذهب بالأبصار! كانت النيران وأصوات طقطقة
الكبريت المشتعل الهادر تحاصر — فيما يبدو — رب البحر الجبار
وتجعل أمواجه الجَسورة ترتعد، بل وحربته الثلاثية المخيفة أيضا!
مَن أبدى الصلابة ورباطة الجأش، فلم يصبْه الضجيج
بلوثةٍ في العقل؟
مسلك اليائس! وألقى الجميع أنفسهم — فيما عدا البحَّارة — ٢١٠
في البحر المالح وهو يُرغي ويُزبد! لقد تركوا السفينة
التي جعلتُها شعلةً ملتهبة! أما فرديناند، ابن الملك،
فقد انتصب شَعر رأسه، فأصبح مثل عيدان القصب!
وكان أولَ من قفز في الماء وهو يقول:
«هل خلَت جهنم من الشياطين فجاءوا كلهم هنا؟»
بل على العكس، ازدادت نضرة، وفعلتُ ما طلبتُه مني،
ففرَّقتُهم في جماعاتٍ في أنحاء الجزيرة. وأمَّا ابن الملك، ٢٢٠
فقد أتيتُ به إلى البر بنفسي، وتركتُه يبترد في الهواء،
ويتنهَّد في ركنٍ منعزل من الجزيرة، جالسًا،
وعاقدًا ذراعَيه في حزنٍ على صدره هكذا!
(يحاكيه.)
وباقي الأسطول؟
خبَّأتُها في الخليج العميق،
حيث استدعَيتَني مرةً في منتصف الليل
لأحضر الندى من جزائر برميودا، ذات الأعاصير الدائمة،
كما خبأتُ الملَّاحين في مخازن السفينة، ٢٣٠
حيث ينامون من شدة الإرهاق ومن تعويذتي السحرية،
وأما باقي سفن الأسطول التي كنتُ فرَّقتُها
فقد اجتمعَت من جديد، وها هي تطفو
على صفحة الماء في البحر المتوسط، وقد سادها الحزن،
في طريق عودتها للوطن في نابولي،
بعد أن ظن الملَّاحون أنهم شاهدوا غرق سفينة الملك،
وهلاك ذلك الرجل العظيم نفسه!
المزيد! كم الساعة الآن؟
خير استغلال!
بوعدك الذي لم تنجزْه حتى الآن!
لم أكذب، ولم أخطئ، ودون شكوى أو تذمُّر!
لقد وعدتَني بإنقاص المدة سنةً كاملة!
قاع البحر المالح العميق، أو تركب متن ريح الشمال الباردة،
أو تؤدِّي لي المهام في عروق الأرض التي جمَّدها الصقيع!
سيكوراكس؟ تلك التي تقوَّس ظهرها
شيخوخةً وحسدًا، هل نسيتَها؟
فأنت تنسى! كانت سيكوراكس هذه ساحرةً ملعونة،
وقد نُفِيَت من الجزائر بسبب شرورها العديدة،
وفظائع سحرٍ لا تحتملها مسامع الإنسان،
وقد نفَوها ولم يحكموا عليها بالإعدام لسببٍ ما!
صحيح؟
فكست الزرقة جفونها وتركوها هنا! وكنتَ أنت، كما ٢٧٠
قلتَ لي، خادمًا لدَيها قبل أن تصبح عبدًا لي!
ولكنك كنتَ عفريتًا رقيق الإحساس، فرفضتَ
تنفيذ أوامرها الأرضية الكريهة، فثارت ثائرتها،
واستعانت بمساعديها الأشدَّاء، وحبسَتكَ
في شق شجرةٍ من أشجار الصنوبر،
فأطبق عليك الشِّق، وظللتَ تتألم فيه حبيسًا
طيلة اثنتَي عشرة سنة!
وماتت الساحرة في أثنائها، وتركَتكَ في الشق!
ولكَم صدرَت منك أنَّات الألم المتوالية السريعة ٢٨٠
مثل ضربات عجلة الساقية للماء!
ولم تكن الجزيرة قد شرُفَت بوجه إنسانٍ
يخطو على ظهرها، باستثناء ذلك الابن الذي ولدَته هنا!
ذلك الجرو الأرقط!
لا يعرف خيرًا منك مدى العذاب
الذي وجدتُكَ فيه! كنتَ تئنُّ أنينًا
يجعل الذئاب تعوي، ويخترق صدور الدِّببة التي
لا يهدأ لها غضب! لقد كان عذابًا جديرًا
بمن حُقَّت عليهم اللعنة، ولم يكن بمقدور سيكوراكس ٢٩٠
أن تنجيك منه! بل إن قوة سحري أنا —
عندما وصلتُ وسمِعتُك — هي التي فلقَت شجرة الصنوبر
وأخرجَتك منها!
وأحشرك في الشق وسْط عُقَد الفروع
حتى تعوي اثنَي عشر شتاءً كاملة!
وأقوم بمهام العفريت بكرم النبلاء!
قل لي! ماذا أفعل الآن؟
من حوريات البحر! وبحيث لا تراك إلا
عيوننا أنا وأنت فقط! كن خفيًّا
على كل عينٍ أخرى! اذهب واتخذ هذا الشكل
وارجع إلينا به! اذهب! هيا! انطلِق بهمَّة!
(يخرج آرييل.)
اصحي الآن يا حبيبتي! استيقظي! لقد نمتِ طويلًا!سوف نزور كاليبان — عبدي — وإن لم يُجِبنا يومًا ٣١٠
إجابةً طيبة!
فهو يوقد لنا النار، ويأتينا بالحطب،
ويقوم بوظائف مفيدة لنا. أنت يا عبد! كاليبان!
أنت يا طين! تكلم!
اخرج أيتها السلحفاة! متى؟
(يعود آرييل في شكل حوريةٍ بحرية.)
آه! آرييل! ما أبدعك أيها العفريت! وما أشد ذكاءك!تعالَ حتى أهمس في أذنك! ٣٢٠
(يخرج آرييل.)
مِن أمك الساحرة الخبيثة! اخرج من كهفك الآن!
(يدخل كاليبان.)
بريش الغراب من المستنقع الفاسد! ولتهبَّ عليكما
الريح الجنوبية الغربية وتملأ الجسد بالبثور!
أنفاسك بالليل! وبأشواك قنافذ العفاريت حتى الصباح!
لسوف تلسعك مثل إبَر النحل الذي
يملأ قُرص العسل، وكل لسعةٍ أشد إيلامًا ٣٣٠
من إبَر النحل الذي يصنع لك القُرص!
سيكوراكس، وها أنت تغتصبها مني!
لقد تغيرتَ كثيرًا! فعندما جئتَ أول الأمر كنتَ عطوفًا علي،
ترعاني خير رعاية، وتقدِّم لي الماء الحافل بألوان التوت،
وتعلِّمني اسم الضوء الأكبر الذي يتوهج بالنهار، والأصغر الذي
يسطع ليلًا؛ فأحببتُك، وأطلعتُك على
أحوال الجزيرة كلها، على ينابيع الماء العذب،
والبِرك المالحة، والأراضي الخصبة والقاحلة، ٣٤٠
فليْتني ما فعلتُ، بل عليَّ اللعنة لذلك!
وها أنا ذا أدعو عليكما بكل خبائث سحر سيكوراكس!
ولتنقضَّ عليكما الضفادع والخنافس والخفافيش!
وهل لكما من الرعية غيري؟ لقد كنت الملك الأوحد
على ذاتي، فإذا بك تحبسني في هذه الحظيرة الصخرية الصمَّاء
وتحرمني من بقية الجزيرة!
لا للعطف! لقد عاملتك رغم انحطاطك بشفقةٍ ورحمة!
وأسكنتك معي في الكهف حتى تطاولتَ وحاولتَ انتهاك
عفة ابنتي! ٣٥٠
لامتلأَت الجزيرة بذرية كاليبان!
بل هو قادرٌ على تقبُّل كل شر! لقد رثيتُ لحالك،
واجتهدتُ حتى علمتُك الكلام، وكنت أعلِّمك في كل ساعة
شيئًا جديدًا! وعندما كنتَ تجهل أيها المتوحش
معنى ما تقول، بل تردِّد أصواتًا
لا معنى لها مثل الحيوان الأعجم،
وهبتُك الكلمات التي تُفصح بها عن مقاصدك،
ولكن دناءة طبعك ذات حقارة ٣٦٠
ترفض الطبائعُ الكريمة أن تزاملها،
على الرغم مما تعلمتَه، وهكذا كنتَ جديرًا
بالحبس في هذه الصخرة، وإن كنتَ تستحق
ما هو أنكى من السجن!
أسبُّ وأشتم! فليكن الطاعون الأحمر
جزاء من علمني اللغة!
فهناك مهام أخرى! أتستخف بكلامي يا شرير؟
إن أهملتَ الواجب أو قمتَ به على مضضٍ ٣٧٠
فسوف أصيب عضلاتك بالتقلصات المؤلمة،
وأملأ عظامك بالأوجاع، حتى ترتفع صيحاتك الهادرة
فترتعد الوحوش لِسماعها بباب كهفك!
قادرةٌ على هزيمة رب الشر الذي علَّم والدتي
واسمه سيتبوس، بل واستعباده!
(يخرج كاليبان.)
(يعود آرييل، في ثوب الاختفاء، يعزف الموسيقى ويغنِّي، وفرديناند يتبع صوت الموسيقى داخلًا.)
أغنية آرييل
أغنية آرييل
لا! ليس ذلك من أصوات البشر، ولا من ألحان
الأرض! إذ أسمعها الآن فوق رأسي! ٤١٠
وقولي ماذا تبصرين أمامك؟
صدِّقني! لقد اتخذ صورة إنسيةٍ جميلة، ولكنه عفريت!
مثلنا تمامًا! هذا الفتى الذي ترينه
كان على ظهر السفينة التي غرقَت، ولولا ما اكتساه
من حُزن — فالحزن ينهش الجمال — لقلتُ إنه وسيم!
لقد فقد رفاقه، ويجوب الأرجاء بحثًا عنهم!
فلم أشاهد بين البشر مَن يدانيه سموًّا!
أريدها! أيها العفريت! أيها العفريت البديع! سأطلق
سراحك بعد يومَين مكافأةً على ما فعلتَ!
تلك اللحون! اقبلي دعائي وأخبريني إن كنتِ تقيمين هنا،
وأرشديني إلى سبُل العيش في هذه الجزيرة!
أما مطلبي الأول، وإن ختمتُ به مطالبي،
فهو أن أعرف منكِ — يا أعجوبة الدنيا — ٤٣٠
إن كنتِ متزوجةً أم لا؟
وليتني الآن بين أهلها!
لو سمعك ملك نابولي تقول هذا الكلام؟
عن ملك نابولي! أما إذا كان يسمعني فلا شك في ذلك!
فلقد أصبحتُ ملك نابولي، بعد موت أبي الذي أبكيه،
بعيونٍ لا تجف دموعها، بعد أن شاهدتُه يغرق!
في ذلك، ولكن الوقت غير مناسب! لقد تبادلا الحب
من أول نظرة! آرييل الرقيق! سأطلق سراحك
لقاء ما فعلت! (إلى فرديناند) تبقى كلمة يا سيدي!
أظن أنك ارتكبت خطأً ما! كلمة على انفراد!
(يهمس له على انفراد.)
أراه في حياتي! وأول من يخفق قلبي بحبه!
فليشفقْ علينا والدي، حتى يميل إلى ما أميل إليه!
فسوف أجعلك ملكةً على نابولي!
(جانبًا) كلاهما تحت سلطان الآخر، ولكن الأمر يجري
بسرعةٍ لا تليق، ولا بد أن أضع بعض العقبات
في سبيله، فما يسهل الحصول عليه تهبط قيمته!
(إلى فرديناند) كلمةٌ أخرى أقول! وآمرك أن تصغي إليَّ!
إنك تغتصب لقب غيرك، وما جئتَ هذه الجزيرة
إلا كجاسوس يطمع في انتزاعها من يدي أنا … مالكها!
فإذا كان لروح الشر مثل هذا المسكن الجميل
فسوف يطردها الخير ويحل محلَّها فيه!
سأوثق قدمَيك وعنقك معًا!
سأسقيك ماء البحر، وأطعمك محار الجداول والغدران،
والجذور الذابلة، وقشور ثمار البلوط! اتبعني!
أرى لعدوِّي سلطانًا أقوى!
فهو ذو نُبلٍ ولا يعرف الجبن!
يا من تتظاهر بالشجاعة ولا تجرؤ على الضرب!
فلقد شل الشعور بالذنب ضميرك! كفى هذا التأهب للدفاع!
إذ أستطيع تجريدك من السيف بهذه العصا!
بل وأغضب منك! يا عجبًا! هل تدافعين عن محتال؟ كفى! ٤٨٠
تظنِّين أنه لا يوجَد مثيلٌ له لأنك لم تشاهدي قَبْله
إلا كاليبان؟ يا لكِ من بلْهاء!
إذا قُورِن هذا بمعظَم الرجال بدا مثل كاليبان!
وإذا قُورِنوا به كانوا ملائكة!
فلا أطمح إلى من هو أوسم!
بل فقدَت قوتها وأصبحَت مثل عضلات الأطفال!
ولكن فقدان والدي، والضعف الذي أحسه، ٤٩٠
وغرَقُ جميع أصدقائي، وتهديدات هذا الرجل
الذي يُخضِعني لسيطرته؛ كل هذا يهون إذا استطعتُ،
وأنا حبيسٌ، أن أشاهد هذه الفتاة، ولو
مرةً كل يوم! فلينعم الأحرار بأركان الأرض!
أما أنا فتكفيني حدود هذا السجن وحسب!
(إلى آرييل) أحسنتَ صنعًا يا آرييل الرائع! (إلى فرديناند) اتبعني!
(إلى آرييل) استمع إلى ما سوف أكلفك به من مهام!
مما يوحي به حديثه! وليس من عادته ٥٠٠
أن يفعل ما فعل الآن!
بشرط أن تنفِّذ جميع ما أطلبه؛ وبدقة!
(يخرجون.)