الخاتمة
أما بعد، فهذه نظرة شاملة إلى تاريخ التربية والتعليم ومعاهدهما وأساليبهما وطرقهما وبرامجهما وكتبهما في العالم الإسلامي منذ فجر الإسلام الزاهي إلى العصور المتأخرة الراكدة. وقد بذلنا وسعنا لتبيُّن الطريق الرشيدة التي سلكها أجدادنا العرب المسلمون في تربية أبنائهم وتنشئة أحفادهم تنشئة صالحة مكَّنتْهم من تكوين تلك الإمبراطورية العربية المسلمة التي نعتز بها، ونرفع رأسنا بذكرها.
إن من يدقق في هذا الكتاب ويمعن النظر في الآراء والنظريات العلمية التي نشَّأ بموجبها آباؤنا أبناءهم، يرى أنهم لم يبنُوا تلك الحضارة اعتباطًا ولا جزافًا، وإنما هي مبنية على أسس قويمة، وقواعد ثابتة مدروسة تهدف إلى إنشاء الفتى العربي حرًّا في نفسه مستقلًّا في تفكيره، واثقًا من أقواله، لا يُصدر آراءه وأحكامه إلا بعد التفكير والاختبار لا عن تقليد أو اضطرار.
وإنهم ما كانوا يحشرون العلم في ذهنه حشرًا، أو يرغمونه على الحفظ وحشو الدماغ حشوًا، بل يتركون له حرية القراءة والاستيعاب والحفظ، ولا يقسرونه على شيء، وكانوا يحرصون على تنمية مَلَكاته متبعين في ذلك سُنة الكون وعامل الزمن، وإنهم وإن أباحوا ضربه إذا أذنب فإنما فعلوا ذلك رحمةً به وإشفاقًا عليه من أن يضلَّ أو يفسد.