الجسر القديم!
كانت السيارة التي تنقل الشياطين من المطار إلى مدينة «هايدلبرج» … تسير بصعوبة وسطَ الضبابِ الكثيف الذي يغطي الطريق …
وتذكَّرَت «إلهام» ما حكاه لها رقم «صفر» عن الأعشاب الخضراء التي تُحيط بالطريق … تُغطِّيها طبقةٌ رقيقة من الجليد الأبيض …
وصدقته فيما قاله من أن الحقيقةَ أجملُ من الخيال.
والتفتَت إلى الناحية الأخرى … عندما أشار لها «أحمد» قائلًا: الجسر القديم.
وهنا سأل «عثمان» السائقَ بالألمانية قائلًا: ما هذا؟
وابتسم السائق وهو يقول بالعربية: إنها بوابة «نهر النيكر». ولا تندهشوا فأنا تركيٌّ … وعملَت لفترة كبيرة بدول الخليج.
أحمد: إنك التركيُّ الثاني الذي نقابله اليوم.
عثمان: أي أننا لم نقابل إلا أتراكًا حتى الآن.
إلهام: وطبعًا هي فرصة سعيدة … ولكن ما سرُّ ذلك؟
السائق: الأتراك موجودون في معظم دول أوروبا … وقد استعمروها في عصور مضَت …
أحمد: إن كثيرًا من المصريين لهم أصول تركية.
السائق: نعم … أنا أحب المصريين جدًّا …
أحمد: إذن أستطيع أن أعتمد عليك …
السائق: نعم … بكل سرور …
أحمد: هل لديك تليفون محمول؟
السائق: نعم …
أحمد: أعطني رقمه.
وعندما وصلوا إلى الفندق … كانوا قد وطَّدوا صلتَهم بالسائق … وعقدوا معه اتفاقًا … فقد قال لهم رقم «صفر» اعتمدوا على أنفسكم.
وبعد المرور على موظف الحجز … حمل العاملُ حقائبهم إلى حيث سيُقيمون.
وانطلقوا وهم يستطلعون المكان حول الفندق … فقد يكون هو ميدان عملهم.
وأثناء سيرهم قال لهم «أحمد»: أتذكرون الجسرَ القديم الذي أشرتُ لكم عليه؟
إلهام: إنه قريب من هنا.
أحمد: نعم … وقريب أيضًا من «داني مون».
عثمان: تقصد أن الفيلَّا التي يسكنها …
أحمد: تقع غرب الجسر.
إلهام: إنها مصادفة رائعة.
أحمد: لم تكن مصادفةً.
عثمان: تقصد أن نزولَنا في فندق «ريتر» كان لقربه …
[أحمد: نعم …
إلهام: أنا جائعة جدًّا.
أحمد: وأنا أيضًا … أقترح أن نتناول وجبةَ أسماكٍ يابانية.
إلهام: أوافق على اقتراحك.
عثمان: أما أنا فلست جوعانَ … بل جوعانُ جدًّا …
لم تندم «إلهام» لموافقتها على اقتراح «أحمد» بتناول الأسماك اليابانية.
ولم يندم «عثمان» أيضًا لأنه رفض نفس الاقتراح … فقد كان سعيدًا جدًّا بتناولِ لحمِ بقرٍ مشوي على الطريقة التركية.
وقد علَّق على ذلك قائلًا: إنه ثالثُ لقاء تركي لي اليوم.
وبعد أن فرغوا من غدائهم … تفرَّقوا عائدين إلى غُرَفهم.
وفي العاشرة مساءً تسلَّلوا تباعًا … مغادرين الفندق.
وعلى بُعد خطواتٍ منه … كانت تنتظرهم سيارة «بورش» بيضاء.
لم يصدِّق «عثمان» نفسَه عندما رأى «أحمد» يفتح بابها … ويفتح لهما هما أيضًا.
وما إن اجتمعوا فيها حتى قاله له «عثمان»: أهذه هي المفاجأة؟
أحمد: إنها مفاجأتي أنا.
إلهام: وكيف حصلت عليها؟
أحمد: لقد طلبتُها تليفونيًّا من «شيلر».
إلهام: السائق!
أحمد: نعم …
عثمان: وهل هي تخصُّه؟
أحمد: تخصُّ أحدَ أصدقائه … وسأُسدِّد ثمنَها غدًا.
ومستعينًا بذاكرته القوية … قاد السيارةَ عائدًا من نفس الطريق الموصل للمطار.
وعندما بدَا له الجسر القديم عن بُعدٍ … توقَّف على جانب الطريق … وغادر السيارة … ومن خلفه «عثمان» و«إلهام».
وبين الحشائش الكثيفة … والأشجار القصيرة المتشابكة … المغطاة بالجليد … ساروا تباعًا … يبحثون عن فيلَّا «داني».
وقد لفحهم البرد … وتمنَّوا لو يعودون لارتداء ملابس أكثر قدرة على تدفئتهم، غير أن الهدف الذي أتَوا من أجله أنساهم البرد.
وعن بُعد … ظهرَت مجموعةٌ من الفلل المتناثرة هنا وهناك.
ولفت أنظارهم … أنها بُنيت جميعًا على طراز واحد.
وعليهم أن يفحصوا أبوابَها كلَّها … أو صناديق البريد بها … للوصول إلى ما ينشدون.
ورغم كثرة عدد الفلل … وتباعدها عن بعض …
ورغم ما يشعرون به من برد وإرهاق … إلا أنهم آثروا أن يُكملوا رحلةَ البحث …
وألَّا يعودوا إلا وقد بدءوا أول خطوة فيها …
وذلك بمعرفة الفيلا …
وعلى هدى أعمدةِ الإنارة المحيطة بالفيلَّا، رأت «إلهام» عن بُعد … فيلَّا ذات طراز فريد … مختلف عن بقية الفيلَّات.
فنادَت «أحمد» في حذر، وأبلغَته بذلك … وقد رأى أنها ملاحظة مهمة …
وعليهم بدْءُ البحث.