الفخُّ!
علا صوتُ حفيفِ أوراق الشجرِ … المحتكَّةِ بأجسادهم … فلم يلاحظوا أن هناك مَن يتبعهم خطوةً بخطوة.
إلا أنَّ آذانَ الشياطين الخبيرة … شعرَت أن هناك خطواتٍ غريبةً عليهم … فهي لقوام ممتلئ … وجسد ثقيل …
وبصفيرٍ خافت … أمر «أحمد» زميلَيه بالتوقُّف فجأة.
وبالطبع لم يفهم صاحبُ هذه الخطوات ذلك … إلا بعد أن افتضح أمره …
وحدَّد الشياطين مكانَه بدقَّة.
فتوقَّف عن الحركة … في انتظار أن يتحرَّكوا مرة أخرى.
غير أن انتظاره طال دون أن يسمع شيئًا.
وقد كان «أحمد» يقصد بذلك … أن يدخل في نفسه القلق …
ويشتِّت تركيزه …
وكالضوء الذي يشعُّ في اتجاهات مختلفة … من مركز واحد.
تحرَّك الشياطين، كلُّ واحد في اتجاه.
وصنعوا مثلَّثًا حول مصدر الصوت …
وبدأ كلٌّ منهم يُطلق صفيرًا مميزًا … كلما سَمِعه الرجل … جرى في اتجاهه.
وبعد بضع خطواتٍ … يسمعه من خلفه …
فيعود مرة أخرى يجري في اتجاهه … وهو لا يعرف أنه ليس صاحبَ الصوت الأول.
وتغيَّر مصدرُ الصوت أكثر من عشرين مرة.
وفي كلِّ مرةٍ، يجري الرجل نحو المصدر ولا يصل.
وكلُّ مرةٍ تقلُّ سرعته. ويعلو صوتُ أنفاسه.
حتى خرج منه صوتٌ كخوارِ الثَّورِ الذَّبيح.
ثم علَا صوتُ سقوطه على الأرض وارتطام جسده … بأعواد النبات الجافة.
واقترب الثلاثة في حذر.
وعندما أصبح على مرمى بصرهم … رفع «عثمان» إبهامَه ﻟ «أحمد» يطلب منه أن يقوم بتفتيشه.
فحرك رأسَه دليلَ الموافقة … ووضع يدَه على سلاحه … انتظارًا لحدوث مفاجآت وقد وقعَت المفاجأةُ بالفعل من الرجل.
ولكنها لم تحتَج لمسدسِ «أحمد» … بل احتاجَت لسواعدهم.
فقد كان الرجل مغشيًّا عليه … ونبضُه ضعيفٌ للغاية.
وقد يؤدي ترْكُه على هذه الحالة إلى توقفِ قلبه عن النبض.
وعلَّق «عثمان» على ما حدث قائلًا: كيف يُرسلون في أثرنا رجلًا ناعمًا كهذا؟
أحمد: ومَن الذي أرسله؟
عثمان: نزلاء الفندق الذين يتتبعون كلَّ غريب.
إلهام: وكيف عرفت؟
عثمان: ألسنا قريبين من منزل «داني»؟
إلهام: نعم.
عثمان: ألم يتعرَّض «داني» للسرقة أو للتهديد؟
أحمد: أو للاثنين.
عثمان: إذن فهم ينتظرون أغرابًا للتحقيق في الموضوع.
إلهام: أو الوصول إلى شيء لم يصلوا إليه.
أحمد: تقصدين أن المفاجأة لا تزال في منزله؟
إلهام: نعم …
عثمان: أنا أميل لهذا التصور … الذي أُحَيِّيكِ عليه.
أحمد: إذن … الحراسةُ ستكون محكمة.
إلهام: الجائزة تستحقُّ التعب … أليس كذلك؟
عثمان: طبعًا … فهي المفاجأة التي انتظرها العالمُ كلُّه.
أحمد: هيَّا بنا إلى الفيلَّا.
إلهام: وهل سنترك هذا الرجل يموت؟
عثمان: لا نستطيع أن نفعل له شيئًا.
إلهام: وقد يعثر عليه زملاؤه فقد يبحثون عنه.
أحمد: بل إنهم يبحثون بالفعل … ألَا تسمعون صوتَ أقدام؟
إلهام: نعم … ونسمع لهاثَ كلب.
عثمان: بل أكثر من كلب وسيعثرون علينا.
أحمد: إذن، فلنتحرك.
وفي خفَّة ورشاقة … ومهارة محترفين … سار الثلاثة خلفَ بعضهم … على أمشاطِ أقدامهم … يكاد الواحدُ منهم لا يسمع وقْعَ خطواته هو.
فقد كانوا ينتقون المواقع الطينية الخالية من أفرع وأوراق الأشجار … ويسيرون فيها.
وبجوار إحدى الفلل … توقَّفوا يستطلعون موقفَهم مع مطارديهم … ولم يلاحظوا أنهم يقفون بجوار سور فيلَّا «داني» إلا عندما لمع ضوءُ كشافٍ ينطلق من أعلى سطح الفيلا ويدور حولها.
فقال «أحمد»: أنقف بجوار الفيلا؟
عثمان: لا أعرف، ولكن هل «داني» يؤمِّن فيلَّتَه إلى هذا الحدِّ؟
إلهام: هذا جائزٌ إذا كانت له علاقةٌ حقًّا بأبحاث الأسلحة البكترولوجية!
أحمد: إذن فدخول هذه الفيلا سيكون صعبًا.
ودوَّى في الصمت صوتُ ارتطامٍ قويٍّ أعقبه صوتُ تناثرِ قطعٍ زجاجية كبيرة هنا وهناك.
وارتفع في المكان صراخُ سارينةِ آلةِ تنبيهٍ … قفز الشياطين على أثرها فوق السور … ومنه إلى حديقة الفيلا.
وتوقَّفوا للحظات … في انتظار مواجهة تقع بينهم وبين حراسِ المكانِ … فلم يحدث فقطعوا المسافة بين السور ومبنى الفيلا في قفزات رشيقة سريعة.
وعكس بعضهم … قفزوا يدورون في حذر حولها … يبحثون عن باب مفتوح أو منفذ يدخلون منه … فلم يجدوا لها بابًا واحدًا … ولا حتى نافذة … فلكل الفيلا حائطٌ واحد يحيط بمساحة من الأرض.
فلم يصدقوا أعينهم … فقد رأوا من بعيد بلكوناتٍ ونوافذَ وأبوابًا … فهل كانوا يحلمون أم أنهم دخلوا مكانًا آخر.
وإذا لم تكن هذه هي الفيلَّا، فماذا تكون؟
ولأيِّ غرضٍ أُنشئ هذا المبنى الذي ليس له منفذٌ واحد؟
والذي تحميه كاميراتُ مراقبةٍ وكشافاتٌ تمسح المنطقةَ حوله ولا تهدأ؟
وكيف يكون مبنى له هذه الأهمية … وليس به حارسٌ واحدٌ يعترضهم منذ دخولهم …
ولماذا لم يَعُد أحدٌ منهم يسمع لهاثَ الكلابِ التي كانت تُطاردهم؟
ولا أصوات أقدام أصحابها؟
هل هو فخٌّ قادوهم إليه وتركوهم … وهل معنى ذلك أنهم لن يستطيعوا الخروج منه؟