دخولُ فيلا «داني»!
نعم الظلامُ دامسٌ بين أسوار ذلك المبنى، ولكنَّ بعض أعمدة الإنارة المتناثرة هنا وهناك … تكشف لهم ما يمكِّنهم من التحرك بحرية.
وقد كان ذلك مفيدًا جدًّا لحالة الحيرة التي وقعوا فيها … فهم لا يصدقون أن هذا المبنى هو ما رأوه من خارج الأسوار.
وبصفيرٍ حادٍّ مميز أطلقه «أحمد» … اجتمع الثلاثة مستترين بالظلمة … ليقرروا ما يمكن عمله … ولاحظَت «إلهام» أن «عثمان» شاردٌ عنهم … يحلِّق ببصره بعيدًا … رغم أهمية ما يقولونه فدفعَته في كتفه مرةً وأخرى حتى انتبه لها … وعندما سألته عن سبب شروده أشار لها بإصبعه وهو يقول: أترَين هذه الفيلا؟
إلهام: ماذا يشغلك فيها؟
عثمان: إنها الفيلا التي نقصدها.
أحمد: لا … لا يا «عثمان» … لقد تحركنا في الاتجاه الصحيح.
عثمان: أعرف … وقد دخلنا فيلا «داني».
إلهام: ماذا تقول؟
عثمان: نعم … نحن بين أسوار فيلا «داني» …
أحمد: إذن ما الذي تُشير عليه؟
عثمان: إنها نفس الفيلا.
إلهام: كيف؟
عثمان: إذا عبرت أسوار هذه الفيلا من أي اتجاه … فلن تقودك إلا إلى هنا.
إلهام: لا داعي لأن أفهم الآن … ولكن أكمل.
عثمان: وهذا المبنى الذي نقف بجواره هو ملحقٌ للفيلا.
أحمد: تقصد أن هذا هو السرُّ … في أن ليس له منفذ؟
عثمان: نعم … فالدخول إلى هذا المبنى يتمُّ عن طريق الفيلا.
أحمد: وكيف عرفت؟
عثمان: ليس له سورٌ فاصل بينه وبين حديقة الفيلا.
إلهام: لا … بل أرى سورًا يختفي بين الأشجار القصيرة هذه.
أحمد: «عثمان» على حقٍّ يا «إلهام» … فهو ليس سورًا حقيقيًّا …
إلهام: إذن فنحن محظوظون.
أحمد: لماذا؟
إلهام: إذا كان ما نقوله حقيقةً … فلن يكون هذا المبنى غير مركز أبحاث «داني مون».
عثمان: أوه … هذا صحيح.
أحمد: لم يبقَ لنا غير كيفية دخوله …
عثمان: ليس لنا طريق غير المبنى الرئيسي … وأنا الذي سيأتيكم بالخبر اليقين عنه …
وأكمل جملته وهو يقفز متخفيًا في الظلام … حتى اقترب من سور الأشجار الفاصل بين ساحة المبنى وساحة الفيلا، فأخرج رأسه من بين الأشجار يستطلع المكان … وكادت تكون المرةَ الأخيرة له برأسه … فقد انقض عليه كلبٌ شرس … وكاد أن يقطعه له … لولا سرعة قراره وخفة حركته … التي جعلته يجري ولا يتوقف حتى رأى «أحمد».
وفهمت «إلهام» من سرعة أنفاسه … والعرق يتصبَّب منه رغم البرد … مدى قوة الحراسة على المبنى الرئيسي … وتوقعت بعد ما حكاه لهم «عثمان» أن يكونوا في أثره.
وبدءوا يخططون لكيفية الهروب … واحتمال المواجهة … لولا جلبةٌ صادرة من أعلى سطح المبنى … قطعَت عليهم كلَّ ذلك …
وفي ثلاث بؤر مظلمة انبطح ثلاثتُهم … يراقبون ما يحدث فوق سطح المبنى … وقد انبطح فوقه ثلاثةُ رجالٍ مسلحين … بينما انشغل آخرون في حلِّ أجزاء الكشاف.
وأثناء انشغالهم في إصلاحه … زحف الشياطين على بطونهم حتى يتوارَوا عن مرمى بصرهم ونيرانهم … إلى أن صاروا خلف المبنى … فرأوا ما لم يصدقوه في بادئ الأمر.
إنه سُلَّمٌ مجدولٌ من الحبال، ومتدلٍّ من أعلى المبنى … وأعلنَت «إلهام» دهشتَها قائلة: لقد كنت أتصور أنهم خرجوا من داخل المبنى.
أحمد: هذا ما حدث …
إلهام: إذن ما معنى وجودِ السُّلَّمِ هنا؟
عثمان: معناه أنهم سينزلون عليه للبحث عنَّا بعد أن ينتهوا من إصلاح الكشاف.
أحمد: إذن ما رأيك في أن نسبقهم؟
عثمان: ما رأيك أنت؟
إلهام: وما رأيكم في أن أسبقكم أنا؟
وقبل أن يعترضَ أحدٌ أو يقترح آخر … كانت «إلهام» تنثني وتنفرد كالإسفنجة فوق الحبل … دون أن يصدرَ منها صوتٌ ولو خافتًا.
ففهما أن قرارها كان صائبًا … فهي أخفُّهم وزنًا وحركةً … وأكثرهم ليونةً … مما يجعلها الأصلحَ للتمهيد … وإزالة أيِّ عائقٍ يعترضهما … دون أن يشعر بها أحدٌ.
وفي صمتٍ تعلَّقت عيونهما بها … يراقبانها حتى توارت عنهما.
وبعد فترةٍ من الانتظار والترقب … رأوا السُّلَّمَ يرتفع لأعلى … فعرفوا أنها قد قُبضَ عليها …
فقال «عثمان»: وما العمل إذن … كيف سنعاونها في مهمتها في الداخل وليس لدينا سُلَّمٌ؟
أحمد: ومَن قال لك إننا سنحتاج لسُلَّمٍ؟
عثمان: كيف سنصعد؟
أحمد: ليس فيما أقوله لغزٌ؟
عثمان: إذن كيف سنصعد على سُلَّمٍ … وليس لدينا سلَّمٌ؟
أحمد: نحن ليس لدينا … ولكن هم لديهم.
عثمان: وكيف سنحصل عليه؟
أحمد: سنجعلهم يقبضون علينا.
عثمان: ماذا تقول؟
أحمد: ليس لدينا حلٌّ غير ذلك.
عثمان: وكيف سيروننا؟
أحمد: سنقف في مواجهة الكشاف.
عثمان: سيقتلوننا …