الكشاف!
لم تكن «إلهام» قد قُبض عليها كما ظن زميلاها عندما شاهدَا السُّلمَ يرتفع … بل هي التي رفعَته … فلم يكن هناك ممرٌّ يستطيعون دخول المبنى منه غير الذي يقف عنده الحرس.
والمكان الوحيد الذي يمكن الاختباءُ فيه … لا يتسع لأحدٍ غيرها.
ولو كان «أحمد» يعلم ذلك … ما وقف في ساحةِ المبنى منتظرًا أن يتمَّ إصلاحُ الكشاف ليروه ويقبضوا عليه.
وجرت الأحداث أسرع مما توقعوا … فقد رآهما أحدُ الرجال المسلحين … فصاح بأعلى صوته … مناديًا على مزيد من الجنود … آمرًا الجميع بإطلاق النار … وقتْل كلِّ ما يرونه.
ولم تتركه «إلهام» يُصدر المزيد من الأوامر … بل آثرَت أن يكملَها في الهواء فدفعَته بركلة قوية في وسطه … وقبل أن يلتفتَ لها الباقون … كان مدفع قائدهم قد وقع في يد «عثمان» الذي صوَّبه على الرجلين الواقفين بأعلى المبنى … فأرداهما قتيلَين.
وأصبح لدى كلٍّ منهما مدفعٌ آليٌّ خفيفٌ.
وقررَا في اتفاق سريع … أن يُعيدَا تدمير الكشاف.
وبعد أن يصوِّبَا إليه مدفعَيهما … وقبل اتخاذ قرار الإطلاق …
شاهد «إلهام» تقف بجواره فاتحةً ساقَيها … ممسكةً بيدٍ مدفعًا وبالأخرى تُشير لهما أن يفعلَا ذلك.
كانت المفاجأة أكبر من تصور زميلَيها … ولكنها كانت جميلة.
وفَهِمَا من إشارتها أنها ستُلقي لهما السُّلمَ … فجرى «عثمان» إلى جوار الحائط … تاركًا «أحمد» يحميه …
وبمجرد نزول السُّلم … قفز فوقه … ممسكًا درجاته بيد … وبالأخرى الرشاش … ولم ينتظر «أحمد» طويلًا … فقد رآه يقف بجوار الكشاف … شاهرًا مدفعه … ويشير له أن يصعد؟
غير أنه أشار له بعض إشارات … فَهِم منها أنه يفضل البقاء في ساحة المبنى لإحكام السيطرة من أعلى ومن أسفل.
وعند سُلَّم دخول المبنى وقفَت «إلهام» تنتظر ظهورَ أحدهم.
وعرفَت أن هناك خطةً تُعدُّ بداخل المبنى للقبض عليهم … فآثرَت ألَّا تتركَهم يفكرون بهدوء … وأن تدفعهم للاصطدام بهم.
فأطلقَت دفعةَ رشاشٍ من أعلى المدخل الموصِّل للمبنى … فلم يجاوبها أحدٌ ولو بطلقة واحدة … فنزلَت السُّلَّم في حذر ومدفعها مهيَّأ للإطلاق … حتى وصلَت إلى بابٍ حديديٍّ مواربٍ … فمدَّت مشطَ قدمها … بعد أن توارَت خلفه … ثم فتحَت في حذرٍ فلم ترَ سوى صالةٍ شديدة الاتساع خاليةٍ من الأثاث ومن الرجال.
ومن خارج المبنى سمعَت جلبةً … ورصاصاتٍ تُطلق من هنا وهناك.
فعادت سريعًا للسطح … فرأت «عثمان» منبطحًا على صدره خلف الكشاف … ومدفعه بجواره … فسألته قائلةً: ماذا حدث يا «عثمان»؟
عثمان: مجموعةٌ من الرجال المسلحين تملأ ساحة المبنى.
إلهام: وأين «أحمد»؟
عثمان: لا أراه بينهم.
إلهام: وما العمل … لن نستطيع دخول المبنى ونتركه.
عثمان: ألم تُلاحظي مَن كان يصلح الكشاف؟
إلهام: نعم لاحظتُه … لماذا؟
عثمان: أريد أن أعرف من أين أديره.
إلهام: أنا لا أعرف … هل أُديره لك؟
عثمان: نعم … وأعدِّي مدفعك.
ومن ساحة المبنى الخارجية … تعالَت صيحاتُ الألم من الرجال … عندما اصطدمَت عيونُهم بضوء الكشافِ القويِّ.
وجروا يهربون منه … و«عثمان» يطاردهم به أينما ذهبوا … إلى أن خرجَت أولُ طلقة من «إلهام» … أسقطَت أحدهم قتيلًا … وقطعَت الثانيةُ سكونَ الليل … وسكنت في صدرِ رجلٍ آخر … فسقط بجوار زميله … فأطلق الباقون وابلًا من الرصاص … تناثرَت هنا وهناك … فصاح فيهم «عثمان» قائلًا: ألقوا أسلحتكم.
فردوا عليه بمزيدٍ من الطلقات … فأطلق دفعةَ طلقاتٍ من مدفعه … أسقطَت منهم المزيد …
فصاح الباقون يُعلنون استسلامهم … ثم ألقوا أسلحتهم على الأرض.
فنادَت «إلهام» على «أحمد» قائلةً: اقبض عليهم يا زعيم.
وانتظرَت أن ترى «أحمد» يخرج من جوار البناية شاهرًا مدفعه … فلم يحدث فصاحَت في قلقٍ تقول ﻟ «عثمان»: أليس هذا الوقت المناسب لخروجه؟
عثمان: نعم … وسيخرج ويقبض عليهم.
إلهام: متى؟ … لقد تأخر.
وشعر أحد أفراد العصابة … أن الموقف يخرج من بين أيديهما … وأنه يستطيع اصطيادهما وهما يتحدثان … فمدَّ ذراعَه في نعومة … وأمسك بأحد المدافع وصوَّبه ﻟ «عثمان» … وانطلقَت في الهواء رصاصةٌ اخترقَت رأسَه.
وسقط منه المدفع … وقبل أن يسقط هو فوقه …
وصاح «عثمان» قائلًا: أرجو أن يكرِّرَها أحدُكم.
فقال واحدٌ منهم: وهل سنظلُّ جالسين هكذا؟
عثمان: لا … فلي عندك مهمةٌ ستقضيها لي.
الحارس: ما هي؟
عثمان: سأدور بالكشاف حول المبنى … وعليكم أن تدوروا مع الكشاف … على أن تكونوا دائمًا في دائرة الضوء ومَن سيخرج عنها … سأقتلك معه.
الرجل: ولماذا تقتلني معه؟
عثمان: لأني أشعر أن لك تأثيرًا عليهم … تحرَّك.
وبدأ «عثمان» يمسح المكان بالكشاف بحثًا عن «أحمد» والحراس يجرون مع الضوء وهم حريصون على ألَّا يخرجوا عن دائرته.
وأعجبت «إلهام» الفكرةُ … ورأَت أن لها فائدةً ثانية غير البحثِ عن «أحمد» … وهي إبعادهم عن أسلحتهم.
فأنزلَت السلَّمَ بعيدًا عن ضوء الكشاف … وجمعَت أسلحة الحراس فأفرغَتها مما بها من طلقات.
وبعد أن انتهَت من ذلك عادَت إلى السلَّم … فلم تجده.
فاستدارَت سريعًا شاهرةً مدفعها … تبحث عمَّن فعل ذلك.
فلم ترَ إلا ظلامًا … فقد دار «عثمان» بالكشاف … خلف المبنى.
فألصقَت ظهرها للحائط … ووقفَت مرهِفةً حواسَّها … مصغيةً سمعَها … مترقبةً ظهورَ أحدِ الحرَّاس.