النفق القاتل!
وما إن التقطَت أُذُناها حركةً قريبةً منها … حتى أطلقَت مجموعةَ طلقاتٍ في اتجاهها …
وانتظرَت أن تسمعَ مرةً أخرى … وقد توترَت أعصابها … فأطلقَت مجموعةَ طلقاتٍ أخرى … بمجرد أن سمعَت حركةً في الاتجاه الآخر.
وقبل أن تنتبهَ كانت حركتُها قد شلَّت … ومدفعها قد طار في الهواء.
وعندما عادت للمقاومة … سمعَت مَن يقول لها بصوت خافت: أنا «أحمد» يا «إلهام» …
فرحَت «إلهام» كثيرًا … وقالت له هامسة: ولماذا تفعل ذلك؟
أحمد: سأُخبرك بكلِّ شيء … ولكن لا تُصدري أيَّ صوت.
إلهام: وهل أنت الذي رفعتَ السلَّمَ؟
أحمد: بل فككتُه.
إلهام: ماذا؟
أحمد: لقد كنت أريد حبالًا لتقييد الرجال.
إلهام: وهل قيَّدتهم؟
أحمد: نعم …
إلهام: وهل «عثمان» يعرف؟
أحمد: لقد كان يحرِّكهم خلف الضوء … لكي أتمكنَ من اصطيادهم واحدًا تلو الآخر وأقيِّدهم.
إلهام: يا لَكم من شياطين … وكيف اتفقتما على ذلك؟
أحمد: بلغة الصفير.
إلهام: لم أسمعك … ولكن لماذا تتحرك بحذر … وتتحدَّث بهمس هكذا؟
أحمد: هناك مجموعةٌ من الحراس تُتابعنا من تحت الأرض.
إلهام: من تحت الأرض؟!
أحمد: نعم … فهناك سردابٌ تحتنا … وقد لمحتُهم من بعيد يرفعون مربعًا من أرض هذه المساحة … ورأيت قممَ رءوسهم تخرج منها … إلا أنهم عادوا سريعًا إلى أسفل … وعادَت أرض المكان إلى ما كانت عليه!
إلهام: وهل «عثمان» يعرف؟
أحمد: لا يعرف التفاصيل.
إلهام: ولكنه يعرف أن هناك رجالًا آخرين ليسوا تحت سيطرتنا!
أحمد: نعم … واصطياد هؤلاء الرجال سيمكِّننا من دخول المبنى من هذا السرداب.
إلهام: لذلك اتخذتَ قرارَ فكِّ السلَّم.
أحمد: نعم.
ومن أعلى البناية … صاح «عثمان» قائلًا: الآن فرضت سيطرتي على المكان.
الآن لا يستطيع أحدٌ أن يخالفَ أوامري … فأنا الملك هنا …
وتعجبَت «إلهام» وقالت: ما الذي يفعله «عثمان»؟
فابتسم «أحمد» وقال: هذا حقُّه … وسأردُّ عليه.
وجرى «أحمد» حتى صار في مواجهة الكشاف، وقال له: بل أنا الملك.
ثم أطلق دفعةَ طلقاتٍ … أصابت الكشاف فحطَّمَته … وتناثرَت ذراتُ الزجاج منه كالمطر.
وساد المكانَ ظلامٌ مخيفٌ … وعاد «أحمد» إلى «إلهام» فسلَّمها مدفعًا خزانتُه ممتلئة وتركها واختفى في الظلام.
وبعد دقائق من الانتظار مرَّت كالدهر … رأت «إلهام» جزءًا من أرض المساحة يتحرك … ثم يرتفع لأعلى … وأنوار عدد من الكشافات اليدوية تتراقص تحته … وعلى أضوائها رأَت مجموعةً من السواعد ترفع الغطاء … ثم عددًا من فوهات المدافع تظهر تحته … إلى أن خرجَت مجموعةٌ من الرجال يحملونه … وما إن أصبحوا خارج الفتحة … حتى أعادوا الغطاء إلى مكانه مرةً أخرى.
وأعطى كلٌّ منهم ظهرَه للآخر … وساروا يمسحون المكانَ بحثًا عن الشياطين، وما إن اقترب منها أولهم حتى استعدَّت … إلى أن رأَته في متناول بندقيتها … فضربَته بكعبها على رقبته … فصدر منه صراخ مكتوم … قبل أن يسقط على الأرض مغشيًّا عليه.
وهكذا فعلَت مع الذي يليه … إلا أنها لَحِقَته قبل أن يصطدمَ في الظلام بزميلِه الممدَّدِ على الأرض.
وفي الناحية الأخرى، كان «أحمد» يقوم بنفس العمل بمهارة … إلى أن انتهى منهم … فقيَّدهم بمجموعة من الحبال … خلَّصها من السلَّم … ثم استعان ﺑ «إلهام» في رفع غطاء السرداب … وهبطَا درجاتِ سُلَّمِه في حذرٍ … ثم أعاد الغطاء مرةً أخرى … وأكملَا هبوطَ السلَّمِ إلى أن وصلَا إلى نفق طويل مظلم … وأعلى حائطه الأيمن شريطٌ مضيءٌ بطول النفق … أعانهم على استكمال طريقهم فيه.
ولاحظَت «إلهام» أن طولَ النفق يزيد كثيرًا على المسافة بين مدخله والمبنى.
وشعرَت أنه يقودهم إلى مكان آخر.
وشعر «أحمد» بذلك أيضًا فقال لها: سيبحث عنَّا «عثمان».
إلهام: هل يعرف إلى أين نذهب؟!
أحمد: بل يعرف إلى أين كنَّا ذاهبين؟
إلهام: هل شعرت بأن النفق يأخذنا لمكانٍ آخر؟
أحمد: أخاف أن يكون فخًّا.
إلهام: ألم يخرج منه الرجال أمامنا؟
أحمد: «إلهام» … ألا ترَين أن مقدمة النفق تتحرك؟
إلهام: نعم … ولكن قد يكون ذلك من تأثيرِ الإرهاق.
أحمد: الإرهاق لا يرينا ظاهرةً واحدةً … ما دمنا اجتمعنا على شيءٍ فهو حقيقة.
إلهام: إنها تقتربُ أكثر …
أحمد: هل سنتوقف؟
إلهام: بل سنجري … اجرِ يا «أحمد» … إن سرعتها زادت كثيرًا!
وانطلقت «إلهام» تجري ومن خلفها «أحمد» … ومقدمة النفق تجري خلفهما … وكأنها تنوي الوصول به إلى نهايته … ثم تعصرهما بين فكَّيه.
وطالت مسافة العودة … ولم يتوقفا عن الجري … ولم يتوقف حائطُ النفق عن ملاحقتهما.
ونال منهما التعب … وتعثرَت أقدامهما أكثر من مرة … وفي كلِّ مرة … يُسرعان بالوقوف مرةً أخرى … ليكملَا الجريَ في فزع … فقد زادت سرعة الحائط … وقلَّت سرعتهما … ولم يَعُد لهما أملٌ في النجاةِ …