مكالمة هامة

خرج «جلال» و«سعد» و«سعيد» وبقيَ الأصدقاء الخمسة وقد أحسوا أن اختفاء الأمير أصبح موضوعًا مهمًّا لهم. فهناك معلومات جديدة يمكن الحصول عليها من هذا الولد العجيب «سعيد»، وقد يحصلون على معلوماتٍ أخرى عند زيارة المعسكر في اليوم التالي.

أما الأولاد الثلاثة، فقد اتجهوا إلى منزل عمهم الشاويش «فرقع» الذي كان في منزله يفكر في اختفاء الأمير … والمكالمة التليفونية التي تلقَّاها أمسِ من رئيسه المفتش «سامي» يطلب منه أن يبذل أقصى جهده في حل لغز اختفاء الأمير لاهتمام الحكومة بهذا الحادث الخطير.

ولم يكد «فرقع» يرى الأولاد الثلاثة حتى صاح فيهم: ماذا أتى بكم الآن؟ إنني مشغول جدًّا … إنني مشغول باختفاء الأمير «كريم» وليس عندي وقتٌ أضيعه معكم.

قال «جلال»: ولكن يا عمي … هناك معلومات هامة حصلنا عليها حالًا!

وقف الشاويش في اهتمام وقال: أية معلومات؟! هل ظهر الأمير؟ هل رأيتم الأمير؟ هل الأمير هنا! تحدثوا بسرعة لا تضيعوا الوقت.

قال «جلال»: لقد رأينا أخت الأمير الآن … وتحدثنا إليها.

الشاويش: أخت الأمير … هل أنت متأكد؟! إن الجرائد لم تذكر شيئًا عن أخت الأمير. ولم يقل لي المفتش «سامي» إن هناك أختًا للأمير!

جلال: إنها موجودة في المعادي، وقد قابلتها بنفسي الآن ومعي «سعد» و«سعيد» أليس كذلك يا «سعيد»؟

أحنى «سعد» و«سعيد» رأسيهما علامة الموافقة، فقال الشاويش: وأين هي الآن؟ يجب أن أقابلها فورًا.

جلال: إنها عند «تختخ» في منزلهم؛ فهي صديقة له ولبقية المغامرين الخمسة.

صاح الشاويش بغيظ: عند «تختخ»؟ إذن فهذا الولد وأصدقاؤه الملاعين يُريدون حل اللغز والوصول إلى الأمير قبلي! إذن فقد تدخلوا في الموضوع الخطر، ويريدون أن ينتصروا عليَّ مرةً أخرى … أبدًا لن أسمح لهم بذلك … لن أسمح بذلك أبدًا.

وبسرعة ارتدى الشاويش ثيابه، وترك الأولاد الثلاثة، وأسرع يركب دراجته في طريقه إلى منزل «تختخ» ولكنه في الطريق فكَّر قليلًا، لقد طلب منه المفتش إبلاغه بأي خبر جديد عن اختفاء الأمير، ومن الأفضل أن يبلغه بوجود الأميرة فورًا.

وأسرع الشاويش إلى أقرب تليفون، واتصل بالمفتش، وما كاد يسمع صوت رئيسه حتى وقف مشدود القامة وهو يقول: خبر هام يا سيدي المفتش … لقد عثرت على شقيقة الأمير المخطوف … إنها موجودة الآن في المعادي، وسوف أقبض عليها فورًا، وأستجوبها!

جاء صوت المفتش «سامي» عبر أسلاك التليفون مندهشًا قائلًا: تقول أخت الأمير! إن المعلومات التي عندنا لا تشير إلى وجود أي أخت للأمير في بلادنا! شيء عجيب جدًّا!

رد الشاويش وقد بدأ يرتبك: لقد علمنا الآن يا سيدي من مصدر موثوق به أن الأميرة شقيقة الأمير «كريم» في ضيافة إحدى العائلات هنا، وأنا في طريقي إليها الآن.

المفتش: أرجو أن تتأكد يا حضرة الشاويش من هذه المعلومات وأن تخطرني فورًا؛ لأن المسألة في غاية الأهمية.

وضع الشاويش سماعة التليفون، وقد أحس أنه أخطأ لأنه أبلغ المفتش بحكاية الأميرة قبل أن يتأكد منها، ولكنه على كل حال سيجد الأميرة … هكذا حدث نفسه، ثم قفز إلى عجلته وأسرع في الطريق إلى منزل «تختخ».

في تلك الأثناء كان الأصدقاء قد تفرقوا، وقد اتفقوا على أن يتقابلوا في صباح اليوم التالي، ويذهبوا إلى المعسكر؛ لمحاولة العثور على أدلَّةٍ عن اختفاء الأمير، والتحدث إلى «سعيد أبو لبانة» كما أطلقوا على الولد الصغير.

وهكذا … عندما وصل الشاويش إلى منزل «تختخ» ودخل يسأل عن الأميرة الصغيرة لم يجد سوى «تختخ» يجلس وحده في الحديقة، وهو يقرأ بقية الجرائد التي نشرت حادث اختفاء الأمير.

قال الشاويش: لا أحب أن أصطدم بك يا «تختخ» فاللغز الذي أعمل فيه الآن خطير جدًّا، وأنصحك ألَّا تتدخل.

قال «تختخ» بأدبٍ شديد: أي لغز يا حضرة الشاويش؟ إنني الآن في إجازة، وأحب أن أستمتع بها … وليس لي دخل في الألغاز ولا غيرها.

هز الشاويش رأسه في ارتيابٍ وقال: إذن ما سبب وجود الأميرة الصغيرة أخت الأمير المختفي عندك؟

أدرك «تختخ» ما حدث وعرف أن «جلال» أسرع ينقل إلى عمه ما شاهده في منزل «تختخ» فقال «تختخ»: ما دامت المسألة هامة جدًّا، واختفاء الأمير يسبب لك هذا الإزعاج، فما الداعي لأن تُطلق هذه التخريفات عن وجود أميرةٍ صغيرةٍ في المعادي … وعندي أنا بالذات؟

أحسَّ الشاويش أن مصيبةً وقعت على رأسه فقال بصوت يرتجف: هل تقصد أنه ليس هناك أميرةٌ هنا في منزلك؟

رفع «تختخ» يديه إلى فوق وقال: تستطيع أن تفتشني لعلي أخفيت الأميرة في جيبي … أما بالنسبة لمنزلنا، فأنت تعرف أنك لا تستطيع تفتيشه إلا بإذن النيابة، ولكني على حال أسمح لك بتفتيشه الآن … فإذا وجدت الأميرة فخذها هديةً مني!

احمرَّ وجه الشاويش أمام هذه السخرية فقال في حزم: أريدك أن تقول لي كلمة واحدة … هل الأميرة هنا؟

تختخ: لا.

الشاويش: ولم تكن هنا؟

تختخ: لا.

الشاويش: وليست هناك أميرة على الإطلاق؟

تختخ: هذا ليس من اختصاصي … فأنا لست على صلة بالأمير، ولا أعرف إن كانت هناك أميرة، أو ليست هناك أميرة … ولكني أنصحك أن تقوم بالبحث عن الأمير … وتنسى حكاية الأميرة هذه!

الشاويش متضايقًا: تنصحني … تقول إنك تنصحني!

تختخ: نعم … وأنت حر!

ثم عاد «تختخ» إلى قراءة الجرائد، بينما أمسك الشاويش دراجته، وانسحب من الحديقة، وقد دارت به الدنيا، فلم يعرف ماذا يفعل وكيف يقول للمفتش «سامي» ما حدث!

ولم يكد الشاويش ينصرف حتى كان المفتش «سامي» يتصل ﺑ «تختخ» تليفونيًّا.

قال المفتش: كيف حال المغامرين الخمسة … هل هناك معلومات عن حادث خطف الأمير؟

تختخ: ليست هناك معلومات حتى الآن … وأظن أن هذه القضية خارج اختصاصنا.

المفتش: إن المسألة مهمة جدًّا يا «تختخ»، أرجو أن تحاولوا جمع أكبر كمية من المعلومات.

أحس «تختخ» بقلبه يخفق بشدة؛ فهذه أول مرة يطلب منه المفتش التدخل لحل أحد الألغاز، فرد قائلًا: سوف نفعل المستحيل يا سيادة المفتش، سوف نحاول.

المفتش: بهذه المناسبة، ما رأيك في معلومات وصلتنا تقول إن الأمير «كريم» له شقيقة تُدعى الأميرة «كريمة» تُقيم في المعادي؟

تختخ: هل مصدر هذه المعلومات الشاويش «فرقع»؟

المفتش: من أين عرفت؟

تختخ: لأن هذه الأميرة لا وجود لها.

المفتش: ولكن الشاويش يقول إن أحد أقاربه قد رآها؟

تختخ: ما زلت أؤكد لسيادتك أنه ليست هناك أميرة بهذا الاسم في المعادي، وما يقوله الشاويش لا أساس له من الصحة.

المفتش: وكيف تستطيع هذا التأكيد؟

تختخ: لأن الأميرة التي رآها قريب الشاويش ليست سوى صديقتنا «لوزة» متخفية في ملابس الأميرات.

المفتش: إذن هذا مقلب مدبَّر منكم؟

تختخ: الحقيقة أننا لم نقصد تضليل الشاويش، والذي حدث أننا … وقبل أن يتم «تختخ» جملته قال المفتش: لا داعي لأن ترويَ لي القصة كلها … المهم أن تحاولوا الحصول على بعض المعلومات عن خطف الأمير؛ فقد يؤدي خطفه إلى أزمةٍ سياسية … إلى اللقاء.

وأغلق المفتش التليفون، وأمسك سماعة التليفون الآخر وسمع صوت الشاويش يرتعش وهو يقول: إنني … إن … إنني … هناك … مسألة … أقصد أن موضوع الأميرة … هذه الأميرة التي قلت لك …

المفتش: لا داعيَ للشرح يا حضرة الشاويش … ولكن لا بد أن تكون متأكدًا من المعلومات التي تُرسل لي … فليس هذا وقت الهزار والمعلومات الخاطئة … خذ بالك فالأمير خُطف بجوار المعادي، ومسئوليتك كاملة في البحث عنه والعثور عليه … فلا تترك الأولاد يضحكون عليك …

وانتهَت المكالمة والشاويش قد غطاه العرق، وقد أحس أنه خُدع خدعة كبرى، وظهر في نظر رؤسائه كطفلٍ صغير يضحك الأولاد عليه.

قال الشاويش في نفسه وقد تملَّكه الضيق: لن أصدقهم مرةً أخرى … وهذا الولد «جلال» الغبي … لو قال لي أي شيء آخر، فسوف أضربه … سأضربه. وأخذ يكرِّر كلمة «سأضربه» عدة مرات وهو يسير وقد أعماه الغضب فلم يدرِ إلى أين يسير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤