انفجار «إريان» (١٥)
قام «أحمد» بتسجيل هذا الأمر، وبعد لحظات ظهرَت عدةُ لقطات لرائدة فضاء أمريكية تُدعى «سالي رايد»، وهي تجلس أمام جهاز كمبيوتر بداخل المكوك … لتتحكم عن طريقه في تحريك الذراع الآلية.
وبدأت الصورة تتحرك على شاشة الكمبيوتر وسط انتباه ومتابعة الشياطين لتعرض أولَ تجربة لاستخدام الذراع؛ وذلك بقذف صندوق ألماني الصنع أُطلق عليه اسم (سباسوا-١) في الفضاء، ليبتعدَ عن المكوك مسافة ٨٥٠ مترًا، وظل طافيًا خارجَ المكوك عشر ساعات، حتى أمكن استعادته بالذراع الآلية مرة أخرى، وأدخل المكوك ثانيةً بمعاونةِ رائدَي الفضاء، وكانَا يتحركان بمرونة شديدة خارج المكوك، عن طريقِ كرسيٍّ نفاثٍ لكلٍّ منهما.
أثارَت التجربةُ إعجابَ الشياطين وانبهارَهم … وحرَّكَت على ألسنتهم الأسئلةَ والتعليقات.
وبالطبع كان أول مَن قطع صمْتَهم هو «عثمان» بقوله: هل هذه الكراسي مزوَّدة بصواريخ دفع؟
ضغط «أحمد» بعضَ الأزرار … فأجابهم صوتٌ في الكمبيوتر قائلًا: الكرسيُّ مزوَّدٌ بمستودع الغاز المضغوط … يخرج من (٢٤) فتحة نفث؛ تسمح بالحركة في ثلاثة اتجاهات قربًا أو بعدًا عن المكوك.
قيس: وهل يستطيع البُعد عن المكوك مسافة كبيرة؟
الكمبيوتر: عدة كيلومترات.
إلهام: وهل به مستودعٌ للأكسجين؟
الكمبيوتر: الكرسيُّ مزوَّدٌ بمستودعٍ للأكسجين الذي يحتاجه الرائد للتنفس.
ريما: وهل تكفي كميةُ الأوكسجين المزود بها الكرسي … لبقاء الرائد في الفضاء لفترة طويلة؟
الكمبيوتر: في سبتمبر عام ١٩٨٥م تمكَّن رائدان أمريكيان من الخروج من المكوك «ديسكفري»، والبقاء خارجه لمدة سبع ساعات وربع الساعة.
بو عمير: وماذا كانَا يعملان في هذه المدة؟
الكمبيوتر: قضياها في إصلاح قمر صناعي كان مُعطلًا في الفضاء قبل ذلك بعدة شهور لعدم بلوغه المدار.
وكأنما وصلَت «إلهام» إلى ما تريده؛ فقد توجَّهَت إلى «أحمد» الذي كان يُسجِّل استفساراتِهم … ليردَّ عليها الكمبيوتر وسألَته قائلة: أي أن هذه الذراع وهذا الرائد، يمكنهما بمعاونة الكرسي النفاث القبض على الأقمار الصناعية.
تسمَّرَت أصابع «أحمد» فلم يبحث عن إجابة للسؤال على الكمبيوتر.
وكأنه قرأ ما يدور في رأسها، فسألها قائلًا: أتقصدين أن «النايل سات»!
عثمان: من الممكن اختطافه بنفس الطريقة؟!
إلهام: هذا ما دار برأسي … منذ رأيتُ مكوك الفضاء، والذراع الآلية المزوَّد بها.
ريما: لا أعتقد أن ذلك يمكن حدوثه.
أحمد: لماذا؟
ريما: إن مكوك الفضاء تملكه دولة كبيرة كالولايات المتحدة الأمريكية … واستغلال الفضاء، تحكمه مواثيق واتفاقات دولية.
إلهام: الكثير من المواثيق والاتفاقات الدولية الآن لا تُحترم … وأصبح التعامل بين الدول وبعضها يخضع لمبدأ الولاء وتغليب المصلحة الذاتية.
بو عمير: إنه إرهاب كوني!
قيس: هذا إذا كان من الممكن حدوثه.
أحمد: أنا إلى الآن غير مقتنع بما يقال.
إلهام: وهل ما يحدث للدول العربية الآن … أمر مقنع؟
ريما: ولكن الاتفاقات الدولية!
باسم: وأين هي الاتفاقات الدولية التي تُحترَم! لقد وقَّعَت أكبرُ دول العالم على اتفاقية سلام بيننا وبين «إسرائيل» … فهل احتُرمَت؟
أحمد: إذا صدَّقت أن ذلك من الممكن حدوثه … فكيف أُصدِّق أن هناك مَن يستطيع دفع ٥٠ مليون دولار من أجل مهمة كهذه!
عثمان: ٥٠ مليون دولار؟!
أحمد: نعم … إنها تكلفةُ إطلاق قمر صناعي عن طريق المكوك … وستكون تكلفة القبض على قمر صناعي، وإضاعته في الفضاء قريبة من ذلك.
إلهام: ألم يَقُل رقم «صفر» إن «النايل سات» يُهدِّد حلم دولة؟
أحمد: نعم!
إلهام: ألَا يساوي حلم دولة مئات الملايين؟!
عثمان: إنهم يُنفقون المليارات على الإرهاب الدولي!
قيس: ويعرفون كيف يستعيدونها مضاعفة.
أحمد: إذن وصلنا إلى نقطة اتفاق. غير أني ما زلتُ مقتنعًا بأن ذلك لن يتمَّ بشكل طبيعي.
زبيدة: ماذا تقصد؟!
أحمد: أقصد أنه سيتمُّ من وراء ظهر الحكومات ووكالات الفضاء.
إلهام: إذن علينا تسجيلُ ما وصلنا إليه … وإعداد تقرير عاجل قبل اجتماع الغد يشتمل على جميع تصوراتنا.
كان الليل قد حلَّ … وخلا مركزُ المعلومات من شاغليه، فانتقل إليه الشياطين يتخذون أماكنهم خلف أجهزة الكمبيوتر ويسجل كلٌّ منهم تصوراتِه … وتوقعاتِه، وفجأة … اختفَت البيانات من على كلِّ شاشات الكمبيوتر … لتتحوَّل إلى اللون الأزرق قبل أن يظهر أعلى يمين الشاشة شعارُ مركز معلومات قيادة المقر … الذي أخذ في النمو حتى ملأ الشاشة، ثم اختفى وظهر بدلًا منه صاروخٌ ضخم يستعد للإقلاع من إحدى محطات الإطلاق … وفي منتصف الشاشة … كتب بالإنجليزية وبالخط العربي «إريان ١٥» سبتمبر ١٩٨٥م. واختفت الكتابة … وظهر أسفل يمين الشاشة العد التنازلي استعدادًا للإطلاق.
توتَّرَت أعصابُ الشياطين … وبلغ تركيزُهم الذروة وهم يرَون الأرقام تتناقص في سرعة الجزء من عشرة من الثانية.
وعندما توقَّفَت الأرقام عند الصفر، خرج دخانٌ كثيف من أسفل الصاروخ، وانسحبَت في هذه اللحظة كلُّ الكباري التي تَصِله بمنصة الإطلاق.
زادَت كثافةُ الدخان … إلى أن حدث ما يُشبه الانفجار في قاعدة الصاروخ واختلطَت سحابات الدخان الكثيف بألسنة اللهب المتعددة الألوان … وترنَّحَت المنصة، بمجرد أن انطلق الصاروخ ليرتفع في عنان السماء.
وتلاحقَت الدقائق … والصاروخ يخترق الفضاء شاقًّا طريقَه بعيدًا عن الجاذبية الأرضية.
وبعد دقائق انفصلَت عنه المرحلة الأولى … ليُكملَ بنجاح انطلاقَه وتحطيمَه لحدود المستحيل … لتنفصل عنه بعد دقائق أخرى المرحلة الثانية، فيخف وزنه أكثر وتزداد سرعتُه، ويقترب من تحقيق الهدف من إطلاقه … وهو وضعُ قمرَين أحدهما «أمريكي» والآخر «أوروبي» في مدارهما.
وأسفل يمين الشاشة يظهر رقمٌ يقلُّ بسرعة شديدة … ويتحدث «أحمد» قائلًا: إنه الزمن الباقي لانطلاق المرحلة الثالثة والأخيرة.
وتلاحقَت الأرقام، وانحدرَت في سرعة شديدة إلى أن وصلَت إلى الصفر، وانتظر الشياطين أن تنفصل المرحلة الثالثة … إلا أنها لم تنفصل … وظهر العلماء في قاعدة الإطلاق وهم يتقافزون بين الأجهزة في محاولةٍ لفهم ما يحدث … وما بين ثورتهم وصياحهم … وصمت الشياطين وترقُّبهم … انفجر الصاروخ بما عليه من أقمار …