أحمد رائد فضاء
المعلومات وفيرة وغزيرة عن عالم الفضاء … فما تحقق من إنجازات في الرُّبع الأخير من القرن العشرين كان كثيرًا.
وإعدادُ تقرير مختصر عن هذه الإنجازات للاستفادة منه في اجتماع هذا المساء مع رقم «صفر» كان أمرًا شاقًّا ومحيِّرًا.
إلا أن اقتراح «إلهام» بالتركيز على «الذراع الآلية» وقدرة «مكوك الفضاء» على القبض على «الأقمار الصناعية» سهَّل المأمورية كثيرًا على الشياطين … فقد ضيَّق مجالَ البحث، وجعل مهمةَ التنسيق بين المعلومات يسيرة.
وقبل الاجتماع بدقائق … كان الشياطين قد راجعوا ما أعدُّوه من تقارير.
واتخذوا أماكنَهم خلف أجهزة الكمبيوتر.
وقبل الميعاد بثوانٍ، ظهر شعارُهم أعلى يمين الشاشة يُومض وميضًا متقطعًا … ثم تحوَّلت الشاشة إلى اللون الأزرق … واصطفَّت عليها خطوطٌ بيانية رأسية … تحرَّكَت طولًا وقصرًا … عندما ألقى عليهم رقم «صفر» تحيةَ المساء.
ثم بدأ الاجتماع قائلًا: لقد أعجبني أسلوبكم في العمل … وأرضاني كثيرًا ما توصَّلتم إليه … وسأبدأ الاجتماع هذه المرة، بالسماع إلى أسئلتكم … ولنبدأ ﺑ «أحمد».
أحمد: عرضَت علينا قيادةُ المقر مساء أمس فيلمًا عن صاروخ «إريان»، وكان يحمل قمرين أحدهما أوروبي.
رقم «صفر»: والآخر أمريكي.
أحمد: نعم … ولكنه انفجر في المرحلة الثالثة … ولم نعرف سببَ انفجاره.
رقم «صفر»: لقد حدث به عُطل … ولم تنفصل المرحلة الثالثة، فتمَّ تفجيرُه في الفضاء قبل أن يتسبَّب في خسائر مُروعة … إذا ما تحوَّل إلى جسم شارد، ليصطدمَ بكلِّ ما يُقابله من أقمار.
إلهام: أكان الخطأ هنا خارجًا عن الإرادة.
رقم «صفر»: ليس هناك خطأ لم يتسبَّب فيه بشر … وهذا الصاروخ الخامس عشر بالنسبة لهم.
عثمان: هل كان خطأً مقصودًا، أم غير متعمد؟
رقم «صفر»: لم يستطع أحدٌ تحديدَ ذلك … وسأعرض عليكم الآن فيلمًا آخر … لحادثة مُشابهة ولكنها مُروعة …
ريما: انفجار «تشالنجر»!
رقم «صفر»: نعم يا «ريما» … وقد عرضَته قنواتُ التليفزيون المختلفة.
إلهام: هل هناك ربطٌ بين الحادثتَين؟
رقم «صفر»: لا … ولكني أدعوكم للاستنتاج.
اختفَت المعلومات البيانية من على شاشات الكمبيوتر، وظهر شعارُ مركز المعلومات يومض متقطعًا، ثم اختفى هو الآخر … ليملأ الشاشة مكوك الفضاء «تشالنجر» … وهو يرتفع في الفضاء قابعًا فوق مستودع عملاق، يتوسط صاروخَين صغيرَين نسبيًّا.
وسمع الشياطين صوتَ رقم «صفر» يُعلق على ما يرونه قائلًا: هذه هي المرحلة العاشرة ﻟ «تشالنجر» والتي كانت في آخر يناير عام ١٩٨٦م.
أحمد: أليست هذه المُدرسة «كريستا»؟
رقم «صفر»: نعم … وقد تم اختيارها من بين ١١١٠٠٠ مُدرس ومُدرسة تقدَّموا لهذه المُهمة.
إلهام: لقد كان ينتظرها ملايين الطلاب على شاشات التليفزيون لتُلقيَ عليهم دروسًا من الفضاء عن انعدام الجاذبية وتأثيره على حركتها وعلى نمو النبات.
ريما: لقد تجمَّع (١٢٠٠) من طلبتها لمشاهدة عملية الإطلاق.
رقم «صفر»: نعم وكأنهم اجتمعوا لوداعها … يا لَه من حادث مُروع …
أترَون كيف كان الانفجار رهيبًا!
قيس: ولماذا كان بهذا الحجم؟
رقم «صفر»: لقد حدث ثُقب في مستودع الوقود السائل الذي يتعلَّق به المكوك والذي يتوسط الصاروخَين، مما أدَّى إلى تسرُّب الوقود وحدوث الانفجار نتيجة لاشتعال ما يقرُب من «نصف مليون» جالون من الهيدروجين والأوكسجين المُسيل تحت ضغط كبير.
أحمد: وما سبب هذا الثقب.
رقم «صفر»: يقول المراقبون إن صاروخ الدفع الأيمن الذي يعمل بالوقود الجاف تسرَّب منه غازاتٌ مشتعلة من إحدى وصلاته المواجهة لمستودع الوقود.
إلهام: ولماذا مستودع الوقود؟
رقم «صفر»: لتزويد محركات المكوك بالوقود بعد أن ينفصل عنه الصاروخان.
أحمد: أي أن الصاروخَين يرفعان المكوك إلى الفضاء الخارجي، ثم ينفصلان عنه لتبدأ محركاتُه في العمل وتدفعه إلى المدار المخصص له.
رقم «صفر»: هذا صحيح … ومن ذلك ترَون أن هناك أخطاء بشرية يمكن وقوعها بقصد أو بغير قصد … ولا يمكن اكتشافها … وتؤدي إلى كوارث وخسائر بالمليارات.
إلهام: هذا ما كنت أقصده.
رقم «صفر»: لا أفهم.
إلهام: لأنه من المستبعد أن تقوم وكالة فضاء، أي وكالة فضاء بعملية قرصنة فضائية … وتستولي على قمر صناعي يخصُّ دولة ما … سيكون البديل هو بثُّ عميل … عالمًا كان أو مهندسًا أو فنيًّا في ورش التصنيع أو مركز اتخاذ القرار … أو معامل التجهيز.
ريما: ويقوم هذا العميل بتنفيذ ما رأيناه من تخريب … أدَّى إلى انفجار الصاروخ «إريان» والمكوك «تشالنجر».
ولكن ذلك حدث في مرحلة الإطلاق … مما يجعل الأمرَ يبدو وكأنه خطأٌ غير مقصود … أمَا وقد ثبتَ القمر في مداره … فلا يمكن لأحد الاقتراب منه وإلا سيُفتضح أمرُه وأمرُ مَن وراءه.
أحمد: تفهم من ذلك أن «النايل سات» لا خوفَ عليه الآن؟
رقم «صفر»: ما وصل إلينا من معلومات في الفترة الأخيرة يُوحي بغير ذلك … ففريق الخبراء الذي أرسلناه إلى وكالة الفضاء الأوروبية «أيسا» قد تعرَّض لمحاولات فرض صداقة بعض العاملين بالوكالة، وكذلك وكالة «ناسا» الأمريكية.
إلهام: أي لم يعرضوا صداقتهم فقط … بل فرضوها عليهم.
رقم «صفر»: نعم … وقد طلبوا منهم أن يعملوا معهم في برنامج مصر لأبحاث الفضاء، والذي تنوي به دخولَ عصرِ بناء الأقمار وتصنيع الصواريخ الحاملة لها.
ريما: وهل قَبِلوا؟
رقم «صفر»: عندما وصلَتنا الأخبار … طلبنا منهم مجاراتهم … لنعرف أهدافَهم الحقيقية ومَن وراءَهم … وبمتابعتنا لهم ومراقبتهم على مدى أربع وعشرين ساعة يوميًّا … عرفنا أن لهم صلةً وثيقة بجهاز المخابرات التابع لتلك الدولة صاحبة الحكم التوسعي … واستطعنا التوصُّلَ إلى بعض الرسائل المتبادلة بينهم، والتي عرفنا منها ما هو نشاطهم، وما الهدف من وجودهم في وكالات الفضاء … وعرفنا أنهم يُسرِّبون معلوماتٍ غايةً في الأهمية عن أسرار أبحاث الفضاء في هذه الوكالات … وأيضًا يقومون بعمليات التخريب التي تكلَّمنا عنها … بناء على أوامر من هذا الجهاز.
أحمد: وعن طريقهم عرفتم بنيَّتِهم في اختطاف «النايل سات».
رقم «صفر»: ما عرفناه أن هناك نيةً للتخريب … المهم عندهم هو التخلص منه.
وقد طلبنا منهم مقابل إلحاقهم للعمل في برنامج أبحاث الفضاء المصري … أن يرشحوك للصعود كرائد فضاء … في رحلة «تشالنجر» القادمة.
سرَت همهماتٌ بين الشياطين …
وأخذَت «أحمد» المفاجأةُ؛ فلم يستطع الردَّ على رقم «صفر» الذي سأله قائلًا: ألستَ مستعدًّا لهذا العمل وهذه الرحلة؟
أحمد: ما كان ليخطرَ ببالي أني سأخرج من نطاق الجاذبية وبالذات على متن مكوك فضاء!