انطلاق الكرة الأرضية!
عندما وصل خبراءُ مركز الأبحاث كان الشياطين يجلسون خلف أجهزة الكمبيوتر … يستعلمون من الكمبيوتر المركزي عن أنواع المفرقعات الحديثة … وأصغر حجم للقنابل النووية وشروط انفجارها.
وما إن رأوا الخبراء تهلَّلوا … وتحفَّزَت حواسُّهم … والتفُّوا حولهم وهم يُديرون أجهزتهم … ويمسحون بها المجالَ المحيط بالكرة.
وبعد فترة قصيرة من الفحص طلب كبيرُهم … أن يقوموا بإخراجها إلى حديقة المقر؛ لأنه سيقوم بالكشف إشعاعيًّا عليها … قبل أن يفتحَها ليرى محتوياتها، وعندما سأله «أحمد» عن السرِّ في عدم الكشف عليها إشعاعيًّا في نفس المكان … أخبرهم أن هذا الكشف قد يحفز المواد الداخلة … في التفاعل والتي تُسبِّب انفجارَها (هذا في حالة ما إذا كانت قنبلة).
واقترح عليهم «قيس» نقْلَها إلى طريق إسكندرية الصحراوي … فما سَمِعه لا يُطمئن، ووافق الموجودون جميعًا على هذا الاقتراح وتمَّ نقلُ الكرة … وإبلاغ السلطات المختصة … حتى تكون على علمٍ إذا ما وقع انفجار.
ومن جانبها وزَّعت إدارة الإعلام بوزارة الداخلية نشراتٍ توضيحيةً لطبيعة هذا الانفجار … على مندوبي الإذاعات ومحطات التليفزيون والجرائد … الموجودين بالوزارة حتى يتمَّ إذاعتُه إذا ما انفجرَت هذه الكرة … ولا تحدث بلبلة بين الناس وجلسوا في سياراتهم ينتظرون جهاز الكشف الإشعاعي عن بُعد … وكانت فرصة الشياطين؛ فقد تمكنوا من الوصول قبل أن تبدأ العملية.
وتجاوزَت سياراتهم بعيدًا عن موقع الكرة … والتفُّوا حول الخبراء، يناقشونهم فيما لو كانت هذه الكرةُ قنبلةً أو جهازَ تنصُّت … وقبل أن يُجيبَهم الخبراء كانت طائرة هليكوبتر حربية تدور في سماء المنطقة … ثم توقَّفَت في الهواء … فوق موقع الخبراء، وانفتح بابُها، ونزل منه حبلٌ مربوط فيه جهاز لاسلكي للاتصال.
ومن أعلى أشار لهم الضابط الجالس بجوار قائد الطائرة، يطلب منهم التقاطَه، فقام كبيرُ الخبراء بتخليصه من الحبل … ثم عبث ببعض الأزرار … فسمع صوتَ القائد يُحيِّيه، ويطلب منه شرحَ الموضوع بدقة … وما أسفر عنه الكشف بالموجات وفي نهاية الحديث، طلب منهم الابتعادَ قدرَ ما استطاعوا عن المكان.
فاختلط صوتُ قرقعة الأبواب بصوت دوران محركات السيارات، وانطلق الجميع بعيدًا عن موقع الكرة، ليقفوا على حافة دائرة كبيرة — قُطرها يزيد على مائة متر — تحيط بها.
وحول المكان … دارَت الطائرة أكثر من دورة … ثم توقَّفَت في الهواء ولكن بعيدًا عن المجال الرأسي للكرة بعدة أمتار … وفي قاعدتها انفتح بابٌ مستديرٌ أطلَّت منه ماسورة وتحرَّكَت يمينًا ويسارًا وكأنها تنظر حول الكرة … ثم توقَّفَت عن الحركة تمامًا.
ومن جهاز اللاسلكي في يد كبير الخبراء علا صوتُ نداء الضابط.
وبعد أن أجابه … أخبره بأنه سيعدُّ تنازليًّا من رقم خمسة حتى الصفر، ثم يُطلق أشعة جاما على الكرة، ويعرفون النتيجة.
ومع صوت الضابط، قام كلٌّ منهم بالعدِّ في نفسه.
وعندما اقتربوا من نهاية العد … توتَّرت أعصابهم … وتحفَّزت حواسُّهم، وجحظَت عيونهم … وهم ممسكون بالنظارات المعظمة في انتظار انفجار مروع يهزُّ المنطقة، وألسنة لهب تطول السماء، وسحابات دخان تُخبئ الشمس وتُظلم المكان.
وكان «أحمد» الوحيد الذي لم يتوقع هذه النتيجة … وانتظر أن تكشفَ نتيجةُ الجس والاستكشاف عن وجود أجهزة تجسس على أحدث طراز وبهذا لا يكون حادثًا إرهابيًّا عاديًّا.
ولكن طبيعة العصر … عصر الفضاء، كانت تُخبئ للشياطين، وللخبراء وللضباط، ما لم يتوقعوه، فعند الرقم «صفر» صمت الجميع … وبعده بلحظات شاهد الجميع وهم في حالة ذهول … الكرة الأرضية تدور حول نفسها في سرعة تزيد، وتزيد، وتزيد بصورة غير طبيعية، وترتفع عن الأرض … ببطء … فأطلق الضابط عليها من الطائرة عدةَ طلقات، إلَّا أنها ارتفعَت إلى السماء في سرعة مذهلة، واختفَت عن العيون … وسط دهشة وذهول، وعدم تصديق الجميع، وحسرة «أحمد» وحزنه … فقد كانت هذه المركبة هدية الأقدار لهم … وقد ضيَّعها خوفُهم.
والتفَّ زملاؤه حوله، وهم يرَون مشاعر الحزن وقد ارتسمَت على وجهه مما أثار حيرتهم … وجعلهم يتساءلون عن سبب ذلك الحزن، أَلأنها لم تنفجر أم أنها ضاعت منه؟!
وإنهاءً لهذا الموقف، طلب منهم «عثمان» ركوبَ سياراتهم للعودة إلى المقر؛ فتفسير ما حدث يحتاج لساعات عمل طويلة … بل لأيام إن لم يكن شهورًا.
فقالت لهم «إلهام»: يجب أن نستشيرَ خبراء المنظمة.
قيس: معكِ حق!
وقبل أن يتوجَّه إليه الشياطين، كان كبيرُ الخبراء قد حضر إليهم … يطلب منهم عدمَ مغادرة المكان … بناءً على أوامر عُلْيا أبلغها له الضابط الذي كان في الطائرة.
وفي هذه اللحظة، انتبه «أحمد» لِمَا يحدث … فقام بالاتصال برقم «صفر»، وأخبره بالموقف الذي أصبحوا فيه.
وبعد دقائق معدودة، تلقَّى كبيرُ خبراء المنظمة اتصالًا على تليفونه المحمول سمح بعده للشياطين بالانصراف … ليس هذا فقط، بل عقب انصراف آخر سيارة للشياطين، انصرفَت سيارته.
وقبل أن يغادروا المكان كان الطريق الرئيسي قد ازدحم بسيارات الأسلحة المختلفة لوزارة الدفاع من الحرب الكيماوية، حتى الدفاع الجوي مرورًا بالحرب الإلكترونية.
واستوقفَت وحداتُ البوليس الحربي سياراتِ الشياطين، ومعهم سيارةُ الخبير وطلبوا منهم النزول، وحاول كبيرُ خبراء المنظمة شرْحَ الأمر … إلا أنهم لم يسمعوا له واصطحبوه معهم إلى سيارة مصفحة.
وآثر بقيةُ الشياطين النزولَ والركوب معهم بدلًا من أن يعرِّضوا أنفسهم لمعاملة غير لائقة، وبالفعل قام كلٌّ منهم بإيقافِ محرِّكِ سيارته … وغلق أبوابها … واستقلوا السيارة المصفحة مع خبير المنظمة.
وشعروا بعد دقائق بالموكب يتحرك على طريق مُمهد ثم بدءوا يشعرون باهتزازات عنيفة، وميل شديد ذات اليمين، وذات اليسار وكأنهم يسيرون فوق جبالٍ وطُرُقٍ غير مُمهدة.
ودفعهم ذلك إلى التساؤل إلى أين هم ذاهبون؟
إن مواقع قيادات أفرع القوات المسلحة تقع كلُّها إما في المدينة أو على أطرافها!
والطرق التي تؤدي إليها كلُّها ممهدة!
إذن … إلى أين هم ذاهبون؟!
الضياع في الصحراء!
لم يشغل «أحمد» بالَه كثيرًا بما يحدث؛ فهو يعرف أنه في أيدٍ أمينة وأن ما يجري لمصلحة «مصر» ولمصلحتهم شخصيًّا. لذلك لم ينتبهِ كثيرًا لما قالَته «ريما» من أنهم يشتبهون فيهم … وأنهم لا يعرفون مَن هم … وهم الآن لا يستطيعون الاتصالَ برقم «صفر» ولا بالمنظمة.
فأجهزة الاتصال، وتليفوناتهم المحمولة ليست معهم …
فقد تركوها في سياراتهم بناءً على أوامر الضباط.
إذن ما العمل؟
وعندما لم تحظَ «ريما» بإجابة من «أحمد» انتقلَت إلى جوارها «إلهام»، وقالت لها: ألَسْنا بين أيدي ضباطٍ مصريِّين؟
ريما: نعم.
إلهام: أليست قيادة منظمتنا مصرية؟
ريما: نعم … ولها اتصالٌ بكلِّ القيادات الأمنية.
إلهام: إذن لماذا أنتِ قلقة؟
ريما: أنا قلقة على «النايل سات»، والمهمة المكلَّف بها «أحمد».
وما إن سمع اسم «النايل سات» والمهمة التي عليه إنجازها، حتى تهلَّلَت أساريره، وشعر أنه سيطير قريبًا ليكون بجوار هذه الكرة التي خلبَت لُبَّه.
فانتقل للجلوس بجوارهما … وسألهما قائلًا: عمَّ تتحدثان؟
إلهام: «ريما» تتحدث عن مهمتك التي ستتأخر بهذا الإجراء الذي اتخذه هؤلاء الضباط.
أحمد: أعتقد أن الأمر تحت السيطرة … فما دامَت الوزارة شاركَتنا في الكشف عن ماهية الكرة بطائرة، وأجهزة وخبراء … فهي على اتصال بالمنظمة!
إلهام: لك حق في ذلك، ولكن هل تعتقد أن هذه الكرة من صُنع أهل الأرض؟
نظر لها «أحمد» مليًّا …
فقالت لها «ريما»: لا تُثيري أشجانه … ولنفكِّر نحن في هذا الأمر بأسلوب منطقي، وعندما نَصِل إلى نتيجة …
إلهام: سنُشارك فيها «أحمد».
عثمان: «أحمد» فقط؟
إلهام: أتعرف عمَّ نتحدث؟
عثمان: لا …
دائمًا ما كان «عثمان» هو البسمة التي تُضفي على اجتماعات الشياطين جوًّا من المرح، ولا يعني ذلك أنه لا يكون جادًّا حيث يكون الجد … بل إن «أحمد» يعتمد عليه كثيرًا في مهامِّه … فهو القاسم المشترك له في معظم المهام … إن لم يكن كل المهام الخطيرة … والغاية في الخطورة التي يُكلَّف بها.
طال المسير بالسيارة المصفحة … وعندما تسرَّب المللُ إلى الشياطين … توقَّفت عن الحركة.
وسمعوا صوتَ أبوابها الأمامية تُفتح.
وصوت أقدام تصطدم بالأرض …
ثم سمعوا صوتَ مقبض الباب الخلفي يتحرك.
وينفتح الباب على مصراعَيه.
ليبدوَ الضوء خارج السيارة خافتًا.
فقد أوشك النهار على الرحيل.
ورأوا وجهَ الضابط المبتسم … أكثر إشراقًا وهو يطلب منهم النزول، وتنفَّسوا جميعًا الصعداء؛ فهم لم يتعودوا إلا على القيادة … والحركة والمواجهة والكر والفر.
لم يجربوا مرة أن يشحنوا في سيارة، لنقلهم إلى مكان ما.
ووجدوا أنفسهم في طريق ضيق وحولهم صحراء مترامية الأطراف.
وطلب منهم الضابط السير على أقدامهم لاستكمال الطريق.
فجحظَت عيونُ الشياطين وهم ينظرون إليه غير مصدقين.
وانطلق خبيرُ المنظمة في سلسلة من الأسئلة المستنكرة للضابط.
قائلًا له: كيف تتركنا هنا في هذه الصحراء وحدنا … وليس معنا ما يعيننا على السير فيها … ألَا ترى أن الليل قد حلَّ؟
أليست الصحاري مسكونةً بالحيوانات المتوحشة؟
الضابط: إنها الأوامر.
كبير الخبراء: أوامر مَن؟
هل أنت حقًّا ضابط الجيش المصري؟
ابتسم الضابط ولم يُجِب.
وقائد السيارة المُصفحة يُتابعهم وهو مشفقٌ عليهم.
وفي حركةٍ مباغتة قام «أحمد» بشلِّ حركةِ الضابط وهو يقول له: يجب أن نعرف مَن أنت.
ولماذا تفعل بنا ما تفعله؟
ومَن الذي أمرك بذلك؟
الضابط: ما تفعله يُمثل جريمة.
أحمد: وهل ما تفعله أنت لا يُمثِّل جريمة؟
الضابط: أنا أُنفِّذ الأوامر.
كبيرة الخبراء: ألَا تعرف مَن نحن؟!
الضابط: لا … وإن لم تُعِدْني الآن … فستعرض نفسك للمحاكمة!
أحمد: المحاكمة أفضل من الموت.
في هذه اللحظة … سلت الضابط ذراعَيه من قبضتَي «أحمد»، ودار حول ساقه كالفراشة وطرحَه أرضًا …
وانطلق الشياطين يلتفُّون حوله.
لولا أنهم سمعوا أصواتَ قائد السيارة يأمرهم أن يتركوه.
وعندما التفتوا إليه، وجدوه وقد وجَّه إليهم ماسورةَ مدفعه النصف آلي … وشعر الشياطين أن الضابطَ لا يعرف شيئًا وأنه يُنفذ أوامرَ صدرَت له فتركوه يستقل السيارة، ومن خلفه قائدها الذي كان بإمكانهم الإطاحة به وبسلاحه.
وقبل أن يرحل سألوه عن أيِّ الاتجاهات يسلكون؟
فأشار لهم أن يُكملوا الطريق … ثم استدار هو عائدًا.
وشعروا بداخلهم أن في الأمر شيئًا، وأن هناك مهمةً تنتظرهم … فلا أحدَ يستطيع التنكُّرَ في زيِّ ضابط جيش، ولا أحدَ يستطيع استعمالَ مركباتهم غيرهم.
وصاح فيهم «أحمد» كي ينطلقوا؛ فالنهار لم يتبقَّ منه إلا بصيصُ ضوء وليس لديهم أيةُ معدات تُعينهم على الظلام … ولا على الطريق.