عودة الكائن الفضائي!
انطلق الشياطين يجرون على الطريق تسبقهم عيونُهم بحثًا عن المفاجأة التي ستُخرجهم مما هم فيه. وعلى استحياء … أطلَّ عليهم وجهُ القمر.
وبدأَت بعضُ النجوم في الظهور.
وضوء النهار أصبح شاحبًا.
وتبدَّت لهم الصحراء من حولهم كالفضاء السحيق.
والصخور عن بُعد …
تبدو كأشباح تتربص بهم …
تتحيَّن فرصةً لتنقضَّ عليهم …
وقد تعبَت الأنفاس، وكلَّت الأقدام …
وانحسر الملل في ظهور المفاجأة التي ستُخرجهم مما هم فيه.
وتحرَّكَت الظنون السيئات في نفوس كل الشياطين.
فهل كانت هذه الكرة سرًّا حربيًّا … وقد اطَّلَعوا عليه …
ولذلك يجب أن ينسوه … أو يضيعوا في الصحراء … أو يموتوا …
وكانت «ريما» أولَ مَن وصل إلى هذه النتيجة.
ولم يكَد يسمع منها «أحمد» ذلك … حتى صاح فيها قائلًا: ليسَت هذه الطريقة المناسبة للتفكير ونحن في هذه الظروف.
ريما: إذن فسِّر لنا ما نحن فيه …
أحمد: علينا أن نُكمل سيرَنا كما طلب منَّا الضابط!
ريما: إلى متى؟
أحمد: هم يعرفون؟
ريما: ولكننا لا نعرف … ألم يَقُل لك إنها أوامر!
أحمد: نعم!
ريما: وأنه يُنفِّذها دون أن يعرف نتيجتَها؟
أحمد: هذه هي العسكرية.
ريما: قد تكون الأوامر قد صدرَت بموتنا.
إلهام: صدرَت من أين؟
زبيدة: من القيادة العُليا للجيش!
أحمد: لا أعتقد ذلك … لأن هناك تنسيقًا قائمًا بينهم وبين المنظمة … ونحن جهة أمنية أيضًا.
كان «عثمان» قد سبقهم هو و«مصباح» و«رشيد» بمسافة كبيرة.
وقطع حديثَه بصياحه وهو يعود إليهم مهرولًا، ويقول: المفاجأة … المفاجأة!
أحمد: أية مفاجأة؟
عثمان: لقد عثرنا على المفاجأة وكم هي جميلة!
ريما: هل وصلنا إلى المقر الكبير؟
عثمان: لا لقد وجدنا سياراتنا تنتظرنا على جانبَي الطريق.
انفجر الشياطين يضحكون في سعادة وطرب.
فما رواه «عثمان» لم يتوقَّعه أحد منهم.
ومن بين ضحكاتهم، سمعوا صوتَ أنين واهن.
فالتفتوا إليه … فإذا بكبير الخبراء يسقط على الأرض مغشيًّا عليه وتحوَّل ضحكهم فجأةً إلى جد … وفرحهم إلى عمل.
وتسابقَت الأيدي تحمل الرجل.
وتهرول الأقدام تسبق الزمن، إلى حيث تقف سياراتهم.
وعن بُعدٍ لمح «مصباح» و«رشيد» زملاءهم وهم يحملون الرجل.
فأخرجوا مُعداتهم … وأسرعوا إليهم ليحملوه عنهم …
وعندما أفاق الرجل … وجد نفسَه مُمدَّدًا في الكنبة الخلفية للسيارة وأمامه يجلس خلف عجلة القيادة «عثمان» وبجواره «مصباح» الذي ما إن شعر أنه أفاق … حتى ناوله زجاجة ماء مثلجة.
وشعر كبيرُ الخبراء … حين رأى الزجاجة أنه في الجنة.
وبعد أن روَى ظمأه سألهم عن متعلقاته الشخصية، فأخبروه أنهم وجدوا كلَّ ما يخصُّهم مُرتبًا في نظام عسكري … يتسم بالدقة المتناهية.
وناولوه تليفونه المحمول …
فقام بالاتصال ﺑ «أحمد» الذي كان يسبقهم في سيارة أخرى … ومعه «إلهام» و«ريما».
ولم يمضِ على سيرهم في الصحراء نصف الساعة … حتى شاهدوا على مرمى بصرهم أنوارًا تنبعث من عدة مبانٍ متجاورة.
وشعر الشياطين أن المكان مألوف لديهم.
وصاح «عثمان» قائلًا: إنه … إنه المقر السري.
وقام بالاتصال ببقية الشياطين، فوجدهم جميعًا قد عرفوه.
ليس ذلك فقط … بل إن إدارة المقر قد أرسلَت تُرحب بهم عبر أجهزة الاستقبال المزود بها تابلوه السيارة.
وشعر خبيرُ المنظمة بسعادة بالغة عندما أرسلَت له الإدارة تحيةً خاصةً.
وتسابقَت سياراتُ الشياطين على الوصول إلى أرض المقر.
وقد فتحَت لهم المزرعة الهائلة الاتساع ذراعَيها مُرحِّبة بهم.
وانفرجَت أساريرُ «أحمد» وتذكَّر في هذه اللحظة الكرةَ الطائرة … والتي لم يعرف حتى الآن عنها شيئًا.
وحارَت أفكارُه وهو يتساءل: هل هي آلة أم كائن فضائي؟
وإن كانت آلة، فهل هي من صُنع البشر؟
وإن كانت من صُنع البشر … فأي البشر قد صنعها؟
ومن أي دولة؟
وهل هي آلة حربية؟
أم مجرد كرة طائرة؟
ومن كثرة ما اختلطَت عليه الأفكار والأسئلة … شعر بدوار … وزغللة في عينَيه …
وبدَا وكأنه يرى أشياء غير معقولة.
فقد رأى الكرة الطائرة تدور حول نفسها في سرعة غير عادية …
وتقترب من الأرض بنفس السرعة …
محاولةً قتلَ أحمد!
صرَّح «أحمد» ﻟ «إلهام» بما يراه، غير أنها لم ترَ شيئًا حين نظرَت حيث أشار لها.
فرأَت أنه متعب مما حدث اليوم.
وليس مطلوبًا منه الآن غير أن يستريح ليعودَ إلى مهمته المكلَّف بها.
فقال لها: وهل ما زلت مكلفًا بها؟
إلهام: وهل ترى غير ذلك؟
أحمد: نعم … أشعر أن المهمة اختلفَت تمامًا.
إلهام: إذن علينا الرجوع إلى القاهرة؛ ففي مقر «الهرم» سنعرف الجديد، وهنا تدخَّلَت «ريما» قائلة: ولكني أشعر أن الجديد سنعرفه هنا.
وحين دخلَت السيارة جراج المقر … قفز منها «أحمد» وانطلق جريًا إلى مركز المعلومات، حيث اتصل «صفر» وعرف منه أن اجتماعًا مهمًّا سيعقده ظُهر اليوم التالي.
وحين اتصل بالشياطين لإبلاغهم بذلك وجدهم في غرفة الطعام … وقد كان جائعًا جدًّا فلحق بهم …
وعندما أراد إبلاغهم بموعد الاجتماع … تصايحوا معترضين … وطلبوا منه التزامَ الصمت، واحترام الطعام. وبعد عشاء خفيف وحمام دافئ … لجأ إلى فراشه.
وقد كانت نسماتُ ليل ذلك اليوم الحار رائعة، مما دفعه لفتح زجاجة النافذة، وتمدد بجوارها على سريره … يُحصي بعينه النجومَ التي لا تُحصَى.
ولكنها طريقةٌ اعتاد أن يلجأ إليها … حين يستعصي عليه النوم.
فهذه الكرة التي ارتفعَت إلى عنان السماء تملأ عليه وجدانه … وتُلهب خيالَه وتُثير في رأسه الكثيرَ من علامات الاستفهام.
فهل هي حقًّا كائن فضائي؟
إنه يشعر أنها كذلك … فقد كانت قابعةً بين ذراعَيه، لم تتحرك، ولم تتركه وتطير كما فعلَت عندما أثاروها بما أطلقوه عليها من أشعة، ثم طلقات من مدافعهم.
وعندما تذكَّر ذلك، غمغم قائلًا: نعم إنها كائن فضائي.
وكأنه قد ناداها، أو أنها سمعَت غمغمتَه أو شعرَت بانشغاله بها، وإشفاقه عليها … فقد ظهرَت فجأة تدور حول نفسها بسرعة فائقة … وتقترب منه، وكأنها تهوي من فضاء سحيق.
وجحظَت عيناه حين رآها … وشعر وكأنها سترتطم به.
وعندما اقتربَت من نافذته، دارَت في حلقة واسعة … لتعود من حيث أتَت وتختفي في ظلام الليل.
فعاد يحادث نفسه قائلًا: آه لو لم تكن السماء مظلمة.
ثم عاد يسأل نفسه: هل كانت ستظهر في السماء، وأستطيع تحديدَ موقعها … أم تراها تدور في مدار ثابت كالأقمار الصناعية.
ورأى أن يتصل برقم «صفر» ليُبلغَه بما رأى، ليضعَه في برنامج الاجتماع.
وكما تعوَّد عند اتصاله برقم «صفر» ليلًا فهو يُجيبه بسرعة.
غير أنه سأله مندهشًا: ألم تنَم بعد؟
أحمد: كنت على وشك النوم.
رقم «صفر»: وماذا سرق النوم منك؟
أحمد: الكرة.
رقم «صفر»: هل عثرت عليها؟
أحمد: لقد كادت تصطدم بي وأنا نائم الآن.
رقم «صفر»: أكنت نائمًا؟
أحمد: بل مُمددًا فقط على الفراش.
رقم «صفر»: أي أنه لم يكن حلمًا؟
أحمد: أنا واثق أنه حقيقة …
رقم «صفر»: إذن فمهمتُك الحقيقية الآن … أن تقبض عليها.
أحمد: ومكوك الفضاء؟
رقم «صفر»: ليس لك مهمة الآن غير القبض عليها.
ارتاح «أحمد» كثيرًا لهذا القرار الذي اتخذه رقم «صفر» … وشعر بالاسترخاء يتسلَّل إلى عضلاته … والنوم يُداعب جفونه.
فاستسلم له … وراح في سُبات عميق.
ورغم المحاولات التي بذلها الشياطين لإيقاظه … ومعهم إدارة المقر إلا أن النهار انتصف … وهو لا يزال في سريره.
ولم يشعر إلا والكرة تدور فوق رأسه، ثم تصطدم بها … وترتفع مرة أخرى ثم تعود لتصطدم بها … ففتح عينَيه في تثاقل شديد … فرآها تحوم حوله.
فانتفض جالسًا … وارتمى عليها، إلا أنها حاورَته بمهارة وطارَت من الشباك ولم يشعر إلا وهو يطير وراءها ويسقط من الدور الثاني.
وتحمله سيارة الإسعاف إلى مستشفى المقر مُغشيًّا عليه، والدماء تنزف منه.
واتصل رقم «صفر»: ليُخبر الشياطين … بعقد اجتماع عاجل في حينه.
وهو في انتظارهم …
وتسابق الشياطين إلى أماكنهم في غرفة الاجتماعات عندما علموا أن رقم «صفر» قد سبقهم إليها.
وبعد أن أعلنَت «إلهام» حضورَ الجميع عدا «أحمد» لوجوده بالمستشفى …
بدأ رقم «صفر» الاجتماع بقوله: أنا لا أعرف إن كان الأمر خطيرًا إلى هذا الحدِّ أم أن ما يحدث هو مجرد أحداث جانبية، ويجب ألَّا تشغلَنا عن مهمتِنا الرئيسية.
عثمان: إنها في صُلب مُهمتنا الرئيسية.
رقم «صفر»: كيف؟
عثمان: إن هذه الكرة هي نتاج من نتائج أبحاث الفضاء …
رقم «صفر»: أهذا تقديرك؟
عثمان: نعم … وما يحدث هو محاولة لإبعادنا عن المسرح الذي ستقع به الجريمة.
رقم «صفر»: أية جريمة؟
إلهام: جريمة اغتيال «النايل سات»!
رقم «صفر»: أموافقون على ما يقوله «عثمان» و«إلهام»؟
الشياطين: نعم.
رقم «صفر»: إذن يجب ألَّا تكونَ مُهمتُنا هي فقط القبض على الكرة.
عثمان: ولكنها يجب أن تكون أولًا … القبض على الكرة.
وتعجَّب الشياطين حين سمعوا رقم «صفر» وهو يقول لهم: هُس.
ثم غاب لدقائق وعاد إليهم وهو يقول: لقد كانت الكرة تتنصَّت علينا.