العودة إلى القاهرة!
في مساء نفس اليوم، خرج «أحمد» من المستشفى مُعافًى.
فجسدُه الرياضي، وعضلاته المرنة، جعلَت الصدمة لا تؤثر على عظامه أو أجهزته الداخلية.
وحين سأله رقم «صفر» عن صحته … أجابه أنه قد شُفِيَ من الصدمة ومن الهيام بهذه الكرة.
وعندما عرف أنها كانت تتنصَّت عليهم بالاجتماع الأخير … دارَت في رأسه فكرة … نتجَت عنها عدة أفكار … فلجأ إلى مركز معلومات المقر … وواصل فيه الليل بالنهار …
لا ينام إلا قليلًا … ويعمل كثيرًا.
ولم يبخل عليه علماء المنظمة وخبراؤها بجهدهم … وواصلوا معه الليل بالنهار دون كللٍ … حتى أتى اليوم الذي استدعى فيه «عثمان» إلى مركز المعلومات … وسأله قائلًا: أين كرتك الجهنمية؟
عثمان: نائمة!
أحمد: وهل هي تنام فعلًا؟
عثمان: بالطبع لا.
أحمد: وهل هي التي تختار بمن سترتطم، ومكان الارتطام؟
عثمان: بالطبع لا … فأنا الذي أُطلقها.
أحمد: هذا بالضبط ما فعلوه مع الكرة الطائرة … إنها آلة … استخدموا في تصنيعها أحدثَ ما وصلَت إليه علومُ وأبحاث الفضاء … ومعها علومُ الذكاء الاصطناعي … فتمكَّنت من الطيران … واستطاعَت أن تُراوغ … وتختار وتتخذ القرار بناءً على الموقف الذي تتعرض له.
وهي تكنولوجيا متقدمة جدًّا … والمفروض أنها من الأسرار العلمية المهمة … ولولا جواسيس التكنولوجيا ما وصلَت إليهم الآن.
عثمان: والحل؟
أحمد: الحل يكمن في صناعة كرة شبيهة بها … وتُزود بأجهزة تجسُّس حديثة جدًّا … وتُطلق وقت ظهور هذه الكرة.
عثمان: وبعد ذلك؟
أحمد: ستعرف كلَّ شيء في حينه.
وفي الوقت الذي عكفَت فيه مراكز أبحاث المقر … وإدارات التصميم الهندسي على صُنع كرة شبيهة بالكرة الطائرة …
اتصل «أحمد» برقم «صفر» يطلب منه العودة إلى برنامج التدريب المكثف في مراكز أبحاث الفضاء كما كان مخططًا من قبل.
وطلب أيضًا سرعةَ انتداب الخبراء الأجانب، الذين طلبوا العمل في وكالة الفضاء المصرية.
وقد وافق رقم «صفر» على ما طلبه وعلى عودته مساء نفس اليوم إلى القاهرة في سيارته الخاصة.
وتلقَّى «عثمان» اتصالًا منه … يُخبره بما تم الاتفاق عليه، ويطلب منه أن يتبعَه مراقبًا عن طريق السيارة البراق.
وفي المساء انطلقَت من جراج المقر … كلٌّ من سيارة «أحمد» والبراق يستقلُّها «عثمان».
وانطلقَت أنوارُ الكشافات الأمامية للسيارة … تُبدِّد وحشةَ الليل … غير أن «أحمد» كان مستمتعًا بالخيال الذي تصبغه كثافةُ أعداد النجوم في السماء … وشعوره وكأنها ستسقط من عليائها على سيارته.
وشعر بالفعل وكأن أحدَ هذه النجوم قد ترك مدارَه في السماء وهوَى من عليائه، فاتصل ﺑ «عثمان» السائر خلفه، وسأله قائلًا: أتشعر بما أشعر به؟
عثمان: قُل أترَى ما أراه؟
أحمد: وماذا ترى؟
عثمان: نجمٌ يهوي من السماء علينا!
أحمد: هذا ما أراه يا «عثمان» … إنها الكرة.
عثمان: وأين كانت الكرة حتى تأتيَنا من هذا الفضاء السحيق.
أحمد: أشعر أنها تأتي من قاعدة ثابتة في الفضاء تتحكم في حركتها.
عثمان: أو قاعدة أرضية تستطيع تحريكَها ومراقبةَ حركتها عن طريق قاعدة فضائية.
أحمد: معك حق … ألَا تراها … إنها تقترب أكثر.
عثمان: سأُفاجئها بالبراق.
أحمد: البراق يقفز فقط.
عثمان: سأستفيد من ذلك.
أترى … إنها تتجه إلينا في سرعة رهيبة. إنها تنوي على شيء!
أحمد: «عثمان» … احذر يا «عثمان»!
وكانت الكرة قد اقتربَت كثيرًا من «أحمد» حتى كادَت تصطدم بالزجاج الأمامي للسيارة … مما أفقده توازنه وأخلَّ بتحكمه في عجلة القيادة … فأطلق «عثمان» العنان للبراق، حتى اقترب من سيارة «أحمد»، فارتفع بها لأعلى في اتجاه الكرة … التي دارَت حوله في دورة واسعة … وكأنها تتلاشى الاصطدام به.
وهنا أطلق «أحمد» الكرةَ الشبيهة بها … وكأنما أُصيبَت الكرة بصدمة؛ فقد ظلت تحوم حولها وتقترب منها في حذرٍ ثم تبتعد فجأة.
ورأى «عثمان» أنها فرصة … فقد يستطيع القبض عليها … أثناء انشغالها.
كان «أحمد» يقود الكرة الشبيهة في محاولة منه للإيقاع بهذه الكرة الشديدة الذكاء.
وشعر أنها تستفيد من أكثر من حاسب آلي … وأكثر من برنامج لكنها لا تخضع لسيطرتهم … بل لديها القدرة على اتخاذ القرار وحدها، وعندما رأى شغفها بالركة الشبيهة … قرر أن يستدرجَها بها إلى أن يقبضَ عليها ولو في القاهرة.
وظلَّت الكرة طوال الطريق تدور حول شبيهتها وتصطدم بها برفق وكأنها تتودَّد إليها … أو أنها تستخدم مباحثات خاصة … لتعرف عنها المزيد.
وعند مدخل الإسكندرية … حاول «عثمان» اصطيادَها أثناء انشغالها بشبيهتها.
فحامَت حوله في سرعة عالية حتى أخلَّت اتزانه … فتوقَّف بالسيارة في الطريق ودارَت هي حول شبيهتها وارتفعَت بها إلى عنان السماء.
ولم يَعُد يظهر لهما أثر …