الخطة «أسد» … هي النهاية!
ظهر دب ضخم، وأخذ يقترب في هدوء من «برازيني»، كان يتشمم المكان، حتى إذا اقترب منه، ظل يدور حوله وقال «أحمد» في نفسه: إنها مشكلة! قد يجر «برازيني»، ويختفي.
ظل قابعًا في مكانه، وكما فكر تمامًا، أمسك الدب بذراع «برازيني»، وأخذ يجره إلى خارج ساحة المعسكر.
فجأة، دوت طلقة، ثم سقط الدب بجوار «برازيني».
وفكر «أحمد» هل يكون الليل أنسب من النهار؟
ثم جاءته رسالة فبدأ يتلقاها، كانت من «عثمان»: نحن في النقطة «د». فأرسل رسالة سريعة، وهو يقول لنفسه: إن هذا هو الحل الصحيح. وكانت الرسالة: تحرك أنت و«مصباح» إلى النقطة «ي». المسافة عشرون مترًا.
ثم تحرك إلى ظهر الخيمة ورفعها، وانزلق إلى الخارج زحفًا، وكانت الخيمة التي بها «زبيدة» أمامه مباشرة. ظل يزحف حتى وصل إليها، ثم همس: إنني في الخارج.
ردت «زبيدة» التي عرفت صوته: هل أخرج؟
رد: نعم.
زحفت «زبيدة» أسفل الخيمة، ثم ظهر رأسها، وانضمت إليه، ثم أخذا يزحفان معًا حتى خيمة «خالد» التي لم تكن تبعد كثيرًا، كانا حريصين على الزحف في ظل الخيمة حتى لا يظهرا، وعندما اقتربا من خيمة «خالد»، همست «زبيدة»: نحن بالخارج.
أطل رأس «خالد»، ثم انضم إليهما، وزحف الثلاثة إلى خارج حدود الخيام، بينما كان «أحمد» يراقب الساحة بالتبادل مع «خالد»؛ كان يراقب هو أوَّلًا، ثم يزحف «خالد» حتَّى يصل إلى نقطة فيتوقف، ليراقب هو، بينما يزحف «خالد»، حتى يصل إلى نقطة فيتوقف، ليراقب هو، بينما يزحف «أحمد» وهكذا.
أصبح الشياطين عند شجرة بلوط ضخمة فاختفوا خلفها، في نفس اللحظة التي جاءت فيها رسالة من «عثمان»: نحن عند النقطة «ي». لا توجد حركة.
لم يكن يظهر شيء حتى الآن، ولم يكن أي من الجانبين يستطيع أن يستخدم ضوءًا واضحًا، غير أن الشياطين كانوا يملكون وسائلهم، فجأة … صدرت صيحة عالية لفتت نظرهم، كانت الصيحة صادرة من وسط ساحة المعسكر، وسُمعت أصوات «برازيني»: لا تخف!
قال «أحمد»: لقد أفاق «برازيني»، ومن المؤكد أن الآخرين قد أفاقوا أيضًا.
قال «خالد»: فرصتنا أن نباغتهم الآن.
أرسل «أحمد» رسالة إلى «عثمان»: سوف نتحرك في اتجاهكم.
شرح «أحمد» فكرته: سوف نضع قنبلة صوتية هنا، ونعطيها نصف ساعة، سوف تكون كافية لأن نصل إلى الجانب الآخر، وعندما تنفجر سوف يعرفون المصدر، ولا يظنون أننا خلفهم، وعند الفرقعة سوف ننقض عليهم، لتكون هذه فرصتنا.
وافق «خالد» و«زبيدة» فأخرج قنبلة، ووضعها على الأرض، وبعد أن ضبط مؤشر الوقت، أخذ الثلاثة يزحفون في هدوء، دائرين حول المعسكر، وكانت دقات جهاز الاستقبال تحدد لهم مكان «عثمان» و«مصباح» … ولم يكن زحفهم متواصلًا، فقد رسموا خطة التحرك على مراحل، فجأة، رأوا ضوءًا يتحرك، وعرفوا أن أحدهم يأخذ طريقه إلى وسط المعسكر، فأرسل رسالة سريعة إلى «عثمان»: لا تطلقوا النيران.
استمر زحفهم الحذر حتى سمعوا صوتًا هامسًا يقول: نحن هنا.
اقتربوا من الصوت، حيث كان «عثمان» و«مصباح»، وشرح لهم «أحمد» الأحداث منذ افترقوا في الخرطوم، وحتى هذه اللحظة.
نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم قال: لقد أوشك الانفجار.
ولم يكد يتم جملته، حتى دوي انفجار هائل، أعقبه ضوء قوي، أضاء ساحة المعسكر، ثم انهالت الطلقات في اتجاه الانفجار، وحدد الشياطين مكان العصابة.
قال «مصباح»: هل تنتظر حتى الصباح؟
أسرع «عثمان» يقول: إننا يجب أن نستغل الليل. إنه فرصة طيبة لعدم الحركة، فلا أحد يستطيع منهم الآن أن يبتعد في الظلام.
أطبق الظلام من جديد، وعاد الصمت، فقال «عثمان»: نحن نستطيع أن نصطادهم بهدوء، لو أننا نفَّذنا الخطة «أسد».
صمت الشياطين قليلًا، فقال «أحمد»: إنها فكرة طيبة، على «زبيدة» أن تنتظر هنا، وسوف أتحرك مع «مصباح» دائريًّا في اتجاه اليمين، بينما يتحرك «عثمان» و«خالد» في الاتجاه المضاد، ثم نلتقي في النقطة «م»، وسوف نرسل إشارة إلى «زبيدة» بساعة التحرك.
من هناك، أخرج «عثمان» من حقيبته الصغيرة سلكًا رفيعًا جدًّا، أخذ «أحمد» طرفًا، وأخذ هو الطرف الآخر، ثم بدأ تحرك المجموعتين، بينما ظلت «زبيدة» وحدها، وبيدها الصندوق الصغير، الذي يتصل به طرفا السلك، كان الشياطين يطوقون المعسكر كله، بدائرة من السلك المشع، الذي يستمد إشعاعه من الصندوق الصغير، فعندما تضغط «زبيدة» على زر صغير فيه يصبح المعسكر، وكأنه قد أحيط بالنيران.
ظل تقدم الشياطين الهادئ كل مجموعة في اتجاه، ومضت نصف ساعة، حتى وصلت مجموعة «أحمد» إلى النقطة المحددة.
قال «مصباح»: لقد تأخر «عثمان».
لم يرد «أحمد»، غير أن رسالة جاءته: مزرعة ثعابين تعترض الطريق.
نقل «أحمد» الرسالة، ثم قال: انتظر أنت.
أخذ يزحف في اتجاه «عثمان»، فسمع همسًا يقول: يجب أن نصنع شيئًا.
رد آخر: المشكلة أن الخرائط مدفونة هناك، داخل الصندوق.
عرف «أحمد»، أن الذي يتحدث هو «برازيني» وأنه قريب منهم جدًّا.
أرسل رسالة إلى «عثمان»: يجب التقدم بسرعة.
جاءه الرد: لقد تخطينا العقبة.
ظل «أحمد» في مكانه، وقال واحد: هل نزحف معًا إلى هناك؟
رد «برازيني»: أخشى أن يكون أحد الآن يرصد حركتنا، إن الذي ينكشف، سوف يكون صيدًا سهلًا للآخر.
صمتوا بعدها، وفكر «أحمد»: ترى أين هذا المكان الذي ترقد فيه الخرائط؟
وضع أذنه فوق الأرض تمامًا، لعله يسمع حديثًا آخر … ومر وقت، ثم جاءته رسالة: نحن بجوارك.
اقترب «عثمان» و«خالد»، فنقل إليهما «أحمد» ما سمعه، ثم قال: أكملا الدائرة.
استمرا في زحفهما، بينما بقي هو يتسمع، فقال واحد: «برازيني»، هل تشرح لي المكان؟ لم يأتِه رد. واستمر الصمت مدة، ثم جاء صوت «برازيني» الخشن: لن تعرف، يجب أن أكون أنا بنفسي هناك.
قال «أحمد» في نفسه: إن «برازيني» هو المطلوب ولا أحد غيره.
جاءته رسالة: لقد اكتملت الدائرة. فرد: إنني في الطريق. وزحف إلى المجموعة، حتى لقيها.
قال: علينا أن نعود إلى «زبيدة»، إن المكان الوحيد الخالي من الإشعاع عندها، ولا بُدَّ أنهم سيذهبون إلى هناك.
زحفوا جميعًا في اتجاه «زبيدة»، وأرسل إليها «أحمد» رسالة: نحن في الطريق.
فجأة، ارتفعت أصوات الحيوانات، زئير أسد، تجاوب في الغابة مع أصوات أسود أخرى، عواء ذئاب … كانت الأصوات تقترب.
قال «مصباح»: سوف تسبب لنا مشكلة، لو أنها اصطدمت بالأسلاك، يجب أن تبدأ «زبيدة» في العمل.
عثمان: هذا صحيح، وعلينا أن نتراجع قليلًا، حتى لا نظهر.
أخذوا يتراجعون إلى مسافة كافية، ثم أرسل «أحمد» رسالة: زئير.
وصلت الرسالة، فضغطت «زبيدة» الزر، فجأة أصبحت هناك حلقة حمراء تحيط بالمعسكر، وسمعوا صوتًا مرتفعًا يقول: هل ترون؟ إن النيران حول المعسكر لا بُدَّ أننا نتعامل مع الشياطين.
ولم يكن صوت أفراد العصابة هو الوحيد، فقد ارتفعت في الغابة أصوات أخرى، كانت أصوات الحيوانات التي فزعت من ظهور الضوء الأحمر بهذا الشكل. وأسرع الشياطين جريًا إلى حيث «زبيدة»؛ لم يكونوا يخشون ظهور أصواتهم الآن، فقد اختلطت أصوات كثيرة ببعضها، وعندما وصلوا إلى «زبيدة» كانوا في أقرب مكان إلى أفراد العصابة وبدءُوا يسمعون الحوار الدائر بينهم.
جاءهم صوت «برازيني» يقول: إن هذا هو الجحيم.
جاءهم صوت آخر، كان يبدو مرتجفًا: ماذا نفعل الآن؟
قال «مصباح» مبتسمًا: لقد وقعوا في المصيدة.
سألت «زبيدة»: هل نتركهم حتى الصباح؟
أحمد: لا؛ إننا نعدهم فقط للقبض عليهم، إنهم لن يحتملوا هذا طويلًا، وها هم الآن، أمامنا، إننا نستطيع أن نصطادهم بسهولة. شاهد الشياطين أفراد العصابة، وهم يدورون حول أنفسهم، وجاءهم صوت «برازيني» الخشن: فلنبحث عن مكان للخروج.
أشار أحدهم: هناك فتحة، لا تبدو فيها نار.
قال «مصباح»: سوف يقعون الواحد وراء الآخر.
رفع «برازيني» مسدسه، ثم أطلق عدة أعيرة نارية في الفضاء تردد صداها في الغابة، قال «خالد»: إنها خطة ساذجة! فمن سيرد عليه؟!
صرخ أحدهم: فلنسلم أنفسنا. ثم جرى في اتِّجاه الشياطين، إلا أن «برازيني» أطلق عليه النار، فأصابه في قدمه وسقط الرجل على الأرض، يصرخ من الألم، ومن الخوف أيضًا.
صرخ «برازيني»: إن كنتم من الشياطين، فاظهروا لنا، إن «برازيني» الشجاع لا يخشى شيئًا.
قال «أحمد»: يمكن أن يسلم بعد قليل، إن هذا دليل على انهيار مقاومته.
أخذ الصندوق من «زبيدة»، ثم ضغط زرًّا آخر، فانسحب الضوء المشع.
صرخ «برازيني»: إنها فرصتنا.
سمع الشياطين أصوات أقدام تجرى، فأسرع «أحمد» يضغط الزر الأول، فأضاءت الدائرة وكان أفراد العصابة قد وصلوا إلى منتصف الساحة، فتوقفوا فجأة …
قال واحد: إننا نتجه إلى الناحية المضادة، إنني أرى مكانًا بلا نار.
صرخ «برازيني»: إيَّاك أن تتحرك، إن هذه فتحة المصيدة. ثم صاح مرة أخرى: اخرجوا إن كانت بكم شجاعة، إن الشجاع لا يختفي أبدًا.
ابتسم «مصباح» وقال: بل إن الشجاع هو الذي يفكر بطريقة أحسن.
قال «أحمد»: يمكن أن نصطادهم الآن، ونترك «برازيني» للنهاية، فهو الذي يملك الخرائط.
كان أفراد العصابة يجلسون وسط الساحة و«برازيني» وحده الذي يقف، وهو يدور حول نفسه كالثور الهائج. أخرج الشياطين الإبر المخدرة، ثم بدءوا يثبتونها في فوهة مسدساتهم.
قال «أحمد»: لن نطلق دفعة واحدة، إن «برازيني» لا يزال يملك بعض المقاومة ونحن نريد أن نستنفدها … قطرة قطرة.
ثم همس «أحمد» قائلًا: خالد.
في الحال رفع «خالد» مسدسه، ثم أطلق إبرة أصابت واحدًا، فسقط نائمًا …
وقف «برازيني» ينظر إليه، ثم أسرع في اتجاهه، وركله بقدمه صائحًا: هل سقطت خوفًا.
همس «أحمد» مرة أخرى: مصباح.
رفع «مصباح» مسدسه، وأطلق إبرته، فسقط آخر، جرى «برازيني» إليه صائحًا: وأنت؟!
وهمس «أحمد»: «عثمان» و«زبيدة».
رفع كل منهما مسدسه، ثم أطلقا معًا إبرتان مخدرتان فسقط اثنان.
صرخ «برازيني»: بحق السماء، إن الغابة مليئة بالشياطين!
ابتسم «أحمد» وقال: الآن فقط عرفت أنك تتعامل مع الشياطين.
رفع «برازيني» يديه إلى أعلى مستسلمًا، وصرخ: ها أنا ذا.
مرت لحظة صمت، قبل أن يصرخ مرة أخرى: لقد استسلمت.
جاءه صوت «أحمد»: لا بأس يا سيد «برازيني».
صرخ «برازيني»: من أنت بحق السماء؟
أجاب «أحمد»: واحد من الشياطين.
«برازيني»: أي شياطين تلك؟
«أحمد»: ألقِ مسدسك، والباقون أيضًا …
رمى «برازيني» مسدسه بعنف، وفعل الباقون مثله.
فقال «أحمد»: تقدموا.
أخذوا يتقدمون حتى وصلوا عند الشياطين، الذين ظهروا وهم يشهرون مسدساتهم، واستسلم أفراد العصابة، وقال «أحمد»: أين الخرائط؟
رد «برازيني»: أي خرائط تعني؟
أحمد: لا داعي للإنكار، ومن الخير لك أن تقدمها لي.
ظل «برازيني» مترددًا قليلًا، ثم سار أمام «أحمد» حتى خيمة القيادة.
قال «أحمد»: لا بأس، هذا يكفي، فقط حدد المكان.
حدد «برازيني» المكان، فتقدم «عثمان» إليه، وأخذ يحفر قليلًا، حتى ظهر صندوق صغير، أخرجه وفتحه، فظهرت الخرائط.
لم تمضِ نصف ساعة، حتى كان أفراد العصابة مقيدين لتنقلهم عربة «تونجا»، وقال «صالح» بعد أن سمع القصة كلها: كم أنتم رائعون يا أولادي!
وبينما كان الليل يأخذ طريقه إلى الفجر، كانت عربة «تونجا» تقترب من مدينة «واد مدني» لتسليم العصابة لحكومة السودان. في نفس الوقت كان «أحمد» يرسل رسالة إلى رقم «صفر»: انتهت المهمة.
وجاءه الرد: شكرًا، إلى اللقاء.