أنكس في الأسر
بعد مرور عدة دقائق من السير، شق ديفيد الطريق نحو الخيمة الرئيسية، وتبعه دانكن وفعل ما فعله ديفيد بالضبط. أمسك كل منهما بمجموعة من نبات الساسفراس، وجلس ديفيد في الزاوية. لكن قبل أن يجلس دانكن بجانبه التف حولهما الرجال الموجودون داخل الخيمة.
أشعل أحدهم مصباحًا، واستطاع دانكن رؤية وجوه الرجال الملتفين حوله بدقة أكثر. تطلع كل منهم في دانكن من أخمص قدميه حتى منبت شعره، وحدقوا في كل جزء منه جيدًا. تقدم نحوه عجوز أشيب الشعر وتحدث معه بلغة الهيرون، لكن دانكن لم يفهمه.
سأل دانكن: «هل يتحدث أي منكم الإنجليزية؟» لكن لم يجبه أحد، فسأل: «هل يتحدث أي منكم الفرنسية؟ لغة مونتكالم؟»
عم الصمت وقتًا طويلًا.
وأخيرًا قال العجوز بالفرنسية: «مونتكالم يتحدث إلينا بهذه اللغة، من أنت؟ لماذا أنت متنكر؟»
أجاب دانكن: «جئت لأرى هل هنا مرضى؛ فأنا طبيب.» ثم سأله: «عندما تقابل أناسًا ليسوا من قبيلتك، ألا تخلع ملابسك المصنوعة من جلد الجاموس كي تبدو مثلهم؟»
ضحك زعيم القبيلة ثم صفق، لكن قبل أن يجيبه دوت صرخات حادة قادمة من الغابة. فزع دانكن ووثب خوفًا، واندفع كل من بالخيمة إلى الخارج. كانوا مبتهجين لعودة المحاربين واحتفلوا بالنصر.
دفع الرجال دانكن حتى أصبح في منتصف دائرة. وتوهجت ألسنة النيران من حوله، ثم دفعوا برجل آخر، كان قد وقع في أسرهم، داخل الدائرة أيضًا، حتى أصبح وجهًا لوجه مع دانكن. لقد كان أنكس!
حاول دانكن ألا تبدو عليه الصدمة، فهو لم يرد أن يعرف أفراد قبيلة الهيرون أن هذا هو أنكس. كانت النساء تضايق أنكس، والرجال يسخرون منه. تألم دانكن لرؤية صديقه الأبي يلقى هذه المعاملة. ثم جذب أحد المحاربين ذراع أنكس وأجبره على الدخول إلى الخيمة، واقتيد دانكن أيضًا إلى الخيمة.
وقف رجل غريب بعيدًا عن الحشد، ولم يرغب دانكن في النظر إليه خشية أن يكون هوكاي، ولم يكن ليتحمل أن يرى صديقه في خطر. لكنه لم يكن هوكاي، فقد أدرك دانكن من ملبسه وقصة شعره أنه من الهيرون.
جلس زعماء القبيلة في أماكنهم داخل الخيمة الكبيرة المليئة بالدخان، ووقف باقي الرجال والنساء من حولهم. أما أنكس فوقف هادئًا أمامهم جميعًا.
خاطب زعيم القبيلة العجوز أنكس قائلًا: «أيها الغريب، لا يزال بإمكانك إثبات شجاعتك والنجاة بحياتك. سنعطيك اليوم راحة، ويمكنك تناول الطعام. وغدًا سنقرر مصيرك.»
نظر أنكس مباشرة إلى العجوز وقال: «لست بحاجة للطعام.»
تابع الزعيم كلامه: «هناك محاربان شابان من رجالنا يقتفيان أثر المرشد الآخر.»
قال أنكس: «لن يتمكن محارباك الشابان من القبض عليه أبدًا.»
قال الزعيم: «لقد تمكنا من القبض عليك.»
أجاب أنكس: «ها! إن محاربك المدعو «القصبة المرنة» جبان. كان يفر من ساحة القتال عندما قبض عليّ على حين غرة.»
عندئذ مر الزعيم أشيب الشعر بجانب أنكس ووقف أمام الغريب.
قال: «أيها القصبة المرنة، لقد جلبت لنا العار. لا أشك في صحة ما قاله ذلك الرجل؛ فأنت جبان. دعيت للحرب ثلاث مرات وهربت من ساحة القتال ثلاث مرات. ارحل ولا تعد إلينا مرة أخرى. لقد نسينا اسمك من تلك اللحظة.»
وقف الشاب ونظر إلى الزعيم العجوز، وترقرقرت عيناه بالدموع وهو يدير ظهره ويغادر الخيمة، ولم يلتفت خلفه.
وعندما اتجه الجميع للخارج لمشاهدة القصبة المرنة وهو يغادر القرية، تسلل أنكس إلى جانب دانكن.
همس إليه: «هوكاي والجنرال مونرو بخير. لن يستطيع هؤلاء القوم إخافتي. اخرج بسرعة، قبل أن يرونا ونحن نتحدث.» ثم دفع دانكن تجاه الباب.
كانت النيران بالخارج تخمد، وأخذ رجال ونساء الهيرون يمرون جيئة وذهابًا. وكان دانكن يشعر بالذعر، لكنه دفع نفسه للبحث عن أليس في المعسكر. فتش في جميع الأكواخ، وكان يرفع البطاطين وينظر داخل الكوخ، لكنه لم يجد لها أثرًا. وأخيرًا عاد إلى الخيمة الرئيسية للبحث عن ديفيد؛ لعله يستطيع مساعدته في البحث.
كان أنكس لا يزال هناك، لكن ديفيد لم يكن موجودًا. استدار زعيم القبيلة إلى دانكن وقال: «أنت طبيب من الفرنسيين؟ إذن بمقدورك طرد الروح التي تسكن جسد إحدى نسائنا. إنها مريضة للغاية حتى إننا أبعدناها عن هنا، ووضعناها مع أسرانا في الكهوف.»
قال دانكن وهو يحاول إخفاء سروره بمعرفة مكان احتجاز الأسرى: «كل روح متفردة؛ وبعض الأرواح تفوق قوتها قدرتي على التعامل معها.»
قال الزعيم العجوز: «لكنك ستحاول.»
وقبل أن ينطق دانكن بكلمة واحدة، علت أصوات الناس داخل الخيمة مرة أخرى، فقد دخل ماجوا إلى الخيمة! لقد عاد. حياه الزعيم العجوز بحرارة وقال: «صديقي! هل عثرت على حيوانات الموظ؟»
قال ماجوا: «لم يحالفنا الحظ كثيرًا. دع القصبة المرنة يذهب، وسرعان ما سيعثر على تلك الحيوانات. إنه أفضل صيادينا.»
عم الصمت أرجاء الخيمة، ونكس المحاربون الأقوياء رءوسهم. ونهض الزعيم العجوز وقال: «ذلك الشخص مات في نظرنا، لقد نسينا أمره. لن يذكر أحد اسمه من تلك اللحظة.»
لم ينطق ماجوا بكلمة واحدة، لكن دانكن أدرك أنه غضب. وتابع الزعيم العجوز كلامه قائلًا: «لقد قبض المحاربون الشباب على أحد أعدائنا. انظر، لقد وقع في أسرنا.»
تفرق الناس ليكشفوا عن أنكس، الذي كان يقف في شموخ وقوة. حدق ماجوا وأنكس في عيني أحدهما الآخر لدقيقة، ثم كسر ماجوا حالة الصمت أولًا وقال: «إنه أنكس، آخر الموهيكان!»
بدأ الناس يتمتمون، وتردد اسم أنكس بين الموجودين داخل الخيمة.
قال ماجوا: «أيها الموهيكاني، سوف تموت.»
رد أنكس: «لن أموت على يدك الضعيفة.»
ازداد غضب ماجوا، ثم استدار إلى أفراد قبيلته وبدأ يتحدث. حكى لهم قصصًا عن أنكس الذي تسبب في أذى الكثير من أصدقائه المحاربين. وبعد أن انتهى رفع ماجوا فأسه وألقاها داخل الخيمة، فقطعت الفأس بعض الريش الموجود على رأس أنكس!
وثب دانكن ذعرًا، لكن أنكس لم يتحرك قيد أنملة؛ لقد وقف في صمت وهدوء كأنه حجر.
صاح ماجوا: «خذوه بعيدًا! احتجزوه هذه الليلة.»
قيد المحاربون الشباب يدي أنكس واقتادوه خارج الخيمة. والتفت دانكن إلى طريق الخروج، وأدرك أن الأمر لم ينته بعد. وغادر ماجوا بعد ذلك سريعًا.
مر الزعيم العجوز من جانب دانكن وأشار إليه ليتبعه. وبدلًا من أن يسير الزعيم نحو الأكواخ سار في الاتجاه الآخر، نحو قاعدة جبل مجاور. وقبل أن يصلا إلى الممر المؤدي إلى الكهف توقف دانكن.
كان دب أسود ضخم يقف أمامهما. زمجر الدب وحدق بزعيم القبيلة. للحظة، خشي دانكن ألا يسمح لهما الدب بالمرور إلى الداخل، لكنه تنحى عن الطريق. واستجمع دانكن كل شجاعته كي لا ينظر خلفه، وعلى الرغم من ذلك كان يشعر بالدب يسير خلفه. كان دانكن يوشك على الالتفات خلفه والصياح بشيء ما، لكن في تلك اللحظة فتح زعيم القبيلة بابًا مصنوعًا من لحاء الأشجار ودخل إلى الكهف.
استطاع دانكن رؤية الدب حينها؛ كان يسير بجانبه داخل الكهف! اقترب دانكن قدر استطاعته من زعيم القبيلة. وفي النهاية وصلا إلى الغرفة.
اندهش دانكن عندما رأى ديفيد يقف بجوار سرير وسط الغرفة حيث ترقد امرأة شابة مريضة للغاية. وأدرك دانكن أنه لا يستطيع عمل أي شيء لإنقاذها. شرع ديفيد في غناء أغنية جميلة. وجلس الدب في زاوية من الغرفة وأخذ يطن ويزمجر مع ألحان الأغنية على ما يبدو. أخافت الأصوات التي يصدرها الدب ديفيد كثيرًا حتى إنه توقف في منتصف الأغنية وصاح في دانكن: «إنها تنتظر منك أن … أن تساعدها!» ثم أسرع خارج الكهف.