رحلة شاقة
أحكم أفراد من الهيرون قبضتهم على دانكن وكورا وأليس وديفيد، فيما فتش باقي الرجال الكهف.
سأل دانكن ماجوا: «عما يبحثون؟»
أجابه: «إنهم يبحثون عن «البندقية الطويلة»؛ الذي تنادونه بهوكاي. هو والرجلان اللذان يتنقلان معه أعداء قبيلتنا.»
قال دانكن: «لقد رحل.»
سأله ماجوا: «أين جثته؟ أين يمكننا أن نعثر على جثته؟»
أجاب دانكن: «إنه لم يمت؛ لقد هرب.»
قال ماجوا: «ورفيقاه أيضًا؟»
رد دانكن: «أجل، سبحوا في النهر. لن تجدهم.»
استدار ماجوا وشرح لرجاله ما حدث مع هوكاي ورفيقيه من الموهيكان. أسرع بعضهم إلى النهر ليتأكدوا بأنفسهم، وآخرون ضربوا جدران الكهف في غضب.
وسرعان ما اقتيد الأسرى الأربعة خارج الكهف ومنه إلى النهر. دفعهم الرجال إلى الزوارق وعبروا النهر. وعندما رسوا امتطى بعض من رجال قبيلة الهيرون خيولهم، وانطلقوا للبحث عن هوكاي ورفيقيه. أما كورا وأليس وديفيد ودانكن فظلوا مع ماجوا.
ظن دانكن أنهم سيأخذونهم إلى مونتكالم مباشرة، وتحرك ببطء نحو ماجوا للتحدث معه وعرض عليه المال في مقابل أن يأخذهم إلى حصن فورت ويليام هنري.
قال ماجوا: «اصمت، لا تتحدث إلا إذا طلبنا منك ذلك.»
دفع ماجوا ورجاله كورا وأليس فوق حصانين، وسار دانكن بجانبهما مع تحرك الجميع. واضطر ديفيد المسكين إلى السير أيضًا، على الرغم من أن رأسه كانت لا تزال تؤلمه.
سار الجميع في الاتجاه المعاكس لحصن فورت ويليام هنري. سلكوا مسارات مختلفة متعرجة، وأدرك دانكن أن المقصود من هذا إرباكهم بحيث لا يتمكنون من الوصول إلى موقع معسكر ماجوا وحدهم. قطعوا مسافة طويلة دون ظهور بصيص أمل للتوقف.
تذكرت كورا ما أخبرها به هوكاي؛ أن تكسر غصنًا متى استطاعت ذلك. مدت ذراعها النحيل وكسرت غصن شجرة كان في متناول يدها. كان من الصعب فعل ذلك في ظل مراقبة رجال ماجوا لكل تحركاتها، لكن عندما رأت الفرصة سانحة تمكنت من إسقاط قفازها وكسر غصن كبير.
صاح ماجوا: «مهلًا، رأيت ذلك!»
وسريعًا اتجه بحصانه إلى الفتاتين، وترجل من فوق حصانه والتقط القفاز وقال: «كفاك حيلًا أخرى كهذه، ولا تكسري أغصانًا أخرى.»
طلب ماجوا من أحد رجاله السير في طريق خاطئ وقطع المزيد من أغصان الشجر.
استمرت الرحلة طوال اليوم بين أشجار الصنوبر والممرات غير الممهدة وعبر جداول المياه والأنهار الصغيرة. تحرك ماجوا فوق حصانه في أدغال الغابة في سرعة وثقة من وجهته.
وأخيرًا وصلوا إلى مرج، ولوح بيده لكورا وأليس لتترجلا من فوق الحصان. صعدوا فوق تل كبير، وعندما وصلوا إلى قمته كانت القمة مستوية ومكسوة بالأشجار. ارتمى ماجوا على الأرض ليستريح وأمر باقي المجموعة بفعل ذلك.
كان التل مكانًا مثاليًّا للاستراحة، فقد كان مرتفعًا بدرجة تجعل من المستحيل أن يأتي شخص لإنقاذهم دون أن يراه ماجوا أولًا.
قرر دانكن أن يحاول التحدث مرة أخرى مع ماجوا: «ألا ترى النفع الذي سيعود عليك إذا أعدت الفتاتين إلى والدهما؟ سيكافئك بسخاء.»
قال ماجوا: «القائد أشيب الشعر رجل صعب المراس. إنه قاس حتى مع جنوده. عيناه صارمتان جامدتان.»
قال دانكن: «صحيح إنه قائد قوي، لكنه يحب كورا وأليس.»
ارتسم على وجه ماجوا تعبير غريب، لم يستطع دانكن تفسيره.
قال ماجوا: «أخبر الفتاة ذات الشعر الداكن أنني أريد التحدث معها.»
لم يكن دانكن راغبًا في استدعاء كورا، لكنه فعل ما طلبه ماجوا على أي حال. وأثناء توجهه معها إلى ماجوا همس إليها: «اعرضي عليه المبلغ الذي قد يقدمه أبوك مقابل تحريرنا. هذا قد ينقذ حياتنا.»
أومأت كورا موافقة، فقد أدركت أنهم في خطر كبير.
نظر ماجوا إلى دانكن وقال: «ارحل أنت.»
لم يتحرك دانكن، فقالت له كورا: «لا بأس، اذهب من فضلك وتأكد أن أليس على ما يرام.»
وعلى الرغم من أنها كانت تشعر بالخوف، استدارت نحو ماجوا وقالت: «ماذا لديك لتقوله لابنة الجنرال مونرو؟»
أخبرها ماجوا بقصة. قال لها إنه خاض مع أبيها حربًا، لكنه عصى أوامر الجنرال، فعاقبه. وأن الجنرال مونرو جرح مشاعره للغاية وسخر منه أمام باقي الرجال. وأخبرها أنه أسرها هي وشقيقتها للانتقام من أبيهما. وأنه ينوي الإبقاء على واحدة منهما معه للأبد!
قالت كورا: «من الأفضل حتمًا أن تأخذ الذهب من مونرو بدلًا من أن تأخذ ابنتيه وتحتفظ بهما هنا للانتقام منه.»
لكن ماجوا اكتفى بالضحك وهو يمضي مبتعدًا.
فجأة أمسك رجلان قويان بدانكن، وأمسك اثنان آخران بديفيد. حاول ديفيد ودانكن مقاومتهم والإفلات منهم، لكن رجال ماجوا كانوا أقوياء وقيدوهما إلى شجرة. وقيدوا أيضًا كورا وأليس، بكت أليس وهي تنظر إلى دانكن، تستنجد به لمساعدتها، لكنها أدركت أن هذا مستحيل. ضايق الرجال الفتاتين وسخروا منهما، ووكزوهما بأغصان الأشجار وراحوا يضحكون.
وألقى أحد الرجال بفأس تجاه رأس أليس، وكاد أن يصيبها، وقطع خصلة من شعرها، فاستشاط دانكن غضبًا حتى إنه تحرر من قيوده وركض تجاه الرجل الذي ألقى بالفأس. تعاركا معًا، وعندما اقتربت سكين الرجل من صدر دانكن للغاية سمع دانكن صوت أزيز وفرقعة من خلفه.
اندفع هوكاي وأنكس وتشينجاتشجوك من الغابة وقتلوا الرجل الذي كان يتعارك مع دانكن، وراح رجال الهيرون يصيحون ويصرخون مصدومين لمقتل واحد منهم. دارت معركة عنيفة، وتشابك الفريقان بالأيدي. قاتل دانكن مع هوكاي وأنكس وتشينجاتشجوك.
نجت كورا من موت محقق عندما مرت فأس بجانبها واحتكت بكتفها، وقطعت الحبال التي تقيدها بالشجرة، فأسرعت لتحرر أليس. جذبت كورا الحبال التي تقيد شقيقتها بكل قوتها، لكنها لم تتمكن من حلها، فجثت على ركبتيها بجانب شقيقتها.
قُتل كل رجال ماجوا فيما عدا ماجوا نفسه، فقد كان يقاتل تشينجاتشجوك، وتدحرجا نحو الحافة العليا من التل. دفع تشينجاتشجوك ماجوا من فوق التل، بآخر ما تبقى لديه من قوة.
هرع أنكس ودانكن إلى الفتاتين وحررا أليس، التي ارتمت بين ذراعي كورا.
كان هوكاي لا يزال يهلل فرحًا بالنصر عندما لاحظوا أن ماجوا لم يمت، وأنه يتجه مسرعًا بعيدًا عن التل وهربًا من رجلي الموهيكان. بدأ أنكس وتشينجاتشجوك في الركض خلفه.
صاح هوكاي: «كلا! إنه رجل واحد أعزل، ماذا يمكنه أن يفعل؟»
وعلى الرغم من عدم رغبة تشينجاتشجوك وأنكس في السماح لماجوا بالرحيل، فقد أدركا أن هوكاي محق، فتوقفا عن مطاردته وعادا إلى المجموعة.
صاحت أليس في سعادة: «نحن طلقاء! ودانكن العزيز لم يمسه أذى.»
وفجأة أدركوا أن ديفيد لا يزال مقيدًا. حرره هوكاي، وساعد دانكن وأنكس الفتاتين على النهوض. ثم شقوا طريقهم عبر التل إلى حيث تقف خيول ماجوا لتأكل.
امتطت كورا وأليس حصانين فيما سار باقي الأفراد على أقدامهم. وسرعان ما عبروا النهير الصغير ووصلوا إلى واد صغير يظلله شجر الدردار. وهناك مرروا قارورة مياه عليهم وأعدوا بعض الطعام.
وبعد أن جلس الجميع، سأل دانكن: «كيف عثرتم علينا؟ وكيف أنقذتمونا دون مساعدة الجنود؟»
ضحك هوكاي وقال: «إذا انتظرنا مجيء الجنود ما استطعنا إنقاذكم. لقد اختبأنا بجانب النهر وراقبنا رجال الهيرون.»
قال دانكن: «إذن رأيتم كل شيء.»
أجاب هوكاي: «ليس كل شيء، كنا مختبئين، لكننا سمعنا كل شيء، تتبعناكم من خلال اقتفاء آثار أقدام الخيول.»
ثم أردف: «كان من الصعب منع أنكس من الاندفاع لإنقاذكم. كان علينا انتظار اللحظة المناسبة، حتى أدركنا أن لدينا فرصة مباغتتهم.»
تحدث هوكاي وهو يمرر قارورة المياه إلى دانكن، الذي أخذ رشفة كبيرة منها. وعندما انتهوا من تناول الطعام قال هوكاي: حان وقت الرحيل. ألقت كورا وأليس نظرة أخيرة على ينبوع الماء الجميل ثم امتطتا جواديهما. وتحركت المجموعة كلها بسرعة تجاه الشمال عبر ممر ضيق.