أشباح في الغابة
حرص هوكاي على إخفاء آثار أقدامهم كي يصعب على ماجوا العثور عليهم. وبعد أن استمروا في السير لمدة طويلة، أزاح هوكاي بعض فروع الأشجار الضخمة جانبًا، وشق بينها طريقًا بين شجيرات الورد البري. ثم قادهم إلى كوخ عتيق، بدون سقف تقريبًا، لكن جدرانه كانت سليمة. ترجلت كورا وأليس على مضض من فوق الحصانين، خائفتين من دخول ذلك المكان المتهالك.
سأل دانكن: «ألن يكون من الأفضل أن نختبئ في الغابة؟»
أجابه هوكاي: «لا يعرف هذا الكوخ سوى القليل. نحن في أمان هنا.» ثم أخبر المجموعة عن معركة طاحنة دارت في هذا المكان منذ سنوات مضت.
عندما سمعت كورا وأليس القصة خشيتا أن تجلسا في مكان دارت فيه تلك المعركة، لكن هوكاي طمأنهما بأنه ليس هناك خوف من أن تضايقهما الأشباح!
بدأ تشينجاتشجوك وأنكس وهوكاي في العمل؛ صنعوا سريرين لكورا وأليس من الحشائش وأوراق الشجر، وغطوا السقف بأوراق شجر الكستناء. وسرعان ما استغرقت الفتاتان في نوم عميق في ركن صغير من الكوخ العتيق.
جلس دانكن بجوارهما على أتم استعداد، لكن هوكاي قال له: «استرح قليلًا، دع تشينجاتشجوك يحرسنا هذه الليلة.»
رفض دانكن في البداية، لكن هوكاي أصر. وسرعان ما استغرق الجميع في النوم عدا تشينجاتشجوك. جلس تشينجاتشجوك منتصبًا في سكون تام. رأى وسمع كل شيء: أصوات البوم والطيور الليلية وكل الكائنات الصغيرة التي تسير في أراضي الغابات.
وأخيرًا، هز تشينجاتشجوك كتف دانكن وقال بصوت خافت: «حان وقت الذهاب.»
أومأ دانكن برأسه قائلًا: «سأوقظ كورا وأليس وديفيد.»
قالت أليس بلطف: «لقد استيقظنا بالفعل، ونحن مستعدون للرحيل.»
قال دانكن: «لم أكن أرغب في النوم بعد أن ورطتكما في هذا الخطر الكبير. تعهدت بألا أرتاح حقًّا حتى تكونا في أمان.»
ابتسمت أليس وقالت: «إنك رجل نبيل يا دانكن، شكرًا لك.»
قال هوكاي: «صمتًا! لقد سمع تشينجاتشجوك وأنكس صوت شيء ما.»
زحف دانكن للأمام مع هوكاي لرؤية ما يحدث.
قال هوكاي: «أرى آثار أقدام رجل! إنه ماجوا! لا بد أنه اقتفى آثارنا.»
أمر هوكاي دانكن بوضع الخيول في الكوخ العتيق، فقد يضطرون أن يحتموا به.
وفي غضون دقائق كان الجميع منحنيًا داخل مكان الاختباء. سمعوا أصواتًا بالخارج. حدق دانكن وهوكاي وتشينجاتشجوك وأنكس من خلال الشقوق الموجودة بجدران الكوخ ورأوا عشرين رجلًا من الهيرون يقفون في المكان يتحدثون. خشخشت فروع الأشجار مع تحركهم حول الكوخ.
وقبل أن يقتحم رجال الهيرون الكوخ مباشرة، توقفوا فجأة؛ فقد رأوا آثار المعركة السابقة! كان هناك آثار ضرب فئوس الهنود الحمر على الأشجار وأسهم مكسورة، وآثار طلقات نارية على الأرض. أصاب ماجوا ورجاله الذعر لما رأوه وتراجعوا على الفور.
وبعد فترة وجيزة لم يكن هناك سوى صوت أقدامهم وهي تبتعد عن الكوخ. انتظر هوكاي حتى أصبح المكان آمنًا ثم قاد المجموعة إلى الخارج.
لم ينطق أحد بكلمة واحدة أثناء هروبهم. وفي النهاية وصلوا إلى نهير صغير، وخلع هوكاي حذاءه وأشار لدانكن وديفيد أن يفعلا مثله. ثم نزلوا إلى النهير وساروا به، وبذا لم يخلفوا وراءهم أي أثر لتتبعه. قادوا الفتاتين وهما فوق حصانيهما في هدوء في الماء، وأخفوا آثار أقدامهم عندما عادوا إلى اليابسة.
قادهم الطريق الذي سلكوه إلى الجبال، فتوقف هوكاي وقال: «قد يكون خلف هذه الجبال جيش كامل من الجنود، لو أن الجيش الفرنسي تحرك كما أظن أنه فعل.»
سأله دانكن: «هل نحن على مقربة من حصن فورت ويليام هنري؟»
أجاب هوكاي: «لا نزال نبعد عن الحصن مسافة طويلة ومرهقة.»
قال دانكن: «علينا الإسراع. أظن أن المعركة بين الفرنسيين والإنجليز باتت وشيكة، ستدور رحاها حول الحصن من كل اتجاه.»
قال هوكاي: «إذن لا يمكننا أن نسير في هذا الطريق، لا نريد أن نسير وسط المعركة. علينا أن نشق طريقنا بين الجبال ونخرج من الجهة الأخرى.»
أومأ دانكن برأسه موافقًا، وسرعان ما شرعت المجموعة في رحلتها. تحركوا ببطء، وكان الجو مظلمًا والطريق وعرًا. ساروا في طريق ملتو عبر التلال، وأخيرًا شق ضوء النهار الظلام.
أمسك هوكاي بلجام الحصانين وساعد كورا وأليس على النزول. ثم أطلق سراح الحصانين، وأخبرهما أن يحافظا على سلامتهما ويأكلا جيدًا.
سأله دانكن: «ألن نحتاج إليهما مرة أخرى؟»
قال هوكاي: «انظر بنفسك، نستطيع رؤية معسكر مونتكالم من هنا.»
كانوا يقفون على تل مرتفع بمقدار ألف قدم عن المعسكر. تمكنوا من رؤية حصن فورت ويليام هنري من بعيد. وكان حول الحصن نيران أشعلها جنود مونتكالم، وخيام بيضاء، وإمدادات عسكرية. قال هوكاي: «الغابة تعج بالهنود الحمر الموالين لمونتكالم. قد يكون الأوان قد فات للذهاب إلى الحصن في أمان. سيأسروننا حتمًا.»
قالت كورا: «لكن علينا المحاولة على الأقل. يجب أن نصل إلى حصن فورت ويليام هنري.»
أومأ هوكاي قائلًا: «يمكننا استغلال الضباب ليحجبنا عن الرؤية، لكن علينا إسراع الخطى!»
تحركت المجموعة سريعًا نزولًا من فوق الجبل الذي استغرق منهم وقتًا طويلًا لتسلقه. وصلوا إلى مرج وشرعوا في رحلتهم، لكن هوكاي رأى أنهم قد يتعرضون لخطر كبير لو استمروا في السير. وفي النهاية أقنعه دانكن أنه لا بد أن يواصلوا التحرك.
قال هوكاي: «ابقوا متقاربين كي لا تضلوا الطريق وسط الضباب.»
في تلك اللحظة سمعوا صوت طلقة مدفعية عنيفة من جهة حصن فورت ويليام هنري. واهتزت الأرض تحت أقدامهم. أشار أنكس إلى الجهة القادم منها الصوت، وتحدث مع هوكاي دقيقة.
قال هوكاي: «أنكس لديه فكرة، لقد صنع المدفع الإنجليزي أخدودًا بالأرض. وهو عميق بما يكفي لنختبئ به، وسوف يقودنا مباشرة إلى الحصن. أسرعوا، انزلوا به والضباب لا يزال كثيفًا.»
ضغط دانكن على يد أليس أثناء انحنائهما وزحفهما في الممر الجديد.
أخفى الدخان المنبعث من المعركة المجموعة أثناء تحركها ببطء نحو الحصن. لكن لم يمض وقت طويل حتى تبدد الدخان. كانوا لا يزالوا يبعدون عن الأبواب الخشبية للحصن عدة ياردات، عندما انقشع الضباب وأصبحت رؤيتهم سهلة.
وبعد أن مر وقت كالدهر عليهم وصلوا في النهاية إلى البوابة الأمامية
طرقت أليس الباب: «أدخلونا! نحن أليس وكورا مونرو. أدخلونا!»
انفتح باب الحصن فاندفعوا إلى الداخل. واندفع الأب أشيب الشعر عريض المنكبين نحو ابنتيه.
قال الجنرال مونرو: «لقد وصلتما سالمتين! آه يا فتاتيّ، كم أنا سعيد لرؤيتكما!»