ممنوع الذهاب إلى «الشمس»
عندما كانت شمس النهار تأخذ طريقها إلى الغروب، الذي يُلقي ألوانه الهادئة على مراعي «تكساس»، كانت الطائرة تدور دورتها الأخيرة قبل أن تنزل في مطار «دالاس» الكبير. كانت الأضواء قد بدأَت تلمع، وكان الشياطين يراقبون المطار، بأضوائه البعيدة. كانت هذه أول مرة ينزلون فيها «تكساس»، هذه المنطقة المشهورة بمراعيها وحكاياتها، وعندما استقرت الطائرة على أرض المطار كانت الألوان قد تغيَّرت، فقد كانت الأضواء تغمر ساحة المطار الداخلية، في لونٍ أقربَ إلى لون اللبن. في نفس الوقت كان الركاب الكثيرون يُمثِّلون حركةً شديدةَ النشاط في المطار الكبير.
كانت أعين الشياطين ترقُب كل شيء، فربما وسط هذا الزحام يظهر شيء جديد قد يكون بداية الطريق، ومن يدري، قد يظهر «جاك بيلي» هنا، من يدري أيضًا فقد يكون «جاك بيلي» رجلًا له ألف وجه؛ ولذلك قطعوا المسافة القصيرة في وقتٍ طويلٍ نسبيًّا، وعندما أصبحوا خارج المطار، كانت أعينهم تبحث عن سيارة الشياطين، إن الشياطين يعرفون سيارتهم، أينما كانت؛ ولذلك ابتسم «رشيد» وهو يشير إلى اتجاه، نظر له الشياطين بسرعة ثم اتجهوا إليها. استقروا داخلها، وما إن أغلق آخرُ واحد فيهم الباب حتى جاء صوت عميل رقم «صفر» يُرحِّب بهم، ويُخبرهم بأن الفندق الذي سينزلون فيه هو فندق «الشمس» الذي يقع في الشارع ٣٤ في اتجاه النقطة «س».
شكره «أحمد» ثم أدار البُوصَلة في اتجاه النقطة التي حدَّدها عميل رقم «صفر»، كان المؤشر يرسُم الطريق ﻟ «قيس» الذي كان يقود السيارة. كانت أضواء مدينة «دالاس» تلمع كمهرجان، فقد كان الوقت لا يزال بداية الليل، وكان الطريق بين المطار والمدينة يُمثِّل ساحةً خضراء، كانت تلمع تحت ضوء السيارة فتُعطي إحساسًا بالراحة. كان صخبُ المدينة عاليًا؛ ولذلك اتجه الشياطين إلى فندق «الشمس» مباشرة، حتى يهربوا من هذا الضجيج الغريب.
وعندما توقَّفت السيارة أمام الفندق الضخم، نزلوا بسرعة إلا «قيس» الذي اتجه بالسيارة إلى أماكن الانتظار، دخل الشياطين إلى صالة الفندق الواسعة التي كانت شبه خالية لم يكن هناك ما يُشير إلى وجود مكتب استعلامات؛ ولذلك اتجه «رشيد» إلى عامل الباب يسأله، فأشار إلى ممرٍّ طويل، اتجه إليه «رشيد» بينما كان بقية الشياطين يقفون عند مدخل كافيتريا الفندق في انتظار عودة «رشيد».
إلا أن «ريما» قالت: ينبغي أن ندخل، على أن ينتظر أحدنا عودة «رشيد».
مرَّت لحظة قبل أن يقول «عثمان»: أعتقد أنها فكرة طيبة؛ فنحن ما زلنا في بداية الليل، والكافيتريا يمكن أن تكون ميدانًا للعمل.
قال «أحمد»: إذن اتجهوا إليها، وسوف أنتظر «رشيد».
تحرك «عثمان» و«ريما» و«قيس» الذي كان قد انضم إليهم، وبقي «أحمد» في مكانه، يتشاغل برؤية بعض اللوحات المعلقة في مدخل الفندق، والتي كان معظمها لبعض أماكن «تكساس»، المراعي، القطن، آبار البترول، وعدة لقطات لرعاة البقر. مرت دقائق، ثم ظهر «رشيد»، اتجها معًا إلى حيث الشياطين، لكن فجأةً توقَّف «أحمد» وقد ارتسمَت الدهشة على وجهه، ظل يرقُب من يتقدم أمامه، ونظر «رشيد» له ثم همس: ماذا هناك؟
همس «أحمد» كالمذهول: «جاك بيلي»!
انتقلت الدهشة إلى وجه «رشيد» وهمس: «جاك بيلي»؟ … ذلك الرجل الذي قابلتموه في «نجاساكي»!
ردَّ «أحمد» في صوت خافت: نعم، إنه هو.
كان «جاك بيلي» الجديد يأخذ طريقه إلى الكافيتريا، فتبعه الاثنان، وما إن استقر جالسًا على منضدة في آخر الكافيتريا حتى كان «أحمد» و«رشيد» ينضمان إلى الشياطين. همس لهم «أحمد» محددًا مكان «جاك بيلي» الجديد ولم يكن المكان يحتاج منهم إلا إلى التطلُّع مباشرةً أمامهم.
همست «ريما»: هل يمكن أن يكون هو نفسه؟ أو أنه شخصية جديدة؟
رد «أحمد» بعد لحظة: من يدري، لعله هو، ولعله أيضًا «جاك بيلي» آخر!
كان على الشياطين أن يحددوا خُطَّتهم على ضوء ما حدث الآن، فقال «أحمد»: يصعد «عثمان» إلى الغرفة ويرسل رسالة إلى رقم «صفر» وينتظر الرد!
في لحظة، كان «عثمان» يأخذ طريقه إلى الدَّور الخامس والعشرين، حيث تقع غرف الشياطين، في الوقت الذي ظل «أحمد» يرقُب «جاك بيلي» الذي كان يجلس في هدوء … مر بعض الوقت، ثم وقف «جاك» بعد أن نظر في ساعة يده، أخرج من جيبه قلمًا، ثم كتب شيئًا عند طرَف المنضدة التي يجلس عندها، كانت الكافيتريا مزدحمة، ولم يكن أحد يُلقي بالًا إلى حركة الآخرين، إلا الشياطين، وفي هدوء انصرف.
ظل «أحمد» يتابعه في همس: سوف أتبعه، عليكم بالانتقال إلى منضدته، يبدو أنه كتب شيئًا سوف ينفعنا.
انصرف «أحمد» مسرعًا، حتى لا يضيع منه «جاك بيلي»، وعندما وصل أول الطرقة الطويلة، كان «جاك» قد خرج من الباب، أسرع خطواته أكثر، وعندما خطا أول خطوة إلى الخارج كانت سيارة «كاديلاك» سوداء تقترب بسرعة من «جاك» فركبها وانصرف، أسرع «أحمد» إلى سيارة الشياطين، ثم تبع سيارة «جاك». كانت «الكاديلاك» السوداء تمشي ببطء، ليس لأن الشارع مزدحم، ولكنها — كما فكَّر «أحمد» — كانت تتحرك وفقًا لزمن محدد، لكن ذلك لم يجعله يتخذ تصرفًا ما، لقد تبعها في هدوء هو الآخر.
فهم «أحمد» أن البداية قد حدثت، وأن ظهور شخصية جديدة سوف يكون مساعدًا أكثر.
قال ﻟ «رشيد»: لا تدعوا الشخصية تُفلت من أيديكم.
جاءه صوت «رشيد» مرة أخرى: إنه جرسون في الفندق.
لمعت عينا «أحمد» وقال في نفسه: هذا شيء رائع.
قال ﻟ «رشيد»: ضعوه تحت أعينكم.
انتهى الحديث، وظل «أحمد» في متابعته للكاديلاك السوداء، أخذت السيارة طريقًا خارج المدينة.
قال «أحمد» في نفسه: لا بد أننا في اتجاه المركز الرئيسي.
فجأة ظهرت عدة سيارات من نفس النوع واللون أيضًا، كانت السيارات تقترب من «أحمد» حتى جاورته ثم أسرعت واحدة منها وسارت أمام سيارة «أحمد»، بينما باقي السيارات تسير حوله وكأنه في موكب رسمي.
فكر بسرعة: هل هذه مسألة مقصودة أم أنها مجرد صدفة؟!
أسرع قليلًا، لكن السيارة التي أمامه كانت تسدُّ الطريق؛ فاضطُر إلى تهدئة السرعة، في نفس الوقت، لم يعُدْ يعرف أين سيارة «جاك» التي كان يتبعها، لقد اختلطت السيارات.
فكر: هل يعود مرة أخرى، أو يستمر؟ وهل اللحظة مناسبة ليدخل في صدام مع هذه السيارات، التي وضح من طريقة سيرها أنها تُنفِّذ تعليمات ما.
ظلَّ قليلًا على نفس سرعته، لكنه في نفس الوقت فكَّر في تغيير اتجاهه حتى يتأكد. عند أول تقاطع أعطى إشارة إلى أنه سوف يتجه يمينًا، وبسرعة كانت السيارات تبتعد عن يمينه لتتركه خاليًا له، اتجه فعلًا إلى اليمين، في نفس الوقت الذي استمرت فيه السيارات في اتجاهها، غير أن واحدة منها كانت تسير خلفه، فقد استطاع أن يراها في مرآة السيارة.
ابتسم قائلًا في نفسه: بدلًا من أن أطاردهم، هم الذين يطاردونني الآن.
ظل في طريقه، بعد أن رفع سرعة السيارة قليلًا، وكانت السيارة الأخرى خلفه أيضًا مباشرة.
فكر: هل يعود إلى الفندق؟
لكنه لم يفعل ذلك، فقد قال في نفسه: لو ذهبت إلى «الشمس» فإن ذلك سوف يكشف وجودنا، لا بد أن أتجه إلى فندق آخر.
فكَّر: هل يرسل رسالة إلى الشياطين؟
لكن قبل أن يرسلها فكر: ما دمتُ مراقَبًا، فلا بد أن أيَّ مكالمة أو إشارة سوف تُسجَّل، إنني تحت أعين العصابة الآن، إن استخدام شفرة الشياطين هو الأكثر أمانًا، ولذلك أرسل رسالة شفرية.
«٢٤ – ٢٥» وقفة «١٣» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١٣» وقفة «١ – ٢٥ – ٢٥ – ٢٩» وقفة «٢٤ – ١٠ – ١ – ٢١ – ٢» وقفة «١٠ – ١٢ – ١ – ٢٣ – ٢٦» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ١٨ – ٢٤ – ٢٩ – ٢٣» وقفة «٣ – ٦ – ٨ – ٢٩ – ٨» وقفة «٢٠ – ٢٥ – ٨ – ٢١» وقفة «١ – ٧ – ١٠» انتهى.
وكانت ترجمة الرسالة: «من ش إلى ش، إنني مُراقَب، رسالة إلى العميل، تحديد فندق آخر.»
ثم غير اتجاهه بعد قليل، لم يكن ذلك بسبب شيء مُحدَّد، ولكنه فقط لإعطاء فرصة لوصول رد الشياطين.
فجأة قال في نفسه: إذا ذهبت إلى أي مكان فسوف يعرفون، إن الحل هو الاختفاء الآن.
ضغط بقدمه على البنزين فانطلقت السيارة بسرعة عالية، نظر في مرآة السيارة فوجد «الكاديلاك» السوداء خلفه أيضًا، فكَّر قليلًا ثم اتجه إلى قلب المدينة حيث يشتد الزحام، كانت السيارة الأخرى لا تزال خلفه، فجأة لمعت لمبة حمراء في تابلوه السيارة، فعرف أن الشياطين يرسلون الرد، كان الرد شافيًا أيضًا: «٢٤ – ٢٥» وقفة «١٣» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١٣» وقفة «٢٦ – ٢٩ – ٢٣ – ٣ – ٢٧ – ٢٥» وقفة «٨ – ١ – ٢٨ – ١٢» وقفة «١٩ – ١٠ – ٢٠ – ٢٦» وقفة «١٨» وقفة «٢٠– ٢٩» وقفة «١ – ٢٥ – ٣ – ١٧ – ١ – ١٠» وقفة «١٠ – ١٢ – ١ – ٢٣ – ٢٦».
وكانت ترجمة الرسالة: «من ش إلى ش «هليتون دالاس» غرفة ١٨، في انتظار رسالة.»
نظر في مرآة السيارة فرأى «الكاديلاك» السوداء خلفه، فكَّر قليلًا ثم اتجه بالسيارة إلى أحد المطاعم، أوقفَ السيارة في مكان الانتظار ثم نزل، واتجه إلى المطعم مباشرة، ألقى نظرة سريعة، كانت الكاديلاك السوداء تقف بعيدًا قليلًا، وعندما كان يدخل من باب المطعم لمح بطرْف عينه أحدهم ينزل من السيارة ويتجه ناحيته، دخل بسرعة، كان الزحام داخل المطعم متوسطًا، لمح لافتةً صغيرة مكتوبًا عليها «خروج»، وفهم أن هذا باب آخر، أسرع إليه وفتحه. كانت هناك طرقة صغيرة مضاءة بضوءٍ خافت ثم باب، جذب الباب فوجد الشارع أمامه، خرج مسرعًا وهو يفكر: إن الآخر، سوف يفكر في نفس التفكير.
كان الشارع الذي خرج إليه شارعًا جانبيًّا، وكان الضوء فيه ضعيفًا، أسرع بخطوات نشطة يقطع الشارع عند نهايته، ثم انحنى عند أول تقاطع وتوقَّف يرقُب الشارع. لحظة، ثم خرج الرجل الذي تبعه، كان الرجل ينظر في شتى الاتجاهات، مما دفع «أحمد» إلى أن يغادر المكان بسرعة. إن لحظة الصدام الآن يمكن أن تكشف مغامرة الشياطين كلها؛ ولذلك فعليه الذَّهاب إلى «هيلتون دالاس». وعندما مرَّ أول تاكسي، كان قد أشار إليه واستقله إلى «الهيلتون» وفي الطريق إليه، قال في نفسه: الآن … بدأت المغامرة.