مع «جاك» … في فندق «الليلة»
توقَّف التاكسي أمام فندق «هيلتون دالاس»، فغادره بسرعة لكنه لم يدخل الفندق، فقد أخذ جانبًا وسار على مهل. كان يرقب شتى الاتجاهات؛ حتى يتأكد من أن أحدًا لا يتبعه. توقَّف عند ناصية الشارع قليلًا، حيث كانت الحركة قد بدأَت تهدأ. مرت دقائق، فتحرك إلى الفندق ثم دخله، اتجه إلى مكتب الاستعلامات، وطلب مفتاح الغرفة رقم «١٨»، فقدَّمه الموظف إليه مع ابتسامة رقيقة. اتجه إلى حجرته مباشرة، وما إن دخلها حتى توقَّف قليلًا، يرقُب كلَّ ما فيها. لحظة، ثم أخرج من جيبه جهازًا دقيقًا، يكشف الأشياء الغريبة، ظل يدور في الحجرة وهو يُوجِّه الجهاز الذي لم يكشف شيئًا، قال في نفسه: الآن يمكن أن أتحدث إلى الشياطين.
أخرج جهاز الإرسال، ثم أرسل رسالة شفرية؛ فهو يعرف أن الرسائل العادية يمكن أن تكشفهم، لكن شفرة الشياطين لا يعرفها أحد، ولا يمكن حلها. كانت الرسالة: «١ – ٢٣ – ٢٧ – ٨ – ١ – ٢٠» وقفة «١٠ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ٥ – ٢٦ – ٢٣» وقفة «٢٤ – ١» وقفة «٢٧ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٣ – ٢٩ – ٥ – ٢٧» انتهى.
وكانت ترجمة الرسالة: «الهدف في الجول، ما هي النتيجة؟»
وكان «أحمد» يعني أنه وصل الفندق، وما هي أخبار المراقبة عندهم. انتظر لحظة حتى يأتيَه الرد الذي لم يتأخر. كان الرد شفريًّا أيضًا، فترجمه «أحمد»: «ونحن في الانتظار.» بينما كان «قيس» و«ريما» يتابعان الجرسون.
نظر في ساعة يده، وكانت العقارب تشير إلى الحادية عشرة. قال في نفسه: ينبغي أن نرتاح الليلة، إن الشياطين في حاجة إلى ذلك، ولن يختفيَ الجرسون.
فكَّر قليلًا، كان يريد أن يتخذ قرارًا. في النهاية أرسل إلى الشياطين يطلب منهم أن يرتاحوا الليلة، على أن يبدأ العمل غدًا، وعندما جاءه الرد قفز إلى السرير، واستغرق في النوم.
في الصباح الباكر، استيقظ نشيطًا، أدَّى بعض التمرينات السريعة، ثم قرر أن يذهب مباشرة إلى فندق «الشمس» حيث يوجد الشياطين، وفي دقائق، كان يغادر الفندق إلى حيث ترك السيارة، ركبها واتجه مباشرة إلى فندق «الشمس». أوقفها في مكان الانتظار، ثم أسرع إلى حجرته داخل الفندق، لكنه لم يكد يضع قدمه داخل الصالة حتى تمهَّل، فقد رأى «جاك بيلي» يجلس وأمامه قدَح من القهوة، في نفس الوقت الذي كان فيه الجرسون، قد انحنى قليلًا، يهمس إليه بكلمات، لم يكن أحد في الصالة سواهما. أخذ طريقه إلى مقعد في العمق ثم جلس. كان بجواره حامل، مدَّ يده إليه وسحب إحدى جرائد الصباح، فتح الجريدة وتظاهر بأنه يقرأ، إلا أنه في الحقيقة كان يراقبهما. فكر: هل يطلق فراشة تنصُّت تنقُل إليه ما يدور بينهما من حديث؟ إلا أنه لم يفعل ذلك؛ فقد تلفت نظرهما. لحظة، ثم رأى الجرسون يقترب نحوه.
ظل متظاهرًا بالقراءة، ثم سمع صوت الجرسون يقول: صباح الخير يا سيدي!
أنزل الجريدة، ثم ابتسم وهو يرد: صباح الخير!
سأل الجرسون: هل تنزل هنا؟
أجاب: نعم.
الجرسون: هل تأمر بشيء؟
«أحمد»: يمكن أن أحتسيَ فنجانًا من الشاي.
الجرسون: أمرك يا سيدي!
انصرف الجرسون بسرعة، وظل يراقبه حتى اختفى.
ألقى نظرة سريعة على «جاك بيلي» الذي كان يرفع فنجان القهوة إلى فمه. فكَّر: لماذا تأخر الشياطين؟
لكن الإجابة على أسئلته جاءته بسرعة، فقد ظهر الشياطين أمامه، نظر إليهم نظرةً فهموها، فأخذوا جانبًا.
كان يبدو أنهم لم يروا «جاك بيلي» فقد كان يختفي خلف الجريدة التي استغرق في قراءتها. مرت دقائق، ثم عاد الجرسون بالشاي، وضعه أمام «أحمد» مبتسمًا، ثم انصرف.
أنزل «جاك بيلي» الجريدة، فلمحه الشياطين، التقت أعينهم مع «أحمد» الذي هزَّ رأسه بطريقة فهموها. مرت دقائق، ثم ظهر الجرسون متقدمًا في اتجاه «جاك بيلي». انحنى، ثم همس له بكلمات وانصرف، تحرك «جاك بيلي» بسرعة، ثم اختفى داخل الفندق، لم يتحرك أحد من الشياطين، ظلوا في انتظار عودته، ولم تمضِ سوى دقائق، حتى كان «جاك بيلي» يأخذ طريقه إلى الخارج.
في هدوء انصرف «أحمد» خلفه، في نفس الوقت الذي ألقى نظرة سريعة في اتجاه الجرسون ليرى إن كان قد لفت نظره، لكن الجرسون لم يكن موجودًا، وقبل أن يخطوَ خطواته الأخيرة خارجًا من الباب، نظر في اتجاه الشياطين، لكن الدهشة علت وجهه، لقد كان هناك «جاك بيلي» آخر يتقدَّم في الطرقة الطويلة، غير أن ذلك لم يوقفه؛ فقد أشار إلى الشياطين وخرج.
كان «جاك بيلي» الأول يركب سيارة فارهة، لمحه وهو يندسُّ داخلها، أسرع إلى سيارة الشياطين، وعندما أغلق الباب، جاءه صوت عميل رقم «صفر» يقول: إن عملية تسليم جديدة سوف تتم الآن. إن «جاك بيلي» هو المسئول في العصابة عن الشركات الصناعية.
انتهى كلام العميل، فتحرَّك «أحمد»، كانت سيارة «جاك بيلي» أمام عينيه، تبعها عن بُعد حتى لا يلفت نظرَ أحد … وحتى لا يُحاصَر حصار الأمس، أخذت السيارة طريقها إلى خارج المدينة، حيث ترتفع النباتات وتغطي مساحات كبيرة. قال في نفسه: إنها منطقة جيدة للمغامرة؛ فهنا يمكن الاختفاء ببساطة.
كانت السيارة تنطلق الآن بين الأشجار التي تحيط بالطريق الأسفلتي، فجأة انحرفت إلى اليمين في طريقٍ جانبي، وظهرت لافتة مكتوب عليها: «فندق ذي نايت»، أو فندق «الليلة»، ابتسم وهو يقول في نفسه: هنا تتم عمليات التسليم.
مضت ربع ساعة، ثم ظهر مبنًى صغير مُكوَّن من طابَقَين. كانت سيارة «جاك بيلي» تتوقف أمامه. فكَّر لحظةً قبل أن يقترب. لمح «جاك بيلي» ينزل من السيارة ويدخل الفندق، اقترب بسرعة حتى أوقف سيارته خارج الفندق قريبًا من الأشجار الكثيرة، التي تكاد تُخفي الفندق. أخرج نظارة سوداء وضعها فوق عينيه، ثم اتجه بسرعة إلى الفندق، وضع يده في جيبه يتحسس الكاميرا السرية الدقيقة، ثم دخل.
كان هناك بعض النزلاء، اثنان أو ثلاثة، أخذ جانبًا وجلس. كان «جاك بيلي» يجلس قرب النافذة وحده. مرت دقائق، ثم اقترب منه الجرسون. طلب بعض الساندويتشات، وفنجانًا من الشاي، فجأة فُتِح الباب، ودخل رجل قصير نوعًا، توقف لحظةً وعيناه تدوران بين الموجودين، رفع «جاك بيلي» قبعته ثم وضعها أمامه، فهِمَ «أحمد» أن هذه إشارة التعارف.
أخرج الكاميرا السرية التي تشبه قلمًا من الحبر وانتظره. اتجه الرجل القصير ناحية «جاك بيلي» حتى وقف أمامه مبتسمًا، وقف «جاك» ورحَّب به ثم جلسا.
مرت دقائق تحدثا فيها. فجأةً أخرج الرجل القصير عدَّة أوراقٍ صغيرة من جيب جاكتته الداخلي، في نفس اللحظة، كان «أحمد» قد وجَّه الكاميرا السرية إليهما.
وعندما كان الرجل القصير يبسُط الأوراق أمامه، كان «أحمد» قد أدار الكاميرا، ظلت الصور تتابع، ثم رفع «أحمد» يده فتوقَّف عمل الكاميرا، ووضع القلم في جيبه، كان هذا يكفي. جاء الجرسون بالسندويتشات، فبدأ «أحمد» يأكل على مهل. كان الرجلان يتحدثان بعد أن وضع «جاك» الأوراق في جيبه. مرت دقائق ثم انصرف الرجل القصير، وبقي «جاك». فكر: هل يتابع «جاك»؟ إن المهم الآن أن يصل إلى مركز العصابة، و«جاك» هو الذي سوف يدله عليه. في نفس الوقت لا بد من معرفة الرجل القصير. قرَّر في النهاية أن يرسل رسالة يطلب «عثمان»، وأسرع بإرسال الرسالة.
لحظة ثم جاءه الرد، وكان يعني أن «عثمان» في الطريق إليه، غير أن «جاك» وقف فجأة، ثم أخذ طريقه إلى الخارج، أسرع «أحمد» يدفع الحساب ثم تبعه. وعندما كان يخرج من الباب كانت سيارة «جاك» تخرج من حديقة الفندق. قفز بسرعة إلى سيارته وانطلق. كان يُفكِّر: كيف يمكن توصيل الفيلم إلى «عثمان» الآن؟ ثم قال في نفسه بعد لحظة: إن هذا ليس مهمًّا حاليًّا، المهم هو مركز العصابة.
ظل يتبع سيارة «جاك» عن بعد، كانت قد انطلقت بين المراعي الواسعة، حيث ترتفع النباتات، فيمكن أن تُخفيَ أيَّ شيء. وحتى لا يتوه عن السيارة، ضغط زر تشغيل الرادار لرصد مكان سيارة «جاك»، تحرك مؤشر الرادار محددًا اتجاه السيارة، ظل في طريقه، كان الطريق لا يتغير، الأسفلت الأسود، والنباتات الخضراء.
فجأة، انحرفت السيارة في طريقٍ جانبي، كان الطريق يبدو مهجورًا. توقَّف قليلًا، إن دخوله في هذا الطريق، عملية غير مأمونة العواقب.
فكَّر: هل ينزل من السيارة ويتقدم مشيًا؟ لكنه قال في نفسه أيضًا: ربما يكون الطريق طويلًا.
انتظر لحظة، وهو ينظر إلى مؤشر الرادار الذي كان لا يزال يرصد تحرك السيارة. قال: إن الرادار يمكن أن يحدد المسافة عن طريق رصده للسيارة.
فجأة، أضاءت لمبة صغيرة في تابلوه السيارة، فعرَف أن هناك مكالمةً تليفونية … ضغط زرًّا أمامه فأتى صوت «عثمان» يتحدث بلغة الشياطين التي لا يفهمها أحد غيرهم.
قال «عثمان»: إنني الآن في النقطة «ق»، أين أنت؟
رد «أحمد»: إنني في النقطة «ق – ١».
أُطفئت اللمبة، وعرَف «أحمد» أن المكالمة انتهت.
انتظر لحظة فهو يعرف أن «عثمان» قريب منه. لم تمرَّ دقائق حتى كان «عثمان» يقترب. أوقف السيارة التي يركبها بجوار «أحمد» ونزل بسرعة، فتح باب سيارة «أحمد» ثم قفز بجواره.
قال «أحمد» بسرعة وهو يقدم الكاميرا السرية: هذه الصور لا بد أن تُطبع حالًا؛ إن هناك عملية سوف تتم الليلة. عليك بتوصيل الفيلم إلى عميل رقم «صفر»، في نفس الوقت يتحرك الشياطين إلى هنا.
قال «عثمان»: لاحظ أن هناك «جاك بيلي» آخر في الفندق، بجوار أن الجرسون عميل آخر للعصابة.
فكر «أحمد» قليلًا قبل أن يقول: إذَن «ريما» تقوم بالمراقبة … بينما يتحرك الباقون إلى هنا، إننا نكاد نصل إلى مقر العصابة. قال ذلك وعيناه ترقب مؤشر الرادار الذي كان قد توقَّف. في نفس الوقت كان رقم ١٥ قد تحدد فوق لوحة الرادار.
قال ﻟ «عثمان»: إن سيارة «جاك بيلي» توقَّفت بعد ١٥ كيلو. وهذا يعني أن هذا الطريق يؤدي إلى هناك على بعد ١٥ كيلو.
في لحظةٍ كان «عثمان» قد قفز من السيارة، وركب سيارته وانطلق.
ظل «أحمد» في مكانه بعض الوقت، كان يفكر في الخطوة القادمة، أخيرًا قرَّر أن يبدأ. تحرك بالسيارة حتى أوقفها في مكان لا يكشف وجودها. عاد بسرعة ثم بدأ الطريق.
لم يكن يمشي فوق الأسفلت الذي كانت تزحف عليه الحشائش، فقد فكر أنه يمكن أن يلفت نظرَ أيِّ مارٍّ بالطريق؛ ولذلك مشى بين النباتات موازيًا للطريق. كان يحمل في يده جهازًا يُحدِّد المسافة حتى يعرف المكان بالضبط؛ ولذلك كان بين كل لحظة وأخرى، يرقُب العداد. وعندما سجل رقم «١٥» توقَّف وقال في نفسه: هذا هو المكان.
في حذرٍ تقدم ناحية الأسفلت، لكن كانت الدهشة تغطي وجهه، فلم يكن يظهر في المكان أيُّ شيء. ظل يتلفت حوله، لكن لم يكن هناك ما يدل على وجود حياة في المكان. ظل في مكانه لحظة. كان يفكر: إن مراقبة الطريق لبعض الوقت يمكن أن تكشف أي شيء … ولذلك غاص بين النباتات يراقب الطريق. كان الوقت يمر دون أن يظهر أحد. فجأة، شعر بأقدام تقترب؛ فانبطح أرضًا وأخذ يتنصَّت، فجأة بدأت ابتسامة تغطي وجهه، فقد عرَف أنها أقدام الشياطين؛ ولذلك، فبعد دقائق، كانوا ينضمون إليه، نقل إليهم ما فكر فيه.
غير أن «قيس» قال: سوف أستخدم جهاز التنصُّت. إنه يمكن أن يدلَّنا.
أخرج من جيبه جهازًا صغيرًا، ثم سحب منه «إيريال» رفيعًا، أخذ يوجه الجهاز إلى كل الاتجاهات لكن الجهاز لم يسجل شيئًا، أخرج منه سماعة دقيقة، ثم ألصقها بالأرض، فاهتزَّ مؤشر الجهاز.
علت الدهشة وجوه الشياطين، وهمس «رشيد»: يبدو أننا فوق المركز بالضبط.
التقت أعين الشياطين، وهمس «عثمان»: من يدري، قد يكون المركز تحت الأرض.
تساءل «رشيد»: وأين المدخل؟
فجأةً ظهَر بين النباتات رجلان. فوجئ الشياطين، لكنهم انكمشوا في مكانهم، وقد كتموا أنفاسهم. إن هذه فرصتهم. اقترب الرجلان. فكر «أحمد» بسرعة: هل يتركونهما يمران؟ أو يقبضون عليهما؟
نظر إلى الشياطين، ثم تحدث بلغة الإشارة.
رد «عثمان» بالإشارة يؤيد القبض عليهما.
في نفس الوقت اقترح «قيس» أن يراقبوهما. انتظر «أحمد» لحظة، ثم أشار إليهم للانقضاض على الرجلين.
لكن قبل أن يتحرك أحد، همس «أحمد»: سوف أقوم و«رشيد» بالمهمة.
كان الرجلان قد تجاوزا الشياطين، تقدم «أحمد» و«رشيد» وأشار إليه. في لحظة، كانا يطيران في الهواء في اتجاه الرجلين، ضرب «أحمد» الرجل الأول ضربة جعلت الرجل يدور حول نفسه، وقبل أن يُفيق الرجل من الضربة كان قد ضربه ضربةً قويةً جعلت الرجل يتراجع في قوة. لكنه فجأة، اعتدل وأسلم قدميه للجري.
كانت هذه فرصة، فقد تبعه «أحمد» في الوقت الذي كان فيه «رشيد» قد أنهى مهمته وقبض على الرجل. كان الهارب يجري في سرعة البرق في اتجاه مجموعة من الأشجار، بينما كان «أحمد» يتابعه، فجأة لمس الرجل جذع شجرة ثم اختفى. وقف «أحمد» مذهولًا يرقب المكان حوله. لم يكن هناك شيء يظهر. فكر … ثم اقترب من الشجرة، وتوقَّف أمامها، لقد كانت هذه الشجرة هي المفتاح.