عالم غريب … في المركز السري
أرسل إشارة سريعة إلى الشياطين الذين انضموا إليه. كانوا يسوقون الرجل معهم، نظر «أحمد» إلى «قيس» نظرة فهِمَ معناها، فأوثق الرجل، وكمم فمه، وأخفى عينيه ثم ربطه إلى ساق إحدى الأشجار. كانت النباتات تعلو في هذه المنطقة؛ ولذلك فإن الرجل لم يكن يظهر. شرح «أحمد» للشياطين ما حدث. كانوا يلتفُّون حول الشجرة في تلك اللحظة.
مد «أحمد» يده إلى بروز صغير فوق الساق، يبدو وكأنه جزء منها. لمس البروز، فانشقت الأرض … وبدأت تتحرك في لمح البصر، كان الشياطين يقفزون إلى المدخل الذي ظهر. كان هناك سُلَّم ضيق ينزل إلى أسفل، تقدَّم «أحمد» ونزل بسرعة، فتبعه الباقون، كان السُّلَّم يغرق في إضاءة خافتة، ولم يكن يظهر أحد.
همس «عثمان»: من الضروري أن تكون هناك أجهزة إنذار … وهذه يمكن أن تكشف وجودنا.
بسرعة أخرج «رشيد» جهازًا دقيقًا، ضغط على زرٍّ فيه، فصدرَت عنه موجات مغناطيسية توقف عمَل أيِّ جهاز إنذار. نزلوا في هدوء … فجأة، ظهر أمامهم ممر طويل، وكأنه بلا نهاية. كان يبدو خاليًا من أي فتحات.
فكر «أحمد» قليلًا: إن هناك غرفًا بالتأكيد، لكنها لا تظهر. تمامًا مثل المدخل السري للمركز.
خطا خطوة، ثم وقف دهشًا؛ فقد فُتحت إحدى الغرف. كانت الغرفة خاليةً؛ ولذلك لم يدخل. استمر في طريقه. مرة أخرى، فُتح أحد الأبواب، نظر إلى داخل، إلا أن شيئًا لم يظهر.
قال في نفسه: ليس من المعقول أن تكون كل الغرف خالية، لا بد أن هناك خدعة ما. نظر إلى الشياطين، لكن فجأة صرخ هامسًا: احذروا!
لقد كانت مجموعة من الرجال تخرج من إحدى الغرف الجانبية، لمح بينهم ذلك الرجل الهارب. كان واضحًا أن الرجل قد أعطى تفاصيل ما حدث لقيادة العصابة؛ ولذلك فإن الصدام ضروري الآن. وقفت مجموعة الرجال، وكانت المسافة التي تفصل بينهم ليست كبيرة، لكن أحدًا منهم لم يُقدِم على شيء … وكانت هذه مسألة محيرة. إن الشياطين في انتظار الاشتباك معهم، لكنهم كانوا يبدون وكأنهم رجال من شمع. لم تكن تظهر على وجوههم أي انفعالات، غير أن الذي أثار دهشة الشياطين أكثر هو أن مجموعة الرجال انصرفت بعد قليل، لقد دخلت نفس الغرفة التي خرجت منها، وما كادوا يختفون، حتى أُغلق الباب خلفهم.
همَس «قيس»: إن هذه مسألة غير عادية، إن علينا أن ننتظر شيئًا غريبًا.
لم يردَّ أحد من الشياطين، كانوا يراقبون كل الاتجاهات حتى لا يفاجئهم أحد.
قال «أحمد»: يجب أن نتحرك، أن ندخل إحدى الغرف، وأن نصطدم بأحد حتى يظهر الموقف.
تحركوا معًا في اتجاه الغرفة التي اختفى داخلها الرجال، توقَّف «أحمد» أمام الباب، فأسرع «رشيد» يقول: احذر الإشعاعات!
قال «أحمد»: إنني أحسب حساب كل شيء … عليكم أن تحذروا أنتم أيضًا.
في لمح البصر، كان الشياطين قد شربوا سائلًا خاصًّا، يقيهم أيَّ إشعاعات يمكن أن تهاجمهم. فجأة، انفتح باب جانبي. التفتوا إليه وقد وضعوا أيديَهم على مسدساتهم إلا أن أحدًا لم يخرج. لحظة، ثم أُغلق الباب.
ابتسم «أحمد» وقال: إنهم يلعبون بنا، ويحاولون التأثير علينا؛ ولهذا يجب أن نقوم بعملية هجوم، فالشياطين لا يخشون شيئًا.
فجأة أظلم المكان تمامًا، همَس «أحمد»: هذه أيضًا إحدى ألعابهم، لكننا نستطيع أن نلاعبهم بنفس الألعاب.
أخرج مسدسه، ثم ثبَّت فوق فُوَّهته جهازًا دقيقًا للإشعاع ووجَّهه إلى الباب … الذي أُغلق.
مرت لحظة، ثم بدأ الباب يُفتح، كان يبدو الضوء خلفه. أسرع «أحمد» وقفز إلى الداخل، إلا أن طلقات الرصاص دوَّت حوله. تراجع بسرعة. في نفس الوقت، كان «قيس» قد أخرج قُنبلة دخان، وألقى بها داخل الغرفة، مرت لحظات، كان الدخان الشفاف قد بدأ يسري …
قال «أحمد»: الآن يمكن أن نُسرع بالهجوم.
تقدم، ثم دخل في حذر، تبعه الآخرون، كانت الغرفة التي دخلوها خالية تمامًا، حتى إن ذلك، جعل الشياطين يقفون في حيرة، لكنهم مع ذلك، تقدَّموا مسرعين، كانت الغرفة، تبدو وكأنها بلا نهاية. ظلوا يتقدمون. فجأة، ظهر سُلَّم ضيق لا يتسع إلا لواحد.
همَس «أحمد»: سوف أتقدم ومعي «رشيد»، وعليكما بالمراقبة.
نزل بسرعة، و«رشيد» خلفه. كان السُّلَّم حلزونيًّا، وكثير الدرجات.
همس «أحمد»: احذر أن تفقد توازنك؛ إن هذه الدرجات الدائرية الكثيرة يمكن أن تُفقدنا توازننا.
فجأة، انفصل الجزء الأسفل من السُّلَّم أمام أعينهما، فوقفا في حيرة، كان الجزء الأسفل يبتعد، إلا أن «أحمد» أسرع في قفزة واسعة، فوصل إليه. في نفس الوقت الذي كان فيه «رشيد» لا يزال فوق الجزء العلوي، كانت المسافة تتسع، إلا أن ذلك لم يكن يهم «رشيد»، فقد استجمع قواه وقفز في قوة، إلا أن قدميه لم تنزلا على السُّلَّم فكاد يسقط، غير أنه بحركة رشيقة استطاع أن يتشبَّث بيديه، وفي لمحة، كان يكور نفسه، ثم يدور في الهواء لتصبح قدماه فوق السُّلَّم. كان «أحمد» يراقبه، في انتظار أن ينجح في الوقوف فوق السلم، وبسرعة نزلا، لكن فجأة، هب تيار قوي من الهواء، كاد أن يدفعهما إلى الخلف، لكنهما تشبَّثا بالسلم، اشتد التيار الهوائي، في نفس الوقت الذي كان السلم لا يزال ينزل.
همس «أحمد»: تشبث جيدًا؛ إن التيار الهوائي شديد.
نظرا أسفلهما، إلا أنهما لم يريا الأرض، كان يبدو أنهما يقفان في الهواء.
قال «رشيد»: ينبغي أن نستخدم سلم الشياطين.
بسرعة، أخرج حبلًا رفيعًا، ثبَّته في السلم ثم بدأ ينزل بسرعة. فجأة انقطع الحبل، ظهرت الدهشة على وجه «رشيد» فهو يعرف أن هذا الحبل لا يمكن أن ينقطع إلا إذا كان هناك شيء غريب موجَّه إليه. نظر إلى «أحمد» الذي كان يطير الآن في الهواء. فكر: إن «أحمد» سوف يسقط من ارتفاع شديد، ولا بد أن هذه هي النهاية.
كان «أحمد» لا يزال يسبح في الهواء، وهو يتجه بشدة إلى الأرض. فجأة، اختفى «أحمد». ظهر الفزع على وجه «رشيد»، ما هذا الذي حدث؟! وهل يمكن أن تكون هذه نهاية «أحمد»؟ هكذا كان يفكر. كان السلم لا يزال يهبط، لكن بدرجة سرعة أقل، ثم فجأة توقف، نظر «رشيد» حوله، لم يكن يبدو أي شيء، إلا الجدار الأصم.
لكن فجأة، ترددت ضحكة خشنة، وجاء صوت يقول: ما رأيك في المكان الذي تقف فيه؟ إنك تستطيع أن تقضيَ فيه بقية عمرك.
ومن جديد، تردَّدت الضحكة الخشنة.
كان «رشيد» يحاول أن يحدد مصدر الصوت الذي كان يملأ المكان، ولا يبدو أنه يصدر من مكان محدد. نظر حوله، يقيس المسافة بينه وبين الجدار، لم تكن المسافة بعيدة، قال في نفسه: يمكن أن أدخل مغامرة، بدلًا من الوقوف هكذا بلا نتيجة.
أخرج مسدسه، وثبَّت فوقه جهاز الأشعة، ضغط الزناد، وهو يسدد المسدس إلى الجدار. وفي لحظة، كانت الأشعة تخترق الجدار، لتصنع فيه فتحة كافية لأن يمر فيها. أسرع في قفزة واحدة يمر منها، وعندما سقط على الأرض — التي لم تكن بعيدة — كان عدد من الرجال يقفون ملتصقين بالحائط، فقد أفزعهم ما حدث، وقبل أن يُفيقوا من ذهولهم، كان «رشيد» قد صوَّب إشعاع مسدسه إليهم، فسقطوا الواحد بعد الآخر. لم تستغرق المسألة أكثر من دقيقة.
أسرع يلم بمحتويات الغرفة، كان يبدو أنها غرفة اجتماعات، فقفز في اتجاه الباب، فقد توقع هجومًا سريعًا. وقف لحظة ينصت في حذَر. لم يكن يسمع شيئًا. أسرع يرسل رسالة إلى الشياطين ليحدد الموقف بالضبط.
وعندما انتهى من الرسالة، التقط رسالة أخرى، كانت الرسالة من «أحمد»، وكانت تقول: «إنني في النقطة «ع».»
فجأة بدأ يشعر بالبرد، فهِم بسرعة أن العصابة تستخدم معه أساليبَ مختلفة، أخرج من جيبه حبة دواء، امتصَّها، فبدأ الدفء يسري في جسمه. فتح الباب في هدوء، فشعر بتيار بارد، أخرج حبة أخرى، وأخذ يمتصها، ثم تقدَّم في حذر، كان قد حدد النقطة «ع» التي يقف عندها «أحمد». كان عليه أن يقطع مسافة كبيرة، حتى يصل إلى هناك. فجأة، جاءته رسالة من الشياطين، كانت الرسالة تقول إن المعركة تحتاج أن ينضم هو و«أحمد».
فكر لحظة، ثم أرسل الرد: «عليكما بالاستمرار. نحن أيضًا بدأنا معركة.» ولم يكد ينتهي من إرسال الرسالة، حتى كانت قبضة قوية تنزل فوق رأسه. شعر أن الدنيا تدور، لكنه مع ذلك تماسك. وعندما التفت ليعرف مصدر الضربة، رأى عملاقًا أسود، يبدو عليه الشر، كانت قبضته في الهواء تأخذ طريقها إليه. في لمح البصر، كان قد طار في الهواء، وهو يسدد قدمًا عنيفة إلى وجه العملاق الذي اهتز. وعندما كان «رشيد» يستقر على الأرض، كان العملاق يقف مكانه، وكأن القدم القوية لم تصل إليه، فهم «رشيد» أن حدوث معركة بالأيدي لن تكون في صالحه؛ ولذلك اقترب من العملاق وهو يمثل أنه سوف يشتبك معه، في نفس الوقت الذي كان قد أخرج إبرة مخدرة، وضعها بين إصبعَي يده اليمنى، واندفع إلى العملاق، الذي ضحك بعنف، إلا أن ضحكته لم تستمر؛ ذلك لأن المخدر الذي تحمله الحقنة شديد التأثير، ولم تمضِ لحظة، حتى كان العملاق يستند إلى الحائط.
تركه «رشيد» واندفع إلى داخل الغرفة التي خرج منها العملاق، فرأى بابًا آخر مفتوحًا، توقَّف، وفكر بسرعة: إن العصابة تريده حيًّا، وإلا فقد كان يمكن استخدام أي سلاح غريب، للقضاء عليه. تقدم من الباب في حذر، أخرج قدمه بسرعة، ثم أعادها، دوَّت طلقة رصاص، فهم أنهم يريدون اصطياده. فكَّر: هل يرسل رسالة إلى «أحمد»؟ ولم ينتظر، فقد أرسل الرسالة. انتظر قليلًا، وجاءه الرد: لقد تركت النقطة «ع»، خط السير تبعًا للخُطة «ل».
بسرعة، أخرج كرة دخان في حجم «البلية» الصغيرة، ضغط زرًّا فيها، ثم دحرجها من الباب، انتظر قليلًا، وهو يرقب الدخان الشفاف الذي كان يتصاعد منها. أخذ الدخان ينتشر، ثم فجأة، بدأ يأخذ لونًا أخضر. ألقى نظرة سريعة خارج الغرفة، كان الممر الخارجي يغرق في اللون الأخضر. خرج في خفة، وبلا صوت، واتجه إلى حيث النقطة التي تحددها الخُطة «ل».
فجأة سمع صوت طلقات رَصاص. استمع قليلًا، فميز بين الطلقات صوت طلقات الشياطين، قال في نفسه: إنه «أحمد» بالتأكيد. تتالت عدة طلقات بطريقة معينة، فعرَف أنه «أحمد» فعلًا. اتجه إلى مصدر الصوت الذي لم يكن بعيدًا.
فجأة، دوَّت طلقة تحذير، فعرَف أن «أحمد» يحذره من شيء ما. مشى خطوة، ثم ضغط الأرض بقدمه … إلا أن شيئًا لم يحدث، خطا خطوة أخرى وضغط الأرض، فانفتح باب، أطلق عدة طلقات … داخل الغرفة التي انفتح بابها، لكن أحدًا لم يرد. دخل بسرعة، فرأى شاشة تليفزيونية، وقد ظهرت عليها رسالة داخلية، قرأ الرسالة التي كانت بالإنجليزية، وعرف أنها أوامر من رئيس العصابة تحدد خُطة القبض عليهم. اختفت الكلمات، فأرسل رسالة سريعة إلى الشياطين جميعًا على موجة خاصة بالشياطين، يُحذِّرهم فيها من الخُطة المرسومة. ولم تكن الخُطة إلا تجميعهم عند نقطة معينة، عن طريق غُرف متعددة، من خلال الاشتباك معهم، والانسحاب أمامهم إلى النقطة. وعندما انتهى من رسالته، فُتح بابان في الغرفة في وقت واحد.