حرب البارونات!
قال رقم «صفر»: إن مهمتكم القادمة سوف تكون في «كولومبيا» بأمريكا الجنوبية … وبالتحديد في مدينة «ميدين» معقل تجارة الكوكايين في العالم … إن «كولومبيا» ليست الأولى في زراعة نبات الكوكايين، بل إن «بيرو» تُنتج خمسة أضعافها، وكذلك «الأكوادور» … ولكن «كولومبيا» أخذَت شهرتَها وسطوتها من كون أن تخليق الكوكايين يتم في معاملها، حيث يتحول ورق الكوكا إلى كوكايين في معامل مدينة «ميدين» … والتي يمكن أن نُطلق عليها مدينة المخدرات الأولى في العالم … إن ٩٠٪ من الكوكايين المهرَّب إلى أمريكا الشمالية يخرج من سواحل ومطارات «ميدين» … وكذلك كلُّ الكوكايين المصدَّر إلى عالمنا العربي يأخذ نفس الطريق …
وصمت لحظة ثم أضاف: ولا شك أنكم تعلمون بالحرب الدائرة بين تجار المخدرات في «ميدين» والذين يُطلق عليهم لقب البارونات ضد الحكومة … فهذه الحرب التي بدأت عام ١٩٨٢ تسبَّبَت في موت تسعة آلاف شخص … أي بمعدل خمسة أشخاص كل يوم، من ضمنهم رجال الشرطة والصحفيون وحتى رجال القضاء … لقد بدأت هناك معركةٌ شرسة ولا زالت مستمرة … وإن كان ليس من المؤكد فيها انتصار الحكومة، وذلك بسبب أن عصابات الهيروين التي تملك أموالًا خرافية قامت بشراء الطائرات والأسلحة التي تمكِّنها من الدفاع عن نفسها … بل إنهم قاموا بإنشاء ما يسمَّى ﺑ «غرف الموت» … وهي فِرَقٌ مهمَّتُها اغتيالُ وقتْل أيِّ قاضٍ يحكم على أحد رجال المخدرات … أو أي رجل شرطة يقوم بالقبض على أيٍّ من تجار المخدرات، بل ووصلَت سطوتُهم في العام الماضي إلى حدِّ قتْلِ أحدِ المرشحين لانتخابات الرئاسة أثناء حملته الانتخابية بسبب وعودِه للقضاء على تجار المخدرات ومزارعها … ولا يمرُّ يومٌ الآن بدون أن تحدثَ عدةُ انفجارات في المنشآت الرسمية بواسطة القنابل التي يزرعها عملاء البارونات في الأماكن العامة وغيرها لإحداث حالة من الذعر والتوتر في البلاد لإيقاف الحرب ضد زراعة وتجارة الكوكايين …
أحمد: لقد قرأتُ أن القوات الحكومية قد هاجمَت قصورَ هؤلاء البارونات ومعاقلهم، ودمَّرَت مصانعَهم.
رقم «صفر»: هذا صحيح … ولكنها لم تتمكن من القبض على الرءوس الكبيرة، ومن ثَم استطاع البارونات الهربَ في اللحظة الأخيرة من «ميدين» والالتجاء إلى التلال المحيطة بها للإشراف على تجارتهم. وفي الواقع فإن هناك ثلاثة بارونات كبار يُهيمنون على تجارة الكوكايين وتصديره، وما يهمُّنا منهم هو «بابلوجوانزالو» البارون الملقَّب بالأب الروحي، إنه أخطر رجل في «ميدين» وهو المسئول عن تصدير الكوكايين للشرق الأوسط … وبالذات لمنطقتنا العربية.
وظهرَت على الشاشة صورةٌ للبارون «بابلوجوانزالو» … وكانت تمثِّل وجهًا لرجل لا يتعدَّى الأربعين من عمره … له شاربٌ كثٌّ، وعينان ضيقتان، وملامح قاسية … وهناك ندبة صغيرة في جبهته … واختفت صورة البارون … وحلَّ محلَّها حراسٌ مدجَّجون بالمدافع الرشاشة والقنابل اليدوية … وظهر عددٌ من الطائرات الهليكوبتر المسلَّحة في خلفية القصر …
وقال رقم «صفر»: هذا هو القصر الذي كان يعيش فيه «بابلو» في «ميدين» قبل أن تستوليَ عليه الحكومة … ويقال إن البارون قد لجأ إلى الجبال، حيث يعيش في قصرٍ مماثل كان قد بناه للطوارئ … والقصر الذي استولَت عليه الحكومة مليءٌ بالتُّحَف الثمينة التي لا يقلُّ ثمنُها عن عشرة ملايين جنيه … ولهذا البارون قصةٌ عجيبة في وصوله إلى مكانته الكبيرة في عالَم تهريب الكوكايين؛ فقد بدأ حياتَه ماسحًا للأحذية في العاصمة الكولومبية «بوجوتا»، ثم احترف سرقة السيارات … وقُبِضَ عليه، وبعد الإفراج عنه سافر إلى «ميدين» وعَمِل حارسًا في مزارع المخدرات، ثم عَمِل في تهريب بعضها إلى أمريكا، واشتهر بجرأته الشديدة وقدرته على الهرب من الكمائن التي تُوضع للقبض عليه … ولمع اسمُه وزادَت أرباحه حتى اشترى المزارع الواسعة، وأقام مصانع تخليق الكوكايين من نبات الكوكا، وزادت تجارته وتوسَّعَت حتى صار من أكبر بارونات «ميدين» في تهريب المخدرات خاصة لدول الشرق الأوسط.
إلهام: ألم تجرِ أيُّ محاولات للقبض على هذا الرجل؟
رقم «صفر»: بالفعل جرَت عدةُ محاولات … لقد ذهب أكثرُ من عشرين من أفضل رجال المباحث والمخابرات للقبض عليه بخطط مبتكرة … ولكنهم جميعًا انكشف أمرهم وماتوا صرعَى برصاص حرَّاسه. وذات مرة كان «بابلو» في زيارة لإحدى الدول الأوروبية عندما قُبِضَ عليه وأودع بالسجن تحت حراسة مشددة لحين ترحيله ومحاكمته. ولكن بعض رجاله تمكَّنوا من اختطافه من السجن بحبل ألقَوه إليه من طائرة عمودية هربوا بها معه … إنه رجل أشبه بالأسطورة … وهو من الذكاء بحيث إنه يضمن ولاءَ الأهالي الذين يعيشون في منطقة نفوذه، فهو يبني لهم المساكن ويوزِّعها عليهم بالمجان، وكذلك الملابس والطعام؛ حتى يضمن ولاءَهم له، ووقوفَهم بجواره دائمًا … إن هناك أكثر من نصف مليون شخص مستعدون لحماية هذا الرجل الخطير بأرواحهم … بالإضافة إلى عشرة آلاف رجل مسلحين.
أحمد: إن هذا الرجل يبدو كما لو كان يمتلك جيشًا بالفعل!
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا … إنه يملك أكثر من عشرين طائرة بعضُها مزوَّد بالصواريخ، كما يملك عددًا من السفن البحرية بعضها أشبه بالترسانات البحرية … بل إنه يمتلك غواصة خاصة تقف أمام سواحل البلاد مستعدة لنقله في أية لحظة بعيدًا إذا داهمه الخطر … وقد قدَّرَت بعض المصادر ثروةَ هذا الرجل بعشرين مليار دولار أمريكي … وبذلك فإنه قد يكون أغنى رجل في العالم.
زبيدة: وأكثرهم شرًّا أيضًا.
رقم «صفر»: إن مهمتكم مزدوجة … أولًا القضاء على البارون «بابلوجوانزالو» … والتخلص منه بأي شكل من الأشكال … وتذكَّروا وأنتم تفعلون ذلك أن هذا الرجل مسئول عن قتل عشرات الآلاف من شبابنا وتدميرهم بالسموم التي يُصدِّرها إلينا … ولكن قتل هذا الرجل ليس كافيًا؛ فإن هذه العصابات تمتلك نظامًا يكفل لها إيجادَ زعماء جُدُد بسرعة، وبالتالي سنكون كمَن قطع ذَنَب الحية لا رأسها … ولذلك فإن الجزء الثاني من مهمتكم سيكون هو تدمير معامل تصنيع وتخليق الكوكايين، والتي أُنشئَت على حدود مدينة «ميدين» خلف تلالها في منطقة مليئة بالغابات … والمستنقعات، والأحراش … إنكم سوف تكونون بين فكَّي كماشة … فلن يكون عدوُّكم هو «بابلوجوانزالو» وجيشَه فقط … بل والأهالي المقيمين بنفس المكان … وأيضًا المخاطر الطبيعية التي ستواجهكم في نفس المنطقة.
قال «عثمان» في غضب مكبوت: إن الهدف الذي نسعى إليه يستحق المخاطرة ولو كانت أضعاف هذه المخاطر.
رقم «صفر»: أنا أثق في حُسْن أدائكم لهذه المهمة … إن حكومات عربية عديدة تعتمد عليكم، وتنتظر النتائج في هذه المهمة الصعبة … لقد تم تجهيز أوراق السفر لكم إلى العاصمة الكولومبية «بوجوتا» باعتباركم أفراد محطة تليفزيونية غربية ترغب في تغطية الأحداث الجارية وحرب المخدرات في «ميدين» … وعلى هذا الأساس ستحصلون على تصاريح لزيارة «ميدين»، والتجول فيها بحرِّية، وإضفاء طابع شرعي على مهمتكم. ولكن تذكَّروا أنكم ستكونون دائمًا تحت المراقبة من رجال البارونات وحرَّاسهم … إن كلَّ شخص سيُصادفكم هناك قد يكون جاسوسًا عليكم، ولن يتوانى عن قتلكم في أية لحظة يشك فيها في مهمتكم … ويكفي أن تعرفوا أن هذه العصابات قتلَت عشرين صحفيًّا حتى الآن!
ومرت لحظة صمت قبل أن يُضيف رقم «صفر»: هل هناك أية أسئلة؟
زبيدة: كيف سنحصل على الأسلحة التي سنواجه بها شياطين المخدرات هناك؟
رقم «صفر»: لن تكون هناك أية أسلحة.
وأجاب رقم «صفر» على خواطرهم: كما أخبرتكم؛ فإن كلَّ عين ستُصادفكم هناك ستكون عينًا عليكم، وسيُجرى تفتيشُ أمتعتكم عشرات المرات … وبذلك فإن أيَّ سلاح ستتسلحون به ولو كان مجردَ خنجر صغير سوف يُثير الريبة والشك فيكم … إن أفضل حماية لكم أن تكونوا بلا سلاح، وعندما تبدأ المواجهة فسيكون من السهل عليكم الحصول على السلاح الذي ستحاربون به جيش البارون … من نفس الجيش … أنا أعرف أنني أرسلكم إلى المستحيل … ولكني أثق في قدرتكم مهما كانت الظروف التي تُواجهكم … لقد واجهتم المستحيل من قبل وقهرتموه … وهو ما أنتظره منكم هذه المرة أيضًا.
وساد بعد كلمات رقم «صفر» سكونٌ قاتل، وكان أشبهَ بالسكون الذي يسبق العاصفة!