قصر … وسط غابات الأمازون!
استغرقَت رحلةُ الشياطين عدة ساعات. لم ينطق خلالها رجال البارون بكلمة واحدة … ولم يكن الشياطين بحاجة لمن يخبرهم عن وجهتهم … كانوا يتجهون جنوبًا … نحو حوض نهر الأمازون باتجاه البرازيل … تلك المنطقة الشاسعة المهولة من الغابات البرية الاستوائية التي تكاد تكون عالمًا مغلقًا مجهولًا … والتي اختبرها الشياطين من قبل في مغامرة «سباق الموت» وكادوا يضيعون في متاهات … حيث الداخل إلى تلك الغابات مفقود … والخارج مولود …
تبادل الشياطين النظراتِ في صمت … فقد أحسن «البارون» اختيارَ مكان اختفائه ببراعة … حيث يستحيل أن تطولَه أيةُ يدٍ مهما بلغَت قوتَها وهو مختفٍ داخل حوض نهر الأمازون … وحلَّقت الطائرة فوق منطقة كثيفة ذات قمم خضراء متشابكة … واجتازَت عددًا من البِرَك والمستنقعات، ثم أخذَت تحوم فوق بقعة خضراء واسعة تُحيطها المياه من كلِّ جانب.
وقال «عثمان» باسمًا: أظن أننا قد وصلنا.
وبالفعل بدأت الطائرة الهليكوبتر هبوطَها وسط الأشجار الكثيفة في براعة تقطع بمهارة قائدها.
وأسفل قمم الأشجار العالية يظهر للشياطين منظرٌ لم يكونوا ليظنوا وجودَه إلا في حكايات ألف ليلة وليلة.
ففوق الجزيرة الصغيرة ووسط الأشجار الضخمة العملاقة التي كوَّنَت ما يُشبه مظلَّة خضراء طبيعية تُخفي ما تحتها … وسط ذلك كلِّه ظهر قصرٌ كبير أشبه بالقصور الخرافية … كأنه ينبت في نفس المكان، فقد كان مبنيًّا على طراز هندي بالقباب المتدرجة والمنمقات الزخرفية البالغة الروعة … وكانت جدرانه تبدو كما لو كانت صُبَّت من الرخام، ونوافذه كما لو أنها صُنعت من سبائك الذهب … وقد انتثرَت التماثيل الرائعة في مدخله، وكذلك النوافير التي كانت تحفة فنية عالية.
قال «أحمد» ساخرًا: وحراسة عنيفة ودموية عالية أيضًا!
وأشار إلى اليسار حيث ظهر عددٌ من المدافع المضادة للطائرات، وعددٌ من الحراس يحملون الصواريخ فوق أكتافهم. وعلى مسافة ظهرَت بعضُ الزوارق المسلَّحة السريعة وهي تقوم بدورات مراقبة حول القصر.
إلهام: إن القصر يبدو كما لو كان قلعةً محاطة بالحراسة … قلعة تكلفت عشرات الملايين.
عثمان: والثمن ملايين من الضحايا من الشباب.
هبطَت الطائرة أمام ساحة القصر تمامًا … وخرج الشياطين منها … وعاودت الطائرة التحليق بباقي مَن كانوا فيها.
ووقف الشياطين لحظاتٍ يتأملون ما حولهم … لم يتقدم إليهم إنسان … وكانوا موقنين أن هناك عينًا خفية تُراقبهم.
قال «أحمد» باسمًا للباقين: أرى أن نبدأ مهمتنا.
وأخرج كاميرا الفيديو الخاصة به، وأخذ يلتقط فيلمًا قصيرًا للقصر وما يحيط به من أشجار ومظاهر للترف … وتظاهرَت «إلهام» بأنها تلتقط بعض الصور … وتقدَّمَت نحو بعض الأشجار القريبة التي كانت تمثِّل حاجزًا طبيعيًّا بين القصر وبين الوصول إليه من الخلف … جهة الماء … وما كادت تخطو نحو الأشجار حتى دوَّى زئير رهيب … وقبل أن تتمكن «إلهام» من أن تفعل شيئًا … قفز نمر هائل الحجم من وسط الأشجار نحوها.
كان الموقف رهيبًا … مفاجِئًا … وفوجئت «إلهام» بالنمر، وفي اللحظة التي كاد فيها النمر أن يلمسها كانت سكين «أحمد» قد طارَت كالسهم لتستقر في قلب النمر … في اللحظة التي كانت كرة «عثمان» قد استقرَّت ما بين عينَي النمر كالقذيفة أيضًا.
وسقط النمر على الأرض وهو يتلوَّى من الألم … ثم خمدَت حركتُه وسكنَت تمامًا … ونهضت «إلهام» من سقطتها لا تصدِّق بنجاتها … وأسرع إليها باقي الشياطين ليطمئنوا عليها … وقالت «إلهام»: يبدو أن هذا المكان مليءٌ بالفخاخ والمفاجآت!
وابتسمت ﻟ «أحمد» وهي تقول: لم أكن أظن أنك تحمل سكينًا!
أحمد: إنه سلاح الطوارئ.
ظهر بعضُ الحراس قادمين من داخل القصر … واقتربوا من الشياطين، وكان أحدهم يبدو كما لو كان قائدًا، فرمق النمر القتيل في صمت، ثم قال بوجه متجهم: لا أظن أن البارون سيسعد عندما يعلم بنبأ وفاة نمره الخاص.
إلهام: ولا أظن أنه من واجب الضيافة أن يكون في استقبال الضيوف … نمر قاتل.
– ليس الخطأ خطأ النمر … بل خطأ الفضول القاتل … اتبعوني.
سار الشياطين الأربعة خلف قائد الحرس الذي قادهم داخل القصر … وكان من الداخل مفروشًا بعناية وسخاء … وقادهم إلى قاعة واسعة فاخرة الرياش، وقال: سوف يأتي البارون حالًا … هل تطلبون شيئًا؟
ابتسم «عثمان» قائلًا: بعض العصائر … إن أمكن …
أجاب القائد: إن كلَّ ما تتخيلونه موجود هنا.
وخرج القائد … وبعد قليل أقبل بعضُ الخدم وهم يحملون كئوس العصير فوق الصواني من الفضة الخالصة، وتناول الشياطين العصير … وبدءوا يتفاهمون بلغة الإشارة، فقالت «زبيدة»: إن هذا الرجل البارون يعيش وسط هذا المكان كما لو كان ملكًا أو سلطانًا في الأساطير!
عثمان: ولا شك أنه شديد الذكاء … فبناء مثل هذا القصر الفاخر في هذا المكان يدل على أنه كان يتوقع تلك الحرب الدائرة بينه وبين الحكومة، فاحتاط ببناء هذا القصر الذي أحاطه بكل الحماية ليُدير منه شبكته الواسعة.
إلهام: لماذا لم يظهر البارون حتى الآن؟
أحمد: لعله مشغول بمقابلة بعض عملائه أو تصريف تجارته القاتلة.
أشارَت «زبيدة» بقلق: ولكننا لم نضع خطة للتعامل مع هذا الرجل!
أحمد: سوف نترك ذلك للظروف … فهذا البارون شديدُ المكر … ولن تُجديَ معه أية خطة مسبقة.
ألقَت «إلهام» نظرة من نافذة القاعة، فشاهدَت من الخارج حديقة واسعة مليئة بالنباتات والأشجار الاستوائية النادرة تُشبه حديقة قصر البارون في «ميدين».
ومن قلب الحديقة ظهرَت فوهةُ مدفع كبير مخفاة وسط الأشجار … ومصوبة نحو القصر … وبالتحديد نحو مكان الشياطين.
تصاعدَت دقات قلب «إلهام» … واستدارت بسرعة نحو بقية الشياطين … وفي هذه اللحظة اصطدمَت عيناها بعينَي البارون … الذي دخل إلى القاعة … بدون أن ينتبهوا إليه … فأخذ يرمق الشياطين بعينَين حادَّتَين خاصة «إلهام» … وقد التمعَت في عينَيه نظرةٌ قاسية … ساخرة إلى أقصى حد.