الروم الكاثوليك
نيوفيطوس وكيرلس (١٦٧٢–١٧٢٠)
نيوفيطوس (١٦٧٤–١٦٨٤)
بدء رسالة اليسوعيين وغيرهم
وهكذا فإنه بينما كان الرؤساء الأرثوذكسيون يتخاصمون ويشقُّون الطائفة، كان هؤلاء المرسلون اللاتينيون يعملون لتقريب العقول والقلوب من رومة وحبرها، وكان سفراء الدول الكاثوليكية وقناصلها يعضدونهم بكل ما أمكنهم من الوسائل لتنفيذ رغبة رومة في «الكثلكة»!
أثناسيوس الرابع (١٦٨٦–١٦٩٤)
اصطلاحات كيرلس الثالث
رومة تكمل رسالتها
دير مار يوحنا الشوير
وكان هذا الدير حقيرًا في بَدء عهده لا يشمل سوى كنيسة صغيرة على اسم يوحنا الصابغ وغرفة حقيرة أوى إليها زاهد من أبناء أسرة صوايا الشويرية، وكانت الشوير تَئِنُّ من مشادة عنيفة بين أسرتيها الكبيرتين آل مجاعص وآل صوايا، فلما نشب الخلاف بين البطركين أثناسيوس وكيرلس وتحزَّب قسم لهذا وقسم لذاك، أيَّد آل مجاعص كيرلس، فانبرى آل صوايا لمناصرة أثناسيوس. وشد أزر آل مجاعص معظم العائلات الشويرية فامتنع آل صوايا عن الصلاة في كنيسة السيدة كنيسة القرية وأخذوا يصلون في كنيسة مارِ يوحنا المشار إليها، وهكذا فليس نسبة دير مار يوحنا إلى مجرد وقوعه في خراج الشوير، بل إلى الزاهد الشويري المؤسس وإلى أنسبائه الشويريين الذين اتخذوا من كنيسته معبدًا لهم وحموا مَن التجأ إليه من الرهبان القائلين بطاعة رومة.
رجل رومة الأوحد
وواحد الآحاد في طاعة رومة والخضوع لأسقفها أفتيميوس الصيفي متروبوليت صور وصيدا (١٦٨٢–١٧٢٣)، هو ميخائيل بن موسى الصيفي. ولِد في دمشق في حوالي السنة ١٦٤٣ ونشأ فيها، وتعلم في مدرسة الطائفة في دار البطريركية ولقي عطفًا خصوصيًّا من الخوري جرجس بريق فتشرَّب الكثلكة في حداثته، وكان الخوري جرجس المذكور قد سافر إلى رومة وتخمَّر فيها بالكثلكة. ولمَّا شب ميخائيل تردد على دير الآباء اليسوعيين والكبوشيين فجذبوه إليهم وزادوه طاعة وخضوعًا، وتقرب إلى نيوفيطوس الصاقزي النائب البطريركي فأخذ اليونانية عنه وفن الموسيقى الكنسي البسلطيكة. ولعل نيوفيطوس نفسه رسَّم ميخائيل شماسًا إنجيليًّا في السنة ١٦٦٦ ثم كاهنًا.
أفتيميوس أسقف الخاضعين لرومة (١٧٠٢)
كتاب «الدلالة اللامعة» (١٧١٠)
تحفُّز أفتيميوس وتحزُّمه
كيرلس والكثلكة
المجد لله تعالى دائمًا: كيرلس برحمة الله تعالى البطريرك الأنطاكي وسائر المشرق إلى جناب حضرة الأخ الأقدس كير أكليمنضوس البابا الحادي عشر مشرف كنيسة رومية القديمة العظمى حرسه الله لنا زمانًا طويلًا.
إلى قداسة أب الآباء وسيد السادات قابل النعمة ومعطي البركة رأس رؤساء الكهنة الأبرار خليفة بطرس الرسول والإناء المختار، فريد عصره الشائع ذكره بالأقطار، قدوة النساك الأطهار وكنز التعليم وقطب الأربعة الأقاليم إبراهيم في سماحته وإسحاق في وداعته ويعقوب في طاعته ويوسف في عفته وإلياس النبي في غيرته، وأشعيا في فصاحته ودانيال في طهارته وسليمان في حكمته وزخريا في كهنوته ويوحنا الثاولوغوس في أقواله ويوحنا المعمدان في كرازته وفم الذهب في تفسيره وإنذاره.
ومن ذلك الزمان إلى الآن الكنيسة الشرقية تطلب دائمًا وتقول كل يوم: من أجل الكنيسة الجامعة المقدسة الرسولية من الرب نطلب، وما نقول كنيسة غربية وشرقية، بل دائمًا نطلب السلام للعالم جميعه حتى للذين يبغضوننا والذين يظلموننا. هذا كله مطبوع في كتب الكهنة عندكم، ونشكر الله تعالى على أن كنيستنا على إيماننا الذي نحن ماسكينه من السبعة المجامع المسكونية، ونترحم على البابا أفجانيوس الذي قصد المحبة والسلام في زمان المرحوم الملك يوحنا البالالوغوس وعمل المجمع الثامن وقصد به المحبة والسلام والهدوء. ولكن باغض الخيرات حرك الفتن، والروم من طبعهم العناد ما قبلوا، وبعده حركت نعمة الروح القدس البابا نقولاوس أن كل ما تعب فيه وعمله البابا أفجانيوس قد خربوه الروم ركب بذاته إلى مقابل القسطنطينية وأرسل رسله إلى الملك والإكليروس، فما قبلوا كلامه حتى صار فيهم الذي صار ونحن رحنا بسببهم.
نسأل الله المسيح بكل لغة ولسان أن يعطيك الرب الإله أن تجمع الإخوة والأولاد الروحانيين الذين اشتراهم سيدنا يسوع المسيح بدمه الكريم إلى صيرته الحقيقية. ثم إن جدنا المرحوم البطرك مكاريوس بعد حضوره من المصكوف كان غاية قصده الحضور إلى رومية ليعمل محبة وسلامة، ولكن بقي يقول إن الإخوة إذا تقاتلوا ما يبقى أحد عاقل بينهم، وإن رحنا إلى رومية يقول الروم البطرك مكاريوس صار فرنجي، وسابقًا المرحوم جيفالا رئيس أساقفة قبرس لأجل حضوره إلى رومية عملوه بأنه إفرنجي. ربنا يهلك كل من أبدع هذه البدع وفرق الإخوة عن أخوهم الأكبر؛ لأن جميع الناس يقولون الوعاء الكبير يسع الصغير، ولكن كل من قرب إليكم بالظاهر يصير عند الأمم الغربية كافر. وربما بلغكم أخبار بطرك السريان كيف طائفته الأراطقة عملوا معه من المساوي ومات في المنفى وهو بلا شك من القديسين، والأساقفة والكهنة ما خلص منهم إلا القليل، ونحن كنا دائمًا نرسل مكاتيب إلى تلاميذنا الذين هناك بأن يحسنوا إليهم وهم في الحبس ويخدموهم إكرامًا للكنيسة الرومانية، وقنصل فرنسة بحلب لو أنه يعطي خمسمائة قرش ما كان صار فيهم هكذا.
ولكن نحن بقوة المصلوب لما حضر القبجي لعندنا لدمشق وجابنا وقري علينا الخط الشريف وسألنا عن أتباع البابا عندنا وتوابعهم ردينا الجواب عن الجميع، وبقوة الله منعناه وما خليناه يتحرش في راهب ولا قسيس ولا كاثوليكي وخسرنا من كيسنا مبلغ عظيم ربنا يعرف حتى دفعنا الشر عنهم؛ خوفًا من أن تجري العادات السيئة الجارية في غير بلاد. لكن في هذا الزمان جماعتهم خسيسين الله يرحم القنصل بيكيت، في زمانه صار أندراوس بطرك على السريان هو وقف بحملته وتكلف تلك السنة نحو سبعين كيس على الفقراء؛ لأنها كانت سنة غلا شديد. ولما نظروا فعل الخير الذي صنعه أرسل جدنا البطرك مكاريوس وأندراوس بطرك السريان وبطرك الأرمن أخبروا قدس المرحوم البابا بالخير الذي صنعه. فإن كان القنصل طيب ربنا يزيده بركة من فمكم الطاهر، وإن كان تنيح الرب يجعل حظه مع الآباء القديسين، فهكذا كان القناصل يفعلون الخير والناس تميل إليهم وتمجد خبرهم.
وأيضًا المرحوم سلطان فرنسا لما وقع بينه وبين طائفة الإنكليز وقالوا له: نحن تبع الكنيسة الشرقية، بعث طلب اعتقاد الكنيسة الشرقية، فكتب له جدنا البطرك مكاريوس عشرين بابًا في اعتقاد الكنيسة الشرقية، وفي أثناء ذلك تُوفي جدنا وانتخب الحقير مكانه والمكاتيب ما كانوا بعد توجهوا فبعثوها إلينا فأمضيناها وحققنا قوله.
وإن شاء الله ما تكون الكنيسة الشرقية ناكرة كنيسة رومية ولا آخذتها بأنها محدثة، وهذا مدون في كتب الكنيسة عندنا، وأن بابا رومية هو الأخ الأكبر، وتذكارات الباباوات في أعيادهم الممتازة موجودة في الكنيسة الشرقية.
ولكن هذه الأمور الموجودة اليوم في هذا الزمان ما كانت في القديم؛ لأنه لما ظهر معلمين النجم والرصد فهذه العشرة أيام صار فيها شقاق عظيم؛ إذ يكون مسيحي صائم ومسيحي فاطر. وطائفة الموارنة أعرضوا لديكم بأنهم قلائل والروم ما تجوزهم والأمم ما يجوزوهم، فلكونكم مباركين وما تعرفون الكذب صدقتموهم، فقالوا إن قدس البابا أعطانا دستور أن نتجوز على أربعة وجوه. وأيضًا العلماني إذا ماتت حرمته يتجوز غيرها ويعملونه كاهن. وبهذه الأسباب وغيرها صرنا عارًا عند الأمم والأراطقة لكون يبقى نصراني صايم ونصراني فاطر ونصراني متجوز على سبعة وجوه وآخر على ثلاثة وجوه. وهم كذبوا عليكم ولكونكم ناس مباركين صدقتم قولهم وسودوا عرضكم وقالوا: إن البابا أعطانا دستور بذلك. ونحن ما كنا نصدق بأن ينشر عن قدسكم هذا. وكل هذا صار سبب الافتراق وتسمية كنيسة شرقية وغربية.
ولكن نحن معتقدين ومحققين بأن كنيسة رومية (ماسكة) السبعة المجامع الكبار والمجامع الصغار ورافعين شأنها لكونها كانت أم كنائس الدنيا، ومقرين ومعترفين بكنيسة واحدة ومعمودية واحدة، ونبارك ما باركوه ونحرم ما حرموه. لكن الأمميين لما ينظروا صدرت هكذا أمور غير مصدقة، وليس لكم عنها خبر لهذا السبب ينفرون من ذلك وتقع الشكوك ويتم قول الإنجيل المقدس الويل لمن تأتي الشكوك على يده.
فإذا صار من قدسكم مرسوم برفع هذه الأمور الموجودة الآن وارتفعت يكون الروح القدس حقيقة حاضر معكم؛ لأننا صرنا عارًا عند الأمم والأراطقة، ولو كان الأراطقة أراطقة ولو صيامهم وطقسهم وزيجاتهم ما غيروها، بل هي بموجب الناموس المقدس. ونحن نسأل المسيح بكل لغة ولسان بأن يعطيك الرب الإله أن تجمع الإخوة والأولاد الروحانيين الذين اشتراهم المسيح بدمه الكريم الثمين إلى صيرته الحقيقية، ويعطي الرب الإله لكل من يريد السلام والمحبة كما قال السيد: «سلامي أعطيكم سلامي أخلفه لكم.» فما قال فتنة وعناد وشرور، وناس تقول عملتم كذا، وناس تقول الحق معنا وأنتم ما معكم حق، وتم فينا قول الإنجيل المقدس: نترك الخشبة التي في أعيننا ونقول لأخونا أخرج العودة التي في عينك.
وعند قراءتنا الكتب المقدسة نعدل عن السماع لها كقول يوحنا الإنجيلي حيث يقول: إنك إن كنت تحب الله ولأخيك تبغض باطل قولك؛ إذ كيف الذي تراه تبغضه والذي لا تراه تحبه، وسيدنا له المجد قال: حبوا أعداكم وأحسنوا لمن يبغضكم. ونحن الآن عملنا كله بخلاف ما أوصانا تعالى به.
ونطلب من حنو مراحمه ببركة صلواتكم أن يجعلنا من السامعين الطائعين لما يرضيه ويفرحكم باجتماع الإخوة والأولاد الروحانيين لتقولوا: هؤلاء هم الأولاد الذين أعطاني إياهم الله، ادخلوا إلى فرح ربكم، يكون ذلك لكم بشفاعة العذراء البتول ومار بطرس الرسول وجميع القديسين آمين. جرى ذلك وحرر في اليوم العشرين من شهر آب المبارك في سنة ألف وسبعمائة وستة عشر بمحروسة دمشق الشام من أخيكم بالمسيح كيرلس البطريرك الأنطاكي وسائر المشرق.
كيرلس وأفتيميوس
البطاركة يحرمون أفتيميوس (١٧١٨)
وأصر أفتيميوس على موقفه فالْتَأم مجمع في القسطنطينية في خريف السنة ١٧١٨ برئاسة أرميا الثالث بطريرك «رومة الجديدة»، ونظر في قضية أفتيميوس فحكم عليه بالخروج على الناموس من أبواب سبعة: تحليل الزواج في الدرجة الرابعة، وشرطنة أناس من غير أبرشيته، وإبطال عظات يوحنا الذهبي الفم في كنيسته، وتحليل أكل السمك في الصوم، وإبطال بعض الترتيبات الكنسية، وإبطال «وضع الزاون ورفعه من الوسط»، ولبس الميترا وغيرها بدون إذن. ووافق على هذا كله بطريرك أوروشليم والبطريركان القسطنطينيان السابقان أثناسيوس وكيرلس، فحرم المجمع أفتيميوس وقطعه من درجات الكهنوت واستصدر فرمانًا بنفيه، ونقلت هذه القرارات كلها إلى العربية في بطركية أوروشليم، ثم أرسلت إلى الكرسي الأنطاكي مع أصلها اليوناني.
حرم البطاركة
«أرميا برحمة الله رئيس أساقفة القسطنطينية رومة الجديدة البطريرك الإيكومينيكوس المسكوني إلى حضرة أب الآباء المتقدس ورئيس الرؤساء كير كيرلس، بطريرك مدينة الله أنطاكية العظمى وسائر المشرق، وإلى المطارنة ورؤساء الأساقفة المحبين لله الذين هم تحت طاعة قداستكم موجودين محبين وإخوة لنا بالروح منتخبين، وشركائنا في الخدمة والأسرار الإلهية إلى الكهنة الورعين وإلى أولادنا الأحباء، والأراخنة المكرمين والأعيان المبجلين مع بقية النصارى الأرثوذكسيين الذين هم في أبرشية أنطاكية قاطنين وموجودين أولادنا المحبوبين بالرب.
فرحًا لكم وسلامة تشمل كافتكم ورحمة من الله الضابط الكل ومن حقارتنا نعم لكم بركة وغفرانًا كاملًا يشمل كافتكم، آمين.
والذي نعلم محبتكم أنه من باب الواجب يكون عند كل إنسان منكم حفظ أمانته غير منصدع ولا متزعزع عن تقليدات آبائنا الحَسَني العبادة المستقيمي الرأي، وتحفظونها وتصونونها حفظًا وثيقًا حكم ما شرعت به شريعة الرسل القديسين والآباء الإلهيين المتفوهين بإلهام الروح القدس التي هي شرائع الكنيسة ونواميسها، وحسب ما هو مسطر في الكتب الإلهية، لأجل ذلك يجب علينا أن نحفظ اعتقادنا بكل حرص واجتهاد نقيين ومن الدرن سالمين ومن الأفكار الردية هاربين وإلى جميع خرافات العالم راذلين. (ويجب أن نحفظ) الأمانة الأرثوذكسية لامعة بكل شهادة وتثبيت؛ لأن الإنسان إذا كان مائلًا في اعتقاده ويتمجَّد بذاته ويقول كلام مخالف غير لائق الذي هو كلام بدع وتجديف في التسليم السابق فذلك من الأباطيل، والكلام غير مسموع وطازه ومخالفته فيه وتحققه لتلاف الناس وتشويش القلب إذ يقول: لا تغيروا التقليدات الأبوية، والقلب المشوش ليس فيه راحة وهو بوق ظاهر وَرَدِي جدًّا. ومن يكون عنده مثل هذا التشويش فمن كل بد هو فعل شيطاني وإحادة عن المعرفة بمساعدة وطغيان باغض الحق الذي دائمًا يسعى في المضادة فرحانًا، ولا يسعى للذين مطابقين رأيه. لكن دائمًا يجاهد في ضد المستقيمين الرأي ويضع لهم الشكوك، وهو مبغوض ومردود ومبعود مع من يتبع أفعاله الشيطانية، ومطرود من كنيسة الله؛ لأن الباري في البار يكون. والذي يريد أن يطرد عنه الخيالات الشيطانية فليفتكر في ذاته ويعرف الحق من الباطل، وأما الذي يكون متعوج وكذوب ومماحك وكلامه غير لائق ويدين غيره يضاد الحق ويبذر أفكاره الشريرة ويلومها حتى لا يسع عقل أحد معنى كلامه.
فمثل هذا تباين وظهر عندنا طغيانه وتجديفه، وتحقق عندنا ذلك من مكاتيبه ورسائله ومن أناس شهود ثقاة صادقين، ومن المكاتيب الممهورات باسمه وختمه الذين ظهروا في مجتمعنا هذا المقدس الذي بتخلي من الله صار رئيس كهنة، الذي هو الشقي الشرير أفتيميوس المطران بالاسم لا بالفعل، وهو مطران صور وصيدا. هذا الكاذب الطاغي المجدف على الروح القدس، الخافي الغش في قلبه وفي نفسه، الذي الآن ظهر كذبه وطغيانه، المشوش على رعية المسيح وأغنامه الناطقة، والدائس لها والمضل لها في الكذب والافتراء. وكل ذلك قَصَدَ منه السبح الباطل والآراء المزخرفة تابعًا لهم وضلال رأيهم مقتفيًا وماسكًا لتفسحه في طرايق المؤمنين.
ولم يكفاه ذلك، بل إنه يسمي ذاته أرثوذكسي وينشر حاله أنه في اعتقاد الكنيسة الشرقية ثابت، وكل ذلك خدعة منه لِلْحَسَنِي العبادة وضلالًا شنيعًا لسقوطهم وتهورهم في غوطة الأفكار، وأنشأ كتبًا من ذاته، ويجتذب شهادات كما يريد وينسبهم إلى الكنيسة المقدسة الشرقية الأرثوذكسية. ومن استفحصهم على ما ينبغي يفهمهم ويعرف معناهم.
ثم بلغنا الخبر أيضًا أنه صنف بغير معرفة كتبًا ضد الدائم الذكر الشيخ كير ضوستاوس البطريرك الأوروشليمي الذي كان غيورًا للدين الأرثوذكسي الذي حسن عبادته وديانته وعلمه قد انبثت في سائر المسكونة، وفي كل الأرض خرج صيت تقويماته، وهو مشابه الرسل القديسين كما تشهد كتبه المصنفة منه بإلهام الروح القدس، وبكل كَدٍّ وتعب في الرأي المستقيم الذي كان عالمًا بها ومعلمًا نهارًا وليلًا وكارزًا فيها في جميع المسكونة.
فأما هذا الشقي الحظ يظهر (خروجه) على النواميس المقدسة ويدل بهم أنهم مثبتين على الحق والاستقامة. وبالحقيقة ليسوا هم كما يظن، بل هم مصنفات إلى الطغيان. ولم يفهم معاينهم كما يجب، بل يضل بهم أناسًا كثيرين من قليلي المعرفة السذَّج في قلة فهمهم وغلاظة ذهنهم وافتخارهم بعلمهم، وهم لم يعرفوا شيئًا، ولا يدرون الطريق المؤدية إلى الخلاص لأجل أنها ضيقة وليس رحبة؛ ولهذا يقبلون قول هذا الطاغي بتفسحه لهم بالأمور التي لا تجدي نفعًا، ويدخل سيرة الغنم كراعي بالخارج ومن داخل ذيب خاطف يذبح ويشتت بقدر مقدرته الباطلة، ويشتد إلى الوسط طغيانًا فاسدًا وكذبًا بهرجًا لعلمه أنهم سذَّج أميون لا يفهمون شيئًا، ويبدع بدعًا ويظن أنها من الكتب المقدسة، وكل ذلك من عظمته وغروره وافتخاره.
ويقول في أثناء ذلك في إمضاء مكاتيبه من الحقير متروبوليت أي من غير المستحق ولم يفهم أن هذه القضية لم تُعطى له، بل هي أُعطيت إلى البطاركة وإلى رؤساء الأساقفة القائمين بذاتهم لا غير كما هي مرتبة من المعلمين الإلهيين.
ولم يكفاه ذلك بل إنه لعظمة غباوته وجهله يتجاسر على غير أبرشيات ويوعظ فيهم من غير إذن ولا دستور صاحب الأبرشية، ويبان ذلك ليس هو من باب طريق الناموس ولا هو لائقًا ومرتبًا بين رؤساء الكهنة أن يطأ كراسي غيرهم من غير إذنهم، كما هو مشروح في القانون العشرين في «طرلو» المقدسة في المجمع الخامس والسادس المقدسين الذي يذكر فيهم بأن ليس لائق لرئيس كهنة يتقدم في غير أبرشيته أو يعلم فيها، وكل من يتجاسر على ذلك يكون مقطوعًا من كهنوته.
وأيضًا في قانون التاسع عشر والتاسع والعشرين من مجمع أنطاكية العظمى يشرع بالقول: إن كل رئيس كهنة يشرطن بغير أبرشيته أو يوعظ بغير إذن صاحب الأبرشية أو من غير مكاتبة له، فتلك الشرطونية باطلة وذلك المشرطن يكون مقطوعًا من سائر درجات الكهنوت.
- أولًا: حلل زواج الزيجة الرابعة وزوَّج أختين إلى أخين.
- ثانيًا: شرطن أناسًا من غير أبرشيته.
- ثالثًا: أبطل تفاسير يوحنا فم الذهب وقال: هؤلاء كانوا رؤساء كهنة وأنا رئيس كهنة مثلهم.
- رابعًا: حلل أكل السمك في يومي الأربعاء والجمعة وفي الصيام الكبير المقدس وبقية الصيامات المقدسة ويلعن الذي ما يأكل في الصيام سمك.
- خامسًا: أبطل تراتيب الكنيسة وزاد ونقص في قوانينها.
- سادسًا: أبطل من القداس إلهي حط الزوان الماء الحار ورفعه من الوسط.
- سابعًا: بتجبره وكبريائه وافتخاره بنفسه تجرأ وابتدع له ميترا ولبسها من غير أن سبق للمطارنة الذين قبله أن لبسوها بهذا الكرسي، ومع ذلك من غير إذن ومشورة معلمه ومن غير دستوره. وصار قائم بذاته وخالف القوانين المقدسة وأمورًا غيرها قبيح أن نذكر تعاويدها؛ فلأجل ذلك حكم مجمعنا هذا المقدس بالحق أنه مستحق القطع وهو مقطوع من ساير درجات الكهنوت العظيمة والملايكية.
فمن حيث إنه لم يثبت مستقيمًا، بل تعظم في معرفته وشابه طغمة الملائكة التي سقطت من السماء وماثلها. ومن الواجب لكل رئيس كهنة أن يكون نقي طاهر ليس بالقول فقط، بل بالفعل حتى لا يشكوا منه رعاياه ولو بكلمة واحدة صغيرة، ولا يفتري على الاسم القدوس، بل يكون كواحد من الرسل بالقول والفعل والسيط، وكل من فعل خلاف هذا الرأي ويعلم الناس بخلاف ذلك ويطغي عقول السذج فمثل هذا فليسقط من درجته، ويجب أن يُطرد هذا الطاغي من بيننا ويُحذف كما يُحذف الحجر بالمقلاع كما معين في شريعة الرسل.
فليعلم الآن كل واقف عليه وسامع رسالتنا هذه فليعتقد بأنه بعد فحص بليغ واستيثاق حريز بهذا المجمع المقدس بحضور البطاركة الدائمين الذكر إخوتنا كير أثناسيوس وكير كيرلس بطاركة القسطنطينية سابقًا، وبحضور أخونا الأب الأمجد كريسانطوس البطريرك الأوروشليمي، وبحضور من وجد معنا من رؤساء كهنتنا المطارنة والأساقفة المحبين لله، وشركائنا في الخدمة الإلهية الذين سنذكر أساميهم أدناه، بأننا شرعنا جميعنا وحكمنا وحتمنا بأن هذا الشرير أفتيميوس مطران صور وصيدا محروم مفروز مقطوع من سائر درجات الكهنوت، ومعرَّى من سائر مواهب الروح القدس، وليكن مسقوطًا وخارج من درجة المطرانية، ويكون جزءًا ساقطًا ومطرودًا من سائر أبرشيته. وأما كتبه المصنفات من قبله فليكونوا مرذولين وبطالين وليس مع أحد دستور من جميع الحَسَنِي العبادة أن يعتنى بهم أو يفعل بما فيهم، وكل من تعدى ذلك من المسيحيين وتبع هذا المذكور الكاذب المشوش على كنيسة المسيح الأرثوذكسية الأغنام الناطقة الذي هو متشبه بالشيطان كائنًا من كان يكون مفروزًا.
وهذا الشقي المنكود حظه ليس له «معاضدة» في أبرشيته، ولم يبقَ معه دستور بوضع يده على كنيسته ولا يقارش محصولها من المسيحيين، وليس له سلطان أن يتزيا بزي رؤساء الكهنة، ولا أن يتصرف ويخدم خدمتهم؛ لأنه مقطوع ومسقوط ومنتزعة عنه النعمة وسائر درجات الكهنوت. ومن الآن يُسمى أفتيميوس فقط لا غير ويكون كواحد من المطروحين. وكل كاهن يقدس معه ويحتسبه كباقي رؤساء الكهنة بمعرفة يكون مقطوع من كهنوته مفروزًا، وكل واحد من العلمانيين يكرمه إكرام رئيس كهنة، ويقبل تلك اليد النجسة المملوءة غشًّا قاصدًا بذلك أخذ بركة، فلتكن خطاياه غير متروكة ولا مغفورة إذا كان بمعرفة منه. وكائنًا من كان منكم أو من غيركم يساعده ويقبله في بيته أو في أوضته أو في حاصله أو يشاركه في مصالحه وفي أفعاله أو يسعى معه أو يساعده كائنًا من كان ذلك الشخص يكون محروم كبير كان أو صغير. ومن الآن كل من يتشرطن من يده يكون مقطوع. والذين يتفقون معه وهم يعلمون أنهم يتفقون ضد الحق فليكونوا محرومين معه ويكون حظهم مع المعوجين كما يقول النبي داود. وكل الذين يضادون وينشقون مائلين إلى طغيانه وتجديفه فليكونوا مغضوبين ومحرومين في هذا الدهر، ويرثون برصًا لا يبرأ دائمًا وفي حياتهم يهتزون مثل قايين ويهلكون ولا يشبعون القوت الضروري، ويمحقون من مصحف الحياة. ويكون لهم وعليهم غضب الآباء المتوشحين بالله الثلاثمائة وثمانية عشر وبقية المجامع المقدسة.
وأما جميع المسيحيين الأرثوذكسيين الذين هم لأوامر كنيستهم سامعين وبها عاملين وممَّا يضادها هاربين ولتقليدات الآباء القديسين ورسومهم فيها تابعين، وفي كل عمل صالح ناجحين فليكونوا لملكوت السماء وارثين، آمين آمين آمين. حرِّر في شهر تشرين الأول سنة ١٧١٨ أنديكتون الثاني.
برحمة الله أثناسيوس بطريرك القسطنطينية سابقًا أمر بذلك، برحمة الله كيرلس بطريرك القسطنطينية سابقًا أمر بذلك، برحمة الله جريسندوس بطريرك أوروشليم أمر بذلك، في طاعة قدسكم أكليمنضوس أيراكلية ورودوستوس، في طاعة قدسكم بائيسيوس نيقوميذية، في طاعة قدسكم أفكسنتيوس كيزيكو، جراسيموس نيقية، أثناسيوس أدرنة، ديونيسيوس أماسية، برتانيوس لاريسوس، نيكوميدس ميليتيني، أبروفنوس متليني، أثناسيوس أيلاصونوس.
أثناسيوس الرابع (١٧٢٠)
مجمع القسطنطينية (١٧٢٢)
وعاد أثناسيوس من بلاد الفلاخ وبلغ دمشق في أوائل آب سنة ١٨٢٠، وكان كيرلس قد وقف جميع متروكاته على الكرسي البطريركي، فلما استتب الأمر لأثناسيوس وجد معظمها مندثرًا فأخذ الغيظ منه كل مأخذ، وزاده غيظه بما لاحظه من نشاط رهبان الإفرنج وتدخلهم في شئون الكنيسة.
اختصار صوم الرسل
الليتورجية والأورولوغيون
كتاب القداسات الثلاثة الإلهية مع بعض احتياجات أخرى ضرورية للصلوات الأرثوذكسية. قد طبع الآن حديثًا في اللغة اليونانية والعربية بالتماس ومشارفة الأب الطوباني كيريوكير أثناسيوس البطريرك الأنطاكي سابقًا، بمصرف السيد الأمجد الرفيع الشأن متقلد حكم جميع بلاد ونكر وفلاخيا كيركيريوانو قسطنطين بسارابا ويوضا المكرم، في تقليد رياسة كهنوت الأب المطران الكلي الغبطة ثاوضوسيوس للبلاد المذكورة، في دير سيدتنا والدة الإله المكنى بسيناغوفو في سنة ألف وسبعمائة وواحد مسيحية، بيد الكاهن في المتوحدين أنثيموس الكرجي الأصل.
وفي السنة ١٧٠٢ أنجزت هذه المطبعة نفسها كتاب الأورولوغيون بحرف عربي كبير بحبر أسود وأحمر في حوالي سبعمائة صفحة. وجاءت طروباريات وقنداقات أعياد المشاهرة وأعياد الخمسين والتريودي مطبوعة باليونانية والعربية في حقلين متقابلين.
كتاب «صخرة الشك»
تاريخ البطريركية الأنطاكية
أثناسيوس وأفتيميوس
أثناسيوس وحلب
وذهب أثناسيوس بعد تفرده بالبطريركية إلى بلاد الفلاخ والبغدان لجمع التبرعات للكرسي الأنطاكي، ثم عاد إلى القسطنطينية ومنها إلى حلب. وأقام في هذه المدينة مدة؛ لأنه شعر أن مناخها كان أكثر موافقة لصحته، ولعله أحب أن يكون مركزه الفعلي في أكبر وسط أرثوذكسي، ولعله أيضًا سئم الإقامة في دمشق لكثرة الشغب في أوساطها الأرثوذكسية المائلة إلى رومة.
بعد البركة والنعمة، المنهي أنه لما دعت الضرورة إلى إقامة مطران على مدينة حلب، حيث إننا التزمنا سياسة أبرشية الكرسي الرسولي الأنطاكي المقدس، ولأن الطريقة الكنايسية تقضي أن يصير انتخاب المطران برضا البطريرك واختيار الكهنة وباقي الرعية، ورأينا أن الرعية انقسمت آراؤها في ذلك أقسام قد يتصل إلى انخرام النظام، وآل أمر انتخابهم إلى أربعة أنفار لم يستقر لمجموعهم على أحد قرار، ثم تصفحنا الاثنين من الأربعة فرأيناهم لا يقبلان التقدم إلى هذه الدرجة السامية الشاقة حذرًا من محذورات ضروراتها الفايقة، والثالث ليس بمعلوم أن يكون كُفُؤًا ولا تبين أنه يرضى الالتزام بها.
وبعد أن ارتقى جراسيموس إلى الأسقفية رفض الذهاب إلى دمشق بوكالة البطريرك، فقامت بينهما الضغائن. وكان من الحلبيين قسم وافر قد شرد عن الأرثوذكسية، فلما رأوا ما جرى بين أثناسيوس وجراسيموس وكانوا ينفرون من الأول نظرًا لاجتهاده في مقاومتهم، تحزبوا لجراسيموس ومالوه إليهم. فلما رأى البطريرك ذلك أبعد جراسيموس عن حلب وحرم الشماس عبد الله زاخر، فخرج جراسيموس من حلب وأقام مدة في دير البلمند، ثم في دير السيدة في رأس بعلبك ثم في بعلبك نفسها. وما فتئ جراسيموس مبعدًا حتى تموز السنة ١٧٢٤، وفيه وهبه البطريرك الحل وأعاده إلى كرسيه.
أثناسيوس ودمشق
مجمع دير المخلص
أغناطيوس مطران صور وصيدا (١٧٢٤)
وفاة البطريرك أثناسيوس (١٧٢٤)
ونحن نرى أن شهادة المطران جرمانوس فرحات أولى بثقتنا، فهو مطران الموارنة الموالين لرومة، وهو صديق أثناسيوس وجليسه ولا مصلحة له فيما يروي، ومؤرخ الرهبانية الشويرية لا يناقضه في ذلك، ولا يجوز اتخاذ موقف وسط في هذه القضية، فما يصح في علم الرياضيات يصح هنا.
البطريرك كيرلس طاناس الكاثوليكي (١٧٢٤)
وقدموا هذه العريضة إلى الباشا وكلفوه استصدار براءة سلطانية بذلك ودفعوا له ما توجب دفعه. ثم فاوضوا أساقفة كنيسة أنطاكية في أمر الرسامة، فامتنع الأساقفة، ولم يتوجه منهم أحد إلى دمشق سوى نيوفيطوس أسقف صيدنايا. فاستقدم الدمشقيون باسيليوس فينان من دير المخلص، ولدى وصوله رسم بالاشتراك مع نيوفيطوس الخوري أفتيميوس فاضل أسقفًا على الفرزل ليكون للبطريرك أساقفة ثلاثة يقومون بتنصيبه. ولا يخفى ما في هذا العمل من الخروج على التقاليد المقدسة، فأسقفية باسيليوس كانت في أساسها غير قانونية لتدخل الأمير حيدر فيها وضغطه على نيوفيطوس متروبوليت بيروت وإحضاره جبرًا، ولاشتراك أسقف ماروني وأسقف أرمني في الرسامة. ومن ظواهر الخروج على التقاليد إقدام نيوفيطوس صيدنايا وباسيليوس دير المخلص على سيامة أسقف ثالث وانفرادهما بذلك. ولا يجوز اعتبار سيامة أغناطيوس على صور وصيدا سابقة لمثل هذا الشذوذ؛ لأن البطريرك أثناسيوس وافق على رسامة هذا بالاشتراك مع نيوفيطوس ونيوفيطوس، وأين البطريرك الذي وافق على سيامة أفتيميوس على الفرزل؟!
وحينئذٍ أعلنوا الأشياء الخمسة ودخل الإفرنج إلى الكنيسة وذلت طائفة الروم فتعاظم الخطب واشتدت الفتنة وتكاثرت المظالم والمغارم، ودخل جماعة من حاشية الحاكم من المسلمين بقصب الدخان إلى داخل الهيكل والبطرك في التقديس وتكلموا معه.
سلفسترُس الأول (١٧٢٤–١٧٦٦)
سلفسترس في بلاد المسيحيين
واجتهد سلفسترس لدى وصوله إلى القسطنطينية في رد الحلبيين إلى الطاعة بالقوة، وأنفق في هذا السبيل مبالغ وافرة، ولما لم يتسنَّ له الفوز بمرغوبه عاد إلى الكرسي مارًّا في بلاد أرضروم وما يليها جامعًا بعض الحسنات، ثم وصل إلى دمشق في السنة ١٧٣١ وأقام مدةً بين المسيحيين والسلام سائد، ثم أثار رهبان الإفرنج النزاع بين الفريقين، فتثاقلت الديون على الطرفين وساءت الأحوال، ولما رأى أن لا سبيل لإزالة الشرور خرج من دمشق في جولة رعائية ثم عاد إليها وأقام علمانيًّا — ميخائيل توما — من ذوي الدراية والنفوذ والمداخلات وكيلًا عنه وتوجه إلى القسطنطينية. وبعد مذاكرة البطريرك القسطنطيني ومجمعه خرج منها إلى بلاد الفلاخ والبغدان؛ لأجل جمع الإحسان ووفاء الديون، وقيل: إن هذه الغيبة استغرقت نحو عشر سنوات. وفي أثنائها عمَّر سلفسترس دَيرًا في بلاد البغدان على اسم القديس اسبيريدون العجائبي ووقفه على الكرسي الأنطاكي.
- الرأس الأول: على كل مسيحي أن يقر ويعترف بالقلب واللسان بالأمانة المقدسة المرتبة بإلهام الروح القدس من المجامع الإلهية كما تعترف به كنيسة المسيح المقدسة الجامعة الرسولية الشرقية هكذا: أؤمن بإله واحد آب ضابط الكل خالق السماوات والأرض … إلخ.
- الرأس الثاني: وبسبعة مجامع مسكونية فقط لا غير: مجمع نيقية، ومجمع القسطنطينية، ومجمع أفسس، ومجمع خلكيدونية، ومجمعي القسطنطينية الخامس والسادس، ومجمع نيقية السابع المسكوني، وساير المجامع الصغيرة أيضًا.
- الرأس الثالث: وبجميع التقليد المسلَّم من الرسل القديسين وخلفائهم الآباء الإلهيين المكتوب وغير المكتوب كما تحفظه الكنيسة من غير زيادة أو نقصان.
- الرأس الرابع: وبأسرار سبعة؛ سر المعمودية وسر الميرون وسر القداس الإلهي وسر الكهنوت وسر الإكليل الناموسي وسر التوبة؛ أي الاعتراف، وسر الزيت المقدس.
- الرأس الخامس: وبأن الروح القدس منبثق من الآب وحده وليس من الابن، والزيادة التي أحدثها اللاتينيون غير مقبولة من المجامع المقدسة، وهي سبب الانشقاق والانفصال.
- الرأس السادس: وبسر القداس الإلهي وبأن الاستحالة تتم بعد القول: واضع هذا الخبز جسد مسيحك المكرم، وأما هذا الكأس دم مسيحك المكرم لينتقلان بروحك القدوس ويستحيلان.
- الرأس السابع: نبذ العقاب الذي أحدثه اللاتينيون الذي يسمونه مطهرًا، والرأي عندنا في الذين قد توفوا أنهم ينتظرون القيامة في أماكن عديمة التعزية مخيفة محزنة، أما أنفس الصديقين فإنها في أماكن نيرة براحة وطمأنينة تنتظر السعادة المغبوطة.
- الرأس الثامن: بأن القديسين لم ينالوا بعد السعادة التامة، وبأنهم ينتظرون حضور سيدنا يسوع المسيح لينالوا السعادة الكاملة بأجسادهم معنا.
- الرأس التاسع: بأن النور الذي أشرق على جبل طابور في تجلي المسيح ليس هو مخلوق ولا هو جوهر الله مطلقًا، ولكنه مجد التجسد الإلهي.
- الرأس العاشر: بأن المواهب المختصة بالآب والابن والروح القدس ليست مخلوقة، ولكنها مختصة به منذ البداية.
- الرأس الحادي عشر: بأن رأس الكنيسة الجامعة الرسولية هو سيدنا يسوع المسيح، وأما بابا رومة فإنه تابع خاضع لأوامر المجامع.
- الرأس الثاني عشر: نقر أيضًا بالكتب الإلهية المسلَّمة إلينا من الآباء القديسين، ونقبل تفاسيرهم لا تفاسير رومة المحرفة المعوجة.
- الرأس الثالث عشر: ونعترف بالغفرانات التي يمنحها البطاركة بتدقيق وتمييز لا كما تمنحها كنيسة الغربيين.
- الرأس الرابع عشر: ونعتقد أن الرسل القديسين حرموا علينا ذبيحة الأصنام كلها والدم المخنوق، وأمرهم هذا مطاع وثابت.
- الرأس الخامس عشر: ونقول: إن سر الزواج الناموسي لا ينفك عملًا بقول الإنجيل: ما أزوجه الله لا يفرقه إنسان. أما إذا استبان على الامرأة أمر زنًى فلرجلها أن ينفصل عنها ويتزوج من غيرها.
- الرأس السادس عشر: نحفظ القوانين والتعاليم الرسولية ونثبتها ونؤيدها.
- الرأس السابع عشر: هذه هي أمانة المسيحيين الأرثوذكسيين الصحيحة، وهي دين شرعي على كل المسيحيين أبناء جنسنا، ومن يعود راجعًا ويطلب الاتحاد بالكنيسة المقدسة عليه أن يقر ويعترف بجميع هذا الدستور. تحريرًا في السنة ١٧٢٧.
منع الاشتراك في القدسيات (١٧٢٩)
كيرلس ودمشق
وأما كيرلس طاناس فإنه بعد أن خرج من دمشق والتجأ إلى لبنان أقام في دير المخلص وأجهد كثيرًا في الضغط على الأرثوذكسيين في أبرشيات الساحل وتحريضهم على نبذ الطاعة لرؤسائهم القانونيين. وفي أثناء غيبة سلفسترس التي طالت كثيرًا اتفق مع بعض أهالي حلب ورهبان الإفرنج، وعمل على تأليف عرائض من بعض الأهالي وإرسال كتابات من قناصل فرنسة والنمسة في حلب وصيدا إلى سفرائهم في الآستانة لأجل مساعدته في الحصول على براءة سلطانية. وأنفق مبالغ وافرة في إعداد عرائض أخرى يشكو الدمشقيون فيها من إطالة غيبة بطريركهم ويبينون احتياجهم إلى بطريرك يدبر أمورهم الدينية، ويشهرون في الوقت نفسه رضاهم عن كيرلس طاناس ويطلبونه بطريركًا عليهم. وسعى سفير فرنسة ووكيل البابا في الآستانة وقدما أربعة آلاف ريال روماني للدفتر دار واستصدرا البراءة المنشودة في السنة ١٧٤٥ وأرسلاها إلى قنصل فرنسة في صيدا.
كيرلس يعود إلى دير المخلص
ولما تحققت الحكومة العثمانية مقاصد كيرلس طاناس وسفيري فرنسة والبابا أصدرت لسلفسترس براءة ثانية وفرمانًا يأمر بالقبض على كيرلس طاناس ونفيه، فأرسل سلفسترس مأمورًا من قِبل الباب العالي يعلن للحكومة في دمشق وللمسيحيين ما كان من صدور الأوامر بإلغاء بطريركية كيرلس وتسليم الكنيسة الكاتدرائية والبطركخانة للأورثوذكسيين. ثم عيَّن نيقوفوروس متروبوليت باياس وكيلًا عنه مفوضًا بكل الإجراءات القانونية، وأرسل معه الفرمان والأوراق التي تتضمن الأوامر المشار إليها، فحضر هذا الوكيل إلى دمشق بعد سنة من صدور هذه الأوامر، وقابل أسعد باشا والي دمشق فاستقبله على غاية ما يرام، وساعده بإجراء كل ما من شأنه تعزيز جانبه.
سلفسترس في دمشق (١٧٥٤–١٧٦٦)
وقضى سلفسترس في دمشق اثنتي عشرة سنة انقطعت في غضونها القلاقل بينه وبين الباباويين؛ لأنه لاحظ أن المناحرة تكبِّد الطرفين خسائر مادية جسيمة، ولم يكن هو من الأشخاص الذي يجتذبون الرعايا بالوسائل الأدبية كالإرشاد والوعظ والتعليم وبالمحبة المسيحية الحقيقية التي تُلاشي البغض والحقد وترفع الكنيسة إلى المستوى اللائق بها. وكان للذين انحازوا إلى الكثلكة في هذه الآونة قسوس يخدمونهم في البيوت أو في كنائس اللاتين أو غيرهم من الطوائف الكاثوليكية. أما أكاليلهم ومعمودياتهم وجنازاتهم في المدن والأوساط الأرثوذكسية فإن الكهنة الأرثوذكسيين كانوا يكملونها، وكانت تدفع المعينات عنها إلى المراجع الأرثوذكسية.
Rabbath, A., Documents, II, 415–420.