الأساليب والتقليد
بسم الله أبتدئ وعليه أتوكل! فما بقيت مندوحة عن تقلد السلاح وملاقاة دكتورنا في الحلبة التي اختارها لنفسه وآثرها على سواها. وعزيز على أن أنازله وأقارعه، فإني أنطوي له — أو صرت على الأصح أنطوي له — على الحب والاحترام. وليتني ما عرفته ولا خالطته! إذن لبقيت يدي حرة ترتفع حين تشاء وتهوى بكل قوتها على رأس كتابه فتهشمه، أو لا تضيره وتوهى عظامها، على قدر ما فيه من مناعة وقدرة على المقاومة، دون أن أجعل بالى إلى صاحب الكتاب أو يبرز لى وجهه من كل صفحة فيه، كأنما ظهر كتابه في الدنيا بفعل الهواء وبتأثير الجو كما ينبت العشب من تلقاء نفسه على الصخور. أما الآن فوا أسفاه! ألف الدكتور كتابًا ودفعه إلى الناس وقال لهم في تواضع كله كبر: هذا ما رضيت لكم! وما هو بسفر أو كتاب (كما أتصور السفر والكتاب) وإنما هي مباحث متفرقة «لست تجد فيها هذه الفكرة القوية الواضحة المتحدة التي يعبر عنها المؤلفون حين يؤلفون كتبهم». وبالغ في هذا الضرب من التواضع المقلوب، فأعلن إلى الناس أنه لم يعن بهذه المباحث «العناية التي تليق بكتاب يعده صاحبه ليكون كتابًا حقّا» وإنه يعلم «أنه شديد النقص محتاج إلى استئناف العناية والنظر» كأنما أراد أن يقول: لستم أهلا للعناية وأن في وسعى أن أؤلف خيرًا من هذا الكتاب، ولكن لمن؟ ألقراء الصحف السيارة — وهم فلا تنس! — جمهور القراء في مصر؟ كلا يا سيدي: (لم يكن بد من أن يتجنب «الدكتور» التعمق في البحث والإلحاح في التحقيق العلمي إذ كانت الصحف السيارة لا تصلح لمثل هذا)! ولكم وددت أنا — أنا المازني — حين قرأت هذه المقدمة التي صدر بها الدكتور كتابه، وقبل أن يصل حائك الأقدار ما بين أسبابي وأسبابه، أن أعلمه احترام القراء! ولكني خالطته فأحببته مع الأسف! وإني لأتمرد أحيانًا على هذه العلاقة التي توثقت عراها بيننا ويتقمصنى عفريت النقد الذي لا يحابي الأصدقاء ولا يجامل الأوداء، فأرفع بالفأس كلتا يدي وأشب عن الأرض، وأهم بالضربة تفلق اليافوخ فيطالعني وجهه الساكن وجبينه المشرق، وهو جالس إلى يحادثني — ويقاسمنى ما أعانيه من المضض ويحمل عنى شر شطريه فتهى قبضتي وتفلت الفأس، وتهوى ذراعاي إلى جانبي وتتملكني عاطفة فنية تجعلني أقول: «خسارة! نعم من الخسارة أن أحطم هذا الرأس! فإن في الجبين لالتماعًا وفى العظام قوة، وفى التركيب متانة — وأولى بذلك كله ريشة المصور لا فأس التحطيم ومعول الهدم! وليتني كنت مصورًا! إذن لأنطقت هذا الوجه بما عجز عنه قلم صاحبه؟». وهكذا كلما نويت للدكتور نقدًا أراني أمسح له جبينه وألاطفه وأربته! وإني لأنقم من نفسي هذا، ولكن ما حيلتي؟ لست أرى لى خيارًا: هذه هي الأسلحة ملقاة أمامي. تتخطى يدي من بينها كل درع مسردة تتكسر عليها النصال ولا نلتقي إلا درعًا من الكتان لا تقى ولا تغنى! وتدع المعاول والفئوس والقواضب والسوط وتتناول ما هو بخيط الحرير أشبه … لا بأس! ولنبرز له عزلا من كل سلاح!
وما أظن بالقارئ إلا أنه يقول وهو يتلو هذه السطور: وهل أنت أشد احترامًا لقرائك من الدكتور؟! ألم تصدر «حصاد هشيمك» بكلمة قال كل من قرأها إنها زراية على القراء وتضاحك بهم؟! وجوابي كلا بالخط الثلث! وبراءة إلى الله من هذا الوهم الذي ركب بعض الناس! وهل من الزراية والتهكم أن أقول: إن هذا أقصى ما وسعه جهدي فإن رضى عنه القراء فبها ولله الحمد وإلا فما لا يصلح كتابًا قد يصلح وقودًا؟ وفرق ولا شك بين أن أصارح القراء بأن هذا كل ما في الطوق وبين أن أزعمنى قادرًا على خير منه! فأنا كما ترى أصدق تواضعًا من الدكتور: هو يستخف بقرائه ولا يراهم أهلا لأن يتكلف من أجلهم «التعمق في البحث والإلحاح في التحقيق العلمي» وينشر لهم كتابًا «شديد النقص محتاجًا إلى استئناف العناية والنظر» وأنا على خلافه أقدر في هؤلاء القراء الذكاء والفطنة فأسبقهم إلى الحكم على كتابي على حد قول القائل بيدي لا بيد عمرو!
•••
ولم يكذب الدكتور حين قال في هذه المقدمة: «ولقد يكون من الحق على لنفسي وللأدب ولقراء هذه الفصول أن أعترف بأني ما كتبت منه (كذا) فصلا إلا وأنا أعلم أنه شديد النقص «محتاج» إلى استئناف العناية به والنظر فيه»: والدكتور رجل صادق صريح وقد اعترف فوق ذلك بأن الأيام كانت تحول دائمًا بينه وبين ما كان يريد «من تجديد العناية واستئناف النظر». وقد أحسنت الأيام بما حالت دون مرامه، ولو أنها أتاحت له أن ينقح ما يكتب ويتعقبه بالإصلاح، لما تركت لنا معاشر النقاد من عمل نبيض به وجوهنا ونسوغ به طول ألسنتنا. فهل يسمح لنا صديقنا أن ننوب نحن عنه في تجديد العناية واستئناف النظر؟ ويسؤنا أننا لا نحب أن نحاكي أسلوبه ونضرب على قالبه في إرسال الكلام. وليس ذلك لأن أسلوبه الكتابي شاق يتعذر تقليده، بل لأن لنا أسلوبنا الخاص، ومن فضل الله علينا أن ليس لنا فيه مقلدون!
ولقد سمعت الدكتور مرة يقول، وقد عرض ذكر أسلوبه، ما معناه أنه لا يطمع من الشهرة في أكثر مما وفق إليه من كثرة المقلدين الذين يقتاسون به ويحتذون مثاله في طريقة الأداء وفى تأليف الكلام. وعندي أن الأساليب التى يسهل محاكاتها هي أحلى الأساليب من المياسم الشخصية والميزات الخاصة التي يختلف بها كاتب عن كاتب، أو بعبارة أخرى: هي التي لا تنطبع عليها صورة بارزة مؤكدة من شخصية أصحابها. وتقريبًا لذلك من أذهان القراء نقول لهم: إن المتنبي مثلا ينطق شعره باسمه وينسب نفسه له، من دون أن يحتاج القارئ أو السامع — إذا كان قد حصل شيئًا من الأدب — إلى النص على أن هذا البيت أو الأبيات للمتنبي. وما من مطلع على الآداب الغربية يعيبه أن يفطن إلى أسلوب كارليل الإنجليزي مثلا ولو سيق غفلا من كل نسبة.
والآن فلنسأل: من الذي استطاع أن يقلد المتنبي أو كارليل؟
اجمع أدباء الدنيا وشعراءها قاطبة وكلفهم أن ينظموا لك قصيدة على غرار المتنبى أو يكتبوا فصلا على مثال كارليل يعجزوا جميعًا ويبوءوا بالفشل! ذلك لأن الأسلوب صورة من النفس، ولكل ذهن التفاتاته الخاصة وطريقته في تناول المسائل وعرضها … وكلما كانت هذه الخصوصيات أوكد وأعمق، كانت المحاكاة أشق والإخفاق فيها أقرب، فهي لا تسهل إلا حيث يكون الأسلوب خاليًا من الخصائص التي ترجع في مرد أمرها إلى النفس وما ركبت عليه وانفردت به.
وإليك مثالا من عالم الموسيقى: ونعنى به هذه الأغاني الشائعة على الألسن والتي يسمونها «الطقاطيق»: يوقعها الرجال والنساء والغلمان والأطفال على السواء توقيعًا مضبوطًا، ولا يكادون يتفاوتون إلا من حيث حلاوة الصوت وصلاحه للغناء. ومعلوم أن الذين وضعوا هذه الألحان وصنعوا فيها هذه الأصوات، هم من رجال الفن، ولكن الناس يصنعون أصواتًا مثلها في كلام غير كلامها، أي يقلدونها ولا يجدون في ذلك عسرًا. أما الأدوار الكبرى والقطع التي هي أدخل في باب الفن من الطقاطيق، والتي يشتهر بها واضعوها ولا تذكر في الأغلب والأعم، إلا مقرونة — على الأقل في الذهن — بأسماء أصحابها، نقول أما هذه فما أقل مقلديها بل حفاظها! وأنت قد تستطيع أن تصنع بركة أو بحيرة تشرع فيها على الزوارق وتأتى إليها بشتى الأسماك، وتجعل لحوافيها صخورًا، وتنثر على سيفها الحصى، وتفرش الأرض على مستدارها بالرمال، ولكن أيدخل في مقدورك أن تحفر لنفسك فيما شئت من أرض الله الفضاء بحرا أعظم طامي الموج، متدافع الأواذى، مختلف التيارات، يتعاقب عليه المد والجزر بتأثير القمر الذي في السماء؟!
فليس من دواعي الفخر أن يكثر مقلدوك وأن يكونوا موفقين في الحكاية. ولعمري ماذا يبقى من المرء إذا كان يكتب على أسلوب إذا رأيت تقليده حسبته ألا يكون الإنسان في هذه الحالة عبارة عن صورة طبق الأصل من سواه؟ ومعنى ذلك أنه يكون إنسانًا عاديّا من الأوساط، أمثاله كثيرون إذ كان لا ينفرد بشئ يرتفع به عن مستواهم.
ومن حسن حظ الدكتور أن له مقلدين ولكنهم لا يوفقون كل التوفيق فيما يعالجون من احتذائه، لأن أسلوبه ليس خاليًا من الخصائص وإن تكن من اللطف والدقة بحيث تخفى على مقلديه. وأعرف أناسًا يخلطون بين كلام وكلام سواه، غير أن هذا مرجعه إلى ضعف التميز وعدم التفطن إلى الخصائص الدقيقة التي لا تأخذها العين أول ما تأخذ.
•••
لا أعرف، ولا أستطيع أن أفهم، مسألة اسمها «مسألة القدماء والمحدثين»، ولكن الدكتور الذي أثار نفعها بلا مسوغ يبدئ فيها ويعيد ويشغل بها من كتابه حيزًا كبيرًا فلنسمعه يتكلم. قال: «لم يخل عصر أدبي في حياة الأمم التي كان لها نصيب من الأدب وحظ في إتقان القول وإجادته من هذه المسألة، مسألة القدماء والمحدثين … ولم تظهر هذه المسألة في عصر من العصور أو عند أمة من الأمم إلا أحدثت خلافًا عظيمًا وجدالا عنيفًا، وقسمت الأدباء على اختلاف فنونهم الأدبية أقسامًا ثلاثة: قسم يؤيد القدماء تأييدًا لا احتياط فيه، وقسم يظاهر المحدثين مظاهرة لا تعرف اللين، وقسم يتوسط أولئك وهؤلاء ويحاول أن يحفظ الصلة بين قديم السنة الأدبية وحديثها وأن يستفيد من خلاصة ما ترك القدماء ويضيف إليها ما ابتكرت عقول المحدثين من ثمرات أنتجها الرقى وأثمرها تغير الأحوال وتبدل الظروف».
وهو كما ترى — أو فيما أرى أنا — كلام يحتاج إلى إيضاح فلنستزد الدكتور سطورًا أخرى: «وفى الحق أن الاختلاف بين القديم والمحدث ليس مقصورًا على الأدب وحده … لأن الحياة الإنسانية تقوم على أصلين لا ثالث لهما ولا محيد عنهما، هما البقاء من ناحية، والاستحالة من ناحية أخرى. فنحن بحكم البقاء وحاجتنا إليه مضطرون إلى أن نصل بين أمس واليوم والغد، مضطرون إلى أن نصل بين القديم والجديد، مضطرون إلى أن نشعر بأن حياتنا الآن هي، إن لم تكن نفس حياتنا قبل الآن، فهي أثر قوى من آثارها ونتيجة لازمة من نتائجها. ونحن بحكم الاستحالة والتطور مكرهون على أن نشعر بأن يومنا يغاير أمسنا وبأن حياتنا الآن، إن أشبهت حياتنا أمس من وجه أو وجهين، فهي تغايرها من وجوه.
«وإذن، فنحن بين الشعور بالبقاء، والحاجة إليه، وبين الشعور بالتطور، والحاجة إليه، مترددون في ميولنا وأهوائنا وآرائنا، فمنا من يؤثر هذا الشعور بالبقاء فيغلبه على كل شئ في نفسه حتى تصبح غايته الحقيقية ألا يكون إلا ابن أمسه، وإلا حلقة من حلقات هذه السلسلة المتصلة التي لا تعرف لها أولا ولا آخرًا، وهي سلسلة الحياة. ومنا من يؤثر هذا الشعور بالتطور والاستحالة، فيكلف بالجديد ويرغب فيه، ويندفع في هذه الرغبة وذلك الكلف، فلا يفكر إلا في شئ واحد هو أن يعدو، وأن يعدو ما استطاع، إلى الأمام، دون أن يقف فيفكر في حاضره، أو أن يلتفت فينظر إلى ماضيه.
«ويشتد الخلاف ويعظم بين هذين الطرفين المتناقضين، بين أنصار القديم المسرفين في نصره، وأشياع الجديد الغلاة في التشيع له، يشتد هذا الخلاف ويعظم حتى يشعر به أوساط الناس وجماعاتهم المختلفة التي تخضع للحياة وتحياها هادئة وادعة غير شاعرة بتطور ولا ببقاء وإنما هي محققة لهذين الأصلين تحقيقًا طبيعيّا، غير متكلف ولا منتحل. تشعر هذه الجماعات الوسطى بما بين هذين الطرفين المتناقضين من جدال عنيف وخلاف عظيم فتتوسط بينهما ويظهر منها هذا القسم الثالث الذي هو خلاصة الأمة والذي هو المحقق الوحيد لاعتدال الطبع وصفاء المزاج والذي هو المحقق الوحيد للصلة الصحيحة المنتجة بين القديم وبين الحديث» ا.هـ.
والآن أفهمت؟ كلا؟ ولا أنا وأحسب الدكتور أراد أن يتفلسف فأخذ بأيدينا إلى أعماق مجهولة من الهواء الراكد فيما وراء المادة ولم يزد على أن أذكرنا تلك السراديب الرومانية التي تذهب في كل اتجاه والتي احتفرتها أيدي الناس بحثًا عما لا ندرى! وخيرًا لنا أن ندع الدكتور وشأنه في هذه السراديب ولنرفض أن ننحدر وراءه إلى هذا الظلام الدامس الذي أفاضه على موضوعه، ولنبق حيث نحن تحت سماء الله المجلوة وبين مظاهر الحياة والطبيعة، وليهنه «البقاء والاستحالة»! نسأل الله له السلامة!
والمسألة أبسط من ذلك: أدب خلفه لنا الاَباء يحسبه بعض المعاصرين المثل الأعلى، وقد يكون كذلك أو لا يكون، ويتوهمون أنهم يستطيعون بالمحاكاة أن يبلغوا مبلغهم، وأنهم إذا استعاروا أجنحة النسور حلقوا مثلها في سماء الحياة، وأن في وسعهم أن يوفقوا بين روح العصر الحاضر وأساليب التفكير والحياة القديمة. وهناك قوم آخرون مثلى ومثل الدكتور لا يعنون أنفسهم بهذا التوفيق لا يتحرون إلا شيئًا واحدًا هو الإبانة عما في نفوسهم. وهؤلاء فريقان: فريق يعنى بأن يدرس براعات الأدب القديم. وفريق لا يكترث لذلك. فالأمر كما ترى لا يحتاج إلى كل هذه الفلسفة التي حصب الدكتور بها وجوهنا في فاتحة كتابه.
وأريد أن أخطو خطوة أخرى لأقول إن مقلدي القدماء لا يقلدونهم ولا ينسجون إلا على منوال نفوسهم. وإن إمكان النجاح في هذه المحاكاة مستحيل، وإنهم حين يكتبون لا يحتذون مثالا قديمًا، وإنهم واهمون إذ يظنون أنهم يطبعون على غرار السلف، وإن السبب بسيط جدّا وهو أن نجاح التقليد يستلزم أن يتكلف المرء أساليب تفكير عفى عليها الزمن، وأن ينظر إلى الحياة من وجهة غيرها كر الأيام، وأن يتخيل جوّا لا عهد له به، وبيئة ووراثة انقطع فعلهما في هذه الأيام. ولو أن رجلا من رجال العصر استطاع أن يتجرد من زمنه الحاضر وأن يكر إلى الماضي ويجيء بكلام لايختلف في شئ عن كلام رجل من كتاب العرب أو شعرائهم لكان في نظري أعظم من ذلك العربي، وحسبك أن تقدر جهد الخيال الذي يتطلبه أن يرجع المرء بنفسه قرونًا!
وخطوة أخرى تخطوها، ذلك أنى أنكر إنكارًا باتّا أن فوق ظهر الكرة الأرضية في هذا العصر رجلا يكتب كالعرب. وهذا صادق أفندي الرافعي زعيم من نسميهم المقلدين وأنصار الأدب القديم: أي عربي كتب أو يمكن أن يكون قد كتب مثله؟ وليس المقام مقام مفاضلة وإنما هو مقام محاجة. وهذه جملة مستقلة من كلامه فيما سماه من كتبه «السحاب الأحمر» لم أتخيرها ولكن وقعت عيني عليها اتفاقا، ويجدر بي قبل أن أنقلها أن أعلن أنى لم أفهمها! وهي قوله: «قد يتغير الرجل في نظر امرأته حتى تقول له: يا أنت الأول ويا أنت الثاني، ولكني عرفت رجلا قال لامرأته: يا أنت الخامسة والخمسين؟!».
ولست آتى بجديد حين أقول إن من المستحيل أن يرجع أحد بنفسه إلى عهد العرب لأن الحياة لا سبيل فيها إلى هذا النكوص. فلا قديم ولا جديد، وكل ما هنالك أن واحدًا يركب عقله ويتعثر به في الطريق الذي تسلكه قافلة العصر، وأن آخر يركب رجليه أو مطية أخرى ويسير في طليعة الركب أو بين سواده.
وإن الكتاب ليحسنون جدّا إلى الأدب إذا أراحونا من هذه الضجة الفارغة التي أثاروها حول القديم والجديد، فإن الزمن ماض لا يثقل رجلا، فمن سايره فهو معه، ومن شاء أن يتكلف المحال فسينقطع عن القافلة وأمره إلى الله.