الفصل الثاني
تحديد عصر السريان الذهبي
لم يتخلف السريان عن مباراة سائر الشعوب الراقية في عصور نهضتها الأدبية، فكان لهم
في تلك
الحلبة المجيدة قسط وافر كما شهد بذلك أساطين المؤرخين، وجهابذة علماء المشرقيات. ومَن
طالع
أخبارهم وأنعم فيها النظر تولاه الإعجاب من درجة الكمال التي بلغها أدباؤهم على اختلاف
المذهب والانتساب في شتى الأمصار والأحقاب؛ فإنهم فتحوا منذ المائة الرابعة للتاريخ المسيحي
عصرًا سعيدًا ذهبيًّا بما أنشئوه من المدارس الشهيرة، والمعاهد الفخمة، والمكتبات الزاهرة،
وبمَن أنجبوه من الكتَّاب الأعلام، وما أبرزوه من التآليف الخالدة، وخلَّفوه من الآثار
الثمينة شرقًا وغربًا، وظل يسطع نور عصرهم الذهبي حتى القرن السابع،١ بل امتد إلى القرن الثامن،٢ وتوسع بعضهم فقال إلى القرن التاسع.
ثم عادت فبزغت أنوار ذلك العصر الذهبي الميمون في القرنين الثاني عشر والثالث
عشر٣ للميلاد، فبلغ كتبة السريان حينذاك أسمى ذروة في العلوم العقلية والنقلية على
اختلافها، وملكوا فضلًا عن سلامة الذوق ناصيةَ البلاغة وأَزِمَّة البيان.
وتصرم العصر الذهبي عند السريان بانطفاء سراج المفريان غريغوريوس أبي الفرج الملطي
المشهور بابن العبري (١٢٢٦–١٢٨٦)، وهو يُعَدُّ في الطبقة العليا بين أئمة أمته وبين مشاهير
كتَّابها، وأطلق عليه المؤرخون والمستشرقون لقب «دائرة معارف»؛ نظرًا إلى ما خلَّفه من
الثروة العلمية في كل فن ومطلب، وكان بكل حق وصواب «آيةً من آيات الله، وأعجوبة من أجَلِّ
أعاجيب الدهر».٤
هوامش
(١) روبنس دوفال: الآداب السريانية، قسم ٢، صفحة ٣٣٧. والأب لابور: الدين المسيحي في
الدولة الفارسية، صفحة ٣٥١.
(٢) اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والفنون السريانية، للبطريرك أفرام برصوم: صفحة
١٨٧.
(٣) اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية، للمطران إقليمس يوسف داود: مجلد ١، صفحة
٢٠١–٢٠٣. والمروج النزهية في آداب اللغة الآرامية، للأب أوجين منا: طبع الموصل سنة
١٩٠١.
(٤) اللؤلؤ المنثور، للبطريرك أفرام برصوم: صفحة ٤١١.