الفصل الثامن
السريان وقياصرة الروم
شاءت العناية الربانية فاختارت من الأمة السريانية أشخاصًا ارتقوا إلى عرش القياصرة
في
قسطنطينية، وتكللت مفارقهم بالتاج الملكي، نذكر منهم الملكة هيلانة والدة قسطنطين الكبير
التي وُلِدت في «كفرفجي» بجوار الرها عاصمة الأباجرة ملوك السريان، ونضم إليها الملكة
ثئودورا زوجة يسطنيان الأول (٥٢٧–٥٦٥م) قيصر الروم، وكانت تلك الملكة ابنة كاهن «سرياني»
من
مدينة منبج.١
روى المؤرخ سعيد بن بطريق (†٩٦٠م) أن موريق قيصر (٥٨٢–٦٠٢م) وهرقل قيصر (٦١٠–٦٤١م)
ملكَيْ
الروم، استعملا منصورًا المذكور في فصل سابق على الخراج في دمشق لثقتهما بأمانته وكفاءته،
وكان منصور هذا سريانيًّا يعقوبيًّا،٢ واشتهر ولداه سرجيس وإيليا فنُصِّبا بطريركين على بيت المقدس أحدهما تلو
الآخَر.٣
ولما انطلق هرقل إلى مدينة الرها الغاصة بالسريان، خرج إلى لقائه جماهير غفيرة من
الشعب
والكهنة والرهبان؛ فأدهشته وفرة عددهم، ولم يتمالك أن يصرح لوزرائه قائلًا: «لا يجمل
بنا أن
نترك هذا الشعب المجيد منفصلًا عنا!» ثم توجَّه صباح الأحد إلى كنيسة السريان وحضر القداس
فيها.٤
ولما تولى نيقفور فوقا (٩٦٣–٩٦٩م) عرش القسطنطينية، أرسل فاستدعى إليه عام ٩٦٩ يوحنا
التاسع بطريرك السريان (٩٦٥–٩٨٦) للبحث في الاتحاد وقضايا المعتقد، فسار البطريرك يصحبه
ثلاثة أساقفة وجملة من الرهبان، ولبثوا هناك ثمانية شهور يعالجون تلك المسائل دون جدوى،
ثم
عاد البطريرك وأساقفته إلى كراسيهم.٥
وعلى إثر جلوس رومانس الثالث (١٠٢٨–١٠٣٤م) على العرش القسطنطيني، ارتحل البطريرك
يوحنا
العاشر (١٠٠٤–١٠٣٠م) يرافقه ستة من أساقفته وعشرون راهبًا وبعض رؤساء الأديار السريانية،
فيمموا عاصمة قياصرة الروم ليهنئوا الملك الجديد، ثم أمر الملك فعُقِد مجمع في كنيسة
آجيا
صوفيا، حضره البطريرك المسكوني ومائتان من أساقفته، ويوحنا العاشر بطريرك السريان المشار
إليه وأساقفته الستة، وبعد أَخْذٍ وَرَدٍّ كثير أبرز السريان مدرجين كتبوا أحدهما
بالسريانية، والثاني باليونانية ضمنوهما شرح معتقدهم، وعلى إثر ذلك ارفضَّ المجمع دون
أن
يتوفق الآباء إلى عقد الاتحاد المنشود.٦
هوامش
(١) راجع الجزء الأول من كتاب «السريان في لبنان» لمؤلف هذا الكتاب: قسم ٦، فصل ١
و٢.
(٢) Carre de Vaux, Les Penseurs de l’Islam. II.
24.
(٣) تاريخ ابن بطريق: جزء ٢، صفحة ٦١ و٦٩.
(٤) تاريخ الرهاوي البيعي: صفحة ٨٦.
(٥) التاريخ الرهاوي: مخطوطة البطريركية السريانية. وميخائيل الكبير، وابن العبري في
كلامهما عن البطريرك يوحنا العاشر.
(٦) الملكيون، بطريركيتهم الأنطاكية ولغتهم الوطنية والطقسية: ٤٨–٥٠.