كلمة الدكتور مصطفى كمال حلمي في تأبين ثروت أباظة
جمعٌ كريم، ولقاءٌ كريم يحمل معاني الوفاء لعَلَم من أعلام الأدب والثقافة هو المرحوم الأستاذ ثروت أباظة.
لقد عايش الراحل الكريم مراحلَ هامةً من مراحل تطور الحياة السياسية والاجتماعية في مصر في حقبةٍ هامة من تاريخها، فقد عاصر النظام الملكي، ثم سقوط هذا النظام، وقيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م وإعلان الجمهورية، وعايش التحوُّلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العميقة التي صاحبت هذه الثورة وغيَّرت وجه الحياة في مصر، وفي المنطقة كلها، فصدر قانون الإصلاح الزراعي والقوانين الاقتصادية، وامتدت مجانية التعليم لتشمل التعليم الجامعي، وقامت حركات التحرر في العديد من الدول العربية والأفريقية، وخاضت مصر حروبًا متعددة، حتى كان نصر أكتوبر العظيم عام ١٩٧٣م الذي حقق فيه جيش مصر البطل تحرير ترابنا الوطني، ثم تبعته اتفاقية السلام. ومرَّ النظام السياسي في مصر بتجارب، بدايةً من الحزب الواحد إلى تعدد الأحزاب في دستور ١٩٧١م، والتأكيد على حرية الصحافة وإلغاء الرقابة عليها، ثم كانت مرحلة إعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتواصلة من خلال خططٍ إنمائيةٍ طموحة تهدف مشروعاتها وبرامجها إلى تحقيق التوازن بين الريف والحضر، والعمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين كافة، مع رعاية محدودي الدخل.
لقد عايش الراحل الكريم مختلف تلك المراحل الهامة من تاريخ مصر وكان له رأيه فيها وهو ما أعلنه وعبر عنه دائمًا في كتاباته ومقالاته وقصصه، والتي كانت تتصف جميعها بالإضافة — إلى سموها اللغوي — بالصراحة التامة قبولًا أو رفضًا أو نقدًا، ولكن الركيزة الأساسية في كتاباته كانت رفضه للظلم والقهر السياسي والاجتماعي، والتصدي لهما، وانحيازه الكامل للديمقراطية والحرية؛ حرية المجتمع، وحرية الفرد، حرية الرأي والتعبير، والدفاع عن قيم المجتمع الرفيعة وتقاليده السامية.
وحياة ثروت أباظة حياةٌ ثريةٌ متعددة الجوانب؛ فهو الأديب العملاق، والكاتب المتميز، والوطني الصادق، والبرلماني اللامع، الذي اختاره كتاب مصر ومثقفوها رئيسًا لاتحاد كتاب مصر لفترة طويلة، بالإضافة إلى ما شغله من العديد من المواقع والمسئوليات كعضو في المجالس القومية المتخصصة، والمجلس الأعلى للصحافة، والمجلس الأعلى للثقافة، ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ونادي القلم. وقد كرَّمته الدولة بجائزة الدولة التشجيعية، وجائزة الدولة التقديرية، بالإضافة إلى أرفع الأوسمة والجوائز.
وقد أثرى الراحل الكريم المكتبة العربية بالعشرات من مؤلفاته التي حلقت شهرتها في الآفاق، كما أثرى الحياة الثقافية والفنية والسياسية بكتاباته التي لم ينقطع عنها حتى آخر مرحلة من مراحل حياته الثرية، وذلك كله بالإضافة إلى أدائه البرلماني الرفيع كعضو وكوكيل لمجلس الشورى.
وليس في الإمكان أن نحيط في هذه المناسبة بكل جوانب الراحل الكريم في ثقافته، وأدبه، وإنسانيته، ووطنيته، ومكانته الرفيعة، وريادته لأكثر من مجال.
ففي ذمة الله، وفي رحابه أيها الراحل الكريم، ودعاء المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته؛ جزاءً لما قدمه لوطنه وأمته من جليل الأعمال.
وأتقدم لأسرة الراحل الكريم وذويه وزملائه ومدرسته الأدبية والثقافية بخالص العزاء، داعيًا المولى عز وجل أن يلهمهم الصبر والسلوان.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.