ثروت أباظة الفنان الإنسان
شعر: محمد التهامي
أدار حياته عرضًا وطولا
يحاول بعد هامتها وصولا
وداس لظى مسيرتها بعزم
أحال سعيرها ظلَّا ظليلا
هو الفنان مهما عاندته
يطوع في العناد المستحيلا
فقد بسمت لطلعته الليالي
وجرَّت في مباهجها الذيولا
وحلق فوقها بدرًا وليدا
تُدَقُّ لنور غرته الطبولا
وفي ظل الكبار حَبَا كبيرًا
يفوق على بديهته الفحولا
ولما غبروا الميزان فيها
وذاق لطعمها طعمًا بديلا
تدفَّق في مسيرتها عطاء
كذا من كان معدنه أصيلا
وفاض بيانه فنًّا جميلا
أتاح لعيشنا معنًى جميلا
فما في قسوة الأيام خوف
إذا لفتت لعبرتها العقولا
أطلَّ على منابرنا بفكر
يُعلِّم حامل القلم الأصولا
إذا آمنت في يوم برأي
فقل! لا شيء يمنع أن تقولا
وإن أيقنت في صدق فقلها
حرام عن يقينك أن تميلا
ولو أذَّنت وحدك في فلاة
ستبقى في مجاهلها دليلا
وإن سلقوا بألسنةٍ حداد
وضجوا حولنا قالا وقيلا
فإن الحق غاية كل حي
وويل للذي ضل السبيلا
غدًا يا ثروت الغالي نراها
خليلًا مغرمًا يلقى خليلا
عرفنا فيك قلبًا سال حبًّا
يعز على الخلائق أن يزولا
ولو غطت منابعه المنايا
يفيض برغم قسوتها سيولا
ويملأ عطره الدنيا وتبقى
أمام عميق حبكمُ قليلا
غرست الحب يغمرنا صفاء
ويسعد عمرنا جيلًا فجيلا
فتحت لعالم الأدباء صدرًا
أتاح لهم على سعة نزولا
تجمع شملهم فيه اتحادًا
عظيم القدر مثلهمُ جليلا
وما مثل الأديب صفاء روح
وعذب مودة وهوًى نبيلا
وفي الأدب الوفاء يشعُّ شمسًا
تدوم له ولا ترضى الأفولا
ستحيا في وفاء الكل عمرًا
يجاوز دورة الأفلاك طولا
تهشُّ لنا وتشبعنا رضاءً
ونلقى عند بسمتك الحلولا
تساندنا إذا كنا شبابًا
وتسندنا إذا كنا كهولا
أخذت هذه الأبيات من شعر أبي الشاعر عزيز أباظة في رثاء أحب الناس إلى قلبه وأعزهم على نفسه:
يُحدِّثني قلبي وقلبي مصدَّق
ونحن بأرض شعَّت الطهر والسنى
بأنك عند الله في خير منزل
رعاك فأدنى واجتباك فأحسنا
فما كنتَ إلا رحمة لي ونعمة
ورَوحًا وريحانًا وهديًا ومأمنا
وكنت لي الظل المقدس والجنى
فأمسيتُ قد روعتُ في الظل والجنى
أروح على نار وأغدو على جوى
فيا لمصاب قد أصاب فأثخنا
هذه الأبيات الموجعة أبعثها إلى زوجي ثروت أباظة في عليين.