ومقالةٌ أخرى عن الأزهر
منذ سنوات كتبتُ عدة مقالات طالبتُ فيها أن يعود الأزهر إلى الأزهر، وصرخت: إن العالم تملؤه الجامعات المدنية ولكن ليس في العالم إلا أزهرٌ واحد استضاءات بفيض أنواره جنبات الشرق أجمع، وألقى شعاعه إلى كل مناحي الدنيا، وكان هذا الأزهر أمينًا على فقه القرآن والدين الحنيف، واللغة العربية هي السبيل إلى فهم القرآن والدين، وحسبنا ما جاء في كتاب أخينا عبد الرحمن الشرقاوي عن الإمام الشافعي نقلًا عن الثقاة من أنه كان يقيم فتراتٍ طويلةً في البادية؛ ليستقيم لسانه العربي ويصبح جديرًا بأن يتصدى لما تصدى له، حتى استقام له مذهب يتبعه فيه حتى اليوم قوم لا يحيط بهم حصر، وطالبت في ذلك الحين أن تعود الكليات الدينية إلى سابق العهد بها، وأن يصبح حفظ القرآن شرطًا لدخول هذه الكليات؛ فإن خوفي على اللسان العربي عند الناشئة وعند المهتمين بشئون الدين الإسلامي، فأولئك إن لم يحفظوا القرآن فإننا على مدى سنواتٍ قليلة لن نجد قارئًا، وإن وجدناه فلن نجد متفقهًا في الدين يخلف الأئمة الأعلام الذين يضيئون اليوم ساحات الأزهر والحياة في طول البلاد وعرضها فأين الكليات التي ستخرج مثل هؤلاء الأعلام؟ وكيف يتخرجون اليوم وهم لا يحفظون القرآن؟ وقد كان حتمًا فيما مضى حفظ القرآن لمن يريد أن يكون من الدعاة، وكان حتمًا أيضًا على طلاب دار العلوم الحصول على الثانوية الأزهرية للدخول إليها، فجميعهم كان من حفظة القرآن الكريم، ومنذ أُلغي هذا الشرط أُلغيت اللغة العربية من المدارس وأصبح الذين يُدرِّسونها ضعافًا بصورة تدعو إلى الحسرة والألم.