حفظتِ الإيقاعات والقوافي والصور الشعرية التراثَ الشفهيَّ منذ العصور القديمة، وهي
ترسِّخ الأفكار بقوة في أذهاننا. إذًا لماذا لا نُطبِّق أداة التعلم هذه على التعليم
المعاصر؟ ومن ثَم، يوجد لدينا مجلَّدان صغيران يحملان اسم «فيرنريا» نُشرا في عامي ١٨٠٥
و١٨٠٦ على يد «تيرا فيليوس» (بمعنى «المزارع ابن الأرض المحب»).2،3 تُشير كلمة «فيرنريا» إلى أبراهام فيرنر، وهو عالِم جيولوجيا ألماني كان يعتقد
أن كل الصخور نشأت في المُحيطات (المدرسة النبتونية)، لكنه كان «محاضِرًا بارعًا في الجيولوجيا».4 إن مؤلفنا الغامض هو الكاهن ستيفن ويستون (١٧٤٧–١٨٣٠)،5 وهو شاعر وأديب، ولديه نطاق واسع من الاهتمامات على نحو مذهل. وعقب وفاة
زوجته الشابة في حوالي عام ١٧٩٠، كرَّس ما تبقى من حياته للفن
والأدب.5 واشتملَت أعماله على ترجمات من اللغات
اللاتينية، والفرنسية، والعربية، والفارسية، والصينية، ومناقَشات للأسفار والأفكار
الدينية. ويُقال إنه «عاش بضع سنوات بين أعضاء جمعية الديلتانتي (جمعية من النبلاء
والعلماء لدراسة الفن الروماني والإغريقي القديم) في لندن»، و«حظي بدائرة من المعجبات
أرضت غروره».5 في مقدمتِه لكتاب
«فيرنريا»،2 استشهد ويستون بأرسطو: «هل لأن البشر، قبل
اكتشافهم فنَّ الكتابة، كانوا يتغنَّون بقوانينهم، كانوا لا يَنسونها؟» وهكذا يُطبِّق
مهاراته الفنية في تعليم علم المعادن.
ماذا عن هذا الوصف الشِّعري لقطعة من الألماس الذي يَستعرض بعضًا من خواصها
الفيزيائية، ويعرفنا أن الألماس كربون خالص؛ فينتج عن احتراقه ثاني أكسيد الكربون مع
عدم وجود أي بقايا أخرى؟2
بحبيبات مسطحة، أو مستديرة، أو أحيانًا مكعَّبة الشكل،
لكن بأضلع ثمانية أو اثْنَي عشر،
تكون مُعتادة الشكل بملمَس برَّاق، لكنه ليفي أيضًا،
دون انتظام ملحوظ؛ وإلى أشعة الشمس تُعرَّض،
فينبعث من الماسة وميضٌ فوسفوريٌّ،
وعند احتكاكها تصدر شرارات كهربائية؛
وأي حجر كريم آخَر من ساحل جولكوندا الغني بخلاف هذه الجوهرة
يمكنه التحوُّل إلى حمض الكربون،
دون ترك أي مخلفات وراءه؟
وإليك الآن وصفًا للجير (CaO، أكسيد
الكالسيوم أو الجير الحي)، المُستخلَص من تسخين كربونات الكالسيوم (الحجر الجيري)،
الذي كان المادة الرابطة الأساسية في الخرسانة حتى أوائل القرن التاسع عشر. يُمكن للجير
الاتحادُ مرة أخرى مع ثاني أكسيد الكربون، فيُصبح شديد القلوية، لكن الرطوبة تُحوِّله،
مع
تولُّد الحرارة، إلى مسحوق أكثر اعتدالًا من هيدروكسيد الكالسيوم:
يُستخرَج هذا التراب من كربونات الجير
لعدة استخدامات، وبالتعرض
لحرارة مستمرة يظهر في شكل أسمنت،
أو مسحوق؛ لونه أبيض، ومذاقه ساخن،
وحاد، ولاذع؛ وعند إذابته في الماء
سيُحوِّل لونَ الخضراوات الأزرق إلى الأخضر،
وعند تعريضه في شكل أسمنت للهواء
يفقد قوة تماسكه؛ لكن عند امتصاصِه غازَ
الكربون من الهواء
يستعيد كامل صلابته الأصلية.
أضفِ الرطوبة فيعود إلى مسحوق،
ويلمع في الظلام، ويَنبعِث سياله الحراري،
ويصبح خفيفًا ومعتدلًا ضعف ما كان عليه،
وغير قابل للانصهار في حدِّ ذاته، ويصهر كل العناصر الأخرى،
ويذوب مع البورق وملح الإنسان،
ولا يفور.
شكل ٧-١: جهاز همفري ديفي لقياس مقدار الحجر الجيري في التربة. يُطلِق حمضُ
الكبريتيك مكافئًا واحدًا من ثاني أكسيد الكربون من مكافئ من الحجر
الجيري. يملأ الغازُ بالونًا، ويحلُّ محلَّ وحدةِ حجمٍ من الماء تُقاس
من أجل تحديد حجم الغاز الناتج (من كتاب ديفي «الكيمياء الزراعية»،
لندن، ١٨١٣).
ينتشر الحجر الجيري على نطاق واسع في التربة، ونَعرِض في الشكل ٧-١ الجهاز الذي صمَّمه همفري ديفي6 من أجل قياس مدى وفرته. يُضاف حمض الكبريتيك الموجود في الجزء
B قطرةً
بقطرة إلى التربة الموجودة في الوعاء A. يَنتقِل ثاني أكسيد الكربون الناتج عبْر الجزء
G، ويتجمع
داخل البالون الموجود داخل الوعاء E المملوء بالماء، ويُقاس حجم التمدد في الأسطوانة
D.
(٢) «أفكار الكيمياء» بالألوان
شارك ثيوفيل جولز بيلوز (١٨٠٧–١٨٦٧)7 وإدموند فريمي (١٨١٤–١٨٩٤)7 في تأليف واحد من
أروع كتب الكيمياء المصوَّرة في القرن التاسع عشر، بعنوان «أفكار عامة في الكيمياء».8 كان بيلوز طالبًا لدى جاي-لوساك في المدرسة المتعدِّدة التقنيات في باريس،
ويصف بارتينجتون ظروفه المعيشية فيقول: «كان مسكنه صغيرًا للغاية، حتى إنه كان يقول
ساخرًا إنه اكتشَف ضرورة فتح النافذة حتى تتوفَّر له مساحة لارتداء معطفِه؛ وكان يتناول
الخبز والماء على العشاء، ويقول إنَّ هذا يعمل على تصفية
الذهن.»7 خَلفَ بيلوز جاي-لوساك في النهاية في المدرسة
المتعدِّدة التقنيات كما خلَفَ فيما بعد تينارَ ودوما في كلية فرنسا، وفي عام ١٨٤٨ أصبح
رئيس لجنة صك العملة. وفي عام ١٨٣٨ كان بيلوز أوَّل مَن يُجري تفاعلًا بين حمض النيتريك
والقطن، وأنتج عفويًّا نترات السليلوز القابلة للاشتعال. ومع ذلك، كان كريستيان فريدريك
شونباين، هو مَن أنتج، بعد ذلك بثمانية أعوام، نترات السليلوز الشديدة الاشتعال، وهي
مادة متفجِّرة تُعرف باسم «القطن المتفجِّر»، باستخدام مزيج من حمضَي النيتريك والكبريتيك.9
بدأ فريمي حياته المهنية في الكيمياء مساعدًا أوَّلَ لبيلوز في المدرسة المتعدِّدة
التقنيات، وعُيِّن فيما بعد أستاذًا في هذا المعهد، وكذلك في متحف التاريخ الطبيعي. وفي
اليوم نفسه الذي كان يُفترَض فيه شغْلُ منصب بيلوز في كلية فرنسا عن طريق الانتخابات،
في
عام ١٨٥٠، قرأ فريمي بحثًا يُهاجم الخليفة المفضل على نطاق واسع، أوجست لورينت، ولم
تنتخبه الأكاديمية الفرنسية للعلوم. وتُوفي لورينت بسبب سوء حالته الصحية بعد أقل من
ثلاثة أعوام في سن الرابعة والأربعين.10 ربما كان فريمي أوَّل مَن يُنتِج قدْرًا ضئيلًا من الفلور، ويحافظ عليه عن
طريق تحليل فلوريد الكالسيوم بالكهرباء في عام ١٨٥٤.11 ومع ذلك، عَزلَ تلميذُه هنري مواسان الفلورَ، مستفيدًا من تجارب معلِّمه، في
عام ١٨٨٦، وحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام ١٩٠٦.11
انبهر فريمي بألوان أملاح الكوبالت التي اقترح لها تسميةً مبتكرةً (واندثرت منذ زمن طويل).12 ولعلَّ هذا الانبهار بالألوان هو ما أدَّى إلى ظهور هذا الكتاب الرائع.
شكل ٧-٢: صورة بالأبيض والأسود لصورة ملوَّنة من الطبعة الأمريكية (١٨٥٤) لكتاب
«أفكار عامة في الكيمياء» لثيوفيل جولز بيلوز وإدموند فريمي. انظر
الصور الملوَّنة. يظهر في الصورة ١ تجربةُ لافوازييه الكلاسيكية لأكسدة
الزئبق التي تشتمل على التقطير المُرتد للزئبق في الهواء. أما الصورة
٢، فتُوضِّح أكسدة سلك من الحديد باستخدام لهب في أكسجين نقي. وتُوضِّح
الصورة ٣ التسخين الشديد لثاني أكسيد المنجنيز من أجل إنتاج الأكسجين
— وهي تجربة كان شيله أوَّل مَن أجراها.
شكل ٧-٣: صورة بالأبيض والأسود لصورة مُلوَّنة من الطبعة الأمريكية (١٨٥٤) لكتاب
«أفكار عامة في الكيمياء» لبيلوز وفريمي. انظر الصور الملوَّنة. يظهر في
الصورة ٤ احتراقُ الفوسفور في الهواء مخلِّفًا وراءه نيتروجينًا غير
متفاعل. أما الصورة ٥، فتُظهِر توليدَ الهيدروجين عبْر تفاعل الزنك
وحمض الكبريتيك — وهو عملٌ نشره لأول مرة هنري كافنديش في عام ١٧٦٦.
وفي الصورة ٦ نرى تحليل لافوازييه للماء باستخدام سلك حديدي في أنبوب
خزفي يُسخَّن حتى التوهُّج في فرن (انظر الشكل ٥-١٧).
شكل ٧-٤: صورة بالأبيض والأسود لصورة ملونة من الطبعة الأمريكية (١٨٥٤) لكتاب
«أفكار عامة في الكيمياء» لبيلوز وفريمي. انظر الصور الملونة. يظهر في
الصورة ٧ عمليةٌ لتركيب الماء تَشتمِل على توليد الهيدروجين واحتراقه
في الهواء. وتُظهِر الصورة ٨ مُولِّدًا ذكيًّا ذاتي التحكم لغاز
الهيدروجين. وتُوضِّح الصورة ٩ جهاز تقطير على نطاق مَخبَري مناسب للطلاب.
شكل ٧-٥: صورة بالأبيض والأسود لصورة ملوَّنة من الطبعة الأمريكية (١٨٥٤) لكتاب
«أفكار عامة في الكيمياء» لبيلوز وفريمي. انظر الصور الملوَّنة. يظهر في
الصورة ١٠ جهاز تقطير على نطاق صناعي يتكوَّن من غلاية نحاسية مغطاة
بغطاء معدني. أما الصورة ١١، فتُوضِّح جهازَ التقطيرِ ذا الشكل العصري
للغاية المبرَّد بالمياه، الذي صمَّمه جاي-لوساك.
شكل ٧-٦: صورة بالأبيض والأسود لصورة ملوَّنة من الطبعة الأمريكية (١٨٥٤) من
كتاب «أفكار عامة في الكيمياء» لبيلوز وفريمي. انظر الصور الملوَّنة.
في الصورة ١٢ يحترق الفوسفور، المتدلي من سلك، مُصدِرًا وميضًا شديدًا
يُعمي الأبصار في وجود أكسجين خالص. وتظهَر في الصورة ١٣ ألماساتٌ
تتكوَّن من كربون خالص تمامًا مثل معدن الجرافيت المُتواضِع، وتُمثِّل
أحد المتآصِلات الأخرى للكربون، وتختلف تمامًا عن الياقوت والأحجار
الكريمة الأخرى؛ ينتج حمض النيتريك (الصورة ١٤) عن تسخين نترات
البوتاسيوم مع حمض الكبريتيك، لكن على النطاق الصناعي (الصورة ١٥)،
يكون استخدام النتر (نترات الصوديوم) أقلَّ تكلفة.
شكل ٧-٧: عرض سريالي رائع للهوابط (المُتدلية من أسقف الكهوف، إذا كنتَ قد
نسيت) والصواعد المكوَّنة من الحجر الجيري، التي تكوَّنت بفعل التفاعل
بين ثاني أكسيد الكربون الذائب في المياه الجوفية والجير الموجود في
التربة. انظر الصور الملوَّنة. يبدو أن هذه الصورة كانت استشرافًا
لأسلوب رينيه ماجريت الفني قبل نحو ٤٥ سنة من مولِدِه (من الطبعة
الأمريكية الصادرة عام ١٨٥٤ لكتاب «أفكار عامة في الكيمياء» لبيلوز
وفريمي).
تُوضِّح الصورة ١ (في الشكل ٧-٢) تجربةَ لافوازييه التي تتَّصل
فيها مَطَرة (نوع من الأوعية الزجاجية يُعرف أيضًا باسم «رأس المسمار») تحتوي على زئبق
من عنقها الطويل المقوس بوعاء مُدرج جرسي الشكل مفتوح على زئبق في حوض. يُسخن الزئبق
الموجود في المطرة حتى درجة الغليان فقط لمدة خمسة أيام، حتى لا يعود هناك أي اختزال
آخر لحجم الهواء في الوعاء الجرسي. ويجري مزيدٌ من التسخين على مدار بضعة أيام. اكتشف
لافوازييه أن حجم الغاز الموجود في الوعاء الجرسي انخفض بنسبة ٢٧٪ بسبب فقدان الأكسجين
(كانت القيمة المقبولة فيما بعد ٢١٪). وكانت المادة البلورية الحمراء التي ظهرت تطفو
على سطح الزئبق في المَطَرة هي أكسيد الزئبق . وفي
الصورة ٢ (في الشكل ٧-٢) وُضِع سلك من الحديد في طرفه قطعةٌ من
الحُرَّاق (كل مادة سريعة الاشتعال) المشتعل داخل وعاء من الأكسجين الخالص. يشتعل
الحديد على الفور، ويُطلِق شراراتٍ من أكسيد الحديد ساخنةً بما يكفي لإذابة الزجاج
واختراقه بعمق. وفي الصورة ٣ (في الشكل ٧-٢) يتعرَّض رطل من ثاني
أكسيد المنجنيز (MnO2) إلى
التسخين بشدة في مِقطَرة معوجَّة فخارية من أجل إنتاج الأكسجين. وهذه هي الطريقة التي
عَزلَ بها جان المنجنيز لأول مرة في عام ١٧٧٤. هذا، وتُستخدم حرارةٌ أقل في إنتاج
الأكسجين من ثاني أكسيد المنجنيز في وجود حمض الكبريتيك.
تظهر في الصورة ٤ (في الشكل ٧-٣) بوتقةٌ صغيرةٌ من الجبس فوق
قطعة من الفلِّين تطفو، مثل قارب، فوق مياه في حوض صغير. تُشعَل قطعةٌ صغيرةٌ من الفوسفور
في البوتقة، ويُوضَع وعاءٌ جرسيٌّ فوق البوتقة مقلوبًا. ويكون الغاز المُتبقِّي داخل
الوعاء
الجرسي هو النيتروجين. أما الصورة ٥ (في الشكل ٧-٣)، فتبيِّن دورقًا
زجاجيًّا يحتوي على الزنك ويُضاف إليه الماء أولًا عبْر أنبوب، ثم يُضاف حمض الكبريتيك،
فيتجمَّع غاز الهيدروجين فوق الماء. ويظهر في الصورة ٦ (في الشكل ٧-٣) تحليل لافوازييه الكلاسيكي للماء باستخدام قِطَعٍ من سلك حديدي داخل أنبوب خزفي
يُسخن حتى التوهُّج داخل فرن. يتكون أكسيد الحديد داخل الأنبوب، ويُجمع غاز الهيدروجين
باستخدام وعاء استقبال مقلوب في الماء.
في الصورة ٧ (في الشكل ٧-٤) «يتولَّد الهيدروجين» (انظر الصورة
٥، في الشكل ٧-٣)، ويتحرَّك عبر أنبوب تجفيف، ويحترق مع الأكسجين في
الهواء العادي، وتتساقَط قطرات الماء المتكثِّف في وعاء تجميع. وتُظهِر الصورة ٨ (في
الشكل
٧-٤) وعاءً جرَسيَّ الشكل، يحتوي على الهواء وأسطوانة من الزنك
تتدلى بواسطة سلك في ماء محمض. عندما يدفع الهيدروجين المتكوِّنُ الماءَ المحمَّض إلى
خارج الوعاء الجرسي، يتوقف حدوث المزيد من التفاعلات. ويظهر في الصورة ٩ (في الشكل
٧-٤) جهاز تقطير على نطاق مُخبِري. ونرى في الصورة ١٠ (في الشكل
٧-٥) جهازَ تقطيرٍ كبيرَ الحجمِ باستخدام غلايةٍ من النحاس
مغطاةٍ بغطاء معدني. ويُسمى أنبوب التكثيف المقوس «الدودة». ويظهر في الصورة ١١ (في
الشكل ٧-٥) جهازُ تقطير على نطاق مخبري رائع حديثُ الطراز، من صنع
جاي-لوساك. يُضاف ماء التبريد عبْر القُمع الموجود أسفل الجانب الأيمن، ويغادر المكثِّف
في أعلى الجانب الأيسر.
يحترق الفوسفور بقوة بالغة في بوتقة، معلَّقةٍ
بواسطة سلك يتصل بقطعة من الفلين، في جو من الأكسجين الخالص (الصورة ١٢، الشكل ٧-٦). يظهر الألماس، المعروف بكونه كربونًا خالصًا، في الصورة ١٣
(الشكل ٧-٦). ينتج عن تسخين نترات البوتاسيوم وحمض الكبريتيك في
معوجة زجاجية، ثم تقطيرهما، الحمضُ «الأزوتي» (حمض النيتريك) (الصورة ١٤، الشكل ٧-٦). ويُستخدم النتر (نترات الصوديوم) في الإنتاج
الواسع النطاق لحمض النيتريك (الصورة ١٥، الشكل ٧-٦)، الذي تقلُّ
تكاليف إنتاجه عن تكاليف إنتاج نترات البوتاسيوم. تتعرَّض كمياتٌ تتراوح من ١٠٠ إلى ١٥٠
كيلوجرامًا من النترات للتسخين في أسطوانات فخارية يُضاف إليها حمض الكبريتيك على فترات
مُنتظِمة، وتُستقبل المواد المقطرة في سلسلة من ١٢ إلى ١٥ قارورة ثلاثية العنق.
تمثل الصورة ٢٧ (الشكل ٧-٧) عرضًا سرياليًّا للهوابط (المُتدلية
من أسقف الكهوف)، والصواعد التي ترتفع لتقابلها في كهف يشبه فكًّا مفتوحًا لحيوان بشع.
تتكون الهوابط والصواعد من كربونات الكالسيوم التي تنشأ من تفاعل حمض الكربونيك الذائب
في الماء مع الجير الموجود على سطح الأرض. ويبدو شكل السماء الواسعة مع السحب الغريبة
والكهف غير المألوف الشكل، استشرافًا لأسلوب الفنان العصري رينيه ماجريت
(١٨٩٨–١٩٦٧).
(٣) فيمَ يَصلح علماء الكيمياء العضوية؟
حتى منتصَف القرن التاسع عشر، كانت الصبغات المستخدَمة في الأقمشة والتطبيقات التجارية
الأخرى مُستخرَجةً من المواد النباتية والحيوانية.13 وفي الواقع كانت صبغات النيلة المُستخرَجة من ثلاثة أنواع من الحلزون
أساسًا لصبغة «التخلت» القديمة، التي حدَّدها موسى لتلوينِ حوافِّ شالِ الصلاة لدى
اليهود أو «الطاليت» باللون الأزرق.14 يَروي هذه القصةَ المشوِّقة رولد هوفمان وشيرا ليبوفيتز شميدت، اللذان أشارا
إلى أن «التخلت» كانت على الأرجح مزيجًا من صبغتين نيليتين مرتبطتَين على نحو
وثيق.14 فقدَ اليهودُ، وفقًا لمُعتقَداتهم، فنَّ صنْع
«التخلت» بحلول عام ٧٦٠، ومنذ ذلك الحين، أصبحَتِ الحواف تُترك بيضاء؛ نظرًا لعدم سماح
القانون الديني باستخدام أي بدائل. ورغم اكتشاف مصادر نباتية لهذه الصبغات فيما بعد
وظهور أساليب كيميائية حديثة تؤكِّد تطابقَها على نحو قاطع مع الصبغة الأصلية، لا يزال
تقليد الحواف البيضاء الحديث ثابتًا. وكما يُشير المؤلفان، نظرًا «لعدم بقاء أي منسوجات
يهودية أصيلة مصبوغة ﺑ «التخلت»، فمن غير المرجَّح أن تكون أي محاولة لإعادة صنع «التخلت»
مقبولةً.14
في منتصَف القرن التاسع عشر، التحقَ ويليام هنري بيركن السابق لعصرِه (١٨٣٨–١٩٠٧)
بالجمعية الملكية للكيمياء وهو في سن الخامسة عشرة، وسرعان ما أصبح مساعدًا لمديرها،
الأستاذ أوجست فيلهلم هوفمان.15،16 في ذلك الوقت، كان قطران الفحم قد أصبح نوعًا غير مرغوب فيه من فضلات
الإنتاج، وبينما كان البنزين والتولوين التجاريان يُستخرجان من قطران الفحم عن طريق
التقطير، ظلَّ القطران يُعتبَر مصدر إزعاج كبيرًا.17 حاول بيركن الشاب، بعمله في مختبر منزله في لندن في عام ١٨٥٦، دون نجاح،
تصنيعَ عقار الكينين، لكنه حصل بدلًا من ذلك على قطرانٍ داكنٍ. وأدى تعديل بسيط،
باستخدام الأنيلين أحد مكوِّنات قطران الفحم، إلى إنتاج مادة داكنة أخرى، اتضح، مرةً
أخرى
عن طريق الصدفة، أنها صبغة بنفسجية رائعة أطلق عليها بيركن اسم «موف». ترك بيركن
الجامعة، مما أصاب هوفمان بالإحباط كثيرًا، وبنى مصنعًا لصناعة الصبغة الموف بتمويل من
والده. وفجأة، ظهرت صناعة الصبغة الصناعية وأصبح قطران الفحم سلعةً تجاريةً بدلًا من
كونه أحد مخلَّفات الإنتاج.13،17
شكل ٧-٨: شجرة الأصباغ (؟)، التي تُظهِر تطور الصبغات العضوية الاصطناعية خلال
مطلع القرن العشرين عقب اكتشاف ويليام هنري بيركن في عام ١٨٥٦، في سن
الثامنة عشرة، «للموف»، المُشار إليه هنا باسم «بنفسجي بيركن»
(Perkin’s Violet) (من «كيمياء
الألوان»، رقم ١، بإذنٍ من السيدة لين كروكر).
شكل ٧-٩: نرى في الشكل (a) مهارة عالِم
الكيمياء العضوية الصناعية في «تغيير» إطار جزيئي من أجل تعديل الخواص
المطلوبة؛ فنجد أن استبدال ذرات الهيدروجين في التركيب العلوي (صبغة
الفوشين الحمراء البنفسجية) بالميثيل
(CH3) ومجموعات أخرى يغير اللون
بسلاسة من خلال درجات البنفسجي، والأزرق البنفسجي، ثم الأزرق. وتُستخدم
هذه الطريقة منذ فترة طويلة من أجل تعديل البنسلينات والعقاقير الأخرى،
وحاليًّا من أجل صنع صبغات الليزر. أما الشكل
(b)، فيصوِّر ذرتين من الهيدروجين
تُمسكان بصديقتهما ذرة الأكسجين من أجل صنع الماء. وفي الشكل
(c)، نرى أيادي (تُمثِّل التكافؤات أو
«قوة» الاتحاد) خمس ذرات شائعة؛ وقد حُسمَ أخيرًا الالتباس بشأن تكافؤ
النيتروجين (إذ يكون أحيانًا ٣، وأحيانًا ٥ — انظر ذرات النيتروجين في
الشكل (a)) في عشرينيات القرن العشرين
(من كتاب «كيمياء الألوان»، رقم ١، بإذنٍ من السيدة لين كروكر).
يُوضِّح الشكل ٧-٨ شجرةَ عائلة تُظهِر تطورَ الصبغات الصناعية على
مدار أول ٧٥ سنة بعد اكتشاف الصبغة الموف على يد بيركن.18 تضمُّ التفريعة الطرفية على يسار الموف سلسلةً من الصبغات المتصلة به
كيميائيًّا، ذُكر بعضٌ منها في الشكل ٧-٩(a). فثمة تحولٌ سلِسٌ إلى حدٍّ ما في اللون من الفوشين (Fuchsine) ذي اللون
الأحمر الأرجواني عبْر سلسلة من ثلاث صبغات أرجوانية حتى الوصول إلى الصبغتين الزرقاوي
اللون اللتين يظهر تركيبُهما في هذا الشكل. في الشكل ٧-٩(a)
يُستخدم الفوشين بوصفه «الصبغة الأساسية»، وتختلف الصبغات الخمس الأخرى قليلًا عن طريق
استبدال المجموعات المكتوبة بخط داكن بذرات الهيدروجين. ويُوضِّح التصنيعُ حسب الطلب
لألوان هذه الصبغات وتعديلها الدقيقِ إحدى نقاط القوة الأساسية للكيمياء العضوية.
ويُعتبَر علماءُ الكيمياء العضوية خبراءَ في «تغيير» خصائص الجزيئات المعقَّدة من خلال
إحلال ذرات أو مجموعات من الذرات بعضها محل بعض. ويتمثَّل الفرقُ بين الفوشين والميثيل
البنفسجي Methyl Violet B في استبدال بسيط لخمس
ذرات من الهيدروجين بخمس مجموعات من الميثيل.
من المُثير أن نشير إلى أن كلًّا من المركَّبات الستة الواردة في الشكل ٧-٩(a) يحتوي على ذرة نيتروجين واحدة تشكِّل خمسة روابط مع ذرات
أخرى. في الواقع، إن الكتاب الرائع، الذي نُشر في عام ١٩٣٥، ويَحتوي على التكوينات
الواردة في الشكل ٧-٩(a)، يَشتمل أيضًا على بعض الرسومات
الكاريكاتورية «القيمة» تجسد ذرات ذات أيدٍ تُعبِّر عن التكافؤات
الكيميائية.18 يُصوِّر الشكل ٧-٩(b) جزيءَ ماءٍ تظهر فيه ذرةٌ واحدةٌ من الأكسجين وذرَّتان من الهيدروجين مُتشابكةَ
الأيدي (بما يُشبه إلى حدٍّ ما «جنيات الماء» التي تظهر في مواضِع أخرى).19 وفي الشكل ٧-٩(c)، نلاحظ رسومًا توضيحية لتكافؤ كل
ذرة، من بينها تكافؤ قدرُه ٥ للنيتروجين. وربما يظهر الالتباس واضحًا في حالة كلوريد
الأمونيوم. ولما كان
معروفًا أن تكافؤَي الهيدروجين والكلور أحاديان، فإنَّ الترتيب الوحيد المنطقي ربما
يتمثَّل في تكوين النيتروجين روابطَ أحاديةً مع ذرات الهيدروجين الأربع ومع ذرة الكلور
الخامسة أيضًا. وكان من المعروف سابقًا أن كلوريد الأمونيوم يَنفصِل إلى
الأمونيا (NH3) وكلوريد الهيدروجين
(HCl) عند تسخينه. وقد كانت نظريةُ المحاليل
الأيونية لسفانتِ أرهنيوس20 في ثمانينيات القرن التاسع عشر الأساسَ لفهْم الطبيعة الحقيقية لكلوريد
الأمونيوم، كملح أيوني صيغته
يتصرَّف كجزيئين منفصلين عند إذابة الملح في الماء، وليس جزيئًا واحدًا من كلوريد
الأمونيوم NH4Cl. وكانت الروابط
الأربعة المتصلة بالنيتروجين في أيون الأمونيوم
متوافقةً
بالكامل مع قاعدة الثمانيات وتركيبات لويس (١٩١٦).21 ومع ذلك، لم يحدث الاتحاد بين النظرية الأيونية وثمانيات لويس فعليًّا إلا
في عشرينيات القرن العشرين،22 قبل عَقْد تقريبًا من نشر الشكل ٧-٩.
ظهرت تطبيقاتٌ مبكرةٌ للتعديل و«التغيير» الجزيئي الطفيف على يد علماء الكيمياء
العضوية في صناعة الأدوية. على سبيل المثال، لا يُعد الفرقُ بين المورفين والكودايين
والهيروين كبيرًا للغاية من حيث تركيبها، لكنه كبير للغاية من الناحية الدوائية. وقد
حفَّز اكتشاف البنسيلين مصادفةً في عام ١٩٢٨ على يد ألكسندر فلمنج بحثًا استمرَّ طَوال
عَقْدين عن تركيبه الكيميائي، الذي توصلتْ إليه في النهاية في منتصف أربعينيات القرن
العشرين المتخصِّصةُ في علم البلورات دوروثي كروفوت (التي أصبحتْ فيما بعد دوروثي
هودجكين) (١٩١٠–١٩٩٤)،23 التي حصلت على جائزة نوبل في عام ١٩٦٤ في الطب والفسيولوجيا عن عملها في
تحديد تركيب فيتامين ب١٢.24 وبمجرد معرفة تركيب البنسيلين، صنع علماء الكيمياء الدوائية آلاف المشتقات
سعيًّا منهم لزيادة الفاعلية، وتقليل التكلفة، والحد من الآثار الجانبية غير المرغوب
فيها، مثل ردود الفعل التحسُّسية.
(٤) لا تبتسم أبدًا للكاكوديل
في عام ١٨٣٥ أطلق فريدريش فولر على الكيمياء العضوية «غابة بدائية في المنطقة
الاستوائية»،25 وعلى ما يبدو كان هذا التشبيه للكيمياء العضوية، بنظام حياة معقَّد لا يمكن
تصوره، تشبيهًا مناسبًا. فكان يبدو أنه لا يُمكن عزل المركَّبات العضوية إلا من كائنات
حية — النباتات والحيوانات. وكان يجب استخلاصُها دومًا من مصفوفات معقَّدة للغاية، وكان
من الصعب عزلُها خالصةً. حتى البول، وهو سائل شفاف، يكون معقَّدًا على نحو استثنائي.
وقد أُعلن عن مركَّب اليوريا العضوي البسيط (الذي عُرف فيما بعد بالصيغة
CH4N2O)
في عام ١٧٧٣ على يد هيلير مارتن رويل (وسبقه بورهافا في وصفه).26 كانت هذه المادةُ غيرَ نقيةٍ، لكن ملمسها «الصابوني» وسهولة تحللها عند
«تقطيرها» أشارا إلى اختلافها الواضِح عن الأملاح غير العضوية المألوفة، التي كانت
بلورية ولا تتأثر عادةً بالحرارة. ورغم أن فولر صنع اليوريا بطريق المصادفة تمامًا من
مركَّبات غير عضوية في عام ١٨٢٨، فقد حافظ في ذلك الوقت، على الرأي السائد بأن
المركَّبات العضوية مشبعةٌ ﺑ «قوة حيوية»؛ ومن ثَم لا يمكن أبدًا إنتاجُها
صناعيًّا.27 بعد ذلك بنحو عَقْدين من الزمن، أقدمَ هيرمان كولبه على «قتل الحيوية» عن
طريق تصنيع حمض الخليك (الخلِّ) بفاعلية كبيرة من عناصره
الكيميائية.27 وشاع استخدام ثلاثة أنظمة للأوزان الذرية
النسبية بحلول منتصف القرن التاسع عشر، لخَّصها آرون جيه إيده كالتالي:28
H
C
O
بيرسيليوس
١
١٢
١٦
ليبيج
١
٦
٨
دوما
١
٦
١٦
تسبَّبت الصعوبات التي تَكتنِف التحليل الكيميائي الدقيق في مزيد من الالتباس؛ فقد
اشتمل
التحليل في أوائل القرن التاسع عشر على قياسات لحجم أول أكسيد الكربون، الذي يتولَّد
في
أثناء الاحتراق. وأدَّى هذا إلى قصر العينات التحليلية على كميات صغيرة إلى حدٍّ كبير،
وتمثَّل تأثيرُها في تضخيم الأخطاء الصغيرة. حتى جهاز تحليل الكربون لليبيج، الذي كان
يَلتقِط ثاني أكسيد الكربون في صورته المكثفة من أجل وزنه، مما زاد حجم العينات ودقَّتها
كثيرًا، لم يحُلَّ هذه المشكلات بالكامل. ويَظهر هذا واضحًا29 في التفاوت بين صيغة حمض الكوليك
(C48H39O9،
حسب أوزان ليبيج الذرية) التي أعلن عنها عالِم الكيمياء الشهير أدولف شتريكر، الذي كان
يعمل في مُختبَر ليبيج في مدينة جيسن، والصيغة الحالية
(C24H40O5).
وتُعدُّ هذه التفاوتات، على صغرها، مؤثرةً للغاية؛ نظرًا لأن استخدام أوزان بيرسيليوس
الذَّرية لكل من الكربون والهيدروجين والأكسجين (القريبة للغاية من القيم الحالية) كان
من
شأنه أن يُعطي الصيغة
C24H19.5O4.5.
ولم يكن هذا، بالطبع، مُتوافقًا مع الذرات الكاملة، وأيضًا مع قواعد التكافؤ التي لم
تظهر إلا بعد عَقْد من ذلك.
أثارت المركَّبات العضوية أيضًا عدةَ مشكلات للنظرية الكيميائية المبكرة؛ فقد أدَّت
دراسات ديفي للتحليل الكهربائي، التي أنتجت بوتاسيوم موجبَ الشحنة في أحد الأقطاب
الكهربائية، وكلورًا سالبَ الشحنة في القطب الآخر، إلى افتراض بيرسيليوس نظرية عن
الثنائية. وكان واضحًا أن الهيدروجين موجبُ الشحنة؛ إذ كان يُكوِّن الماء وكلوريد
الهيدروجين مع عناصر الأكسجين والكلور السالبة الشحنة. كذلك كوَّن الكربونُ الموجب
الشحنة مركَّباتٍ مع الأكسجين والكلور. ومع ذلك، لم يَبدُ أن هذه النظرية تَصلُح
للمركَّبات العضوية. فكيف يُمكن للمرء تفسير تكوين الميثان — مركَّب من الكربون
والهيدروجين — المكوَّن من عنصرَين موجبَي الشحنة؟ وكيف يُمكن لعنصر سالب الشحنة، مثل
الكلور، أن يحُلَّ محلَّ ذرات الهيدروجين الأربع الموجَبة الشحنة الموجودة في الميثان
بالكامل ليُكوِّن مركب رباعي كلوريد الكربون
CCl4؟
من بين الاكتشافات المُبكِّرة المهمة التي ساعدت في توضيح الكيمياء العُضوية وتنظيمها،
فكرةُ وجود جذر كيميائي ظهرت مَصادرُه الأولى لدى لافوازييه: الحمض = جذر + أكسجين (حيث
يُمكن أن يكون الجذر عنصر الكبريت الذي ينتج عن اتحاده مع الأكسجين «حمض الكبريتيك» —
في
الواقع SO3 أو ثلاثي أكسيد
الكبريت).30 تبع ظهور هذا المفهوم البدائي دراساتٌ أكثر تنقيحًا كشفتْ عن وجود جذر
السيانيد (CN). كان شيله أوَّل مَن عالج صبغة الأزرق
البروسي، التي تتكوَّن من مركَّبات الحديد المتمثِّلة في الفيروسيانيد [المعروفة حاليًّا
ﺑ
Fe(CN)6]، على الأرجح
في وجود المعادن القلوية أو الأمونيا (على سبيل المثال،
NH4Fe[Fe(CN)6] — وهذه هي الصيغة الحديثة بالطبع). وعند معالجته لفيروسيانيد البوتاسيوم بحمض
الكبريتيك، حصل على «حمض البروسيك» («حمض الهيدروسيانيك» أو سيانيد الهيدروجين
HCN)، وكان من المُذهل أنه لم يقتل نفسه وهو يختبر
رائحته. كما حصل شيله على سيانيد البوتاسيوم (KCN)،
وسيانيد الزئبق [Hg(CN)2]،
وسيانيد الفضة (AgCN).31 وفي عام ١٧٨٧، أجرى برتوليه تفاعلًا بين «حمض البروسيك» والكلور، واكتشف كلوريد
السيانوجين (ClCN).32 وفي عام ١٨١٥ اكتشف جاي-لوساك السيانوجين
[(CN2)] من عمله على «حمض
البروسيك».33 ومن ثَم، أشارت مجموعة من الأدلة إلى أن جذر السيانيد يَتصرَّف فعليًّا مثل
ذرة (أيْ «ألكيل حلقي») من حيث انتقاله دون أن يَتغيَّر من مركَّب إلى آخر.34 والأمر الأكثر إثارةً كان إعلان ليبيج وفولر في عام ١٨٣٢ عن جذر البنزويل
(“C14H20O2”
— في الحقيقة
C7H10O)،
وهو وحدة مستقرة تحتوي على ثلاثة أنواع مُختلفة من الذرات.22
الشكل ٧-١٠ من طبعة عام ١٨٥٧ من كتاب يومانس «أطلس
الكيمياء».35 كانت الجذور تُعدُّ في البداية «ذرات فائقة» مستقرة، ترتبط وتَنفصِل ويُعاد
دمجها من أجل تكوين جزيئات. وأوَّل جذر يظهر في الشكل ٧-٩ هو جذر
الإيثيل، الذي يَظهر بصيغة
C4H5
(باستخدام نظام ليبيج؛ ومن ثَم
C2H5
بالصيغة الحديثة). إذا نظرنا إلى التركيبة الثالثة من أعلى، نرى ثنائي إيثيل الإيثر،
الذي نعرفه حاليًّا بصيغة
C4H10O
بدلًا من
C4H5O
(أو
C2H5O
باستخدام أوزان ليبيج الذرية). ومن وجهة نظر ثنائية، يتكون «جزيء»
C4H5O
من جذر «الإيثيل»
(“C4H5”) بوصفه الجزءَ الموجبَ الشحنةِ والأكسجين بوصفه الجزءَ السالبَ الشحنةِ.
وعلى ما يبدو أن
إضافة الماء (“OH”) إلى إيثيل الإيثر يُكوِّن هيدراته،
المعروفةَ أيضًا ﺑ «الكحول الإيثيلي» (الموضَّح هنا بصيغة
C4H5⋅OH⋅O،
ولكنه في الواقع يتخذ الصيغة
C2H6O
باستخدام الأوزان الذرية الحديثة، وليس أوزان ليبيج). وعلى أيِّ حال، فقد أوضحَت
النظرية القديمة للجذور المركَّبة (الثُّلث العلوي من الشكل ٧-١٠)
حدوثَ تبادل بسيط في الجذور المستقرة من أجل تكوين جزيئات عضوية مختلفة.
شكل ٧-١٠: رسم توضيحي لنظريات منتصف القرن التاسع عشر في الكيمياء العضوية
(انظر النص)، ويوجد الشكل الملوَّن الأصلي في كتاب إي يومانس «أطلس
الكيمياء»، نيويورك، ١٨٥٧. افتُرض وجود جذر الكاكوديل في وقت مبكر من
قِبَل روبرت بنسن، الذي فقَد إحدى عينَيه عندما انفجر سيانيد الكاكوديل
في مُختبَره.
يقودنا هذا إلى الكاكوديل، وهو اسم قديم لسائل رباعي ميثيل ثنائي الزرنيخ سيئ
الرائحة، وتلقائي الاشتعال، وعديم اللون، الذي نحصل عليه من تسخين أكسيد الزرنيخ
وأسيتات البوتاسيوم:36
عدَّ بنسن أيضًا جذرَ الكاكوديل
[(CH3)2As]37 «ذرةً فائقةً» مُستقرةً يُمكن تبادلها بين الجذور الأخرى. ويتَّسم كثير من
مركَّبات الكاكوديل بأنه قابل للانفجار، وأيضًا قابل للاشتعال تلقائيًّا. وقد انفجَر
أحد
هذه المركَّبات وهو مركَّب سيانيد الكاكوديل
[(CH3)2AsCN]،
في أثناء إحدى دراسات بنسن الاستكشافية وفقَد عينه اليُمنى.25
صنَع بنسن في إحدى دراساته أكسيد الكاكوديل من الكاكوديل وحوَّله إلى الكلوريد.
وعند
تفاعُله مع الزنك، فُقد الكلور واعتقد بنسن أن المركَّب النقي المتبقِّي المكوَّن من
الزرنيخ والكربون والهيدروجين هو جذر الكاكوديل الحر.
لكنه في الواقع كان كاكوديلَ سائلًا
[(CH3)2As—As(CH3)2].38 بالمثل، حرَّر تفاعل يوديد الإيثيل مع الزنك جزيء اليود العضوي، وكان
يُعتقد أنه يُنتج جذر «الإيثيل» الحر، لكنه في الواقع أنتج البوتان
(C2H5—C2H5)
— ديمر الإيثيل. وأدَّى عمل إدوارد فرانكلاند (١٨٢٥–١٨٩٩) فعليًّا إلى إنتاج بعض من ثنائي
إيثيل الزنك
(C2H5)2Zn،
وهو مادَّة مُتطايرة تَشتعل تلقائيًّا، مما بشَّر ببداية عصر الكيمياء العضوية
الفلزِّية.26 باءت الأبحاث عن هذه الجذور الحرة بالفشل؛
ومن ثَم ساد الافتراض بأنها غير قادرة على الانفصال حتى جاءت المشاهَدة غير المتوقَّعة
لجِذر ثلاثي فينيل الميثيل لموزس جومبرج.39 فقد أجرى جومبرج تفاعلًا بين كلوريد ثلاثي فينيل الميثيل وغبار الزنك
متوقِّعًا الحصول على سداسي فينيل الإيثان:40
إن ما حدث كان تفاعلًا مفاجئًا أدَّى إلى تكوين محلول ملوَّن. وأدَّت إضافة اليود،
على
سبيل المثال، إلى تكوين يوديد ثلاثي فينيل الميثيل ومحلول ملوَّن. لقد أنتج جومبرج
جذرًا حرًّا مُستقرًّا، لكنه قادر على التفاعل — جذر ثلاثي فينيل الميثيل:
ومِن المُثير للاهتمام، أنه على الرغم من أن ديمرَ جذر ثلاثي فينيل
الميثيل كان يُعتقَد أنه سداسي فينيل الإيثان الذي كان مُرتقبًا طوال نحو ٦٠ عامًا؛ فقد
بتنا نعرف الآن التكوينَ الصحيحَ للديمر الذي يُوجَد في توازُن مع جذر ثلاثي فينيل
الميثيل — وهو ليس أحد مُشتقَّات الإيثان.28 في الواقع، رغم
وجود خماسي فينيل الإيثان
(CΦ3—CHΦ2)
وتمتُّعه بروابط C—C طويلة على نحو غريب،41 وبعد قرن تقريبًا من اكتشاف جومبرج، لا يزال سداسي فينيل الإيثان يحيِّر
أمهر علماء الكيمياء المُعاصِرين.42
من المفارقات الرائعة أن نُشير إلى وجود جذر كاكوديل حرٍّ مستقرٍّ بالفعل («ثابت»
في
الواقع).43،44 فمنذ نحو ٢٠ عامًا اتَّضح أن التسخين المعتدل لمركَّب — يُنتِج جِذرَين مستقرَّين، ويُمكن رؤيتهما لفترات غير محدَّدة في صورة سائل عند درجة حرارة
٢٥ درجة مئوية.29،30 تَكمُن الخُدعة هنا في المجموعة المكوَّنة
من أربع مجموعات ضخمة تعيق إعادة اندماج الجذور وتكوين رابطة
As—As الضعيفة.45
يُصوِّر الجزء الأوسط من الشكل ٧-١٠ نظرية النوع؛ حيث يُمكن، على
سبيل المثال، استبدال نوع مِن الأمينات تباعًا بجذور الألكيل في سلسلة ترتبط بوضوح
بالأمونيا. وكان هذا إسهامًا إيجابيًّا؛ نظرًا لاكتشافه عائلات مِن المركَّبات المرتبطة
بعضها ببعض (المجموعات الوظيفية). أما الجزء السُّفلي في الشكل ٧-١٠،
فيُوضِّح نظرية «الاقتران» (الرابطة) التي قدَّمها بيرسيليوس في محاولة أخيرة لإنقاذ
نظرية
الثنائية. وكما أشار إيده، يُمكن (باستخدام «الصيغ المزدوجة») تفسيرُ تكوين حمض الخليك
(بصيغته الحديثة
C2H4O2)
بكونه مزيجًا من جزء موجب الشحنة
(C4H6)،
وجزء السالب الشحنة (O3)،
والماء.46 كان حمض ثلاثي كلورو الخليك
(C2HCl3O2)
مزعجًا لبيرسيليوس؛ فقد نصَّت نظرية الإحلال في تلك الفترة على وجود استبدال بسيط لذرات
الهيدروجين في جذر
C4H6
بذرات الكلور. ولكن الصيغة الناتجة
H2O
+ O3 +
C4Cl6 تنطوي الآن على
اختلال خطير؛ نظرًا لكون الشحنة الموجبة للجذر المُحتوي على الكربون أقل بكثير إن لم
يكن «سالب الشحنة بالكامل»، بينما يُعدُّ جزء
O3 الآن سالبَ الشحنة
تمامًا. وشعَرَ بيرسيليوس بضرورة إعادة ترتيب جذرية بحيث «يَقترن» (يتَّحد) الكربون
المُكلوَر (صيغته الحالية
C2Cl6)
ﺑ «حمض الأوكساليك»
(C2O3)
والماء، مما يَنتج عنه وحدةٌ يُمكن تمييزها بسهولة هي:
H2O
+ C2O3
+ C2Cl6. وبهذه الطريقة توازنت
الشحنة السالبة الزائدة في جزء
C2Cl6
بالشحنة السالبة المنخفضة في جزء
C2O3.
ويوضح الجزء السفلي في الشكل ٧-١٠ هذا النوع من إعادة ترتيب الذرات
في «اتحاد» جذر البنزويل بحمض الفورميك من أجل إنتاج حمض الفورميلبنزويك. ومع ذلك،
أظهرت مجموعة متنوِّعة من الأبحاث الكيميائية بوضوح وجود ارتباط كيميائي وثيق بين حمض
الخليك (CH3COOH)، وحمض ثلاثي
كلورو الخليك (CCl3COOH)، وأن
الثنائية أُجبرت على الاختفاء بوصفها نظرية قابلة للتطبيق في الكيمياء العضوية. ولم
يبدأ الحل في الظهور إلا مع ظهور مفهوم التكافؤ.
شكل ٧-١١: صفحة العنوان لرسالة الماجستير المكوَّنة من ١٥ صفحة للشاب ديمتري
مندليف (بإذنٍ من مكتبة تاريخ الكيمياء لروي جي نيفل).
(٥) من «السُّلَّم الكوني» لمندليف إلى «جنَّة فيثاغورس»
في عام ١٩٤٥ كان أوليفر ساكس البالغ من العمر ١٢ عامًا أوَّل مَن انبهر بالجدول
الدوري العملاق في مُتْحف العلوم في جنوب كينجستون بينما كان يفحص عينات فردية من كل
عنصر.47 والآن وبعد مرور أكثر من نصف قرن، يبدو أن مسيرته المهنية المميزة كطبيب
وكاتب لم يكن من شأنها إلا دعم حبِّه للكيمياء، والمعادن على وجه الخصوص، وشغفِه
المتَّقدِ بالجدول الدوري. ويَحكي كتاب السيرة الذاتية «العم تونجستن» عن إحالة ساكس
الصغير «الجدول المُستطيل الجليل» في ذهنه إلى «نوع من السلالم الكونية أو سُلَّم يعقوب،
يَصعد إلى جنَّة فيثاغورس ويهبِط منها.»48 فقد تخيَّل أتباع فيثاغورس القدماء كونًا تحكُمه الرياضياتُ البحتةُ،
وعَدَّ د. ساكس «حديقةَ مندليف»؛ أي الجدول الدوري، جزءًا من عِلمٍ للكونيات ينبِض
بالتناغُم الطبيعي.47
شكل ٧-١٢: البيان رقم ١٧ في صفحتي ٦ و٧ من رسالة الماجستير لمندليف يَستعرِض
الزوايا المقاسة في بلورات المواد ذات الصِّلة. هذا، ويَشرح القانون
الدوري، الذي نشره مندليف في عام ١٨٦٩، أوجه التشابه بين البلورات
المتشابهة الشكل، التي أشار إليها أيلهارد ميتشرليخ لأول مرة قبل نحو
٤٠ عامًا من نشر مندليف لأطروحته للماجستير. (بإذنٍ من مكتبة تاريخ
الكيمياء لروي جي نيفل.)
شكل ٧-١٣: البيان رقم ٢٠ في الصفحتين ٧ (انظر الشكل ٧-١٢)
و٨ يتناول الأوزان الذرية النسبية الضرورية للغاية في إنشاء القانون
الدوري. والكُتلة النسبية للماء
(في الصفحة ٨) ١١٢٫٥، وهذا بناءً على الكتلة النسبية المفترَضة الشائعة
الاستخدام = ١٠٠ لذرة الأكسجين (بإذنٍ من مكتبة تاريخ الكيمياء لروي جي
نيفل).
كان ديمتري إيفانوفيتش مندليف (١٨٣٤–١٩٠٧)49 الابنَ الأصغرَ بين ١٤ طفلًا. وتظهَر بطولةُ والدته جليةً في توفيرها
تعليمًا لائقًا له في ظل ظروف مأساوية.49،50 حصل مندليف على درجة الماجستير في سانت بطرسبرج في عام ١٨٥٦، وتُوضِّح
الأشكال من ١٤٨ إلى ١٥٠ صفحة العنوان وأربع صفحات إضافية من أطروحته المكوَّنة من
ثمانية أفرُخ (١٥ ورقة).51 وقد أشار عالِم الكيمياء وجامع الكتب، روي جي نيفل، إلى وجود تلميحات
للقانون الدوري في رسالة الماجستير،52 كما أنَّ اهتمامَ مندليف بالكتل الذرية والعلاقات بين العناصر واضحٌ للغاية.
قبل ذلك بنحو ٤٠ عامًا، ابتكر أيلهارد ميتشرليخ (١٧٩٤–١٨٦٣)53 مفهومَ التشابه الشكلي، مُشيرًا إلى أوجه التشابه الكبيرة في الشكل وقياس
الزوايا بين موادَّ بلوريةٍ معينةٍ. على سبيل المثال، هيدرات فوسفات هيدروجين الصوديوم
(Na2HPO4⋅12H2O)
والزرنيخات المُشابهة لها
(Na2HAsO4⋅12H2O) تنتج
بلورات متشابهة الشكل. كذلك، يوجد تشابُه شكلي بين كبريتات الأمونيوم البلورية
[(NH4)2SO4]
وكبريتات البوتاسيوم
(K2SO4)
(الشكل ٧-١٤). وفي رسالته للماجستير، طبَّق مندليف البالغ من العمر
٢٢ عامًا اهتمامه بالتشابه الشكلي على استكشاف العلاقات بين العناصر. ويظهر هذا في
البيان السابع عشر في صفحة ٦ (الشكل ٧-١٢)؛ حيث قارن بين الزوايا
في بلورات المواد ذات الصِّلة. وبعد ثلاثة عشر عامًا (أي في عام ١٨٦٩) وضع مندليف
الفوسفور والزرنيخ داخل العائلة الكيميائية ذاتها؛ ومن ثَم قدَّم فهْمًا للتشابه الشكلي
للفوسفات والزرنيخات السالفة الذكر. وقد بِتْنا نعرف الآن أن الأمونيوم
() والبوتاسيوم
(K+) أيوناتٌ موجبة
أحادية التكافؤ لها الحجم نفسه، وهذا هو أساس التشابه الشكلي لكبريتاتها (الشكل ٧-١٤). أما البيان التاسع عشر في صفحة ٧ (الشكل ٧-١٢)، فيُوضِّح أوجه التشابه في الحجم النوعي بين المواد ذات الصلة
كيميائيًّا.
شكل ٧-١٤: بلورات متشابهة شكليًّا لكبريتات الأمونيوم وكبريتات البوتاسيوم
(رسومات توضيحية للفنان روجر هايوارد في الطبعة الأولى لكتاب صديقه
لينوس بولينج، «الكيمياء العامة»، ١٩٤٧، ص٢٠٢، حقوق الطبع محفوظة
للينوس بولينج. مُستخدَمة بإذنٍ من دبليو إتش فريمان وشركاه). اكتشف
ميتشرليخ أن بعض بلورات الفوسفات والزرنيخات متشابهة شكليًّا، وفسَّر
مندليف هذه الملاحظات بأنها ناشئة عن انتماء الفوسفات والزرنيخ للعائلة
الكيميائية نفسها. وقد أصبحنا نعرف الآن أن أيونات الأمونيوم
والبوتاسيوم مُتطابِقة أيضًا، مما يُفسِّر التشابه الشكلي لبلورات
كبريتاتها.
في البيان رقم ٢٠ في الصفحتين ٧ و٨ (الشكل ٧-١٢ و٧-١٣)، نلاحظ علاقات بين الأوزان الذرية، أشار إليها مندليف، على
مقياس قُدِّر فيه الوزن النسبي للأكسجين بمائة. وتشير الأرقام التي تلي
V في البيان العشرين إلى الحجم النسبي، بينما
تُشير البيانات التي تلي II إلى الكتلة النسبية. وكان
من المعروف أنه في الماء اتحد ١٠٠ جرام من الأكسجين مع مقدار ١٢٫٥ جرامًا من
الهيدروجين؛ ومِن ثَم تكون الكتلة النسبية لجزيء
H2O (انظر الصفحة ٨
في الشكل ٧-١٣) على هذا المقياس ١١٢٫٥. وإذا استخدمنا الكتلة
النسبية لجزيء Na2O، نرى أن
الكتلة الإجمالية التي تُقدَّر بنحو ٢٨٩ تتَّحد مع كتلة الأكسجين المقدَّرة بمائة. ومن
ثَم، تساوي الكتلة النسبية لكل ذرة من الصوديوم ٢/٢٨٩ أو ١٤٤٫٥. وإذا ضربنا ١٠٠/١٤٤٫٥
في ١٦ (الكتلة الذرية الحديثة للأكسجين)، فسنَحصُل على قيمة قدرها ٢٣٫١ للصوديوم، في
توافُق تامٍّ مع القيمة الحديثة.
على الرغم من توافُق هذه الكتل الذرية النسبية المحدَّدة مع البيانات الحديثة، كانت
ثمة
شكوك كبيرة في خمسينيات القرن التاسع عشر إزاء الكتل الذرية والأوزان المكافئة. وفي
المؤتمر الكيميائي الدولي في كارلسروه، في ألمانيا، المنعقِد في عام ١٨٦٠، اجتمع بعضٌ
من
أكبر علماء الكيمياء آنذاك من أجل مناقشة هذه القضايا.54 وطُرحت بعض الرؤى الخطيرة من قِبل ستانيسلاو كانيزارو الذي عمل على تنوير
الجمع من خلال طرح الفرضية التي يبلغ عمرها ٥٠ عامًا لمواطنه أميديو أفوجادرو لتُصبح
جزءًا من المعرفة الكيميائية الحديثة لمنتصَف القرن التاسع
عشر.54 ذهب الشاب مندليف في رحلة ترفيهية إلى كارلسروه
بصحبة عالم كيمياء شابٍّ آخَر، وهو ألكسندر بورفيريفيتش بورودين (١٨٣٣–١٨٨٧).55 أصبح بورودين، بالطبع، أحدَ أشهر المؤلِّفين الموسيقيين في العالم، ولا تزال
أوبراه، «الأمير إيجور»، تحظَى بشعبية ضخمة. غير أنَّ هذا الموسيقي السابق لعصره (الذي
علَّم نفسه التشيلو، وألَّف مقطوعات موسيقية في سن الرابعة عشرة) كان أيضًا عالَم
كيمياء سابِقًا لعَصره (إذ بنى مختبرًا منزليًّا، وبذل جهودًا ناشئة في صنع
المتفجِّرات).55 من الممتع تخيُّل فيلم يُصوِّر مندليف ذا
السادسة والعشرين وبورودين ذا السابعة والعشرين وهما في طريقهما لرحلتهما الترفيهية إلى
كارلسروه، ويَستمتعان بموسيقى الأرغن ذي الأنابيب العملاق في
فرايبورج.55 كان للاثنين والدتان روسيتان مؤثِّرتان56 عملتا على توجيه تعليم ولدَيْهما الموهوبَيْن بحب، حتى إنهما أقامتا مسكنًا
لهما بالقرب من كليَّتيْهما. وعلى الرغم من أن الموسيقى قد مثَّلت إرث بورودين الأقوى،
فقد حقَّق بعضًا من الاكتشافات الأساسية في الكيمياء العضوية. فعلى طلاب السنة الثانية
في
الجامعة في عصرنا الحالي المُثقَلِين بالأعباء، الذين عليهم تذكُّر أن تكاثف الألدول
ربما
يتبعه جفافٌ، أن يلوموا بورودين على هذه الحقيقة الإضافية.57
شكل ٧-١٥: انظر الجزء السفلي من صفحة XVII في
كتاب مندليف عن الكيمياء العضوية الذي نُشر في سانت بطرسبرج في عام
١٨٦٣. سوف تُلاحِظ هذا الترتيب المبكر الذي توقَّع القانون الدوري الذي
نشره مندليف بعد ذلك بست سنوات (من كتاب مندليف «الكيمياء العضوية»،
١٨٦٣).
شكل ٧-١٦: النسخة الأولى من جدول مندليف الدوري الصادر في عام ١٨٦٩؛ لاحظ
علامات الاستفهام الموجودة في بعض المواضع، التي تتبع الألومنيوم
والسليكون على نحو ملحوظ. تمثَّل الجانب الجريء في جدول مندليف في وجود
هذه الفراغات؛ فقد توقَّع مندليف وجود «الإيكا-ألومنيوم» (الجاليوم)
و«الإيكا-سليكون» (الجرمانيوم)، وبالفعل اكتُشفا بعد ذلك بوقت قصير.
ويُعدُّ هذا واحدًا من أفضل الرسوم التوضيحية التي تُوضِّح قوة الأسلوب
العلمي في تاريخ البشرية (من مجلة «تسيتشريفت فور شيمي»، بإذنٍ من
مجموعة إدجار فاهس سميث).
حسم مؤتمر كارلسروه كثيرًا من الخلافات، ووضع الكتل الذرية والمكافئات على أساس راسخ
في المجتمع الكيميائي. ولم يكن ليطول انتظار محاولات تنظيم هذه البيانات؛ إذ طُرحت
الجداول الدورية الأولى من قِبل جون نيولاندز (١٨٦٥)، وويليام أودلينج (١٨٦٥)، ويوليوس
لوثر ماير (١٨٦٨)، من بين كثيرين آخَرين.58 إن «لحظات النصر المفاجئ» فعليًّا نادرةٌ للغاية في العلوم، والتطور
التدريجي للأفكار هو الأكثر شيوعًا. وكما أشرنا مسبقًا، تظهر محاولات تنظيم العناصر
واضحةً في رسالة مندليف للماجستير في عام ١٨٥٦. والشكل ٧-١٥ مأخوذ من كتابه59 الصادر في عام ١٨٦٣ عن الكيمياء العضوية. ومن المثير أننا نرى جدولًا
دوريًّا بدائيًّا هنا؛50 فقد تبلورت هذه الأفكار فعليًّا في
عقل مندليف في عام ١٨٦٨، ونُشر جدوله الدوري الأول (الشكل ٧-١٦) في
عام ١٨٦٩.60 فنحن معتادون على رؤية جدول دوري «أفقي»، لكن هذا الجدول كان «رأسيًّا».
رتَّب مندليف العناصر وفقًا لكتلتها الذرية النسبية، وأشار إلى دورية الخصائص. ومن ثَم،
فإن الفلزات القلوية، مثل السيزيوم (Cs)، والروبيديوم
(Rb)، والبوتاسيوم
(K)، والصوديوم
(Na) تحاكي الليثيوم
(Li) كمعادن تتفاعل بقوة، أو حتى بانفجارية، مع
الماء وتُكوِّن أملاحًا مع الكلور، وتشترك جميعًا في تركيبة
MCI. بالمثل، نرى اللافلزات، مثل الفلور
(F)، والكلور (Cl)،
والبروم (Br)، واليود
(I)، التي تكوِّن كلُّها أملاحَ الهاليدات، مثل
NaCl، مُدرجةً ضمن عائلة واحدة مع الفلزات القلوية.
وجدير بالذكر أن الفلور، المعروف بكونه عنصرًا فريدًا من نوعه لعدم إمكانية فصله عن
مركَّباته، قد عُزل لأول مرة بعد ذلك كعنصر على يد هنري مواسان في عام ١٨٨٦؛ أيْ بعد
٢٠
عامًا تقريبًا من ظهور جدول مندليف الأول. يظهر في الشكل ٧-١٧(a)
جدول مندليف الدوري الرأسي، الذي نُشر بالألمانية في عام ١٨٧٢،61 ومن الواضح أنه كان ما زال «يتلاعَب» بترتيبه، واحتوى هذا الجدول على ثمانية
أعمدة (دورات) و١٧ صفًّا، في مقابل ستة أعمدة و١٩ صفًّا في النسخة التي صدرت في عام
١٨٦٩ (الشكل ٧-١٦). ويُوضِّح الشكل ٧-١٧(b)
نسخة61 عام ١٨٧٢ من جدول مندليف الدوري الأفقي، الذي
نُشر لأول مرة في عام ١٨٧١.49
شكل ٧-١٧: نسختا عام ١٨٧١ (نُشِرتا فعليًّا في عام ١٨٧٢) لجدولَي مندليف
الدوريَّيْن في صورة عمودية (a) وأفقية
(b) (من دورية «أنالين دير شيمي
أوند فارماتسي»، ١٨٧٢).
تمثَّل الجانب المُميز والجريء فعليًّا لجدول مندليف الدوري في الفراغات المتروكة
عمدًا للعناصر التي لم تُكتَشف بعدُ. ويظهر بوضوح في الشكل ٧-١٦
العنصر الأثقل وزنًا في عائلة الألومنيوم («إيكا-ألومنيوم»، أو الجاليوم)، وفي عائلة
السليكون («إيكا-سليكون»، أو الجرمانيوم)؛ فقد تنبَّأ مندليف بوجود هذه العناصر
وبخصائصها أيضًا. وفي غضون ست سنوات فقط، اكتُشف أوَّلُ هذه العناصر، الجاليوم، على يد
بول إميل (المدعو فرانسوا) لكوك دو بوابودران، وبعد ١١ سنة أخرى، اكتُشف العنصر الآخر،
الجرمانيوم، على يد كلمينز ألكسندر وينكلر.49 إن النظريات
العلمية تنشأ من أجل تفسير الظواهر الطبيعية، ولا يُمكن اختبارها بحق إلا بالتوقُّعات
التي
تقدمها — وكلما زادت جرأتها، كان ذلك أفضل. ويأتي توقُّع مندليف بوجود وخواص عناصر
(كيميائية وفيزيائية) لم تكن معروفة (وغير متصوَّرة) حتى ذلك الوقت، ضمن أقوى الإنجازات
العلمية على الإطلاق.
(٦) الأكسجين الكهربائي
التجدُّد والانتعاش: تلك الرائحة «الكهربائية» الأخاذة لهواء ساحل البحر عقب عاصفة
رعدية؛ تلك الرائحة المثيرة للذكريات للعبة القطار الكهربائي التي تعيد إلى الذهن
ذكريات الطفولة الدافئة؛ وحتى رائحة مترو أنفاق نيويورك، وآثار غاز الأوزون الناتجة عن
الأقواس والشرارات الكهربائية؛ كلُّها أشياءُ قابعةٌ في ذاكرتنا؛ فقد شاع استخدام هذا
«الأكسجين الكهربائي» لأكثر من ١٠٠ سنة من أجل تنقية ماء الشرب وإزالة الروائح الكريهة.
وتُعلن الزجاجة الموجودة في الشكل ٧-١٨ التي يَبلُغ عمرها قرنًا من
الزمن أن «الأوزون حياة»، وربما كانت تحتوي على ماء معالج اختفت منه آثار الأوزون منذ
وقت طويل. ولماذا لا نستخدم هذا الاسم ذا الوقع الساحر من أجل الترويج لمُنتَج لا علاقة
له بأي حال من الأحوال بالأوزون — لنقل الصابون (كما في الشكل ٧-١٩)؟ صابون الأوزون — التجدُّد والانتعاش — أزهار؛ طفل يَنعم بالصحة والسعادة.
شكل ٧-١٨: «التجدُّد والانتعاش، رائحة البحر الأخاذة، ومطهر الماء.» هكذا رُوِّج
سريعًا للمعرفة المُتوافِرة عن الأوزون. نرى في هذا الشكل زجاجةً عمرها
قرن من الزمن لماء معالج بالأوزون كُتب عليها «الأوزون حياة» صُنعَت في
كندا. وقد ملأنا الزجاجة بالحليب واهبِ الحياة؛ تماشيًا مع هذه الفكرة
(وأيضًا من أجل تحسين التباين الفوتوغرافي). (الصورة بإذنٍ من السيدة
سوزان جيه جرينبرج.)
شكل ٧-١٩: بطاقات دعائية قديمة عن صابون بالأوزون. انظر الصور الملوَّنة. وفي حين
نشُكُّ بشدة في إمكانية العثور حتى على أقل آثار للأوزون في صابون
الأوزون هذا، فقد ظلَّ اسمًا تجاريًّا مُثيرًا للذكريات على نحو
رائع.
شكل ٧-٢٠: رسم توضيحي لمولِّد أوزون يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. صُمِّم
الجهاز لتعريض غاز الأكسجين المتدفِّق إلى «تفريغ صامت عالي الفولتية»
بفعل الكهرباء؛ لأن الشرارات تُحلِّل الأوزون (١ مول
O3)
ليعود إلى أكسجين (١٫٥ مول
O2). (من
كتاب روسكو وشورليمر «أطروحة عن الكيمياء»، ١٨٩٤.)
من اللافت للانتباه حقًّا أن معظم الحقائق المهمَّة عن الأوزون، منها صيغته
(O3)، أصبحت معروفة
بحلول عام ١٨٧٢؛ فالأوزون هو متآصِل للأكسجين. والمتآصِلات هي أشكال مختلفة للعنصر في
الحالة نفسها؛ فالألماس، والجرافيت، والفوليرينات (مثل التي تُشبه «كرة القدم»
C60) كلها متآصِلات
للكربون، مثلما يُعدُّ الفوسفور الأحمر والفوسفور الأبيض متآصِلَين. ومع ذلك، لا يُوجد
الأوزون عادةً إلا على مستوى جزء في المليون من الهواء (فيَحتوي متر واحد مكعَّب من الهواء
على مليجرام واحد من الأوزون). بالإضافة إلى ذلك، تزيد الطاقة الموجودة فيه كثيرًا عن
تلك الموجودة في الأكسجين، ونشاطه التفاعلي أكبر بكثير (عامل أكسدة أقوى)، ويتحلَّل
بسهولة بفعل الحرارة أو بعد امتصاص الضوء فوق البنفسجي.62 وعند تركيزه في شكل سائل، يكون قابلًا للانفجار. إذًا كيف نَما إلينا هذا
الكمُّ من المعلومات في مثل هذا الوقت المبكر؟
في عام ١٧٨٥؛ أيْ بعد عَقْد من اكتشاف الهواء المنزوع الفلوجستون (الأكسجين) على
يد
شيله ثم بريستلي، أشعل مارتن فان ماروم عينةً من هذا الغاز المحبوس داخل أنبوب فوق
زئبق.63،64 فلاحظ أن الزئبق المُلامِس لهذا الأكسجين المُكهرَب قد فقدَ لمعانه.65 في المقابل يتفاعل «الأكسجين الخالص» عادةً مع الزئبق في درجات حرارة تزيد
على ٣٠٠ درجة مئوية.66 ولاحظ أيضًا أن الغاز الموجود في الأنبوب له الرائحة الكبريتية المميزة
التي ترتبط عادةً بالكهرباء. ومع ذلك، فقدِ استغرقَ الأمر أكثر من ٥٠ عامًا حتى افترض
كريستيان فريدريك شونباين وجود مادة جديدة مميزة ووضع لها اسمًا (مشتق من كلمة «أوزون»
الإغريقية التي تعني «أنا أشم»)، و٢٠ عامًا أخرى لفهْم أنه لا يتكون إلا من عنصر واحد
فقط وهو الأكسجين.63،64 بل إنه في الجزء الأخير من القرن
التاسع عشر، كان مزيج الأكسجين والأوزون يُسيَّل66 ويتكثَّف
باستخدام التقطير التجزيئي من الأكسجين. وكان يجب ضغط العينات التي تحتوي على أوزون
مركز بحرص شديد؛ نظرًا لأن التسخين عند الضغط قد يُسبِّب
انفجارًا.63 والأوزون الخالص هو سائل متفجر ذو لون
أزرقَ داكنٍ، يغلي عند درجة حرارة −١١٢ مئوية.62
يُصوِّر الشكل ٧-٢٠ مولِّدَ أوزون يعود إلى أواخر القرن التاسع
عشر.63 الشكل BB يُصوِّر أنبوبًا من الحديد يُمرَّر خلاله الماء
البارد (أنبوب CC). أما الأسطوانة الزجاجية
AA، فقطرها
أكبر قليلًا من الأنبوب BB، وتَمتلئ المساحة الصغيرة الكائنة بين هاتين
الأسطوانتين بأكسجين يدخل عبر الأنبوب DD. يُغطَّى جزء من الأسطوانة الخارجية (الزجاجية)
برقائق القصدير GG. ويتَّصل الغطاء الخارجي القصديري والأنبوب الحديدي
الداخلي عند النقطتين E وF بملفِّ حثٍّ كهربائي. صُمِّم هذا الجهاز من أجل
إنتاج «تفريغ صامت عالي الفولتية»؛ نظرًا لأنه من المعروف أيضًا أن الشرارات تُحلِّل
الأوزون إلى أكسجين. وتمثَّل الاختبار المُبكِّر لخصائص الأوزون في اختبار قدرته على
تحويل ورقة الترشيح المغموسة في يوديد البوتاسيوم/المشربة بالنشا إلى اللون
الأزرق:63،64
(7-1)
جدير بالذكر أن هذا التفاعُل وغيره الكثير من التفاعلات الأخرى للأوزون قد أنتجت
الأكسجين كناتج ثانوي (جزيء واحد من الغاز ينتج جزيئًا واحدًا من الغاز؛ أي لا يحدث
تغير في الحجم). ومع ذلك، كان من المعروف أن مكونات زيت التربنتين «تمتص» الأوزون
بالكامل:64،67
(7-2)
لا يؤدِّي مولِّد الأوزون الموجود في الشكل ٧-٢٠ إلى تحوُّل كامل
إلى الأكسجين؛ نظرًا لأن التحلُّل إلى المادة الأولية أمرٌ مهم للغاية. وعادةً ما يتمُّ
الحصول على ١٠ في المائة من مزيج الأكسجين والأوزون.62 ومن
ثَم تصبح المشكلة متمثلةً في إنشاء صيغة هذه المادة ذات القدرة التفاعلية المرتفعة،
الموجودة بمقدار ١٠٪ فقط:
(7-3)
جاء حلُّ هذه المشكلة على يد جيه إل سوريه في عام ١٨٧٢ باستخدام
الجهاز الموضَّح بيانيًّا في الشكل ٧-٢١.63 يحتوي المحلول الموجود في الوعاء المتَّحد المركز
الموجود في الجانب الأيسر من جهاز سوريه على حمض كبريتيك مخفَّف أو كبريتات نحاس غُمس
فيه
سلك (لم يظهر في الشكل وعاء الغمس الذي يحتوي على سلك آخر مغموس في ماء مثلج؛ علمًا بأن
هذه الأسلاك موصلة بمصدر للكهرباء). يُدخَل الأكسجين في المساحة المتحدة المركز، التي
تحتوي أيضًا على أنبوب زجاجي رفيع مغلق مملوء بالتربنتين. يوجد اتصال محكم بين هذا
الأنبوب الزجاجي والعالم الخارجي بحيث يُمكنُ كسرها عند الرغبة. ووضع مانومتر يحتوي على
حمض كبريتيك مركَّز مع صبغة نيلية على التوالي مع الوعاء الموجود في الجانب
الأيسر.
وهكذا، إذا أُنتج ١٠٪ من خليط الأوزون، فإن امتصاص التربنتين الكامل له سوف يختزل
١٠٠
سنتيمتر مكعب من الغاز إلى ٩٠ سنتيمترًا مكعبًا. من ناحية أخرى، عند تسخين مزيج اﻟ ١٠٪
هذا من أجل تحليل الأوزون إلى أكسجين، فإن مقدار العشرة سنتيمترات المكعبة الموجودة من
الأوزون ينتج ١٥ سنتيمترًا مكعبًا من الأكسجين، بحيث يصبح إجمالي حجم الغاز ١٠٥
سنتيمترات مكعبة. بعبارة أخرى، إذا اكتمل التفاعلان
(7-2) و(7-3)،
(بمعنى أن صيغة الأوزون هي O3)،
فإن تضاؤل الحجم عند اكتمال التفاعل مع الأوزون يجب أن يكون ضعف تمدد الحجم الذي يحدث
عند التحلل الحراري للأوزون. وقد ثبتت إمكانية تكرار هذه التجربة، وأتاحت تحديد
التركيبة رغم قلة وفرتها نسبيًّا في المزيج.
شكل ٧-٢١: رسمٌ للجهاز الذي استخدمه جيه إل سوريه في عام ١٨٧٢ من أجل شرح صيغة
O3
للأوزون. انظر النص من أجل قراءة الشرح (من كتاب بارتينجتون «الكيمياء
اليومية»، ١٩٢٩، ماكميلان وشركاه المحدودة، لندن).
ونظرًا لأن مفهوم التكافؤ كان عمره أكثر من عَقْد من الزمن، وتحدد تكافؤ الأكسجين
بقيمة ٢، كانت الصيغة التركيبية الأكثر منطقية في عام ١٨٧٢ هي رقم ١ (تذكَّر عزيزي
القارئ أن قاعدة الثمانيات أو الأزواج غير الرابطة من الإلكترونات لم يكن لها وجود في
عام ١٨٧٢، كما لم يكن يوجد أي اهتمام بتوتر الحلقة آنذاك). وظل هذا التركيب مفضلًا على
الأقل طوال عشرينيات القرن العشرين.64 ومع ذلك، بدأت
الكيمياء البنيوية التجريبية للمواد الصلبة (عبر حيود الأشعة السينية) والغازات (عبر
حيود الإلكترونات) في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، ووُجد أن الأوزونَ جزيءٌ
منحَنٍ62 (وليس مثلثًا متساوي الأضلاع)، مع وجود زاوية
مقدارها ١١٧ درجة تقريبًا بين O—O—O، وأطوال الرابطة
O—O (١٫٢٨ أنجستروم) التي تتوسط الرابطة الأحادية
(١٫٤٩ أنجستروم) والرابطة الثنائية (١٫٢١ أنجستروم). وقد فسَّرتْ هذا التركيبَ بدقَّةٍ
نظريةُ
الرنين لبولينج في ثلاثينيات القرن العشرين باعتباره هجينًا من اثنين من تراكيب لويس
النقطية، 2A و2B
(التي تخضع لقاعدة الثمانيات):68
وكما يُعدُّ جزيء الأوزون هجينًا رنينيًّا من تركيبَيْن مساهمَيْن (رغم كونهما
متطابقَيْن) من تراكيب لويس، تُعدُّ خصائص الأوزون أيضًا هجينًا من آرائنا التقليدية
عن
«الجيد» و«السيئ». فلا يزال الأوزون في عصرنا الحالي عاملًا فعَّالًا لتنقية مياه
الشرب. ومع ذلك، فإن تركيزه في طبقات الجو الدنيا في الضباب والدخان الذي صنعه الإنسان
يُشكِّل خطرًا كبيرًا على الصحة، خاصةً على المصابين بالربو وكبار السن. من ناحية أخرى،
يمتصُّ الأوزونُ في طبقة الستراتوسفير الأشعةَ فوق البنفسجية الضارَّة، ويُقلِّل من خطر
الإصابة بسرطان الجلد. ولنا أن نقلق كثيرًا بشأن الانخفاض الحالي في أوزون الستراتوسفير
الناتج عن الكلوروفلوروكربونات المُستخدمة منذ وقت طويل في عبوات البخاخات. وهنا نَقتبِس
من أغنية من حقبة الروك آند رول: «أيها أوزون» هل أنت «شيطان أم ملاك؟»69
(٧) «الكيمياء مكثفة»
«كيميا كوارتاتا» (الشكل ٧-٢٢) هي المرادف اللاتيني لمصطلَح
«الكيمياء المكثفة».70 يَسمح الشكل المستطيل «الفريد» لهذا الكتاب، الذي قال عنه أحد النقاد إنه
«أقرب إلى دفتر الشيكات من أيِّ مُجلَّد عادي»،71 بكتابة جداولَ أفقيةٍ طويلةٍ تبدأ من الصفحة اليسرى وتنتهي على الصفحة
اليُمنى من الورقة المقابلة. إنه كتاب غير مألوف على نحو مُذهِل؛ سواء من حيث عنوانه
«الصارخ» الذي لم يُحقِّق الكثير من المبيعات، أو من حيث دفن أتباعه المُخلِصين مع نُسَخِهم
من
الكتاب حتى يَستطيعوا التعامل مع المُعضِلات الكيميائية في مثواهم الأخير. وإليك مقتطفًا
من المقدمة:71 «كان الهدف الأساسي للمؤلِّف ضغط كل ما يرتبط
بالدراسة ويستحق اهتمامًا في أقل مساحة مُمكنة، وعدم تقديم أي مادة تفسيرية أكثر مما
تَقتضيه الحاجة فعليًّا من أجل جعل كل موضوع مفهومًا بالكامل.» في الواقع، كان لي صديق
في المرحلة المتوسِّطة من التعليم استطاع «ضغط» هذا الكتاب بأكمله المكوَّن من ١١١ صفحة
في صفحة واحدة صغيرة قُبيل امتحان الكيمياء النهائي (انظر «عالِم طبيعي»، المقال الأول
في خاتمة هذا الكتاب). لكنِّي أستطرد. في رأي مؤلِّف الكتاب كولماير، يَشمل الجمهور المستهدف:72
(١)
الطلاب العازمين على التقدُّم لاختبارات (الذين قال عنهم أحد نقَّاد الكتاب
في عام ١٨٧٦: «الذين يُفترض، كقاعدة، أن نُقدِّم لهم هذه النصيحة العامة:
لا تفعلوا!»).71
(٢)
الأفراد الذين تعلَّموا أسلوب التدوين «القديم» ويَرغبون في التعرف على
«النظام الحديث».
(٣)
الراغبين في مواكَبة كل جديد في هذا الموضوع؛ ومن ثَم يُمكنهم بسهولة إنعاش
ذاكرتهم دون أن يكون هذا على حساب ارتباطاتهم الأخرى.
شكل ٧-٢٢: أحد الجداول من الكتاب النادر الصادر في عام ١٨٧٥ «الكيمياء
المكثَّفة». لا يا فرجينيا، ليس من الممكن الاستذكار قبل امتحان الكيمياء
النهائي بوقت قصير، أو «إنعاش ذاكرة (القراء) دون أن يكون هذا على حساب
ارتباطاتهم الأخرى».
إنَّ وقْعَ هذا الوعدِ الأخيرِ يُشبه واحدًا من إعلانات آخر الليل، تلك التي تَعِد
بفقدان الوزن مع تناول أي شيء ترغب فيه في أثناء مشاهدتك التليفزيون: «كلما زاد التغيير،
ظلَّت الأشياء على حالها.»
من المثير فحص المُدخل الخاص بالفلور (الشكل ٧-٢٢)، قبل ١١ عامًا
فقط من عزله في عام ١٨٨٦ على يد هنري مواسان. فكانت ثمَّة تلميحات مثيرة تشير إلى وجود
عنصر جديد طوال قرن مضى عندما أعلن كارل فلهلم شيله، في عام ١٧٧١، نتائجَ إضافة
الفلورسبار (فلوريد الكالسيوم) إلى زيت الزاج (حمض
الكبريتيك) متبوعًا بالتقطير. كانت النتيجة الملحوظة تآكُلَ معوجة التقطير الزجاجية
(بفعل تكوُّن حمض الهيدروفلوريك)، وما يتبع ذلك من
تكون غاز (SiF4) تنتج عنه
السيليكا الهلامية عند اتصاله بالماء.73 ومع ذلك، استغرق الأمر ١١٥ سنة أخرى حتى حرَّر مواسان الفلورَ أخيرًا،
باستخدام الكيمياء الكهربائية، مِن أيِّ شريك كيميائي آخر.74
(٨) الإنسان الأعسر يستمتع ﺑ «شعور النشوة»، لكن ليس بمذاق جِعَته
ظلَّت رؤيةُ لويس باستير العبقريةُ، عن كون عدم التناظُر المرآتي (أو «اليدوية»)
للبلورات ينشأ من التركيب الجزيئي الأساسي، غيرَ مُستغلَّة طوال ربع قرن.75 ولكن عقب الافتراضات المستقلَّة تمامًا لجوزيف أكيل لي بيل، وياكوبس
هنريكوس فانت هوف في عام ١٨٧٤ عن الكربون الرباعي الأوجه،75
انتقل الباحثون في الكيمياء على الفور إلى البُعد الثالث. فاكتشف باستير لأول مرة في
عام
١٨٤٨ أن بعض المواد البلورية كانت «عديمة التناظر المرآتي» أو «يدوية» (مثل اليد اليسرى
واليد اليمنى من حيث كون بعض البلورات صورًا مرآتية لا يُمكِن أن تتراكَب)؛ فعندما أذاب
البلورات «اليمينية» و«اليسارية» لطرطرات البوتاسيوم أمونيوم، المشتقَّة من صناعة النبيذ،
في أوعية منفصلة من الماء، كانت المحاليل الشفافة الناتجة نشطةً بصريًّا بالتساوي لكن
على نحو عكسي. واستنتج باستير أن هذه «اليدوية» أو انعدام التطابق كانت موجودة في
الجزيئات التي تتكوَّن منها البلورة، لكنها تحرَّرت في المحلول. وقد نشأت هذه الفكرة
المجرَّدة قبل نشأة مفهوم التكافؤ بعشر سنوات أو نحو ذلك؛ ومِن ثَم لا يُمكن أن يكون
باستير
يعلم أي شيء عن القواعد التي تَحكم طريقة ارتباط الذرات.
شكل ٧-٢٣: قصاصات لنماذج جزيئية ورقية أو من الورق المقوَّى من أول طبعة
ألمانية لكتاب فانت هوف «ترتيب الذرات في الفراغ»، ١٨٧٧ (يُمكن العثور
على الصور الملوَّنة للنماذج المركَّبة في كتاب هايلبرونر ودونيتز
«تأملات في التطابق»، ١٩٩٣).
شهدت السنوات الخمس والعشرون التالية واحدةً من أسرع الثورات وأكبرها التي تحدث
طوال
الوقت في مجال العلم؛ فقد شرح مفهوم التكافؤ صيغًا وأيزومرات؛ وتُوصِّل إلى أن السلوك
الكيميائي يتحكَّم فيه عادةً التركيبُ الجزيئيُّ، وأخيرًا تُوسِّع في النظرية الكيميائية
لتَشمل البعدَ الثالث. والشكل ٧-٢٣ مأخوذ من أول طبعة ألمانية (١٨٧٧)76 لعمل فانت هوف عن الكيمياء الفراغية، ويُظهر بعض القصاصات لنماذج «اطوِها
بنفسك» الجزيئية المصنوعة من الورق المُقوَّى — وهي نوع من «الأوريجامي الجزيئي» يتوافَق
تمامًا مع الطموحات الفنية للكتاب الذي تقرؤه الآن. وتُمثِّل الصورتان العلويتان في الشكل
٧-٢٣ (الصورتان ٣٩ و٤٠) قصاصاتٍ لاثنين من رباعيات الأوجه
تلوَّنت فيهما الزوايا بألوان مختلفة (الأحمر، والأزرق، والأبيض، والأصفر)، يُمثِّل كلُّ
لون
منها نوعًا مختلفًا من الذرات أو مجموعات الذرات التي تَرتبِط بذرة كربون مركزية
(Cwrsb). أما الصورتان ٤١ و٤٢، فتوضِّحان
قصاصتَين لشكلَين رباعيَّي الأوجه تلوَّنت فيهما الأوجه الأربعة المُثلَّثة، وليس الزوايا،
بأربعة ألوان مختلفة. ركِّبْ هذَين الزوجين من الأشكال معًا وسوف تكتشف أنهما يشكلان
زوجين من الأشكال المرآتية الثلاثية الأبعاد لا يُمكن مطابقتُهما؛ ومن ثَم فهي أشكال
لا
تناظرية أو «يدوية». (يُمكن العثور على الصور الملوَّنة لنماذج فانت هوف الأصلية من الورق
المقوَّى في الكتاب الجذاب الذي شارك في تأليفه كلٌّ من إدجار هايلبرونر وجاك دي دونيتز.)77 من الواضح أن زوجي الأشكال المعروضَين على نحو ثنائي الأبعاد في أعلى الشكل
٧-٢٣ هما، في الواقع، صور مرآتية لا يُمكن تركيبها معًا بأيِّ
حركة أو تدوير في بُعدَين. في رواية «الأرض المسطحة»،78 كانت هذه الأشكال لتُصبِح صورًا مرآتية لا يُمكن تركيبها معًا (تمامًا مثل
الرسوم الاستِشفافية الثنائية الأبعاد على ورقة ليديكَ اليُسرى واليُمنى). ولو كانت المناطق
الملوَّنة هي نفسها على كلا الجانبين من هذه الأشكال الأربعة الثنائية الأبعاد، لاستَطعنا
— نحن البشرَ الذين نشغَل حيزًا ثلاثي الأبعاد — قصَّ إحداها وتدويرها ١٨٠ درجة وتركيبها
في الشكل المناسِب. بالمثل، لو كانت كلتا يديك مُتطابقة من أعلى وأسفل (١٠ مفاصل أصابع
في
كل يد — وهي «ميزة» تسمح بتسديد لكمات بالجزء الأمامي والخلفي من اليد)، لأمكن تركيب
الصور المرآتية الثنائية الأبعاد في ثلاثة أبعاد. يُشير المبدأ ذاته إلى أننا — نحن
الأفراد الذين نَعتمد على القدرات المكانية في تقدير الأشياء — لا يُمكننا مطابقةُ شكلين
رباعيي الأوجه ثلاثيي الأبعاد لهما تناظُر معكوس، أو في هذا الإطار، يدينا اليُمنى
واليُسرى. ومع ذلك، من الواضح أن الفرد الذي يعيش في فضاء رباعي الأبعاد قد يَحظى بالكثير
من المرح معنا؛ فقد يكون من المُمتع تخيُّل حلاق يستخدم يده اليُمنى يضع مِقصَّه جانبًا
لبرهة، وبعد دخوله في البعد الرباعي، يعود إليه في لمح البصر مِقصًّا لشخص أعسر. على
الأرجح لن يسعد الحلاق أو الزبون بالنتائج.
الشكل ٧-٢٤ من سلسلة من أربعة مقالات نُشرَت في عام ١٩٠١ بغرض
تعريف العاملين في مجالي الفنون والتصنيع بالتطورات الهائلة التي حدثت في مجال الكيمياء
الفراغية.79 كان المؤلِّف، ويليام جاكسون بوب، أستاذًا للكيمياء في كامبريدج، وأسهم
إسهامًا ملحوظًا في مجال الكيمياء الفراغية.80 تُوضِّح الصور الثلاث في الشكل ٧-٢٤(a) التركيبَ الثلاثي الأبعاد الرباعي الأوجه
للميثان،79 والتركيبات الرباعية الأوجه للمُصاوَغات
المرآتية (صور مرآتية لا يمكن مطابقتها) لحمض اللبنيك (تظهر ذرة الكربون المركزية في
مركز الشكل الرباعي الأوجه).79 ترتبط ذرة الكربون المركزية
في حمض اللبنيك بأربعة بدائل مُختلفة (ذرات أو مجموعات من الذرات). ويُعتبر هذا المركز
الكربوني غير المُتماثِل شرطًا كافيًا، رغم كونه غير ضروري، لانعدام التناظُر. وأي شكل
حلزوني (على سبيل المثال، الزنبرك أو البرغي) يكون «يدويًّا» أيضًا.
شكل ٧-٢٤: (a) صور للميثان الرباعي الأوجه
بالإضافة إلى الصور المرآتية غير المُتطابقة (المصاوغات المرآتية) لحمض
اللبنيك (من «جورنال أوف ذا سوسايتي أوف ذا آرتس»، بوب، ١٩٠١)؛
(b) بلورات المصاوغات المرآتية
للكوارتز، التي تنشأ من تكوينه الحلزوني الخفي (من كتاب «الكيمياء
العامة» للينوس بولينج، حقوق الطبع ١٩٤٧ للينوس بولينج. مُستخدَم بإذنٍ
من دبليو إتش فريمان وشركاه).
لعب حمض اللبنيك دورًا محوريًّا في تطور الكيمياء
الفراغية؛75 فقد عُزل لأول مرَّة على يد شيله مِن اللبن
المُتخمِّر في عام ١٧٧٠. كذلك عزل بيرسيليوس حمض اللبنيك من العضلات في عام ١٨٠٧. وعقب
ظهور قياس الاستقطاب في أوائل القرن التاسع عشر، اتَّضح أن حمض اللبنيك الذي عزله شيله
غير نشط بصريًّا، في حين كان حمض اللبنيك الذي عزله بيرسيليوس، الذي كان مُطابقًا لحمض
شيله في كل الجوانب الأخرى، نشطًا بصريًّا. وقد فسَّر كل من فانت هوف ولي بيل هذه
الظواهرَ بافتراض أن حمض بيرسيليوس كان يحتوي على مَصاوغ مرآتي واحد فقط، بينما كان حمض
شيله مزيجًا راسيميًّا — أيْ يحتوي على كلا المصاوغَين المرآتيين بكميات متساوية
تمامًا.
كان باستير أوَّل مَن لاحظ عدم التناظُر المرآتي لطرطرات البوتاسيوم أمونيوم البلورية
— وهي مادَّة عضوية — التي فصَلَها بجهد كبير بيديه إلى بلورات «يسارية» و«يمينية». كذلك
يُظهِر كثير من المعادن الموجودة في الطبيعة «يدوية» عيانيةُ تُرى بالعين المجرَّدة،
وأشار
باستير إلى هذا كما يَنبغي. ويُعبِّر التكوينان الموضَّحان في الشكل (٧-٢٤) عن رسومات لبلورات «يسارية» و«يمينية» للكوارتز.81 اكتشف باستير أيضًا أنه بينما تبدو الخصائص الفيزيائية والكيميائية
للمُصاوغات المرآتية مُتطابِقةً بكل الطرق فعليًّا، فإن الخمائر والعفن والبكتريا يُمكن
أن
تميز بينها؛ ومن ثَم حَقنَ حمض الطرطريك الراسيمي بفطر «البنسيليوم الأزرق»، ووجَد أن
هذا الفطر «حلل» المزيج عن طريق تأييض أحد المصوغات المرآتية بينما ترك
الآخر.79 ومن ثَم أدرك باستير أنَّ كيمياء الحياة لا
تناظُرية، وإن كان لم يَفهمها إلا بأكثر طريقة مجرَّدة. يحتوي حمض الطرطريك على ذرَّتَي
كربون مُترابطتين غير متناظرتَين. نظريًّا، قد يسمح مثل هذا التركيب بوجود ٢ × ٢ أو أربعة
من المصاوَغات الفراغية. وتُوضِّح الصور من ٤٣ إلى ٤٦ في الشكل ٧-٢٣
نماذجًا جزيئية يُمكِن تجميعها لتمثل المصاوغات الفراغية الأربعة لجزيء صيغته العامة
هي
srwC-Cwbs. ومع ذلك، لا توجد إلا ثلاثة مصاوَغات
فراغية مُمكنة (الصور من ٤٧ إلى ٤٩) لصيغة srwC-Cwrs. ركِّب هذه الأشكال وحاول تجربتها. تتوافَق طرطرات باستير مع
اثنين من هذه التركيبات المحتمَلة، حاولْ معرفة أيها.
أشار بوب في عام ١٩٠١79 إلى أنَّ النشاط البصري الملاحظ
لبلورات الكوارتز سمح لعلماء أواخر القرن التاسع عشر باستنتاج أن تركيبه الجزيئي
الأساسي حلزوني؛ فقد أدركوا في ذلك الوقت أن وصلات الربط الموجودة في الكوارتز لم تشتمل
على أي مراكز لا تناظُرية، ومع ذلك كانت بلورته لا تناظُرية. لقد كانت الطبيعة البلورية
للكوارتز تَقتضي تركيبًا منتظمًا ودوريًّا. والحلزون هو التركيب المُنتظِم اللاتناظري
الوحيد الذي يُمكن أن تنطبق عليه هذه الشروط. وبينما نعرف حاليًّا أن الكوارتز يتكون
بالفعل من تركيبات حلزونية طويلة،82 ونُدرك بوضوح منطِق علماء الكيمياء الذين تعرفوا على تركيبه الجزيئي، لا نزال
تنتابنا الرهبةُ من هذه التوقُّعات الاستشرافية المُذهِلة التي سبقت تصوير البلورات بالأشعة
السينية بعقود. ويظلُّ أصل النشاط البصري على سطح الأرض لغزًا حتى يومِنا هذا. يقول أحد
الآراء إن بلورات مثل الكوارتز أو الكالسيت (كربونات الكالسيوم) كوَّنت نماذجًا لا
تناظرية، كوَّنت، بمحض المصادَفة، فائضًا من جزيئات «يدوية» من نوع واحد فقط على الكوكب.83
يُخبر بوب قُراءه بأنه بحلول نهاية القرن التاسع عشر، أصبح معروفًا أن السكريات
والأحماض الأمينية التي تتكوَّن منها أجسامُنا، على وجه التحديد، جزيئاتٌ «يمينية»
و«يسارية» على التوالي. ثم يَمزح قليلًا بتخيُّل الظهور المفاجئ ﻟ «إنسان أعسر» استنادًا
إلى السكريات «اليسارية» والأحماض الأمينية «اليمينية».79
ويَختتِم بوب سلسلة مقالاته على نحو كئيب نوعًا ما:
إذا ظهر إنسان تربطُه بنا صلةٌ على مستوى المصاوَغة الفراغية — ذلك الإنسان
الأعسر الذي تحدثنا عنه — على كوكبنا، فإنَّ الاحتمالات كافة تقول إنه سوف يموت
جوعًا على الفور؛ لعدم قدرته على هضم المواد الغذائية التي يُمكننا وضعُها
أمامه.
وحتى نكون أقلَّ كآبة بشأن هذا الأمر، لنتخيل أوَّل يوم للإنسان الأعسر على الكوكب
يبدأ
على نحو جيد بما فيه الكفاية. «يستيقظ على الجانب الخطأ من السرير» في سعادة، ويَحصُل
على
كوب منعش من الماء، ويأخُذ حمامًا منعشًا،84 ويلاحظ، بينما يصنع قهوته، رائحةً غريبةً ويختبر أوَّل كوب له؛ داكنة
كالمعتاد، لكن مذاقها بشع؛84 فيضع ملعقةً صغيرةً من السكر
تليها ملعقة أخرى، وأخرى، ثم اثنتان أخريان،84 دون أي
تحسُّن في مذاق القهوة. أما شريحة الخبز المحمَّصة التي لديه، فلها مذاق البطاطس المهروسة
بطعم الشكولاتة.84 يتملَّكه الغضب، فيسكب كوبًا من الجِعَة
الباردة ويَشربها دفعة واحدة. طعمها بالغ البشاعة.84 ثم يشرب
فودكا قويةً، ليبدأ الإحساس بالطعم المألوف ويبدأ هذا يُهدِّئ
أعصابَه.83 ومع نهاية الصباح، يبدأ الصداعُ التسلُّلَ
إليه، لكن تناول قرصَين من الأسبرين مع كوب من الماء سرعان ما يُخفِّف
الألم.84 يعود إلى السرير ليأخذ قيلولة قصيرة، ثم
يستيقظ فجأة، ويتفاجأ بأنه قد «استيقظ على الجانب الصحيح من السرير»، ليُدرك على الفور
أن باقي اليوم سوف يكون كارثيًّا.
(٩) ماذا يمكن للمرأة أن تكتب عنه أيضًا؟
شكل ٧-٢٥: صفحة العنوان لكتاب إلين هنريتا سوالو ريتشاردز (إلين ريتشاردز)
الصادر في عام ١٨٨٢ «كيمياء الطهي والتنظيف». كانت السيدة ريتشاردز ضمن
أول دفعة تتخرَّج في فاسار، وافتتحت مختبر الكيمياء للنساء في معهد
ماساتشوستس للتكنولوجيا، وأسَّست فرع الكيمياء الصحية، وشاركت في تأسيس
الجمعية الأمريكية للجامعيات، وكانت ناشطة بيئية سابقة لعصرها بعدة
عقود. ولم تكن لتسعد بالدعاية الخادعة لمياه «الأوزون حياة» المعبأة
(الشكل ٧-١٨) أو صابون الأوزون (الشكل ٧-١٩).
لا تَنخدِع بعنوان كتاب إلين هنريتا سوالو ريتشاردز الطريف، «كيمياء الطهي والتنظيف»
(الشكل ٧-٢٥)،85 الذي نُشر في عام ١٨٨٢؛ فقد كانت ريتشاردز أوَّل طالبة في معهد ماساتشوستس
للتكنولوجيا (وحصلت على بكالوريوس العلوم، عام ١٨٧٣)، وأصبحت معلِّمة في المعهد،
وأسَّست مختبره النسائي. وربطت الكيمياء البحتة والتطبيقية بالعلوم الاجتماعية، وأسَّست
مجال الاقتصاد المنزلي العِلمي. وشاركت في عام ١٨٨٢ في تأسيس ما أصبح في النهاية
الجمعية الأمريكية للجامعيات.86،87،88،89،90
وُلدت إلين سوالو، السابقة لعصرها، لوالدَين مُعلمَين في ريف ماساتشوستس في عام
١٨٤٢
(وتُوفيت عام ١٩١١)، وحصلت على تعليم ريفي، وعملت بالتدريس محليًّا، وادَّخرت من المال
ما
يكفي لتلتحِق بمدرسة تجريبية للتعليم العالي النسائي في مدينة بكبسي، بنيويورك. كان
الحافز وراء اهتمامها بالكيمياء التحليلية هي الأستاذة إيه سي فارار. وعن ذلك تقول
سوالو بعد أول تدريب مَعملي لها: «تُشجعنا الأستاذة فارار على الاجتهاد فيها؛ إذ إن مهنة
عالِم الكيمياء التحليلية مهنةٌ مربحةٌ للغاية، وتُمثِّل عملًا رائعًا ودقيقًا للغاية،
ومناسِبًا لأيدي المرأة.»89 كانت ضمن أوَّل دفعة تتخرَّج في
كلية فاسار في عام ١٨٧٠، وكُرِّمت بلوحة تذكارية في قاعة
بلودجيت.89 وتعهَّدت الخريجات الجدد ﺑ «الطاعة دون حَنَق
للسلطة، والإذعان، والاجتهاد، وحسن السلوك».89 وفي عام ١٨٧١
التحقت بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتفوَّقت في دراساتها، والتقَت بالأستاذ روبرت
هالويل ريتشاردز، الذي تزوَّجته في عام ١٨٧٥ بعدما أصبحت عضوًا في هيئة التدريس بالكلية.
يُصوِّر كتاب للأطفال أيام دراستها في معهد ماساتشوستس بمشهد طريف تَحصُل فيه على قبول
زملائها من الذكور في الصف عن طريق خبز البسكويت لهم.90
حصلَت ريتشاردز من عملها المبكِّر في الكيمياء التحليلية للمعادن والماء على تقدير واسع
النطاق، إلا أنَّ عملها في إدخال الكيمياء الصحية إلى المنازل أكسَبَها في النهاية شهرة
عالَمية.
إنَّ كتاب «كيمياء الطهي والتنظيف» هو كتاب رفيع واقتصادي وفعال للغاية في أسلوب
عرضه
المباشر لجمهوره من النساء. وإليك ما قالته السيدة ريتشاردز عن غشِّ المصنِّعين الذين
تكشف زيف ادعاءاتهم بشأن «المكوِّنات السرية»:
تحظى الكيمياء والمصطلحات الكيميائية بهيبة كبيرة لا تزال عالقة في الأفق،
وهو أمر مُتوارَث من عصر الخيمياء؛ فبإمكان كل عالم كيمياء تذكُّر حالات كثيرة
طلب فيها منه المُصنِّعون وصفات لصنع بديل لشيء معروف، وتوقَّعوا الحصولَ على أكثر
النتائج عبثية من مجرَّد مزج مادتَين معًا. فجمهور الناس يعتقد أن للمواد
الكيميائية قوة هائلة، ويستغلُّ المُصنِّعون عديمو الضمير هذه السذاجة أكبر
استغلال.
حسنًا، حتى صابون أيفوري كان «نقيًّا بنسبة تسعة وتسعين وأربعة وأربعين من مائة في
المائة» فقط. وماذا كانت لتقول عن صابون الأوزون (انظر مقالًا سابقًا في [الجزء السابع:
التخصص والتنظيم، القسم السادس: الأكسجين الكهربائي])؟
يُصاحب الحديثَ عن التركيب الكيميائي للأطعمة تحليلٌ لمُحتواها من الطاقة، والعادات
الغذائية للثقافات المختلفة. فتُشير الكاتبة على نحو وافٍ إلى أن الأرز، وهو نوع من
الكربوهيدرات، أقلُّ في محتواه من الطاقة بكثير من محتواه من الدهون، مع تفسير كون
الأولى المكوِّن الغذائي الأساسي في الثقافات الاستوائية والأخيرة مكوِّنًا مهمًّا في
الأجواء القطبية. بل يُمكن لامرأة فَطِنة، تُلاحظ أن أطفالها (أو زوجها) ربما يتعرَّضون
لتراكم كثير من «الرواسب» من نظامهم الغذائي، أن «تعاير» هذه الرواسب كيميائيًّا
باستخدام الأكسجين من أجل حرق الفائض في صورة
CO2
وH2O عبر ممارسة نشاط
خارجي:
هكذا أصبح الطهي فنًّا يستحق اهتمام السيدات الذكيات والمثقَّفات. تقوم قوانين
النشاط الكيميائي على قانون النِّسب الثابتة، وأي شيء يُضاف أكثر مما يَنبغي يُخلُّ
بهذا القانون. فيجب على كل ربة منزلٍ دراسةُ حالة أسرتها، وإغراؤهم بأطباق
لذيذة إذا كان هذا ما يَحتاجون إليه. فإذا تراكم الرماد على الحاجز الحديدي
للمَوقِد، سوف تطلب من أحد الخدم نفضَ الرماد عنه حتى يُمكن للنار أن تشتعل.
وإذا رأت أن رماد الأطعمة التي استُهلكت مسبقًا يعوق الطاقات الحيوية لطفلها،
فعليها أن تخرجه في الهواء الطلق؛ حيث الأكسجين والتمارين، حتى تجعله سعيدًا،
لكن عليها ألا تُعطيَه مزيدًا من الطعام.
استَشهدَ بيل هاتشينسون، العالِم بجامعة ييل، بخطاب الدعوة إلى اجتماع معهد ماساتشوستس
للتكنولوجيا الذي كتبتْه إلين سوالو ريتشاردز في عام ١٩١٠؛ أيْ بعد أكثر من ٦٠ عامًا،
بوصفه دعوةً واضحةً للحفاظ على البيئة
واحترامها:89،91
تَعتمِد جودة الحياة على قدرة المجتمع على تعليم أعضائه كيفيةَ العيش في تناغم
مع بيئتهم — التي تُعرَّف أولًا بالأسرة، ثم بالمجتمع، ثم بالعالم وموارده.
كانت إلين سوالو ريتشاردز من أوائل الرواد في تعليم النساء الكيمياءَ. ويُظهِر الشكلُ
٧-٢٦ صورةً فوتوغرافيةً، من مؤسسة فرانك لويد رايت، التُقطت بين عامي ١٩٠٠ و١٩١٠.92 كانت هؤلاء السيدات الشابات من مدرسة هيلسايد المنزلية، الواقعة بقرية
سبرينج جرين، بولاية ويسكونسن. كانت عمَّتا هذا المهندس المعماري الشهير داعمتين
للمدرسة، وبعد إغلاقها، أصبحت في النهاية جزءًا من ضيعة فرانك لويد رايت. وقد التُقطَت
هذه الصورة على الأرجح على نحو روتيني في المدرسة، وأصبحت في النهاية جزءًا من مقتنيات
الضيعة. وكان من الرواد الأوائل الآخرين د. إدجار فاهس سميث، أستاذ الكيمياء في جامعة
بنسلفانيا. أنهت عشر سيدات رسائل الدكتوراه تحت إشراف د. سميث في الفترة بين عامي ١٨٩٤
و١٩٠٨، وأصبح عدد منهنَّ أعضاءً في هيئة التدريس بالكلية.93 وتُشكِّل مجموعة سميث من الكتب الكيميائية والأعمال الفنية حاليًّا أساسَ
مجموعة كتب تاريخ الكيمياء في جامعة بنسلفانيا. وكان كتابه العظيم «الكيمياء القديمة»94 عملًا يتَّسم بالحماس وسَعَةِ الاطلاع، وكان مصدر إلهامٍ لهذا الكتاب. يَشتمِل
الكتاب على مناقشة رائعة عن جين مارسيت و«محاوراتها في الكيمياء».
شكل ٧-٢٦: صورة فوتوغرافية لفصل كيمياء للسيدات في مدرسة هيلسايد المنزلية في
سبرينج جرين، بولاية ويسكونسن، قرب مطلع القرن العشرين (بإذنٍ من أرشيف
فرانك لويد رايت، سكوتسديل، أريزونا).
(١٠) البحث عن علامات للنيون
اكتُشف غاز الأرجون النبيل في عام ١٨٩٤، ويُقدِّم لنا تفاصيله الكيميائية رايلي ورامزي
في مقالهما الحائز جائزةَ هودجكين في عام ١٨٩٦،95 ولُخصت بإيجاز في مواضعَ أخرى.96 وكما يحدث دومًا في الكيمياء، أدَّى تفاوت ضئيل، لكنه حقيقي، إلى سلسلة من
الاكتشافات الخطيرة. بإيجاز، تواصُل الفيزيائي لويد رايلي (جون ويليام ستروت) مع
الكيميائي ويليام رامزي بشأن الملاحظة الغريبة بأن كثافة «النيتروجين الجوي» (١٫٢٥٧٢
جرام في اللتر) كانت أعلى بنحو ٠٫٦٪ من كثافة «النيتروجين الكيميائي» (١٫٢٥٠٥ جرام في
اللتر). كان يُمكن تصنيع «النيتروجين الكيميائي»، على سبيل المثال، من خلال تسخين كلوريد
الأمونيوم البلوري النقي حتى يُطلِق الأمونيا، ثم إجراء تفاعل بين هذا الغاز والأكسجين
على نحاس شديد السخونة. وفي دراستهما عن «النيتروجين الجوي»، أزال رامزي كيميائيًّا
الماءَ، وثاني أكسيد الكربون، والغازات النزرة الأخرى؛ ومن ثَم الأكسجين (عبْر تعريضه
إلى نحاس ملتهب). وأُزيلت كامل مكملات النيتروجين عبر التفاعل مع ماغنسيوم مُلتهِب من
أجل
صنع مسحوق النتريد. وكان ما تبقَّى نسبة أقل من ١٪ من بقايا غاز غير تفاعُلي أطلقوا عليه
اسم «أرجون» (بمعنى «كسول»). وأشارا باحترام شديد إلى أن هنري كافنديش قد حصل على هذه
البقايا نفسها بنسبة ١٪ منذ أكثر من قرن مضى عن طريق إشعال النيتروجين الجوي بالكامل
بواسطة الأكسجين. واشتمل إجمالي اكتشافاتهما على توصلهما إلى أن الأرجونَ أحاديُّ
الذرةِ، رغم الصعوبات المفاهيمية المترتبة على وزنه الذري البالغ ٤٠، وأنه غير تفاعلي
تمامًا، مثل الهليوم المُكتشف حديثًا، وربما حدَّد، مع الهليوم، عائلةً جديدة بالكامل
في الجدول الدوري.97
من المهم التأكيد على أن كثافة الأرجون كانت لتشرح بدقة لو أنه كان ثنائي الذرة
(Ar2)، مثل كل الغازات
العنصرية الأخرى المعروفة آنذاك. فكان الوزن الذري ٢٠ سيجد مكانًا مُناسِبًا له بين وزن
الفلور (١٩) والصوديوم (٢٣). غير أن الوزن ٤٠ يبدو أن مكانه المناسب بعد البوتاسيوم
(٣٩) وأنه مساوٍ للكالسيوم. ورغم ظهور «مشكلة» مشابهة بين الأوزان الذرية لليود
والتيلوريوم، كان ثمَّة شعورٌ بأن هذا الانحراف الفردي سيُصحَّح يومًا ما. وفي عام ١٨٩٦،
لم يكن يوجد أي مفهوم عن النويات أو النظائر، والأهم من ذلك، حقيقة أن العدد الذري —
المعيار الذي يحدِّد فعليًّا ترتيب العناصر (وليس الوزن الذري) — لن يُكتشف إلا بعد
عَقْدين من الزمن. وعليه كانت حقيقةُ أن الأرجونَ غير قابل للاستخدام بمنزلةِ تهديد
حقيقي بكسر القانون الدوري.
نُقلت اكتشافات الأرجون وغيره من الغازات النادرة على مستوى شخصي للغاية على يد موريس
دبليو ترافرز، الذي كان قبل ثلاثة عقود طالبًا جامعيًّا شابًّا لدى رامزي في جامعة بريستول.98 وأرى جانبًا ساخرًا لُوحظ مبكرًا في كتاب ترافرز. فها هو يَستشهد بحديث فانت
هوف، أوَّل فائز بجائزة نوبل في الكيمياء، من تقرير هولندي معاصر كالتالي:99
كيف حدث إذًا هذا الاكتشاف؟ ظل لورد رايلي! المسكين رايلي! عامًا بعد عام يزن
النيتروجين؛ النيتروجين من اليوريا، والنيتروجين من نترات الأمونيوم،
والنيتروجين من الهواء، ووجد أن الأخير أثقلُ وزنًا: ١٫٢٥٧٢ مقابل ١٫٢٥٠٥ جرام
في كل لتر مِن النيتروجين؛ ومن ثَمَّ كان النيتروجين الموجود في الهواء مختلفًا
إلى حدٍّ ما؛ إذ كان يحتوي على شيء مُختلِف عن النيتروجين الكيميائي، وانطلاقًا
من هذا الافتراض الأخير أزال رامزي جميع المواد المُمكنة من الهواء، ولم يتبقَّ
إلا فقاعةُ غاز كافنديش الصغيرة الشهيرة العديمة اللون، الخالية من أي طعم أو
رائحة.
وجد ترافرز أن هذا المقال يدور «في إطار ساخر لاذع بأكمله، ويستخفُّ
بعمل كلٍّ مِن اللورد رايلي ورامزي.»99 وفي الواقع، يُشير
ترافرز إلى أن رايلي لم «يَمتهن» وزن النيتروجين، وأن دراسته للكثافات النسبية للغازات
كانت جزءًا من دراسة واسعة للأوزان الذرية النسبية للعناصر حملت، كما يُمكنني القول الآن
بعد أكثر من قرن، تداعياتٍ مستقبليةً خفيةً، ولكن عميقة، فيما يتعلَّق بفهْم التركيبات
النووية للذرات.100 لكن أليس هذا فانت هوف نفسه الذي افترض، وهو مدرِّس في السادسة والعشرين من
عمره في كلية الطب البيطري في أوترخت منذ نحو ٢٢ عامًا، وجودَ الكربون الرباعي الأوجه
والكيمياء في الفضاء الثلاثي الأبعاد؟ أليس هذا فانت هوف ذاته الذي اشتُهر بتعرُّضه إلى
«النقد اللاذع» من جانب عميد الكيمياء العضوية الألماني الذي شارف على الستين، الأستاذ
الدكتور أدولف فيلهلم هيرمان كولبه؟101،102 حسنًا، لعلَّها نقاط ضعف البشر الموهوبين. يصف ترافرز بسعادةٍ معلِّمَه
السابقَ رامزي معلِّمًا لطيفًا وأبويًّا، مهتمًّا بطلابه ومعتدلًا ومنصفًا في
المناقشة.
لاحظ نورمان لوكير سلسلةً جديدةً من الخطوط الطيفية في أثناء كسوف الشمس في عام ١٨٦٨.
وتعرَّف على عنصر جديد وأطلق عليه اسم «هيليوم» (من كلمة «هيليوس» الإغريقية بمعنى
شمس). وفي عام ١٨٨٨، عُزل معدِن غير تفاعُلي مستخرج من معدن الكليفيت، الذي يَحتوي على
اليورانيوم، على يد د. دبليو إف هيلدبراند بوكالة المسح الجيولوجي الأمريكية، الذي
وصَفَه خطأً بأنه نيتروجين. وفي عام ١٨٩٥؛ أيْ بعد عام من اكتشاف الأرجون، فحصَ رامزي،
باقتراح من السيد هنري مايرز بالمتحَف البريطاني، الكليفيت بالإضافة إلى بعض المعادن
الأخرى التي تحتوي على اليورانيوم، وجمع المكوِّنات الغازية كما شرحنا مسبقًا، واكتشف
غازًا خاملًا أحادي الذرة كتلتُه ٤ كمُكوِّن رئيسي.103 واكتشف ويليام كروكس، الذي حصل على أوَّل طيف للأرجون بالتعاون مع كل من
رايلي ورامزي، أن طَيف هذا الغاز الضوئي الجديد كان مطابقًا لِطَيْفِ هيليوم
لوكير.103 وكما أشرنا من قبل، افترض رامزي أن الهليوم
والأرجون يُشكِّلان عائلةً دوريةً جديدةً. ومن الضروري هنا ملاحظة أن عمل رامزي على
الهليوم جرى قبل عامٍ من اكتشاف هنري بيكريل لظاهرة النشاط الإشعاعي باستخدام ملح
اليورانيوم؛ وقبل ثلاث سنوات من صياغة الزوجَين كوري لمُصطلَح «النشاط الإشعاعي» وعزلِهما
للبولونيوم والراديوم؛ وقبل نحو ثماني سنوات من بدء الإدراك العام بأن جسيمات ألفا هي
هليوم ينقصُه إلكترونان.104 ومن ثَم كان بالإمكان العثورُ على الهليوم بوضوح في معادنَ غريبةٍ معينةٍ
تحتوي على اليورانيوم والثوريوم. ولم يَرتبِط قَط بالنشاط الإشعاعي؛ إذ لم يكن
معروفًا.
والآن ظهر تحدٍّ قويٌّ أمام رامزي؛ فقد كان أحدَ أعضاء العائلة الجديدة من الغازات
النبيلة في الصف الأول من الجدول الدوري (الهليوم)، وعضوًا آخر في الصف الثالث
(الأرجون). وكان المفقود هو الغاز النبيل الذي يقع في الصف الثاني الذي قُدِّر وزنه
الذري ﺑ ٢٠، وكذلك الغازات الخاملة المحتمَلة الأثقل وزنًا، لكن الهدف الأساسي تمثل في
ملء الفجوة المندليفية. وباءت محاولات العثور على غازات نبيلة جديدة في الغلاف الجوي
مبدئيًّا بالفشل. وخضعَت معادن غامضة وغريبة مثل الكليفيت النرويجي، والنيازك، والغازات
من باطن الأرض التي تخرج في شكل فقاعات في الينابيع الحارة في أيسلندا وغيرها، للفحص
دون جدوى.103،105
والآن، نحتاج، بإيجاز شديد، إلى معرفة طريقة تسييل الغازات (أو حتى تجميدها) عند
درجات حرارة شديدة الانخفاض (شديدة البرودة). ثمة إشاراتٌ إلى وجود مُستوَيات مُنخفِضة
جدًّا من غاز نبيل آخَر على الأقل في الأرجون حثَّتْ رامزي وزملاءه على تحرِّي إمكانية
تسييل الهواء (أو أجزاء مختارة) وإتباعه بتقطير تجزيئي. مرةً أخرى، تجدُر بنا الإشارة
إلى أن درجات الحرارة التي تقترب من الصفر المطلَق (درجة حرارة صفر كلفن أو −٢٧٣٫١٦ درجة
مئوية أو نحو −٤٦٠ فهرنهايت) قد تُوصِّل إليها قبل نهاية القرن التاسع عشر. ويُعرف
المبدأ المهم هنا باسم تأثير جول-تومسون،106 الذي اكتُشف في منتصَف القرن التاسع عشر؛ ففي حال تمدُّد غازٍ ما من وعاء
إلى فراغ، فإنَّ الغاز المُتبقِّي (والمواد الأخرى في الوعاء) سوف تبرد. فإذا تعرَّض
غازٌ
إلى الضغط أولًا، فسوف ترتفع درجة حرارة الغاز، لكن يُمكن لغلاف تبريد إزالة هذه
الحرارة، تاركًا غازًا مَضغوطًا باردًا، يُمكن تبريده أكثر عند تعريضه لضغط منخفض. في
الواقع، كثَّف مايكل فاراداي مصادفةً غازَ الكلور إلى سائلٍ أخضرَ بغيضٍ عن طريق حقْنه
باستخدام مِحقَنة في أنبوب مغلَق.107 ويُمكن ضغطُ ثاني أكسيد الكربون وتحويلُه إلى سائل تحت ضغط يزيد على ٥٫١١
جو، لكن لا توجد درجة برودة بإمكانها تكثيفه إلى سائل تحت تأثير الضغط الجوي. اكتشف إيه
ثيلوريه في عام ١٨٣٥ أنه عند ضغط ثاني أكسيد الكربون المسال سرعان ما يتعرَّض إلى الضغط
الجوي، ويُكوِّن التمدُّد إثر التبريد (الذي «يسرق» أيضًا حرارة التبخير من المادة
المتبقية والبيئة المحيطة) ثاني أكسيد الكربون الصلب أو الثلج
الجاف.107 وهكذا أمكن تكثيفُ عينات الغاز في «حوض
ديناميكي حراري» من الثلج الجاف في ثنائي إيثيل الإيثر درجة حرارته ثابتة عند −٧٨ درجة
مئوية. ولم يمرَّ وقتٌ طويل قبل تسييل الأكسجين (درجة غليانه −١٨٣ درجة مئوية) والنيتروجين
(درجة غليانه −١٩٦ درجة مئوية) والهواء الجوي وحتى تجميده. كذلك استطاع الأكسجين السائل
عند درجة الغليان تكثيف الهليوم وحتى الهيدروجين تحت ضغط. وكان أساتذة هذه التكنولوجيا
عالِمَيْن بولنديَّيْن، هما أولشفسكي وفروبلفسكي.108،109 اخترع جيمس ديوار، الذي يعمل في إنجلترا، الأوعيةَ الخوائية التي تحمل اسمه
حاليًّا، ورغم إبقائه هذا الجهاز سرًّا لعدة سنوات؛ فقد اكتشفَ أمره في عام ١٨٩٢ على
نطاق واسع.109 وأصبح الطريق الآن واضحًا أمام دبليو
هامبسون، الذي اخترع عمليةً لتسييل الهواء بالتعاون مع السيد كيه إس موراي، المدير
الإداري لشركة أكسجين البريطانية،108 من أجل إمداد رامزي
بهواء سائل يَكفي لتوفير عدة لترات (!) من الأرجون الغازي.
في نهاية مايو عام ١٨٩٨، أحضر هامبسون عينةً مقدارها ٧٥٠ سنتيمترًا مكعبًا من الهواء
السائل، وبناءً على اقتراح رامزي، تركها ترافرز تغلي على مدار أسبوع تقريبًا حتى لم
يبقَ منها إلا ٢٥ سنتيمترًا مكعبًا من الغاز (أيْ حوالي ٠٫٠٢٥ سنتيمتر مكعَّب من السائل
الأصلي). ويصف ترافرز تفاعُلَه مع صديق وزميل شاب كان يُداعبه بلطف قائلًا:110 ««سيكون هذا الغاز الجديد هذه المرَّة، يا ترافرز.» فردَّدتُ عليه: «بالطبع
سيكون كذلك.» وصعدتُ إلى الطابق العلوي إلى غرفة رامزي. كنتُ قد بدأت أفكر أن اكتشاف
الغاز الجديد سيُوافِق غُرة الشهر عند الإغريق،111 لكن رامزي كان لا يزال لديه ثقة في القانون الدوري، وربما كانت لديَّ أنا
ثقةٌ أكبر في رامزي. ومع ذلك، كان علينا تحمُّل قدْرٍ كبيرٍ من المزاح اللطيف داخل
القِسم وخارجه.»
لكن في وقت لاحق من ذلك اليوم، عقب تنظيف البقايا المعتادة للغاز المُتبقي، وُضعت
كمية
صغيرة في أنبوب بلاكر، وشُغِّلت الكهرباء، وشُوهد الضوء باستخدام مطيافات الرؤية
المباشرة. عجبًا! لقد ظهر شريط أصفرُ جديدٌ بوضوح — عنصر جديد — في جزءٍ «أقل تطايرًا»
مشتق من الأرجون. لم يكن هذا الغاز، بالطبع، من نوعية الغازات ذات الوزن الذري ٢٠
المفقود، بل كان غازًا أحاديَّ الذرَّةِ يَقترب وزنه من ٨٠. أُطلق على هذا العنصر الجديد
اسم كريبتون (من كلمة «كريبتوس» الإغريقية بمعنى «الخفي»). وانقطَعَت فترة الجفاف التي
توقَّفْنا فيها عن العمل؛ فتعرَّضَت عينة أخرى كبيرة من الهواء السائل للتقطير التجزيئي
والمعالجة الكيميائية حتى تُعطي نواتج تقطير عالية ومنخفضة في درجة غليانها تحتوي على
الأرجون. قُسم ناتجُ التقطيرِ المُنخفِضُ درجةِ الغليانِ بعناية وأنتج غازًا لم يتطلب
دِقَّة النظارات الطيفية من أجل الكشف عن سرِّه، لكن دعونا نترك ترافرز يُخبِرْنا بشأن
هذا:112
التقطَ كلٌّ منا أحدَ مطيافات الرؤية المباشِرة الصغيرة الموجودة على المقعد.
لكن هذه المرة لم نكن بحاجة لاستخدام الموشور من أجل تحديد ما إذا كنا نتعامل
مع غازٍ جديدٍ أم لا؛ فقد أخبرنا وهَجُ الضوء القرمزي الصادر من الأنبوب بقصته،
وكان منظرًا يُسهِب فيه المرء ولا يُمكِن نسيانه أبدًا.
الكريبتون المقدَّس، باتمان! لافتة نيون لعنصر النيون!113 اشتُقَّت كلمة نيون من كلمة «نيوس» الإغريقية (بمعنى «جديد»). وفي غضون فترة
قصيرة للغاية اكتُشفَ الزينون (المُشتَق من كلمة «زينوس» الإغريقية بمعنى «غريب») أيضًا
[وبعد خمس سنوات وبالتعاون بين رامزي وفريدريك سودي — اكتُشفَ الرادون (الذي سُمي في
البداية «نيتون»)، وهو ناتج ثانوي لتحلُّل الراديوم)].114 باختصار، أصبحت النسبة المئوية لحجم الغازات النبيلة في الغلاف الجوي
معروفةً الآن: الأرجون ٠٫٩٣٪، والنيون ٠٫٠٠١٨٪، والكريبتون ٠٫٠٠١١٪، والهليوم ٠٫٠٠٠٥٢٪،
والزينون ٠٫٠٠٠٠٠٨٧٪.115 ولا عجب إذًا أن النيون، والكريبتون، والزينون كانت تحتاج إلى كميات كبيرة
للغاية من الهواء السائل لرصد وجودها. غير أنه من المُذهل أن نشير أيضًا إلى أن كل متر
مكعب من الهواء يحتوي على ١٠ جرامات تقريبًا من الأرجون؛ أي إن كل شخص بالغ يَستنشق نحو
٢٠٠ جرام من الأرجون في اليوم. ومع ذلك لم نكن نعلم بوجود الأرجون حتى عام ١٨٩٤.
حصل رامزي على جائزة نوبل في الكيمياء لعام ١٩٠٤، وحصل رايلي على جائزة نوبل في
الفيزياء للعام نفسه. ونرى في الشكل ٧-٢٧ رسمًا كاريكاتوريًّا يعود
إلى أوائل القرن العشرين يُصوِّر رامزي في صورة أبوية وهو يقف بسعادة مع عائلته
الدورية.
شكل ٧-٢٧: رسمٌ كاريكاتوري يعود إلى مطلع القرن العشرين في مجلة «فانيتي فير»
لويليام رامزي، وهو يُشير بفخر أبوي إلى عائلته الكيميائية — الغازات
النادرة. انظر الصور الملونة.
(١١) «تذمُّرٌ» أم «نَزَقٌ»؟
(١١-١) هل أصبح مندليف وبريستلي عالِمَيْن مُتذمرَيْن مع تقدمهما في العمر؟
أعطى اكتشاف الغازات النبيلة في الفترة بين عامَي ١٨٩٤ و١٨٩٨ الفرصةَ لديميتري
مندليف لتطبيق قانونه الدوري من أجل التوصُّل إلى تفسير كيميائي كامل للأثير
العالَمي، وهو الوسط الكلي النفاذ الذي لا يُمكن وزنُه، ويُحيط بجميع المواد وتتشبَّع
به.116 ورغم أن تجربة مورلي ومايكلسون في عام ١٨٨٧ دحضت وجودَ الأثير، ظلَّ
كثير من العلماء المُهمِّين، ومن بينهم عددٌ من علماء الفيزياء البارزين، يُقرُّون
بوجوده في مطلع القرن العشرين. تمثَّلَ جزءٌ من المشكلة في أن النتيجة التجريبية —
التي مفادُها أن سرعة الضوء مُتساويةٌ في جميع الاتجاهات — لم يكن مُمكنًا تفسيرها
بالنظرية الحالية، رغم أن تلك النتيجة التجريبية قد أُقرَّت. ومن هذا المُنطلَق، يُمكِن
اعتبارها «حالة شاذة».117،118 وستقدم نظرية النسبية لأينشتاين في النهاية التفسيرَ. وسَّع مندليف
نطاق قانونه الدوري حتى يَفترض وجود غاز خامل لم يُكتشَف بعدُ كتلته الذرية (قياسًا
على الهيدروجين الذي تُساوي كتلته ١) مرتبة من ٠٫٠٠٠٠٠٠٩٦ إلى ٠٫٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٥٥، من
شأنه أن يُشكِّل جوهرَ الأثير.116 ومع ذلك، حتى يتأتى له
افتراض هذا العنصر الأثيري، كان بحاجة أيضًا إلى افتراض وجود غاز خامل إضافي كتلته
الذرية ٠٫٤. لم يكن يوجد دليل دامغ على وجود هذا العنصر، من شأنه أن يُمثِّل استقراءً
خارجيًّا بدلًا من الاستقراءات الداخلية التي نجَحَت ببراعة في توقُّع العناصر
الجديدة في سبعينيات القرن التاسع عشر وثمانينياته. وربما من غير المنصف أن نقول
هذا، «من السهل دومًا تقييمُ الأمور بعد حدوثها»، لكننا ربما نرى أن مندليف أصبح
عالِمًا «متذمرًا» بعض الشيء مع تقدُّمه في العمر.
ثمة أمثلةٌ سابقة أخرى لعلماء كبار أصرُّوا ﺑ «تذمُّر» على الاحتفاظ بنظريات بعد
انتهاء عُمرها الافتراضي. وأحد الأمثلة البارزة على هذا د. جوزيف بريستلي،119 الذي كانت اكتشافاته لغازات جديدة، من بينها الأكسجين، مهمةً للغاية في
تطوُّر الكيمياء. كان بريستلي مؤيدًا قديمًا لنظرية الفلوجستون، ونُشرت آخر
إصداراته الكيميائية «إثبات مفهوم الفلوجستون ودحض تركيب الماء» عام ١٨٠٠ (الشكل
٧-٢٨)،119 ونُشرت الطبعة
الثانية منه عام ١٨٠٣، قبل عام من وفاته وبعد عَقْدَين من تفنيد اكتشاف التركيب
الحقيقي للماء نظرية الفلوجستون. (ويُطلق بارتينجتون على عالِم الكيمياء السويدي
البارز أندرس رتزيوس، الذي تُوفي عام ١٨٢١، «آخرَ نصيرٍ للفلوجستون على الأرجح».)120 لا يكون مثل هذا التحفُّظ بالضرورة أمرًا غير صحي في العِلم؛ فهو يَحمي
النظريات العلمية من التحوُّل السريع مع التيارات السائدة، ويتطلَّب إثباتًا أقوى، بل
وتغييرًا في الأجيال قبل التسليم على نطاق واسع بما يُطلِق عليه فيلسوفُ العلم
توماس كون «نقلةً نوعيةً».121
شكل ٧-٢٨: احتفظ جوزيف بريستلي «متذمِّرًا» بإيمانه بنظرية الفلوجستون طَوال
الفترة الأخيرة من حياته. هذه نسخة من دفاعه الحماسي التي وقَّعها
وقدَّمها لأحد معارفه (بتصريحٍ من المكتبة الكيميائية التاريخية
لروي جي نيفيل).
(١١-٢) رفضُ النظريةِ الذرية ونبذُ الانجراف القاري
في ضوء هذا، تجدر الإشارة إلى أن نظرية دالتون الذرية، التي نُخبِر طلابنا بسعادة
أنها ظهرت وأُقرَّت في مطلع القرن التاسع عشر، تعرَّضَت لمُعارَضة بعض علماء الكيمياء
البارزين (وكثير من علماء الفيزياء) حتى العَقْد الأول من القرن العشرين، عندما شرح
أينشتاين، وجون بيرين فيما بعدُ، الأساسَ الجزيئيَّ للحركة البراونية. ألَّف توماس
ستيري هانت،122 أستاذ الجيولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وعضو الأكاديمية
الوطنية للعلوم (١٨٧٣)، ورئيس الجمعية الأمريكية لتقدُّم العلوم (١٨٧١)، ورئيس
الجمعية الكيميائية الأمريكية لمرتين (١٨٧٩، ١٨٨٨)، كتابًا في عام١٨٨٧ يرفض
تمامًا النظريةَ الذريةَ. وظلَّ على اعتقادِه هذا حتى وفاته بعد ذلك بخمس سنوات.
كذلك عارض عالِم الكيمياء الألماني الكبير فريدريش فيلهلم أوستفالد (١٨٥٣–١٩٣٢)
بشدةٍ النظريةَ الذريةَ طَوال العقود الأربعة الأولى من حياته المهنية العِلمية. ومع
ذلك، في عام ١٩٠٩، وهي السنة التي حصل فيها على جائزة نوبل في الكيمياء، اعترف
أوستفالد في النهاية بأن عمل بيرين بالإضافة إلى جيه تومسون «يؤيد أكثرَ العلماء
تحفُّظًا في حديثه الحالي عن الدليل التجريبي للطبيعة الذرية للمادة.»123
لا يكون الحد الفاصل بين «التذمُّر العلمي» و«النزق العلمي» واضحًا للغاية أحيانًا.
فمجرَّد تخيُّل شخصٍ يعارض بعنادٍ الآراءَ السائدةَ للمؤسسة العلمية و«يعوي وحده في
الصحراء» ليس سببًا كافيًا لتصنيف شخص «جاحد» بهذه الآراء بأنه «نَزِقٌ». على
سبيل المثال، أشار عددٌ لا حصر له من الأفراد، بما في ذلك الأطفال، الذين رأَوا
خرائطَ للعالم دون شك إلى التكامُل الواضح في الشكل بين قارتَي أمريكا الجنوبية
وأفريقيا. ظلَّت ملحوظةً غريبةً، لكنها لا توحي بالكثير، نظرًا لعدم وجود آلية لتفسير
هذه «الرؤية الشاذة» حتى مؤخَّرًا. ومع ذلك، في عام ١٩١٢ أشار الجيوفيزيائي الألماني
ألفريد فيجنر (١٨٨٠–١٩٣٠) إلى وجود أوجه تشابه في الحفريات التي عُثر عليها في
القارتَيْن، وأضاف هذا إلى البيانات الجيوفيزيائية، ووضعَ نظرية «الانجراف
القاري».117 عُزل فيجنر واعتُبرَت آراؤه «جدليةً
للغاية»، وهو وصف يَنطبِق أحيانًا على عمل «النَّزِقين»، حتى برأت ساحته نظرية
الصفائح التكتونية التي ظهرت في أواخر ستينيات القرن
العشرين.117
(١١-٣) نَزِقٌ «انتقد» أنصارَ الفلوجستون وأعداءَ الفلوجستون بحماس شديد
أعتقد أنَّ الشخص «النَّزِق» يلتزم بأيديولوجية، وهذه الأيديولوجية هي التي تميز
هذا «النَّزِق» أكثر من أي تحفُّظ أو تطرُّف علمي فطري (إلا إذا كان التحفظ أو التطرف
في حدِّ ذاته هو الأيديولوجية). يُصنِّف بارتينجتون124 بوضوح روبرت هارينجتون،125 وهو جرَّاح إنجليزي، بأنه «نَزِق». ورغم كونه مؤمنًا بنظرية
الفلوجستون، بدَت «أيديولوجية» هارينجتون قائمة على عمل علمي كان فيه على صواب،
والآخَرون كلهم مُخطئون. كان يؤمن كذلك ﺑ «تكافؤ الفرص»، وفي كُتيب نُشر عام ١٧٨٦
«انتقد» بسعادةٍ أنصارَ الفلوجستون من المدرسة الإنجليزية (بريستلي وكافنديش
وريتشارد كيروان) والمناهضين للفلوجستون من المدرسة الفرنسية (لافوازييه) انتقادًا
لاذعًا:125
خطاب … إلى د. بريستلي، والسادة كافنديش ولافوازييه وكيروان … من أجل
إثبات أن … آراءهم التي تُفيد بأن الماء يتكوَّن من هواء قابل للاشتعال ومنزوع
الفلوجستون، وأنَّ الأحماض مركَّبة من أنواع مختلفة من الغازات تُعدُّ آراءً
مُضلِّلةً، لندن، ١٧٨٦.
وعلى المرء التفكير في عناوين اثنين من أعماله
اللاحقة:125
«أمرُ إعدامٍ للنظرية الفرنسية في الكيمياء» … مع «نظرية تفسر … بالكامل
كل الظواهر. «وأيضًا فحص» … كامل … للجلفانية، وانتقادات للآراء الكيميائية
للسادة ويجليت وكروكشانكس وديفي وليزلي والكونت رمفورد ود. تومسون؛ وكذلك
ملاحَظات على نظرية د. دالتون الأخيرة وملاحظات أخرى»، ١٨٠٤.
أو ربما كتاب «كيف تُكوِّن صداقات وتُؤثِّر في الكيميائيين»، وأخيرًا ما كتبه
هارينجتون، بتواضُع شديد عن نظريته:125
«شرحٌ وتوسيعٌ للنظام الهارينجتوني في الكيمياء، بشرح جميع الظواهِر دون
انحرافة واحدة»، لندن، ١٨١٩.
لنَستعرِض بإيجاز «حديث» هارينجتون مع زملائه من أنصار الفلوجستون. في كتابه الصادِر
عام ١٧٨٥ عن الأنواع المُختلِفة من الهواء، يُشير إلى أنه يبدو من الملائم «استنتاج أن
الفلوجستون هو النار والضوء، أو سائل مَرِن خفي، تَعتمِد ظواهر الحرارة والضوء مباشرةً
على ما يحدث فيه من تعديلات.»126 لكنه لاحظ عندها أن الهواء النقي ضروري من أجل الحصول على الفلوجستون
من الجسم القابل للاحتراق حتى يُصبح الهواء «فاسدًا» بسبب النار ويَفقِد قدرتَه على دعم
الاشتعال أكثر من هذا. يرى هارينجتون ثمَّة مُشكلة تتعلَّق ﺑ «التوقيت» هنا. فإذا كان
يجب على الهواء النقي جذب الفلوجستون أولًا ثم يتبعه النار والضوء، فكيف يُمكن
للفلوجستون أن يكون هو النار والضوء؟ في حقيقة الأمر، هو يسخر من أنصار الفلوجستون
الآخرين عن طريق الإشارة إلى المدى المنطقي لفقدان الفلوجستون مَتبوعًا بالحرارة
والضوء: «فإذا كان الجسم مُشبعًا بالماء فإنه لن يَحترق. ولكن لمَّا كان الهواء يجذب
الماء من الجسم المُحترق فإنه سيَحترق، وبما يتناسَب مع سرعة أو بطء اجتذابه
للرطوبة.»126 ومن ثَمَّ، بدلًا من تشبُّهه بالنار،
يبدو الفلوجستون، بغباء شديد، شبيهًا بالماء.
ثمَّة مشكلةٌ أخرى لأنصار الفلوجستون الأقل حذقًا من د. هارينجتون. من المعروف أن
الهواء القابل للاشتعال (فعليًّا
H2) والهواء النيتروزي (فعليًّا NO) يحتويان على كميات مُتساوية من
الفلوجستون. دعونا نتتبَّع هذا المنطق الصحيح لأنصار الفلوجستون للحظة باستخدام
معادلات كيميائية معاصرة. إنَّ حمض الكبريتيك المائي «سيذيب» المعادن؛ لأن أيونات
الهيدروجين في الأحماض
(H+) تُختزل بسهولة
بفعل كل المعادن فيما عدا المعادن الأقل نشاطًا:
ومع ذلك، في حالة حمض النيتريك المخفَّف، ستختزل المعادنُ الأقلُّ نشاطًا، مثل
النحاس والحديد، مجموعةَ النترات بدلًا من أيون الهيدروجين من أجل إنتاج أكسيد
النيتريك (الهواء النيتروزي):
في كلتا الحالتين، تظلُّ كلسات النحاس باقية؛ ومن ثَمَّ، من «الواضح» أن الفلوجستون
قد خرج في «الهواء القابل للاشتعال» في الحالة الأولى، وفي «الهواء النيتروزي» في
الحالة الثانية. والآن، عند مقارنة «الهواء القابل للاشتعال» و«الهواء النيتروزي»،
يكون من «الواضح»، باستخدام عِلم قياس الغازات بالإيديومتر، أن كلًّا منهما يحتوي
على الكمية نفسها من الفلوجستون، ما دام كلاهما يتفاعل مع الكمية نفسها من «الهواء
المنزوع الفلوجستون» (الأكسجين):
الهواء القابل للاشتعال:
الهواء النيتروزي:
يطرح هارينجتون سؤالًا عن سبب توليد النار والضوء مع «الهواء
القابل للاشتعال»، ولكن ليس مع «الهواء النيتروزي»، حتى وإن كان الاثنان ينتجان
الكميةَ ذاتها من الفلوجستون.
وثمة تناقضٌ آخَر؛ فنحن «نعرف» أن الهواء الذي يَخرُج مع الزفير يكون إلى حدٍّ ما
«فاسدًا» نظرًا لامتصاصِه الفلوجستون، ولعدم كونه صالحًا للتنفُّس مثل الهواء النقي
الذي استُنشق قبل لحظات. «من الواضح» أنَّ الفلوجستون يُحبَس في الرئتين؛ فالثعبان
يأكل حيواناتٍ غنيةً بالفلوجستون (بمعنى أنها تحتوي على
الدهون).126 ولكن جسم الثعبان بارد؛ ومن ثَمَّ لا
بد أن تكون لديه رئتان ضخمتان حتى يستطيع الطرد السريع للكميات الهائلة من الفلوجستون
التي استخرجها من اللحم. ولكن في الواقع أن رئتي الثعبان صغيرتان؛ فلماذا لا يحترق
من الحرارة المحتبَسة؟ على العكس من ذلك، تأكل الحيوانات الآكلة للعشب، مثل
الأبقار، غذاءً قليل الفلوجستون (خالٍ من الدهون)، وتكون دافئة، وتتمتَّع برئتين
كبيرتين من أجل طرد الفلوجستون سريعًا.126 فلماذا لا
تموت الأبقار جوعًا؟ صراحة، لا توجد لدى هارينجتون نفسه أي إجابات جيدة عن هذا، لكن
هذه ليست مهمَّته.
(١١-٤) آراءُ كيميائيٍّ ليبراليٍّ: مؤسسة سميثسونيان الماكرة ومؤامرات أخرى
قرب نهاية القرن التاسع عشر شرع جوستاف ديتليف هنريتشز، الحاصل على دكتوراه في
الطب والقانون، وأستاذ الكيمياء في كلية سانت لويس للصيدلة، في مباشرة حملة مُستميتة
من أجل إنقاذ الصناعة الكيميائية في أمريكا ومؤسَّستها التعليمية من الأوزان الذرية
غير الصحيحة المفروضة على هذه الأمة الغافلة من حكومتها الماكرة.127 كان مصدر كل الشرور هو فرانك ويجليزورث كلارك، رئيس الكيميائيِّين في
هيئة المساحة الجيولوجية، الذي:
اعتمدت حساباته المعادة رسميًّا من جانب أمين مؤسسة سيمثسونيان ونُشرت
رسميًّا على نفقة خزانة المؤسسة؛ وأخيرًا، أُرسلَت ممهورة بدمغة الإعفاء
البريدي الرسمية بوصفِها مادة مسجلة. ويعوض القصور في الخدمة البريدية —
الناتج جزئيًّا عن مثل هذه الإجراءات— باعتمادات الكونجرس.
كما أنَّ كلارك نفسه الذي وضع هذه الحسابات يُرسَل عادةً بموجب سلطة
الحكومة الوطنية وعلى النفقة العامة، مبعوثًا إلى مؤتمرات الكيميائيين،
وأصبح مسئولًا عن المعارض الوطنية في الداخل والخارج. وقد مكَّنته هذه
الحيثية الرسمية التي تُعدُّ أعلى حيثية ممكنة من ممارسة نفوذ سيادي رسمي في
الجمعية الكيميائية الأمريكية.128
يبدو الأمر مزعجًا بعض الشيء — «النظام العالمي الجديد للأوزان الذرية». إذًا ما
سر «الجلبة الكبيرة» الدائرة هنا؟ يبدو أن الأستاذ هنريتشز تبنَّى فرضية براوت129،130،131 بوصفه أصوليًّا صارمًا.
في عام ١٨١٥ و١٨١٦ نشر ويليام براوت (١٧٨٥–١٨٥٠)129
بحثَيْن أكد فيهما أن كثافة الغازات هي ببساطة مضاعفات في صورة أعداد صحيحة
للهيدروجين.129–131 كان هذا بعد عَقْد فقط من
افتراض دالتون للأوزان الذرية لأول مرة، وكانت ثمة شكوكٌ كبيرة في التجارب والصيغ
القائمة. ومع ذلك، كان المفهوم جذَّابًا بما أنه يَنطوي على إمكانية وجود «مادة
أولية» في أبسط الصور تتألَّف منها جميع الذرَّات الأخرى. وافترض براوت وجود هذا
«البروطيل» الذي ربما تتألَّف منه الذرَّات الأخرى. لقد كان يتَّسم ببساطة أقرب إلى
البساطة الدينية. في عام ١٨١٩ نشر بيرسيليوس سلسلة كاملة من الكتل النسبية للعناصر
والمركَّبات، اشتملت على كثير من الأوزان الذرية ذات الكسور (قياسًا على
H = ١)، لا تتَّفق مع فرضية براوت. ورغم ذلك،
كانت ثمة شكوكٌ كبيرةٌ في الصيغ والأوزان الذرية. وفي عام ١٨٢٥، نشر توماس تومبسون
جدوله للأوزان الذرية؛ وكانت كلها، بما فيها الكلور (٣٦)، على سبيل المثال، مضاعفات
صحيحة لوزن الهيدروجين (١). وقد قال بيرسيليوس عن أوزان تومبسون
الذرية:129
يبدو أن قدْرًا كبيرًا من الجزء التجريبي، حتى في التجارب الأساسية، قد
جرى على المكتب، وأرقى مظاهر الكِياسة التي يُمكن لمعاصريه إظهارها لصانع
هذه التجارب نسيانُ أنها نُشرَت في وقتٍ من الأوقات.
سرعان ما ندم بيرسيليوس على اتهامه هذا، ويُشير بارتينجتون إلى أن تومبسون كان
صادقًا تمامًا.129 وشملَت محاولات إنقاذ فرضية براوت
اقتراحات مفادها أن الهيدروجين ربما يحتوي بالضبط على اثنين أو ربما أربعة من «البروطيلات».132 واشتملت محاولات أخرى على اقتراحات بأنه من الناحية الإحصائية، بينما
قد يكون الوزن الذري لمُعظَم ذرَّات الكلور، مثلًا ٣٦، فإن بعضها ربما يكون ٣٥ و٣٧،
وعدد أقل من الذرات لها أوزان تبلغ ٣٤ و٣٨، وهكذا. ويُشير بارتينجتون حتى إلى
الأفكار التي تُذكِّرنا ﺑ «الذرَّات البالية» لنيوتن.133
غير أن آخر مسمار في نعش فرضية براوت جاء في عام ١٨٦٥ تقريبًا من الدراسات
التحليلية الدقيقة التي أجراها جون سيرفيه ستاس. يُوضِّح الشكْل (٧-٢٩) جهازًا رائعًا للتحليل الكامل ليودات
الفضَّة (AgIO3).134 وكيف يُمكن للمرء مجادلة جهاز «يشبه آلة روب جولدبيرج» كهذا؟ يُوفِّر مقياس
الغاز (A)
الموجود على اليسار تيارًا مُتواصِلًا من غاز النيتروجين الذي يُنقِّيه جهاز تحليل
الكربون (B)
المملوء بحمض الكبريتيك المركز، وتأتي بعده أنابيبُ تجفيف
(C)
تحتوي على كلوريد كالسيوم لا مائي، ثم فرن غاز D يحتوي على أنبوب من الزجاج
المصهور مملوء بنحاس مقسَّم إلى أجزاء متساوية بدقة. ويُمكن صنع النيتروجين، من أجل
تنظيف الجهاز، من خلال حرق الأمونيا. وتشتمل شوائبه على أمونيا غير مُتفاعِلة (محبوسة
في جهاز تحليل الكربون B)، وماء (أُزيل بواسطة أنابيب التجفيف
C)،
وبقايا أكاسيد نيتروجين (تُختزل إلى نيتروجين في فرن الغاز
D).
تتعرَّض القِنِّينة الكروية (H)، التي تَحتوي على يودات الفضة، لتسخين بطيء فوق
مَوقِد بنسن ويُحتبَس الأكسجين الناتج (مخلفًا وراءه فضة منصهرة AgI) في فرن الغاز
I
المحتوي على النحاس المجزَّأ.
شكل ٧-٢٩: الجهاز الذي استخدمه جون سيرفيه ستاس في التحليل الكامل ليودات
الفضة. وضع عمل ستاس المضني والدقيق على الأوزان الذرية أساسًا
صلبًا لظهور الجدول الدوري. ومع ذلك، أشار جوستاف ديتليف هنريتشز
إلى ستاس بوصفه «أكبر عالِم مزيف». وفي وقتٍ لاحق من حياته المِهَنية،
أصبح هنريتشز مهووسًا علميًّا إلى حدِّ المرض، يتصور وجود مؤامرة
حكومية واسعة النطاق من أجل إخفاء الأوزان الذرية الحقيقية للعناصر
(من ستاس، «دراسات في قانون النسب الكيميائية»، ١٨٦٧).
ولعدم انبهاره بستاس وجهازه، لم يسَعْ هنريتشز إلا أن يكون صريحًا ومباشرًا:135
منذ أدركتُ حالات العناصر الكيميائية وعلاقتها بمادة واحدة أولية (أيْ
منذ عام ١٨٥٥)، عملتُ بإخلاص شديد في هذا المَجال.
كان قد مرَّ نصف قرن تقريبًا على فكرته عندما نُشر كتابه «الأوزان
الذرية المطلقة»127 في عام ١٩٠١. ويتلخَّص رأيه في جون
ستاس في فقرة بعنوان:136 «أكبر عالِم مزيف».
شخَّص هنريتشز حالة معاصرِه جون ويليام ماليت، الذي لم تلقَ أوزانه الذرية للذهب
والليثيوم والألومنيوم استحسانَه، بأنه يُعاني «داء ستاسي» تفاقم بفعل مروره ﺑ «مراحل
أولية من «غضب كلاركي»».136 ورأى أن عملَ دبليو إل
هاردن، أحد طلاب إدجار فاهس سميث، «لا يُمثل شيئًا إلا خياله
الخاص».136 وتحْتَ إشرافِ هنري مواسان «فسد العمل
المخبري الفرنسي الجيد أو زُيِّف، عن طريق التقليل من شأنه بفعل استخدام الأوزان
الذرية الألمانية».136 ولخَّص مشكلات بيرسيليوس في كونه
«كيميائيًّا كبيرًا، مع توازن ضعيف».136 ورأى كذلك أن
الدراسات التي أجراها ويليام رامزي على الأوزان الذرية قد فسدت باستخدامه لجداول
كلارك. ووفْق تقديرات هنريتشز المعتمَدة على تقنياته الإحصائية الخاصة،
فإن136 «بيرسيليوس كان في عام ١٨٢٦، كيميائيًّا
أفضل بعشرة آلاف مليون مرة من رامزي في عام ١٨٩٣.»
قبل ثلاثين سنة من نشر الكتاب السالف الذكر عن الأوزان الذرية، كان هنريتشز
أستاذًا للعلوم الطبيعية في جامعة ولاية أيوا. ورغم عدم تقبُّله لمفهوم الدورية،
أُقر «جدول العناصر» لهنريتشز بوصفِه أوَّلَ تصنيف حلزوني للعناصر.137 ففي كتابه الصادر في عام ١٨٧١138 ذكر قائمة بأوزان ذرية (قبل ستاس) ضمَّت أوزانًا بها كسور مثل الألومنيوم
(٢٧٫٤)، والكلور (٣٥٫٥)، والنحاس (٦٣٫٤)، والبلاتين (١٩٧٫٤)، والسيلينيوم (٧٩٫٥)،
والسترونتيوم (٨٧٫٦)، والزنك (٦٥٫٢). أما العناصر المتبقية في جدوله البالغ عددها
٣٧ (وكان إجمالي عدد العناصر المعروفة حينذاك ٦٣ عنصرًا)، فكانت مضاعفات صحيحة
مُرضيةً للهيدروجين (=١). ولا توجد إشارات واضحة على اهتمام هنريتشز بهذه
الانحرافات عن فرضية براوت في عام ١٨٧١. ربما لم يُرِد إرباكَ طلابه. ومع ذلك، من
الواضح بالتأكيد أن الوزن الذري الذي أقرَّه كلارك للكلور ٣٥٫٤٥ (بدلًا من ٣٥٫٥)، على
سبيل المثال، قد «أزعج» هنريتشز، تمامًا مثل نظرية دارون عن
التطور.135
ربما كان هنريتشز «متذمِّرًا» أيضًا إلى حدٍّ ما بالإضافة إلى كونه «نَزِقًا على
نحو مفرط». إليك أولى «قواعده المخبرية» الخمسة:139
(١)
«كن هادئًا — لا تتحدَّث إلى زملائك الطلاب، ولا تتحدث إلى معلمك إلا
همسًا. سِرْ من الميزان وإليه بخطوات لا تُسمَع. وتعلَّم منذ وقت مبكر
إظهار احترامك للحقيقة والبحث عنها؛ فيجب أن يُصبِح المختبَر معبدًا
للعلم.»
أو ربما ديرًا؛ ويظلُّ الهمس الهادئ والخطى الصامتة في مختبَر التعليم أكثر جاذبية
لي كلما تقدم بي العمر وأصبحتُ أكثر تذمرًا.
(١٢) لماذا لا تزال فرضية براوت موجودة في الكتب الدراسية المعاصرة؟
لاحظ براوت في عام ١٨١٥ أن كثافة الغازات كانت مضاعَفات صحيحة لكثافة غاز الهيدروجين.
وأدَّى هذا إلى فكرته القائلة إن الأوزان الذرية هي مضاعفات صحيحة للوزن الذري
للهيدروجين، وإن الهيدروجين ربما يكون «المادة الأولية» المصنوع منها جميع العناصر
الأخرى. ومع ذلك، أدَّت ملاحظات لاحقة، مثل الوزن الذري للكلور (نحو ٣٥٫٥)، إلى ظهور
«البروطيلات» التي يبلغ وزنها نصف وزن ذرَّة الهيدروجين. واشتملت التحليلات الكيميائية
والصيغ التي ظهرت في عصر براوت وبعده بنحو ٥٠ سنة على كمٍّ من الأخطاء يكفي ليثير
شكوكًا بشأن دقة الأرقام العشرية في الأوزان الذرية. ورغم هذا، مع تحسُّن الكيمياء
التحليلية، أصبح واضحًا تمامًا مع اقتراب نهاية القرن التاسع عشر أن هذه الانحرافات من
الواحد الصحيح، أو النصف أو حتى الربع، كانت حقيقيةً وواضحةً، وكان لزامًا على صديقنا
«النَّزِق» هنريتشز (المقال السابق) تقبُّلُ هذا. وكما يحدث دومًا في العلم، كانت هذه
المفارَقات الضئيلة تُشير إلى أشياءَ أكثرَ عمقًا — التركيب دون الذري للمادة.140،141،142
عند تدريس الكيمياء لأول مرة للطالب، ربما يَشتمِل الامتحان الأول له على «أسئلة
ملء
الفراغات»، مثل:
الرقم الذري هو عدد
البروتونات.
رقم الكتلة الذرية هو عدد البروتونات زائد
النيوترونات.
عدد البروتونات يساوي عدد الإلكترونات.
تُمثِّل هذه المفاهيمُ المُبسطةُ الفائدةَ الواضحةَ لفرضية براوت بوصفها مبدأً
تنظيميًّا. يُعامل عدد الكتلة الذرية، الذي يُختصَر عادةً خطأً إلى «الكتلة الذرية»،
البروتونات والنيوترونات على أنهما مُتساويان. وبتطبيق هذا حرفيًّا، تبدو كتلة اليورانيوم−٢٣٨
مساوية تقريبًا للهيدروجينات ٢٣٨ (البروتيوم أو ذرَّات هيدروجين−١)،
مع وجود تناقُض ضئيل يُفهم أنه ناشئ من الاختلاف في الكتلة بين البروتونات والنيوترونات
البالغ ٠٫١٪. في الواقع، إذا أخذنا كتلة ٩٢ بروتونًا، و١٤٦ نيوترونًا، و٩٢ إلكترونًا،
فإن الكتلة الإجمالية ستُصبِح ٢٤٠ وحدة كتلة ذرية.
بدأ التكوين دون الذري للذرَّة يظهر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين،
بفضل اختراع أنبوب كروكس (نسبة إلى السير ويليام كروكس (١٨٣٢–١٩١٩))، وعملِ جيه جيه
تومسون. وظهرت النظائر، وهي ذرَّات للعنصر ذاته (العدد الذري) لها كتل ذرية مختلفة، على
نحو مُنفصِل من خطَّين من الاستقصاء.140 فكانت العناصر المشعة
المُكتشَفَة حديثًا دومًا ما تضم أنواعًا متطابقة كيميائيًّا، لكنها تتمتع بخصائصَ
تَحلُّل إشعاعي مُتمايزة.140 ومن ثَمَّ، اكتُشف نوعان
مختلفان من اليورانيوم، كلٌّ منهما له نمط تحلُّل فريد. واكتشف بي بي بولتوود في جامعة
ييل عنصرًا جديدًا، «الأيونيوم»، الذي كان وسيطًا في تحلُّل يورانيوم ٢، لكن ليس
يورانيوم ١.140 ومع ذلك، علم أنَّ «الأيونيوم» كان متطابقًا
كيميائيًّا مع الثوريوم. وصاغ فريدريك سودي مُصطَلح «النظير» (بمعنى «المكان نفسه» —
أي
في الجدول الدوري)، في عام ١٩١٣.140 وفي عام ١٩١٩، أدخل إف
دبليو أستون تعديلًا على إحدى تقنيات تومسون، واكتشف أن ذرَّات النيون المُتأينة تُنتِج
نوعين من الأيونات، أحدها كتلته ٢٠، والآخر كتلته ٢٢.140
وكان الاختلاف في الكتلة الذرية هو ما أشار إلى وجود النظائر. لم يَمضِ وقت طويل حتى
اتَّضح أن الكلور ما هو إلا مزيج من نظيرين (أرقام كتلتهما ٣٥ و٣٧)، مع تقدير المتوسط
الإحصائي لكتلته الذرية بنحو ٣٥٫٤٥ وحدة كتلة ذرية.
وعقب اكتشاف النيوترون، الذي طال الاشتباه فيه، في عام ١٩٣٢، بعد نحو ٢٥ سنة من نظرية
النسبية لأينشتاين، إليك ما صارت إليه الأمور فيما يتعلَّق بفرضية براوت:
(١)
أبسط نظير للهيدروجين هو البروتيوم، الذي يَحتوي على بروتون (شحنته
النسبية +١) داخل نواته، وإلكترون (شحنته النسبية −١) خارج نواته.
(٢)
تتمثل كُتَلُ الجسيمات دون الذرية الثلاثة الرئيسة وشحناتها (النسبية)
فيما يلي (مع وضع كتلة ذرَّة الكربون−١٢
كمرجع):142
الجسيمات
الشحنة
الكتلة (وحدة الكتلة الذرية قياسًا على الكربون ١٢)
بروتون
+١
١٫٠٠٧٣
نيوترون
٠
١٫٠٠٨٧
إلكترون
−١
٠٫٠٠٠٥٤٨٦
ذرَّة كربون−١٢
٠
١٢٫٠٠٠٠٠٠٠ (مفترضة)
لا تتناسب حقيقة أن البروتون أخف بنسبة ٠٫١٪ من النيوترون مع التفسير الحرفي لفرضية براوت.
(٣)
ما دُمْنا نعرف الآن أنَّ النيوترون المتحرِّر من النواة يكون له نصفُ عمرٍ
يبلغ ١٧ دقيقة؛ إذ يتحلَّل إلى بروتون وإلكترون ومضاد النيوترينو بكتلة
ضئيلة، ربما يكون من المُغري التفكير في مصدر فرضية براوت على أنه فعليًّا
إجمالي كتلة البروتون وإلكترون واحد. يظلُّ إجمالي الجسيمين المنفصلَين،
١٫٠٠٧٨، أقل من كتلة النيوترون. ومع ذلك، ربما يكون من المُغري أيضًا اعتبار
أن «البروطيل» له كتلة النيوترون.
(٤)
من الواضح أن النظائر تُمثِّل المصدر الرئيس للتناقض في فرضية براوت؛ فيحتوي
الهيدروجين على ٩٩٫٩٦٨٪ بروتيوم، النظير الأخف وزنًا (١٫٠٠٧٨ وحدة كتلة
ذرية = كتلة بروتون زائد إلكترون)، و٠٫٠١٤٪ ديوتريوم (٢٫٠١٤١ وحدة كتلة
ذرية)٢ فقط.141 ويوجد التريتيوم بكمية ضئيلة
للغاية. ويُعدُّ هذا التوافُق السببَ في كون الهيدروجين «يعمل» كثيرًا بوصفه
«البروطيل» الواضح في فرضية براوت. فإذا كان، على سبيل المثال، البروتيوم
يشكل ٨٠٪ والديوتريوم ٢٠٪ في الهيدروجين الموجود طبيعيًّا، لما كان لفرضية
براوت أي وجود على الإطلاق. أما في حالة الكلور، فيوجد النظيران الطبيعيان
بكميات كبيرة: الكلور−٣٥، ٧٥٫٥٣٪، والكلور−٣٧، ٢٤٫٤٧٪. وتتمثَّل الكتلة
الملحوظة للكلور الموجود طبيعيًّا في المتوسِّط المرجَّح: ٣٥٫٤٥ وحدة كتلة ذرية
— وهو ما يستحيل تفسيرُه باستخدام فرضية براوت.
(٥)
يتمثَّل أحد أوجه التناقُض الرئيسة الأخرى في تأثير التعبئة للجسيمات
النووية؛ ومن ثَمَّ إذا جمعنا كتل كل الجسيمات النووية في هيليوم−٤
(بروتونين + نيوترونين = ٤٫٠٣١٩٠ وحدة كتلة ذرية)، وقارنَّا هذا المجموع
بالكتلة الملحوظة (ناقص الإلكترونين) لنواة الهليوم (٤٫٠٠١٥٠ وحدة كتلة
ذرية)، فإن التفاوت (البالغ ٠٫٠٣٠٤٠ وحدة كتلة ذرية) يُوفِّر الطاقة (القوة
الشديدة، ) التي تربط النواة بعضها
ببعض.142 وتوازي هذه الطاقة نحو مليون ضعف
تأثير القوى الكيميائية التي يصدرها انفجار الديناميت أو التِّي إن تي.
ويُقدَّر «نقص الكتلة» في يورانيوم −٢٣٨ (٩٢ بروتونًا و١٤٦ نيوترونًا)
بالرقْم المذهل ١٫٩٣٥٣ وحدة كتلة ذرية. لحسن الحظ، يجعلنا «الفائض» المحسوب
(١٫٩٣٥٦ وحدة كتلة ذرية) من مجموع كتل الجسيمات النووية (٢٣٩٫٩٣٥٦ وحدة
كتلة ذرية)، المُختزَلة بفعل طاقة الربط لكتلة مساوية (١٫٩٣٥٣ وحدة كتلة
ذرية)، سعداءَ بأن الكتلة النووية هي ٢٣٨٫٠٠٠٣ وحدة كتلة ذرية (المطابقة
فعليًّا لرقْم الكتلة الذرية). والآن، إذا أضفنا تلك الإلكترونات الاثنتين
والتسعين، بما يَعني إضافة ٠٫٠٥٠ وحدة كتلة ذرية أخرى، يظل المقدار ضئيلًا
للغاية ليُزعزع قناعتنا الغامضة والراضية باستخدام رقم الكتلة الذرية في
تحديد الوزن الذري.
كما ذكرنا مسبقًا، ربما يُحاول المرء تخيُّل أن النيوترون هو «بروطيل» المادة أو حتى
«المادة الأولية». غير أن الفيزيائي قد يردُّ اليوم ليقول إنَّ الكواركات هي المادة
الأولية. ويُقال إن كتلة النيوترون تشمل هذه الكواركات بالإضافة إلى طاقتها. ومن المرعب
حقًّا لعالِم الكيمياء أن يعرف، مع ذلك، أن الفيزيائيين يعترفون بأنهم حتى الآن لا
يفهمون فعليًّا الطبيعة الأساسية للكتلة.
هوامش
(1) The blame for this title rests on my brother Kenny
Greenberg.
(2) Terrae Filius [i.e.,
Stephen Weston], Werneria; or, Short Characters
of Earths: with Notes according to the Improvements of Klaproth,
Vauquelin and Hauy, C. and R. Baldwin, London, 1805. I am
grateful to chemist and book collector Dr. Roy G. Neville for making me
aware of Werneria and Stephen
Weston.
(3) Terrae Filius Philagricola
[i.e., Stephen Weston], Werneria,
(Part the Second) or, Short Characters of Earths and Minerals According
to Klaproth, Kirwan, Vauquelin, and Hauy, C. and R. Baldwin, London,
1806.
(4) The New Encyclopedia
Brittanica, Vol. 12, Encyclopedia Brittanica, Inc.,
Chicago, 1986, pp. 582-583.
(5) L. Stephen and S. Lee (eds.), The Dictionary of National
Biography, Oxford University Press, Oxford, 1921 (reprint 1964/65), pp.
1283–1285.
(6) H. Davy, Elements of Agricultural
Chemistry, in a Course of Lectures for The Board of
Agriculture, Longman, Hurst, Rees, Orme, and Brown,
London, 1813, Figure 1-15 (facing p. 145).
(7) J. R. Partington, A History of
Chemistry, Vol. 4, Macmillan & Co., Ltd., London,
1964, pp. 395-396.
(8) T. J. Pelouze and E. Fremy, Notions
Generales de Chimie. Avec un Atlas de 24 Planches en Couleur, en 2
Volumes, Victor Masson, Paris, 1853. The plates shown
here are from the American edition: General
Notions of Chemistry, Lippincott, Grambo & Co.,
Philadelphia, 1854.
(9) A. J. Ihde, The Development of Modern
Chemistry, Harper & Row, New York, 1964, p.
451.
(12) W. H. Brock, The Norton History of
Chemistry, W. W. Norton & Co., New York, 1993, pp.
577-578.
(13) W. H. Brock, The Norton History of Chemistry, W. W. Norton & Co., New York, 1993, pp. 297–301.
(14) R. Hoffmann and S. Leibowitz Schmidt, Old Wine New Flasks—Reflections on Science and jewish
Tradition, W. H. Freeman and Co., New York, 1997, pp.
159–174.
(15) J. R. Partington, A History of
Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, Vol. 4, 1964,
pp. 772–774; 791–793.
(16) S. Garfield, Mauve: How One Man
Invented a Color that Changed the World, Faber and Faber
Ltd., London, 2001.
(17) A. J. Ihde, The Development of Modern
Chemistry, Harper & Row, New York, 1964, pp.
452–458.
(18) Color Chemistry. Number One of a
Series of Monographs on Color, The Research Laboratories
of the International Printing Ink Corporation and Subsidiary Companies,
New York, 1935. I thank Ms. Lynne Crocker, Portsmouth, New Hampshire,
for supplying this book.
(19) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley and Sons, New York, 2000, pp.
236–238.
(22) G. B. Kauffman and I. Bernal, Journal
of Chemical Education, Vol. 66, pp. 293–300,
1989.
(23) D. Crowfoot, C. W. Bunn, B. W. Rogers-Low, and A. Turner Jones,
in The Chemistry of Penicillin, H. T.
Clarke, J. R. Johnson, and R. Robinson (eds.), Princeton University
Press, Princeton, 1949, pp. 310–381.
(24) G. Ferry, Dorothy Hodgkin: A
Life, Granta Books, London, 1998.
(25) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley and Sons, New York, 2000, pp.
194–199.
(26) J. R. Partington, A History of
Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, 1962, Vol. 3,
p. 78.
(40) F. A. Carroll, Perspectives on
Structure and Mechanism in Organic Chemistry, Brooks/Cole
Publishing Co., Pacific Grove, CA, 1998, pp.
257-258.
(41) R. Destro, T. Pilati, and M. Simonetta, Journal of the American Chemical Society,
Vol. 100, pp. 6507–6509, 1978.
(42) C. R. Arkin, B. Cowans and B. Kahr, Chemistry of Materials, Vol. 8, pp. 1500–1503,
1996.
(43) M. J. S. Gynane, A. Hudson, M. F. Lappert, P. P. Power and H.
Goldwhite, Journal of the Chemical Society Dalton
Transactions, pp. 2428–2433, 1980.
(44) P. R. Hitchcock, M. F. Lappert, and S. J. Smith, Journal of Organometallic Chemistry, Vol. 320,
pp. C27–C30, 1987.
(45) Pauling provides a value of only 32.1 kcal/mol (kilocalories per
mole) for the As—As bond energy, compared to 83.1 kcal/mol for a typical C—C
bond (L. Pauling, The Nature of the Chemical
Bond, third edition, Cornell University Press, Ithaca, 1960,
p. 85.) Actually, there does not appear to be data allowing a good
determination or estimate of the As—As bond in “cacodyl” according to J. F.
Liebman, J. A. Martinho-Simões, and S. W. Slayden, in The Chemistry of Organic Arsenic, Antimony and Bismuth
Compounds, S. Patai (ed.), John Wiley and Sons, Chichester,
1994, pp. 153–168. Interestingly, the carbon—carbon bond in cyanogen is
quite strong (134.7 kcal/mol using National Institute of Standards data—see
http://nist.gov). In this case, as strong as the C—C bond
is, it is much weaker than the carbon-nitrogen triple bonds in Cyanogen that
maintain the integrity of the cyano “radical.”
(49) J. R. Partington, A History of
Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, Vol. 4, 1964,
pp. 891–899. Partington notes here that the Russian chemist spelled his
name “Mendeleeff” when he signed the register of the Royal Society and
Ramsay recommended “Mendeléeff.” We will employ the more commonly used
transliteration “Mendeleev”.
(50) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley & Sons, New York, 2000, pp.
214–216.
(51) D. M. Mendeleev, Polozhenija,
izbrannya dlja zachschishchenija na stepen’ magistra
Khimii, St. Petersburg, 1856. I am grateful to The Roy
G. Neville Historical Chemical Library (California) for supplying these
images.
(52) The Roy G. Neville Historical Chemical Library
(California), catalog in preparation. I am grateful to Dr. Neville for
making me aware of his views on Mendeleev’s early thoughts on the
relationships between elements manifested in his master’s
thesis.
(55) S. A. Dianin, Borodin,
Oxford University Press, London, 1963, pp. 12-13;
22–29.
(56) The roots of my mother, Bella Greenberg, are similarly
Russian. She first took me as a young child to see the Halls of
Dinosaurs at the American Museum of Natural History, encouraged my early
interest in reading, and gently helped remove hundreds of newborn praying
mantids from the wall of my bedroom and placed them in the backyard (see
the essay “A Natural Scientist” in the Epilogue of this
book).
(57) C. C. Gillispie (ed.), Dictionary of
Scientific Biography, Charles Scribner’s Sons, New York,
Vol. 1970, pp. 316-317.
(61) D. Mendelejeff, Annalen der Chemie
Und Pharmacie, VIII. Supplementband, Leipzig und
Heidelberg, 1872, pp. 133–229. (This paper was received from St.
Petersburg in August 1871).
(62) F. A. Cotton and G. Wilkinson, Advanced Inorganic Chemistry, fifth edition, John Wiley
& Sons, New York, 1988, pp. 452–454.
(63) H. E. Roscoe and C. Schorlemmer, A
Treatise On Chemistry, Vol. 1, Macmillan and Co., London,
1894, pp. 235–243.
(64) J. R. Partington, Everyday
Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, 1929, pp.
285–288.
(65) This is mercury(I) oxide (Hg2O). Heat
will disproportionate it to Hg and HgO.
(66) The liquefaction of “permanent gases” will be described in
the essay on the discovery of neon.
(67) Ozone reacts with alkenes (olefins) through addition to the
double bond. The initially formed ozonides decompose further. Schõnbein
appears to have performed the first such identified ozonolysis (on
ethylene). Turpentine is a complex mixture of olefinic terpenes (see
P. S. Bailey, Ozonation in Organic
Chemistry, Academic Press, New York, 1978, pp. 1–4, for a
brief historical perspective).
(68) L. Pauling, The Nature of the
Chemical Bond, Cornell University Press, Ithaca,
1939.
(69) Or is ozone simply an oxymoron—“a human-made, naturally
occurring, environment-protecting hazardous pollutant?” Actually,
“oxygen” is derived from “acid maker”—Lavoisier’s incorrect conclusion
that all acids contain oxygen. Acidic properties are considered by early
definition to be “sharp.” “Oxymoron” means literally “sharp-dull”—an
internal contradiction in a single word. But this would hardly surprise
the ancients, who recognized contraries (male-female, good and evil) in
all earthly things.
(70) “Coartate” is a variation of “coarctate” (“compressed”)
The Oxford English Dictionary,
second edition, Clarendon Press, Oxford, 1989, Vol. 11, pp.
391-392.
(71) Chemical News, Vol. 34
(Dec. 22, 1876), pp. 271-272. I am grateful to Professor William D.
Williams for this reference and helpful discussions about this
book.
(72) A. H. Kollmyer, Chemia
Coartata; or the Key to Modern Chemistry, J. Starke & Co.,
Montreal, 1875, Preface.
(73) J. R. Partington, A History of
Chemistry, Macmillan & Co., Ltd., London, 1962, p.
214.
(74) Partington, op. cit., Vol. 4, 1964, pp.
911–915.
(75) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley and Sons, New York, 2000, pp.
247–250.
(76) J. H. van’t Hoff, Die Lagerung Der
Atome Im Raume, Friedrich Vieweg Und Sohn, Braunshweig,
1877, p. 48.
(77) E. Heilbronner and J. D. Dunitz, Reflections on Symmetry, VCH-Wiley, New York, 1993, pp.
72-73.
(78) E. A. Abbott, Flatland: A Romance of
Many Dimensions (with Foreward by Isaac Asimov), Barnes &
Noble, New York, 1983.
(79) W. J. Pope, Journal of the Society of
Arts (London), Vol. 49, pp. 677–683, 690–697, 701–708,
713–718.
(81) L. Pauling, General
Chemistry, W. H. Freeman and Co., San Francisco, 1947, p.
521.
(82) A. F. Wells, Structural Inorganic
Chemistry, fifth edition, Clarendon Press, Oxford, 1984,
pp. 1004–1006.
(83) R. M. Hazen, Scientific
American, Vol. 284, No. 4, pp. 76–85, April
2001.
(84) Obviously we are joking when we talk about “left-hand and
right-hand sides of the bed.” Right-handed people and left-handed people
all contain the same “right-handed” sugars and “left-handed” amino
acids. However, the chirality or nonchirality of substances should
affect, sometimes dramatically, how they interact with living beings.
Fortunately for lævo-man, the oxygen and nitrogen in air as well as
water are achiral (not “handed”). Ethyl alcohol and aspirin
(acetylsalicylic acid) are also achiral. However, table sugar is chiral,
as are the flavor and aroma ingredients in coffee and beer. Chocolate
mashed potatoes is a secret family recipe best kept secret for the sake
of humanity. It appears that Oliver Sacks’ family had an old secret
family recipe for Passover “matzoh balls of an incredible tellurian
density, which would sink like little planetismals below the surface of
the soup” (see O. Sacks, Uncle Tungsten—Memories
of a Chemical Boyhood, Alfred A. Knopf, New York, 2001,
p. 97).
(85) E. H. Richards, The Chemistry of
Cooking and Cleaning—a Manual for Housekeepers, Estes
& Lauriat, Boston, 1882.
(86) C. L. Hunt, The Life of Ellen H.
Richards, Whitcomb and Barrows, Boston,
1912.
(87) R. Clarke, Ellen Swallow: The Woman
Who Founded Ecology, Follett Publishing Co., Chicago,
1973.
(88) The New Encyclopedia
Britannica, Vol. 10, Encyclopedia Britannica, Inc.,
Chicago, 1986, p. 45.
(90) E. M. Douty, America’s First Woman
Chemist—Ellen Richards, Julian Messner, Inc., New York,
1961.
(91) B. Hutchinson, “Swallow Warned Us All Years Ago,” Miami Herald, January 17,
1974.
(92) This photograph was provided courtesy The Frank Lloyd
Wright Archives, Scottsdale, AZ. I am also grateful for conversations
with Ms. Margo Stipe, The Frank Lloyd Wright Archives.
(93) J. J. Bohning, Chemical
Heritage, Vol. 19, No. 1, pp. 10-11, 38–44, Spring
2001.
(94) E. F. Smith, Old
Chemistries, McGraw-Hill Book Co., Inc., New York,
1927.
(95) Lord Rayleigh and Professor William Ramsay, Argon, a New
Constituent of the Atmosphere, Smithsonian Institution, Washington, DC,
1896.
(96) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley & Sons, New York, 2000, pp.
255-256.
(97) A. J. Ihde, The Development of Modern
Chemistry, Harper & Row, New York, 1964, p.
374.
(98) M. W. Travers, The Discovery of the
Rare Gases, Edward Arnold & Co., London,
1928.
(100) In 1815 William Prout postulated, on the basis of the
small number of atomic weights known, that all were simple whole-number
multiples of the lightest element—hydrogen. At one level, this seemed to
be an incredibly prescient hypothesis. We have known for about 100 years
that hydrogen has one proton [mass based on carbon-12 is 1.0073 atomic
mass unit (amu)] and one electron of relatively negligible mass
(0.0005486 amu). However, careful determinations by Berzelius, Dumas,
and Stas throughout the midnineteenth century indicated significant
discrepancies. And our modern understandings include the occurrence of
isotopes, the fact that the neutron is slightly heavier than the proton
(1.0087 amu), departures from ideal-gas behavior at higher pressures,
nuclear binding energies, and numerous other flaws in the hypothesis.
But it was a useful construct and remains conceptually helpful today in
a very simplistic way.
(101) J. E. Marsh, Chemistry in Space, from
Professor J. H. van’t Hoff’s “Dix Années Dans l’Histoire d’Une
Théorie,” Clarendon, Oxford, 1891, p. 16.
(113) This essay is dedicated to my brother Kenny, who immersed
himself in Superman and Batman comics
folklore as a boy, became a neon artist, and is the proprietor of
Krypton Neon in New York City. I
have tried, unsuccessfully, to convince him to post a sign “Krypton Neon
Argon” when he goes to lunch.
(115) F. A. Cotton and G. Wilkinson, Advanced
Inorganic Chemistry, fifth edition, John Wiley &
Sons, New York, 1988, p. 588.
(116) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley and Sons, New York, 2000, pp.
257–259.
(117) A. Lightman and O. Gingerich, Science, Vol. 255, pp. 690–695, 1991. I am grateful
to Dr. Joel F. Liebman and Dr. Larry Dingman for helpful discussions on
this topic.
(118) Scientific “anomalies” appear to me to be very closely
related to Stent’s “premature discoveries”; see G. Stent, Scientific American, Vol. 227, No. 6,
pp. 84–93, 1972
(119) J. R. Partington, A History of Chemistry, Macmillan and
Co., Ltd., London, 1962, Vol. 3, pp. 237–271.
(125) L. Stephen and S. Lee, The Dictionary of National
Biography, Vol. VIII, Oxford University Press, London, 1921-1922
(reprinted 1963-1964), pp. 1320-1321.
(126) (R. Harrington), Thoughts on the
Properties and Formation of the Different Kinds of Air; with
Remarks on Vegetation, Phosphori, Heat, Caustic Salts, Mercury,
and on the Different Theories upon Air, R. Faulder,
J. Murray, and R. Cust, London, 1785, pp. 278–285.
(127) G. D. Hinrichs, The Absolute
Atomic Weights of the Chemical Elements, C. G.
Hinrichs, Publisher, St. Louis, 1901.
(134) J. S. Stas, Untersuchungen Über
Die-Gesetze Der Chemischen Proportionen Über Die Atomgewichte
Und Ihre Gegenseitigen Verhältnisse, Verlag Von
Quandt & Händel, Leipzig, 1867, pp. 187–200; see folding
plate at the end of the book. This is the first German edition. The
first French edition was published in 1865.
(137) G. N. Quam and M. B. Quam, Journal
of Chemical Education, Vol. 11, p. 288,
1934.
(138) G. Hinrichs, The Elements of
Chemistry and Mineralogy, Griggs, Watson, &
Day, Davenport, 1871, p. 101.
(139) Hinrichs (1871), op. cit., p. (161)—second leaf
following p. 158.
(140) J. R. Partington, A History of
Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, 1964, Vol. 4,
pp. 929–947.
(141) The New Encyclopedia
Britannica, Encyclopedia Britannica, Inc., Chicago, 1986,
Vol. 14, pp. 343–348.
(142) T. L. Brown, H. E. LeMay, Jr., and B. E. Bursten, Chemistry The Central Science, seventh
edition, Prentice-Hall, Upper Saddle River, NJ, 1997, pp. 43–46;
771–791.