أذكر هذه الواقعة بوضوح. كان السيد ليدبيتر في هذا الوقت يَمكُث في منزله، وكان
يُمارس قدراته المُستبصِرة دومًا لصالحي وصالح زوجتي والأصدقاء المتصوِّفين حولنا.
لقد اكتشفتُ أن هذه القُدرات، عندما تُمارس في الاتجاه المناسب، تكون ذات قوة
مجهرية فائقة. خطر لي مرة أن أسأل السيد ليدبيتر إن كان يَعتقِد أن باستطاعته
حقًّا رؤية جزيء لمادة طبيعية. كان على أتم استعداد لتجربة الأمر، واقترحتُ
عليه جزيء الذهب كأحد الجزيئات التي يُمكنه أن يُحاول ملاحظتها. بذل المجهود
المطلوب، وخرج من التجربة يقول إنَّ الجزيء المعني كان تكوينه معقدًا للغاية بحيث
يَصعُب وصفُه. فمن الواضِح أنه كان يتكوَّن من عدد هائل من الذرَّات الأصغر حجمًا،
بحيث يَصعُب عدُّها؛ ومعقَّدة للغاية في تركيبها بحيث يصعُب فهْمُها. خطر لي على
الفور أن هذا ربما يكون نتيجةً لأن الذهب معدِن ثقيل وزنُه الذري مُرتفِع، وأن
الملاحظة ربما تكون أكثر نجاحًا إذا وُجِهت لجسم وزنُه الذري منخفض؛ لذلك
اقترحتُ ذرَّة هيدروجين؛ إذ ربما تكون أكثر سهولةً. قَبِلَ السيد ليدبيتر
اقتراحي وحاول مرةً أخرى. ووجَد هذه المرة أن ذرَّة الهيدروجين أبسطُ بكثير من
الذرَّة الأخرى؛ إذ كانت الذرَّات الضئيلة التي تتكوَّن منها ذرَّة الهيدروجين من
المُمكن عدُّها. فكانت مُرتبة وفْق مخطط محدَّد، سيتَّضح برسومات بيانية فيما بعدُ،
وكان عددها ثماني عشرة.1
يَظهر هذا السرد في بداية الطبعة الثانية (المنشورة في عام ١٩١٩) للكتاب الغريب
والمذهل «الكيمياء الغامضة: ملاحَظات مُستبصرة على العناصر الكيميائية»، من تأليف آني
بيسنت وتشارلز دبليو ليدبيتر، الذي نُشر لأول مرة في عام ١٩٠٨.2 وحقيقةً يُعدُّ نشرُ طبعة فاخرة من الكتاب بعد ذلك بوقت طويل في عام ١٩٥١،3 دليلًا على الجاذبية الخالدة لهذا الكتاب الغني بالرسوم التوضيحية. حسنًا،
ما الذي يُمكننا الخروج به من محتوياته؟ يُصوِّر الشكل ٨-١ تركيبَ
«الذرَّة الكيميائية» للصوديوم. «كان أسلوب الفحص المُستخدَم هو أسلوب الاستبصار.»4 تتكوَّن هذه الذرَّة الكيميائية من أجزاء علوية وسفلية (يتكون كلٌّ منها من
كرة و١٢ قُمعًا) وقضيب للتوصيل. والأجزاء الموجودة داخل الأقماع والكرات والقضيب
المذكور عددها فيما يلي، هي نفسها «الذرَّات الأصغر حجمًا» المُشار إليها من قبل:
لقد أحصينا عددَ الأشياء في الجزء العلوي: الكرة:١٠؛ العدد في اثنين أو ثلاثة
من الأقماع، كلٌّ منها ١٦؛ عدد الأقماع: ١٢؛ العدد نفسه في الجزء السفلي؛ أما
في قضيب التوصيل فبلغ ١٤؛ وحسب السيد جيناراجاداسا: ١٠ + (١٦ × ١٢) = ٢٠٢؛ ومن
ثَمَّ ٢٠٢ + ٢٠٢ + ١٤ = ٤١٨، مقسومة على ١٨ = ٢٣٫٢٢ متكرِّرة. وبهذه الطريقة
حمينا إحصاءنا من أي تحيُّزات؛ إذ كان يستحيل علينا معرفة كيف تنتج الأرقام
المختلفة عند الجمع والضرب والقسمة، وجاءت اللحظة المُثيرة عندما انتظرنا لنرى
ما إذا كانت نتائجنا تُؤيد أي وزنٍ مُعترَف به أو تقترب منه.5
شكل ٨-١: تركيب ذرَّة الصوديوم المتحصَّل عليه من خلال أسلوب الاستبصار والمنشور
في الكتاب الكلاسيكي («الكيمياء الغامضة»، ١٩٠٨). يوجد إجمالي ٤١٨
«ذرَّة فيزيائية» أصغر حجمًا في «الذرَّة الكيميائية» للصوديوم. أظهر
الاستبصار أيضًا أن ذرَّة الهيدروجين تحتوي على ١٨ ذرَّة فيزيائية أصغر
حجمًا. إذًا … ٤١٨ على ١٨ = ٢٣٫٢٢، في توافُق جيد للغاية مع الوزن الذري
٢٢٫٩٩! (وهو المطلوب إثباته).
وهكذا، يكون الوزن الذري المعترَف به للصوديوم هو ٢٣؛ وهو ما يتَّفق جيدًا مع الوزن
الذري ٢٣٫٢، على ما يبدو. إجمالًا، خضع ٥٧ من أصل ٧٨ عنصرًا معترفًا به للفحص بالإضافة
إلى عنصر لم يكن معروفًا من قبل، هو «الأوكولتيوم»، «الشارد الكيميائي»، المُنحسِر بين
الهيدروجين والهليوم. كذلك، أُعلن عن ستة «أنواع» جديدة من عناصر معروفة — ليس إنجازًا
سيئًا. إنَّ التوافق بين الأوزان الذرية المُعترف بها والعد المستبصر «للذرَّات الأصغر
حجمًا» مثيرٌ للإعجاب، وهذا أحد العناصر الرئيسة للاعتماد العلمي للذرَّات المستمَد من
الاستبصار.
تجدر الإشارة هنا إلى عدم يقينية الاستبصار عند الحصول على ملاحظة. فلاحظ أن اثنين
أو
ثلاثة أقماع فقط هي التي أُخذَت عينةً للعد، ويعترف الباحثون بشكوكهم عند عد ١ أو ٢
من
«الذرَّات الأصغر حجمًا». ويصعب للغاية منع هذه الفكرة من الاختلاج في صدورنا دون
الإصابة بصداع شديد؛ ومن ثَمَّ ربما تُوضِّح أوجه القصور هنا وجود نوع من «مبدأ عدم
يقين الاستبصار».6
لكن ماذا عن «الذرَّات الأصغر حجمًا» المُكوِّنة؟ تظهر تلك الذرات الأساسية («الأصغر»
أو «الفيزيائية المطلقة») في الشكل ٨-٢ — ويتَّضح أنها مقسمة إلى ذكر
وأنثى. في حالة الذرَّات الذكورية، تلتفُّ الطاقة حلزونيًّا إلى الداخل من الفضاء الرباعي
الأبعاد (المستوى النجمي) وإلى الخارج في العالم المادي. أما الذرَّات الأنثوية فتمتص
الطاقة من العالم المادي وتلفها حلزونيًّا، عكس الشكل اللولبي، وتعيدها إلى المستوى
النجمي. ثمة علاقة واضحةً بين هذا التصنيف وبين الذكر (الكبريت) والأنثى (الزئبق) في
رموز الخيمياء القديمة7 — الشمس والقمر، «عائلة الذرَّات».
شكل ٨-٢: تكون الذرَّات الفيزيائية الأصغر حجمًا، بالمناسبة، ذكرًا وأنثى. لقد
عُدنا إلى الشمس والقمر، الكبريت والزئبق؛ ومِن ثَمَّ تحتوي ذرَّة
الهيدروجين على تسع ذرَّات فيزيائية أنثوية أصغر حجمًا وتسع ذرَّات
فيزيائية ذكورية أصغر حجمًا (من كتاب «الكيمياء الغامضة»،
١٩٠٨).
شكل ٨-٣: إليك سبب فاعلية القانون الدوري في رأي بيسنت وليدبيتر — لتشابه
الذرَّات في العائلات نفسها في الشكل. على سبيل المثال، انظر إلى
التركيب ١ في هذا الشكل — الذي يُمثل تركيب ذرَّات النحاس والفضة
والذهب. ونظرًا لأن بعض التصنيفات المبكِّرة قد جمَعَت بالفعل الصوديوم مع
النحاس والفضة والذهب (انظر الشكلَين ٧-١٧ و٨-٥)، يبدو من المنطقي للغاية أن تَحمل هذه الذرَّات
الأربعة قدْرًا من التشابُه العائلي (انظر الشكل ٨-١). لحسن الحظ، نحن لا نصنَع عملات من الصوديوم، فلا تحرق العملات
جيوبنا وتصنَع فيها ثقوبًا (الأشكال من كتاب «الكيمياء الغامضة»،
١٩٠٨).
شكل ٨-٤: المزيد من أنواع تركيبات الذرَّات الكيميائية (من كتاب «الكيمياء
الغامضة»، ١٩٠٨). علَّق الأستاذ بيير لازلو على تشابهها الغريب مع
المدارات الذرية.
شكل ٨-٥: الأفعوانية الدورية على شكل رقْم ثمانية بالإنجليزية للسير ويليام
كروكس؛ وهو فيزيائي بارز بحق، ساعد صِمَامُه المفرَّغُ في تحديد خصائص
الإلكترون في أواخر القرن التاسع عشر، وكان كروكس متعاطفًا أيضًا مع
المُعتقَدات الغامضة (من كتاب «الكيمياء الغامضة»، ١٩٠٨).
يتمثَّل الاعتماد العلمي القوي الآخر للذرَّات الكيميائية المستمَد من الاستبصار
في
اتِّساقها الظاهري في تفسير الخواص الكيميائية والفزيائية التي نظمها بإتقان بالغ القانون
الدوري. يُوضِّح الشكلان ٨-٣ و٨-٤ أنواع عائلات
الذرَّات الكيميائية، ليست بروتوزوات كما يبدو للعين غير الناقدة (أو حتى مدارات
d أو
f لدى
الكيميائي المتمنِّي!) يُمكن توضيح الفكرة بإيجاز؛ يُصنَّف النوع التركيبي ١ في الشكل
٨-٣ على أنه فئة «الدمبل»، التي تَشتمِل على النحاس والفضة
والذهب، وهي ثلاثة معادن تُصنَع منها العملات وتقع في المجموعة ١١ من الجدول الدوري.
غير
أن بيسنت وليدبيتر يَضَعان أيضًا الصوديوم ضمن هذه الفئة؛ فتركيب ذرَّة الصوديوم (الشكل
٨-١) يجعلها واحدة من فئة الدمبل. غير أنَّني أقترح، أيها
القارئ اللطيف، أن تتجنَّب قبول قرش مصنوع من الصوديوم إلا إذا كنت تحب حرق المال (ويدك
أيضًا). ويتَّضح الالتباس من خلال الأخطاء التي حدثت بسبب استخدام المؤلفَيْن للأفعوانية
الدورية التي قدَّمها لهما العالِم البارز بحق السير ويليام كروكس (١٨٣٢–١٩١٩)، الذي
يَحتفظان بإحدى مراسلاته معهما (انظر الشكل ٨-٥). (في كتاب
لاحق8 لجيناراجاداسا المذكور آنفًا تظهر نسخة أخرى من جدول كروكس الدوري، لكن هذه
النسخة على وجه الخصوص تحتوي على «عناصر اكتُشفت لأول مرة بالفحص المستبصر» — نتحدث هنا
عن جرأة فظة!) ونما لدى كروكس، مخترع الصمام المفرغ الذي أدى إلى اكتشاف الإلكترونات
والأشعة السينية، اهتمام بالأفكار الروحانية والتأملية الشديدة، وما يُطلِق عليها ويليام
بروك «الكيمياء الغيبية»9 — من الواضح أنه نظير علمي مناسب لمؤلِّفي «الكيمياء الغامضة».
باختصار، يبدو أنه حتى في أوائل القرن الحادي والعشرين، ربما تحتاج هذه النظرية إلى
مزيد من الدراسة وبعض التعديلات؛ فعلى الرغم من أن ذرَّة بور وتفسير لويس-كوسل-لانجموير
لقاعدة الثمانيات جاءا بعد الطبعة الأولى وقبل الطبعة الثانية من كتاب «الكيمياء
الغامضة»، لم يتعرَّض التفسير المشار إليه إلا لتعديل بسيط. لا يوجد دليل أيضًا على
أن
بيسنت وليدبيتر وجدا أي حاجة لإدراج مفهوم الأرقام الذرية الذي اخترعه موزلي في تلك
الفترة نفسها. إنَّ النماذج التي تستطيع النجاة من هجوم النظريات الحديثة، بما في ذلك
ميكانيكا الكم وبياناتها التجريبية الداعمة، لا بد أن تكون قوية بالفعل. ولهذا أنصح
بدعم من منحة، وأتخيَّل طبيعة ميزانية البحث:
المؤسسة الوطنية لتحضير الأرواح عنوان الطلب: ميزانية الذرَّات وتفاعُلات المستوى النجمي
جهاز كشف اتجاه المستوى النجمي (مجموعة خيارات مجهر الاستبصار
Y2K) (واحد).
آلة حاسبة (واحدة).
(٣)
المؤن:
أسبرين (١٠ إجمالًا).
مشروبات عشبية (١٠ إجمالًا).
(٤)
المرافق والإدارة (٨٥ بالمائة من الميزانية الأساسية).
أعترف بأني أواجه صعوبة في إيجاد تفسير ميكانيكي لطريقة الحصول على
الصور المُستبصِرة للذرَّات. لكني كنتُ أواجه دومًا مشكلات مشابهة عند محاولة فهْم كيف
يُغيِّر حجرُ الفيلسوفِ الرصاصَ إلى معدن الذهب «الأنقى» عبر عملية غامضة تُدعى
«الإسقاط». ورغم أن روبرت بويل كان متيقنًا بشأن الخيمياء، وكتب «سردًا كيميائيًّا
غريبًا» يصف فيه تحولًا عكسيًّا، لم يكن على الأرجح متحمِّسًا بشأن استخدام الاستبصار
كتقنية تجريبية.10 حسنًا، يبدو لي أن السيد ليدبيتر لديه اسم مناسِب على نحو رائع، ولن أتفاجأ
إذا علمتُ أنه، على الأقل، كان يفهم كلًّا من الاستبصار والإسقاط.
في الواقع، نجد المُثير أكثر للاهتمام المؤلِّفةَ التي شاركته في التأليف، السيدة
آني
بيسنت (١٨٤٧–١٩٣٣)، التي يصفها إمزلي بأنها «مُصلِحة اجتماعية متَّقدة الحماس، ولديها
ميول اشتراكية وطاقة لا حدَّ لها.»11 نشَرتِ السيدةُ بيسنت، التي تزوَّجت كاهنًا في البداية لكنها انفصلَت عنه في
النهاية، سرًّا كُتيِّبًا يُشكِّك في ألوهية يسوع المسيح، ومقالًا فيما بعدُ عن تنظيم
النسل. وساعدت في تنظيم إضراب «لأفقر الفقراء وأدنى الأدنياء» (معظمهم من النساء
والأطفال) ضد مصنع للثقاب في لندن في عام ١٨٨٨ وحقَّقت انتصارًا ساحقًا لحقوق
العُمال.11 وفي عام ١٨٨٩، تحوَّلت إلى مُعتقَدات الجمعية
الثيوصوفية، التي ركزت على خدمةَ البشرية والروحانية وعملت رئيسًا لها من عام ١٩٠٧ إلى
١٩٣٣؛ حيث عاشت في مقرِّها الأصلي في مدينة مدراس، في
الهند.11 كانت السيدة بيسنت أحد المؤيدين الأوائل
لاستقلال الهند، وأسَّست رابطة الحكم الذاتي الهندي في عام ١٩١٦.12 خلاصة القول، كانت سيدة «صعبة» ورائعة.
(٢) الشكل اللولبي الدوري للعناصر
شكل ٨-٦: الشكل اللولبي الدوري للعناصر لهاركينز وهول الذي ظهر في عام ١٩١٦
(من مجلة «جورنال أوف ذا أمريكان كيميكال سوسايتي»، ١٩١٦، بتصريح من
الجمعية الكيميائية الأمريكية).
في عام ١٨٦٩، رتَّب مندليف الثلاثة والستين عنصرًا المعروفة آنذاك وفقًا لتزايد
الكتلة الذرية، ووضعها في صفوف ترتبط خواصُّها الكيميائية بعضها ببعض. وسرعان ما حلَّ
محلَّ
هذا الجدول الدوري الرأسي (الشكل ٧-١٦) الشكل الأفقي الذي نأْلَفه
أكثر حاليًّا.13 كانت ثمة صور أخرى محتمَلة له، منها الأشكال الحلزونية واللولبية14 (انظر الشكل الحلزوني على شكل رقم ثمانية الإنجليزي لكروكس في عام ١٨٩٨، في
الشكل ٨-٥). ففي عام ١٩١٦ نشر دبليو دي هاركينز وآر إي هول جدولًا
لولبيًّا رائعًا للعناصر (الشكل ٨-٦).15 وبعد شهر من تقديم هاركينز وهول بحثهما لمجلة «جورنال أوف ذا أمريكان
كيميكال سوسايتي»، قدَّم جيلبرت إنَّ لويس بحثه «الذرَّة والجزيء» للمجلة نفسها، وسمحت
صيغه البسيطة التي يُعبِّر فيها عن الإلكترونات بالنقط للباحثين بمجرَّد النظر إلى الجدول
الدوري وتوقُّع طبيعة الرابط (روابط فردية، أو زوجية، أو ثلاثية) بين ذرَّات عناصر
المجموعة الرئيسة.16
قبل ثلاث سنوات من هذا اكتشف هنري جي جيه موزلي (١٨٨٧–١٩١٥) أن الجذر التربيعي
لتردُّدات الأشعة السينية الصادرة من الكاثودات المعدنية المُختلِفة كانت متناسبة
طرديًّا مع الأعداد الأصلية التي أطلَقَ عليها اسم «الأرقام الذرية».17 إنَّ الرقم الذري — العدد الصحيح للشحنات الموجبة في نواة الخلية، وليس
الوزن الذري — هو المحدَّد الحقيقي لهوية العنصر؛ فالرقم الذري هو الذي يُوفِّر
«التتابُع»18 المستمر للعناصر الواحد تلو الآخر الذي يَكمُن وراء المفهوم الدوري؛
فالعنصر الثامن بعد الليثيوم (#3) هو الصوديوم (#11)، ويأتي بعد هذا
بثمانية عناصر البوتاسيوم (#19). تشترك هذه العناصر الثلاثة في خواص كيميائية
متشابهة للغاية. وإذا كانت العناصر التسعة عشر الأولى قد وُضعَت بترتيب صارم من حيث
الأوزان الذرية، فإن العنصر #19 كان يُفترَض به أن يكون الأرجون (الوزن الذري =
٣٩٫٩٥) ويكون البوتاسيوم العنصر #18 (الوزن الذري = ٣٩٫١٠). كيميائيًّا، بالطبع،
كان هذا أمرًا سخيفًا، لكنه لم يكن يُمثِّل مشكلة قط لمندليف في عام ١٨٦٩؛ لأنَّ
الغازات الخاملة، لحسن حظه، لم تكن قد اكتُشفَت بَعْد.
أشار «السير» التدريجي لموزلي عبْر الجدول الدوري بوضوح، إلى وجود أعضاءٍ مفقودين
في
العائلة الأكبر والأكثر تعقيدًا، المكونة من ٨٥ عنصرًا التي كانت معروفة آنذاك. اهبطْ
«سُلم» هاركينز (الشكل ٨-٦) إلى أسفل، وستصل في النهاية إلى أثقل
عنصر عرَفه موزلي — اليورانيوم (الوزن الذري #92). (عُزل اليورانيوم لأول مرة على أنه
أُكسيد في عام ١٧٨٩، وأُعلن عن المعدن النقي في عام ١٨٤١.)19 وهذا هو مصدر «الرقم السحري» ٩٢، الذي يُعدُّ جزءًا من «كابالاتنا
الكيميائية» — عدد العناصر «الموجودة طبيعيًّا» التي رسَّخها موزلي في أذهاننا. إن
الواقع أكثر تعقيدًا من هذا. لاحظ وجود فراغ في الجزء الأمامي من الشكل (٨-٦)، مقابل العنصر #87 تحت السيزيوم مباشرة
(Cs)، ووجود فراغَين تحت المنجنيز
(Mn) مقابل العنصرين #43 و#75، وفراغ أسفل اليود
(I) مقابل العنصر #85. وإذا نزلنا السُّلم نحو
«القبو» المعتم والكئيب والخطير، فسنَكتشِف، عند مرورنا بالثاليوم
(Tl)، وجودَ فوضى وارتباك. كان الإشعاع، الذي اكتشفه
لأول مرة عام ١٨٩٨ هنري بيكريل،20 ناتجًا ثانويًّا للتحولات التي تحدث طبيعيًّا للعناصر التي تبادل هوياتها
أمام أعيننا. يوجد ستة نظائر مختلفة للرصاص (Pb) في الشكل
٨-٦. فنرى أسفل الزينون (Xe)
عنصرًا غامضًا #86 وانبعاثًا من الثوريوم (Th Em)، وأيضًا
من راديوم20 ماري كوري (Ra Em)، وقد سُمي الأخير اختصارًا «نيتونيوم» (Nt).
دعونا نهرب من القبو الإشعاعي ونصعد السُّلم. يوجد فوق التانتالوم
(Ta, #73) مباشرةً صدْع، وعلينا أن «نتسلق» «سُلمًا
حبليًّا» من ١٥ عنصرًا؛ يَرتبط أعلى عنصر فيها، اللانثانوم
(La, #57) عبْر حلقة غريبة بالعنصر #58 (السيريوم،
Ce). لقد قابلنا العناصر «الأرضية النادرة» التي
تُعرف حاليًّا باشتمالها على اللانثانوم، «اللانثانيد» الرابع عشر (#58–71)، بالإضافة
إلى العناصر الأخف وزنًا؛ الإتريوم (Y, #39)،
والسكانديوم (Sc, #21). عندما نشر هاركينز وهول شكلهما
اللولبي لأول مرة، كان يُعتقد أن العناصر من #57 وحتى #72 كلها عناصر أرضية
نادرة.
شكل ٨-٧: أُعيد طبعه بإذنٍ من كتيب «مَعْلَم كيميائي تاريخي طبيعي: فصل
العناصر الأرضية النادرة، جامعة نيوهامشر، ٢٩ أكتوبر، ١٩٩٩». حقوق
الطبع محفوظة، ١٩٩٩، الجمعية الكيميائية الأمريكية.
كانت الاختلافاتُ الواضحةُ في التفاعلية الكيميائية بين العناصر المتجاوِرة (مثل
الكبريت مقابل الكلور) التي أرشدت مندليف، غائبةً إلى حدٍّ كبيرٍ في العناصر الأرضية
النادرة السبعة عشر؛ فكان تركيبها الكيميائي مُتشابهًا للغاية (شكَّلت كلها في المعتاد
مركَّبات من نوع MX3 تكافؤها
٣)، بحيث كان من الصعب للغاية فصلُها. وهذا هو أصل الملحمة التي استمرت ١٥٠ سنة في
تاريخ الكيمياء.21،22 في عام ١٧٩٤، حصل جون جادولين على «عنصر أرضي» غير معروف (المصطلح المنقرض
حاليًّا للأكاسيد) من خام أسود يُسمى «الإتربيت» في قرية إتربي السويدية، واكتشف معدن
الإتريوم. وفي عام ١٨٠٣، عزل يونس ياكوب بيرسيليوس، وفيلهلم هيسينجر (السويديان) ومارتن
كلابروت (الألماني) في الوقت نفسه تقريبًا عنصرًا جديدًا آخَر وأعلنوا عنه، السيريوم،
من معدن السيريت. أُسند الفضل في الاكتشاف إلى كلابروت؛ لأنه كان أوَّل مَن عمل على
تنقيتِه على ما يبدو. في الواقع، كان للتعديلات في أساليبِ الفصل، وابتكار أساليبَ
جديدةٍ، واستخدام المطياف الذي اخترَعَه جوستاف وكيرشوف وروبرت فيلهلم بنسن، دورًا في
توجيه عزل كل العناصر الأرضية السبعة عشر (الشكل ٨-٧) من
«العنصرَين» الأصليَّين. وفي عام ١٩٠٧، أعلن كلٌّ من جورجس أوربين (فرنسا)، وكارل أور
فون فيلشباخ (النمسا)، وتشارلز جيمس (الولايات المتحدة)، في الوقت نفسه تقريبًا عزلَ
آخِر عنصر أرضي نادر. لم يَحدث هذا أيضًا دون مغامرة وجدال، لكن في النهاية نُسب إلى
أوربين الفضلُ في اكتشاف اللوتيشيوم (Lu, #71).21،22
أكد موزلي وضعَ هذه العناصر الأرضية النادرة ضمن عائلة العناصر، وأشار إلى عنصر واحد
مفقود (رقمه الذري ٦١)، وتوقَّع وجوده. في الشكل ٨-٦، يظهر
التعبير عن هذا العنصر الغامض ٦١ في صورة مساحة فارغة بين النيوديميوم
(Nd) والساماريوم
(“Sa”). وثمَّة عنصرٌ آخر مفقود،
#72 افترض أوربين وموزلي وغيرهما أنه من
العناصر الأرضية النادرة، جرى البحث عنه هباءً من عينات الخام التي أنتجت أسرة العناصر
السبعة عشر المترابِطة ترابطًا قويًّا.
شكل ٨-٨: نسخة لاحقة للشكل الدوري اللولبي لهاركينز وهول يَشمل الاكتشاف الذي
حدث في عام ١٩٢٣ للهافنيوم (Hf, #72،
وهو ليس عنصرًا أرضيًّا نادرًا كما اعتقد البعض في البداية)، وفصل
الرينيوم (Re, #75) في عام ١٩٢٥، رغم
أنَّ اسمه ليس مذكورًا بوضوح هنا (مُستخدَم بتصريح من مجلة «جورنال أوف
كيميكال إديوكيشن»، ١٩٣٤).
يُظهِر الشكل ٨-٨ نسخةً محدثةً من الشكل اللولبي لهاركينز نُشرت
في عام ١٩٣٤.13 إنَّ السمة المميزة حقًّا للعلم قُدْرتُه على
وضع تنبؤات واختبارها، وكلما كانت تلك التنبؤات جريئة، كان هذا أفضل. كانت الأماكن
الفارغة في جدول مندليف الدوري الأصلي (الشكل ٧-١٦) تنبؤاتٍ جريئةً
بعناصر جديدة، مثل الجاليوم (إيكا-ألومنيوم)، والجرمانيوم (إيكا-سيليكون). وقد اكتُشفَت
جميع العناصر التي تنبَّأ بها مندليف في غضون الأربع والعشرين سنة التالية. وحُلَّ لغز
الهافنيوم (Hf, #72) عندما طبَّق نيلز بور نسخته من
أعداد الكم، وأدرك أن العنصر #72 لم يكن مشابهًا للعناصر من #57 حتى #71، بل ينبغي أن
يكون مشابهًا إلى حدٍّ ما في سلوكه الكيميائي للزركونيوم
(Zr)، المعروفِ بكونه رباعيَّ التكافؤ. وبمجرد
معرفة هذا، عُثر على هذا العنصر الجديد بكميات ضئيلة في خامات الزركونيوم، وفُصل بمشقَّة،
وأُعلن عنه عام ١٩٢٣.22 أدَّت أفكار مشابهة إلى عزل الرينيوم
(Re) في عام ١٩٢٥ (رغم أنه ما زال مدرجًا بوصفه #75
في الشكل ٨-٦).22 البداية الجادة لعصر
الكيمياء النووية كانت في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين؛ فعُزل التكنيشيوم
(Tc, #43) والفرانسيوم
(Fr, #87) والأستاتين
(As, #85)، وآخِر العناصر الأرضية النادرة،
البروميثيوم (Pm, #61 — انظر الشكل ٨-٨) على مدار عَقْد من الزمن. كان موزلي سيبلغ من العمر ٦٠ عامًا،
لو عاش ليشهد اكتشاف البروميثيوم في عام ١٩٤٧. ولكن مع الأسف، طُلب للتجنيد الإجباري
في
أثناء الحرب العالمية الأولى، وأُصيب بطلق ناري وقُتل في معركة جاليبولي.
اكتُشفت عناصرُ ما وراء اليورانيوم (التي تزيد أرقامها الذرية عن ٩٢) لأول مرة في
عام
١٩٤٠.23 ويوجد أول عنصرَين منها، النبتونيوم
(Np, #93)
والبلوتونيوم (Pu, #94) في الطبيعة بكميات ضئيلة للغاية. غير
أنه في أربعينيات القرن العشرين صُنعت منهما كمياتٌ كبيرة باستخدام القصف النووي.
وقدَّمتْ سلسلةٌ من العناصر الجديدة المصنعةُ المتزايدةُ الوزنِ وغير المستقرة إلى حدٍّ
كبيرٍ، التي أُعلن عنها على مدار العقود الخمسة التالية، جدولًا دوريًّا متَّسعًا
للغاية.23 وإذا استمرَرنا في استخدام تشبيه السُّلم
الحلزوني، فسنجد أن علماء الكيمياء النووية كانوا يحفرون أسفل القبو المشع في قبوٍ
تحتيٍّ أكثرَ غرابة. ومع ذلك، لا يوجد سبب لافتراض أن الشكل اللولبي لا بد أن يبدأ من
الأخف وزنًا في القمة ويزيد الرقم الذري كلما توغَّلْنا إلى أسفل. بالنسبة لي أنا — عالم
الكيمياء العضوية — يبدو الترتيب في الشكل ٨-٨ جيدًا لي؛
فعناصري الهيدروجين والكربون والنيتروجين والأكسجين هي الأقرب إلى الجنة. إلا أن جنة
شخص ما ربما تكون جحيمَ شخص آخَر؛ فأنا أعتقد أن علماء الكيمياء النووية ربما يُفضِّلون
أكثر تزايد الرقم الذري مع الصعود؛ فقد كان هدفهم منذ فترة طويلة إيجاد «جزيرة ثبات»
(ربما «سحابة ثبات»؟) للعناصر الفائقة الوزن.23 وربما يرى
عالِم كيمياء عضوية مثلي هدفَهم هذا مثل «أتلانتس».23 وفي
عام ١٩٩٩، بدا أنه قد أمكن الوصول إلى هذه الأرض (أو السحابة) الموعودة مع التوليف
النووي لعنصر
#118.23 إلا
أنَّ هذا الزعم سُحِب فيما بعدُ، ولا يزال هذا الهدف صعب المنال.24
(٣) برقٌ أبيض داخل الذرَّة، قبلة أم نجمة
استخدم الكيميائي بريمو ليفي في كتابه المؤثِّر «الجدول الدوري»،25،26 ٢١ عنصرًا عناوينَ لفصوله، من أجل استعراضٍ رمزيٍّ لتجاربه وذكرياته
وأحلامه كيهودي إيطالي المولد يعمل في مدينة تورينو أثناء الحرب العالمية الثانية. على
سبيل المثال، في الفصل الافتتاحي، الأرجون، يُشبِّه ليفي أجداده من عصر النهضة الإيطالية
وورَثَتَهم بالغازات الخامِلة:27
تحمل المعلومات القليلة التي أعرفها عن أسلافي الكثير من أوجه الشبه بينهم
وبين هذه الغازات. فلم يكونوا جميعًا خاملين إلى حدٍّ كبير؛ إذ كان ذلك رفاهية
غير مُتاحة لهم. على العكس، فقد كانوا — أو كان عليهم أن يكونوا — نشطين إلى
حدٍّ كبير، حتى يَكسبوا عيشهم، وبسبب مبدأ أخلاقي يقول إنَّ «مَن لا يعمل، لا
يأكل.» لكن لا شكَّ في أنهم كانوا خاملين من داخلهم، ويَميلون إلى التفكير فيما
لا يهم، والحوارات الطريفة، والنقاشات الراقية والمعقَّدة التي لا مبرِّر لها … نبلاء،
وخاملون، ونادرون: إنَّ تاريخهم فقيرٌ للغاية عند مقارنته بتاريخ
المجتمَعات اليهودية الشهيرة الأخرى في إيطاليا وأوروبا.
شكل ٨-٩: الغلاف الأمامي وكعب الكِتاب لرواية «البرق الأبيض» الصادرة في عام
١٩٢٣ لإدوين هيربرت لويس «الغريبِ الأطوارِ» نوعًا ما. كان المؤلف
مطلِعًا ومواكبًا إلى حدٍّ كبير لمجال الكيمياء (خاصةً الكيمياء
النووية)، وكانت روايته المكوَّنة من ٣٥٤ صفحة مقسمةً إلى ٩٢ فصلًا،
تبدأ بالأكسجين وتنتهي باليورانيوم. كانت الفصول ٤٣ و٦١ و٧٥ و٨٥ و٨٧
غير معنونة بالطبع، لكن الفصل ٧٢ كان بعنوان «هافنيوم»؛ نظرًا للإعلان
عن هذا العنصر في عام ١٩٢٣، وهي السنة التي نُشرت فيها الرواية. تمثَّلت
الهديَّتان الخالدتان اللتان تركهما لويس للأجيال القادمة في جامعة
شيكاجو مدرسته الأم، وابنته، الشاعرة والروائية البارزة جانيت لويس،
التي تُوفيَت في عام ١٩٩٨ عن عمر يُناهز التاسعة والتسعين.
(عرضيًّا، زعم ليفي خطأً أنَّ الأستاذ نيل بارتليت حصل على جائزة نوبل في الكيمياء
لاكتشافه في عام ١٩٦٢ أن غاز الزينون الخامل يتفاعَل ليُشكِّل مركبات
كيميائيةً.27 ورغم أن معلومات ليفي التاريخية كانت
خاطئة، أعتقد أن حكمه كان سديدًا.)
قبل خمسين سنة من نشر كتاب «الجدول الدوري»، ألَّف إدوين هيربرت لويس، «أستاذُ اللغة
الإنجليزية الغريبُ الأطوارِ في معهد لويس في شيكاجو»،28 كتابَ «البرق الأبيض»29 (الشكل ٨-٩)، وهو روايةٌ من ٣٥٤ صفحة مقسمة إلى ٩٢
فصلًا، يحمل كلٌّ منها اسم عنصر بحسب ترتيب الرقم الذري (المُكتشَف حديثًا). إنه كتاب
جريء يحمل الطابع المندليفي — فالفصول ٤٣ و٦١ و٧٥ و٨٥ و٨٧ لا تَحمِل أسماء وتتَّسم بالغموض
على وجه الخصوص.30 تَحكي الرواية بلوغ مارفن ماهان سن الرشد، وتعامله مع القنابل والغاز في
الحرب العالَمية الأولى، ونشأته في عشرينيات القرن العشرين عالِمًا شابًّا ذكيًّا في
مجال الكيمياء الإشعاعية. يُوظف «البرق الأبيض» استعارةً على مدار الكتاب للطاقة
المخبَّأة في المادة — فالمارفن هو «جِنِّيُّ هذا البرقِ المحبوسُ في زجاجة»؛31 والأرض تظهَر من كوكب الزهرة على أنها «نقطة ثابتة من البرق الأبيض».32 ولكي يدَعَ الاستعارة تتفجَّر من الزجاجة، يُفكِّر مارفن متأملًا:33
إنَّ وَجْنة الفتاة، التي يبدو ملمسها ناعمًا على الشفتَين، هي في الواقع سماء
مرصعة بالنجوم، مملوءة بالشموس والأقمار الكهربائية. والجهد بين كل شمس
وأقمارها هو الذي يمنع هذه الوجنة من الانفجار عند تقبيلها. وهنا كان يدعوها
جميعًا «عزيزاتي»! حسنًا، ربما كان يعلم أن الفتيات يتكوَّنَّ من الكهرباء؛
فقد كان دومًا يشعر بها وهي تسري في ذراعه.
والأخطر من هذا، بتنبأ لويس باستخدام الأسلحة النووية:34 «البرق دون الذري وحده هو الذي سيُعلِّم الألمان.» وللمفارَقة، يتنبَّأ
المؤلِّف أيضًا بنشوب حرب حتمية مع اليابان على الموارد الطبيعية والاستعمار في آسيا.
تُمثِّل يد مارفن اليُسرى أيضًا رمزًا قويًّا؛ نظرًا لأنها تحتوي على البرق وتتلقَّاه
وتُطلقه (الشكل ٨-٩). تُفجِّر هذه اليدَ قنبلةٌ في الحرب، ومن
ثَمَّ تُبتَر، ويفقد بذلك كمال شبابه وبراءته.
في حين أنني لستُ «ناقدًا أدبيًّا» معترَفًا به، فإنني أعتقد أن ناقدًا في عام ١٩١٦
لكتاب آخَر من كُتبِ لويس قد صنَّفه روائيًّا كما يستحق: «تتحرك الحبْكة بسلاسة بمساعَدة
صُدفٍ رائعة وقصص غرامية مُستحيلة.»35 ومع ذلك، دعونا نُشِد بالمؤلف إشادةً كبيرةً بوصفه ملاحظًا مطلِعًا وخبيرًا
في الكيمياء. فقد كان مطلِعًا للغاية ومواكِبًا للثورة المعقَّدة في فهْم تركيب النواة
الذرية، التي كانت قد تحرَّكت بالفعل في وقتِ تأليفه لكتاب «البرق الأبيض». قرأ مارفن
عن
اكتشاف هنري جي جيه موزلي للأرقام الذرية في عام ١٩١٤:36 «لقد اكتشفها هذا المغمور موزلي — طريقة أكيدة لتحديد مقدار الكهرباء
المخبَّأة في قلب الذرَّة … فكِّر في الأمر — تُمثِّل ذرَّةُ الرصاص كونًا صغيرًا من
البرق
المضغوط؛ إذ تحمل اثنين وثمانين قمرًا كهربائيًّا في سمائها … وإذا كان جرام من
الراديوم يُصدِر طاقةً تكفي لرفع خمسمائة طن على ارتفاعَ ميل، فإن جرامًا من الرصاص
المتحلِّل يُفترَض به تشغيلُ كل عجلة في مصنع كبير!» (وعندما تعرَّض موزلي لطلقٍ ناري
وقُتل في سن السابعة والعشرين في معركة جاليبولي — «اخترق الرصاص العقل الوحيد الذي فهم
الرصاص بحق».)37 يَلتحِق مارفن بجامعة ييل ويعمل تحت إشراف الأستاذ (الحقيقي للغاية) بيرترام
بوردن بولتوود، مُكتشفِ «الأيونيوم» (الذي سرعان ما اتضح أنه نظير الثوريوم من التحلُّل
الإشعاعي لليورانيوم).38 في الواقع، يَستشهِد لويس بعمل سودي وأستون واكتشافهما للنظائر، ويذكر بحماس
تحويلَ روثرفورد النووي للنيتروجين، ويُقدِّم الفهْم المعاصر للنظائر الذي يُفسِّر وحدات
الكتلة الإضافية بوصفها نتيجةً لتحييد البروتونات النووية بفعل الإلكترونات النووية.
وقد تحقَّق اكتشاف النيوترون على يد تشادويك في عام ١٩٣٢، بعد عَقْد تقريبًا من نشر كتاب
«البرق الأبيض».
أحيانًا، كان لويس «يُصيب الهدف» بالفعل. كانت أول «محبوبتَين» لمارفن هما سينثيا
وجريشا. تشهَد جان، السيدة التي أصبحَت زوجته في الفصل ٩٢، وفاةَ والدتها المبكِّرة بسبب
سكتة دماغية مفاجئة في اليوم نفسه الذي علمتُ فيه بمقتل أخيها في الحرب. ورغم أن هذا
الفصل (١٠) مفتعَلٌ للغاية، فإنه يُشبِّه النيون بكونٍ بارد وغير مبالٍ وغير أخلاقي —
«لكن طوال الوقت ظلَّ الغاز النبيل المدعو نيون غيرَ متأثِّر. مثل كيميائي هادئ العينين
ينظر إلى المستقبل، ولم يَسمع أي انفجار.»39 وتتعهَّد جان، المخدَّرة عاطفيًّا، بالعفة في الفصل الثامن عشر (الأرجون)،
وبألا تسمح لأي رجل بالتودُّد إليها — «ستكون مستعدةً لهم، وهي خاملة مثل الراهبة.»40
غير أن مؤلِّفنا لا يُمكنه مقاومة الجنوح نحو مبالغة دورية؛ ولذلك نجد مارفن في الفصل
٣١ (جاليوم، وهو عنصر تنبَّأ مندليف بأنه سيشغل فراغًا في جدوله الدوري) يَضرِبه البرق
من
زوجته المستقبلية:41
تمامًا مثلما تنبَّأ مندليف بوجود عنصر مثل البورون وعنصر مثل الألومنيوم، كان
يعرف أيضًا لا شعوريًّا أن ثمة فتاةً متَّقدة الحماس مثل سينثيا ومستقلَّة على نحو
رائع مثل جريشا.
ويسوء الوضع أكثر:
الفصل ٢٥: «أصبح وجه جيمي ورديًّا أكثر من أملاح المنجنيز.» (يا إلهي!)
الفصل ٢٧: بطريقةٍ ما علمتُ عندما بدأتُ أقرأ الفصل ٢٧ أن اللورانسيوم لا بد أن
يكون في زرقة الكوبالت. (وماذا أيضًا؟)
الفصل ٣١: «قد لا تذوب تمامًا في يديه كما يذوب معدن الجاليوم، لكنها ستَستسلِم.»
(النجدة!)
الفصل ٣٨: يبدأ: «جذف الشاب السعيد إلى جزيرته المستأجرة، ولبعض الوقت جلس
يشاهد أضواء المرفأ القادمة من النهر، حمراء مثل نترات العنصر رقم
ثمانية وثلاثين.» (كنت أُفضِّل: «كانت ليلة مظلمة وعاصفة …»)
الفصل ٥٠: (القصدير، إذا كنتَ ما زلت منتبهًا): «أنا أحب اللبن المعلَّب من
الدرجة الأولى» (بالطبع كنت ستفعل).
الفصل ٥٩: براسوديميوم. كيف تَستحوِذ على اهتمام القارئ بهذا العنصر؟
حسنًا، تَنتهي الأمور كلها بسعادة. فيستطيع الأرجون تكوين مركَّب.42 و(نسيت) ترفض جان في البداية عرْض مارفن للزواج منها بازدراء، وتدعوه إلى
العودة وزيارتها بعد ثلاث سنوات من هذا اليوم مع زوجته. وفي أثناء السنوات الثلاث
التطهيرية هذه، يبدأ مارفن ترْكَ أثره، فتبدأ جان تهتم بالكيمياء وتنشئ مختبرًا بسيطًا،
وتؤدِّي بها عقليتها الألمعية إلى أن تعجب بماري كوري وتَكتشِف وحدها بعضَ التساؤلات
الكيميائية الأساسية في هذا الوقت. يعود مارفن ويعلم أنه سيشغل منصبًا جامعيًّا في
الكيمياء في بالو ألتو (ستانفورد)، وتقبل جان أخيرًا الزواج به. ورغم احتمال ذكر بيير
وماري كوري هنا، فإن أنطوان وماري آن بيريت لافوازييه كانا الأنسَب على الأرجح.
وماذا عن مؤلفنا المتميِّز السيد لويس؟ يُقال إن أهم إسهاماته الأدبية كانت ابنته
— جانيت لويس (١٨٩٩–١٩٩٨)؛28،43 فقد كانت شاعرةً وكاتبةً مسرحيةً وروائيةً ذائعةَ الصيتِ، تظلُّ أشهر أعمالها
رواية «زوجة مارتن جير». وكتبت كذلك نَصَّ كلمات أوبرا ويليام بيرجسما التي تحمل العنوان
ذاته، وربما من المنطقي اعتبار عملها أحد المصادر التي قام عليها الفيلم الفرنسي «عودة
مارتن جير». ومن الرائع تخيُّل حوار بين الأب وابنته يَشمل اهتمامهما المشترك بالسكان
الأمريكيِّين الأصليِّين — فهم منتشرون في كتاب «البرق الأبيض»، ويمثلون موضوع أول كتاب
شعري للسيدة لويس («الهنود في الغابة»، ١٩٢٢). وربما احتوى جزء من حوارهما الرائع على
مزيجٍ من العلم والشعر كما فعلت على نحو رائع في هذا العمل الموجز:44
الصباح الباكر
الطريق
الذي يسلكه العنكبوت في الهواء،
غير مرئي
حتى يلمسَه الضوء.
المسار
الذي يسلكه الضوء في الهواء،
غير مرئي
حتى يَعثُر على شبكة العنكبوت.
(٤) «أقايضك بيب روث بأنطوان لافوازييه!»
يُعدُّ بيب روث «أبو لعبة البيسبول الحديثة» بسبب ما أحدثته ضربتُه المثاليةُ من
ثورة
في لعبة البيسبول؛ ففي عام ١٩١٨، لم يحقِّق أي من فِرَق الدوري الرئيسي الست عشرة أكثر
من
٢٧ ضربة مثالية.45 في تلك السَّنة أَهَّل روث البالغُ من العمر ٢٣ عامًا فريقَ بوسطن ريد سوكس
إلى بطولة العالم، من خلال فوزه باثنين من انتصاراتهم الأربعة في نهائيات كأس العالم،
وكان أفضلَ لاعبٍ مناصَفةً في الدوري في الضربات الآمنة مع لاعب آخر (بواقع ١١ ضربة
لكلَّ منهما).46 وفي عام ١٩١٩، وهو آخر عام له مع الريد سوكس، أحرَز روث ٢٩ من إجمالي ٣٣
ضربة آمنة لفريقه في الموسم بأكمله. باع فريق الريد سوكس، الذي كان بحاجة إلى المال،
روث سريعًا إلى فريق نيويورك يانكيز الثري، ولم يَفُز بنهائيات كأس العالم منذ عام ١٩١٨
(«لعنة فينواي» الشهيرة). وفي عام ١٩٢٠، سدَّد روث، بعد التحاقه بصفوف اليانكيز، ٥٤
ضربة آمنة — أي أكثر من إجمالي ضربات الموسم الأربع عشرة لفِرَق الدوري الرئيسي الخمس
عشرة. وفي عام ١٩٢١ سدَّد ٥٩ ضربة آمنة، ووضع في عام ١٩٢٧ الرقْم القياسي الحديث، ٦٠،
الذي استمر طيلة ٣٥ سنة. وفي عام ١٩٣٠، وقَّع روث على راتب ٨٠ ألف دولار في السنة،
وعندما قيل له إنه يَحصُل على أكثر من رئيس الولايات المتَّحدة، رد قائلًا: «حسنًا، لقد
كان
عامي أفضل من عامه.» ويقول التاريخ إنَّ روث كان على الأرجح محقًّا. أعاد أنطوان لوران
لافوازييه «أبو الكيمياء الحديثة» تعريفَ الكيمياء بالكامل، وأحدثَ ثورةً فيها. وبوصفِه
واحدًا من ٤٠ «ملتزمًا» في «مؤسسة جمع الضرائب»، يُمكن تصوُّر أن لافوازييه كان يتقاضَى
راتبًا في عام ١٧٨٩ أعلى من راتب لويس السادس عشر، ورغم أنني أشكُّ في هذا، لكنه
بالتأكيد لم يكن يجرؤ على التفاخُر بالأمر. من المُنصِف أيضًا القولُ إنَّ لافوازييه
حظي في
عام ١٧٨٩ بعام أفضل من الملك. لذلك من المُنصف على نحو بارز أن نطلق على بيب روث «أنطوان
لافوازييه البيسبول». وربما يُفكِّر المرء حتى في أن يُطلِق على لافوازييه «بيب روث
الكيمياء».
شكل ٨-١٠: بطاقاتُ هواةٍ تُصوِّر أشهر علماء الكيمياء صدرت عام ١٩٣٨ من علامة
«لا سيجاريت أورينتال دو بيلجيك» التجارية. انظر الصور الملوَّنة. رغم أن
شركة توبس أصدرت بطاقات مبادلةٍ للعلكة في أوائل خمسينيات القرن
العشرين تضم صورة ماري كوري ولويس باستير، يبدو أنه لا توجد سوق حالية
لسلسلة بطاقات «نجوم الكيمياء» للمبادلة على العلكة. يا للخسارة! (خالص
امتناني لجيمي وستيف بيرمان على هذه المعلومات.)
تبدو لي مقايَضة بطاقة بيب روث في البيسبول ببطاقة لافوازييه أشبه ﺑ «السرقة». ومع
ذلك، فإنَّ الواقع المرير يُشير إلى أنه توجد حاليًّا سوق استثمار نشطةٌ للغاية في مبادَلة
بطاقات البيسبول، بينما لا تُحقِّق مبادلة بطاقات الكيمياء، الذي كان «مُستعِرًا» في
بلجيكا
وهولندا منذ أكثر من ستين عامًا، «ربحًا عند بيعها» في الواقع. ولأنَّني لم أسمع عن
كيميائيين وقَّعوا عقودًا لمدة ١٠ سنوات بمبلَغ ٢٥٢ مليون دولار47 ببنود احتكار، فعلى الأرجح لن تحدث نهضةٌ في بطاقات الكيمياء في المستقبل القريب.48
إنَّ الصور الجميلة الموضَّحة في الشكل ٨-١٠ مأخوذةٌ من بطاقات
المبادلة في مجال التبغ أصدرتها علامة «لا سيجاريت أورينتال دو بلجيك» التجارية في عام
١٩٢٩ أو ١٩٣٠ (الكتابات على ظهر هذه البطاقات كانت بالفرنسية والفلمنكية). يُظهِر الشكل
٨-١٠(a) كارل فيلهلم شيله،
وهو صيدلاني سويدي متَّقد الذكاء، ذو موارد معيشية متواضِعة للغاية، استطاع اكتشاف
الأكسجين لأول مرة، لكنه فشل في فهْم دوره في عملية الاحتراق. وتظهَر في الشكل ٨-١٠(b) صورة للأرستقراطي أنطوان
لوران لافوازييه، «أبو الكيمياء الحديثة». ويَظهر في الشكل ٨-١٠(c) همفري ديفي الوسيم وسامة الأطفال، التي أدت
شروحه الكيميائية إلى التحاق النساء، مثل الرجال ﺑ «الأمسيات الكيميائية» في المعهد
الملكي بدايةً من عام ١٨٠١. ويعرض الشكل ٨-١٠(d) صورة كلود برتوليه، الذي أدى اكتشافه «لتأثير
قانون الكتلة» إلى طرح تساؤلات أثارت حَنَق نظرية دالتون الذرية فيما بعد حتى أصبحت
التناقضات مفهومةً بالكامل. في المقابل، دعم قانون دمج أحجام الغازات لجاي-لوساك
(الشكل ٨-١٠(e)) بشدة، النظريةَ
الذريةَ للكويكري المُتواضِع في زينته، جون دالتون (الشكل ٨-١٠(f)). كان يوستوس ليبيج (الشكل ٨-١٠(g)) أحدَ مؤسسي «الكيمياء
الحيوانية» (الكيمياء الحيوية)؛ فقد ساعد عمله في الكيمياء التحليلية على ترويض «الغابة
البدائية» للكيمياء العضوية. أما روبرت بنسن (الشكل ٨-١٠(h))، الكيميائي والفيزيائي الألماني، فقد شرع
في صنع المطياف من أجل تحليل المعادن النزرة، لكن أصبح مصدر الضوء المُستخدم في هذا
الجهاز حاليًّا هو مَوقِد بنسن المعروف لكل مَن درس الكيمياء في المدرسة الثانوية. أما
الشكل ٨-١٠(i) فهو صورة
لألفريد نوبل، الذي حقَّق ثراءه من صنع المتفجِّرات، والذي أوصى بثروته لإنشاء أشهر جوائز
في العالم تحمل اسمه، التي من بينها جائزة نوبل للسلام.
شكل ٨-١١: بطاقات مبادلة صادرة في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين تُصوِّر
مختبرات كيميائية وكيميائيين مشاهيرَ. ظهرت صورة جاي-لوساك التي نُشرت
لشيكولاتة بولين (ذُق وقارنْ! جودة دون منافس) على نحو رائع على وجه
الخصوص. وتُمثِّل البطاقة الموجودة في الجزء السفلي الأيسر نسخةً للَّوحة
الشهيرة لمختبر يوستوس ليبيج في جامعة جيسن. والكيميائي الموجود في
الجزء الأمامي في منتصَف الصورة ويستخدم المِدقَّة والهاون بأسلوب حالم
هو جدي الكيميائي الأكبر، أدولف شتريكر.
يَعرض الشكل ٨-١١ ستة مشاهد لمختبرات. رفعت بطاقة شوكولاتة بولين
التي تُصوِّر جاي-لوساك — في الجانب العلوي الأيمن في الشكل ٨-١١ —
فنَّ بطاقات المبادَلة إلى مستوى جديد. ويرجع تاريخ البطاقة الموجودة في المنتصَف على
الجانب الأيمن إلى ثلاثينيات القرن العشرين، وهي تصوير ألماني على الأرجح لمختبَر في
مطلع القرن، وتُظهر البطاقة في الجانب السُّفلي الأيسر لويس باستير في مختبَره. أما
البطاقات الثلاث الملوَّنة على يسار الشكل ٨-١١، فهي من سلسلة نشرتْها
في ثلاثينيات القرن العشرين شركة إيطالية تُروِّج لشركة ليبيجز ميت إكستراكت. وتُصوِّر
البطاقة العليا مشهدًا تخيليًّا في المختبر الأسطوري للفيزيائي والكيميائي العربي في
القرن الثامن جابر بن حيان.
أما البطاقة الثانية على يسار الشكل ٨-١١، فتُصوِّر لافوازييه49 وبرتوليه في السوربون في باريس، رغم عدم تقلُّد أي منهما منصبًا هناك. دافع
برتوليه عن نظرية الفلوجستون بين عامَي ١٧٨٠ و١٧٨٣. وفي عام ١٧٨٣ اكتُشفت الطبيعة
الحقيقية للماء على يد كافنديش وصُنع هذا المركَّب من عناصره بعناية، وتحلَّل مرةً أخرى
إلى عناصره على يد لافوازييه. واتَّضح أن الماء هو مركَّب يتكون في ثمانية أجزاء بالضبط
من وزنه من الأكسجين وجزء واحد من الهيدروجين. فلم يكن، في النهاية، «فلوجستونًا منزوع
الفلوجستون». وفي أبريل عام ١٧٨٥ أصبح برتوليه أوَّل كيميائي فرنسي بارز يدعم نظرية
لافوازييه الجديدة عن الأكسدة.50 وظلَّ صديقًا للافوازييه، ونجا من الثورة الفرنسية مع الحفاظ على نزاهته،
ورافق نابليون في بعثته العسكرية والعلمية إلى مصر في عام ١٧٩٨. وفي أثناء هذه البعثة
أجرى برتوليه اكتشافه المُثير للاهتمام لرواسب الصودا (كربونات الصوديوم) على شواطئ
البحيرات المالحة، مما أدَّى إلى صياغته لنظرية قانون الكتلة.51 وبنزاهته المميزة كأحد أعضاء مجلس الشيوخ، صوَّت برتوليه لعزل صديقه في عام
١٨١٤ من أجل إنهاء الحرب الكارثية التي قادها نابليون.50
أما المشهد الذي يظهر في البطاقة السُّفلية على اليسار في الشكل ٨-١١، فهو لمُختبر يوستوس ليبيج في مدينة جيسن، ويوجد المُختبر الأصلي في متحف جامعة جيسن.
تحدَّدت هوية معظم الشخصيات الموجودة في الشكل.52 فالشخصية الجالسة في الوسط بالأمام والتي يستخدم صاحبها، بأسلوب حالم،
المِدقَّة والهاون، هو تلميذ ليبيج، أدولف فريدريك لودفيج شتريكر، جدي الأكبر، من
الناحية الكيميائية (نعم؛ فذأنا أيضًا أحد الحَفَدة الكيميائيين لليبيج — انظر خاتمة
هذا
الكتاب). وعلى يسار شتريكر يقف هاينريش ويل، الذي سيخلف ليبيج عما قريب مديرًا في جيسن.
وفي أقصى اليمين من هذه الصورة يوجد أوجست فيلهلم هوفمان، أعظم تلاميذ ليبيج، الذي قَبِل
وظيفة أستاذ في الكلية الملَكية للكيمياء بعد رفض معلِّمه لها.53
شكل ٨-١٢: كان يوستوس ليبيج أحدَ الرواد الأساسيين في الكيمياء الحيوية
(الكيمياء الحيوانية والنباتية والغذائية). وكانت له آراءٌ قويةٌ بشأن
أهمية «عصارة اللحم» في النظام الغذائي، وأعار اسمه للأنشطة التجارية.
(توجد حاليًّا شركة تبيع أقراص فيتامين سي للينوس بولينج.) موَّلت شركة
يوستوس ليبيج هذه البطاقات البلجيكية التي طُبعَت في ثلاثينيات القرن
العشرين، وروَّجت لخطِّهم من المنتجات الغذائية. انظر الصور الملوَّنة.
وأنا أدين بالفضل لجيمي وستيف بيرمان لتزويده لي بهذه
المعلومات.
الآن ماذا نفهم من بطاقات المبادلة الست الظاهرة في الشكل ٨-١٢
التي تُروِّج لمنتجات يوستوس ليبيج الغذائية، وعليها نسخة طِبق الأصل من توقيعه (تمامًا
مثل التي توجد على بطاقات البيسبول)؟ كان ليبيج يُؤلِّف كُتبًا علميةً عن الكيمياء
الغذائية منذ أربعينيات القرن التاسع عشر. وكانت لديه نظرية عن الأهمية الحيوية «لعصارة
اللحم» للنظام الغذائي والصحة،54 كما صنع «شايًا من الدجاج» من خلال ترك الدجاج المفروم منقوعًا في ماء بارد
لساعات مع بضع قطرات من حمض الهيدروكلوريك المُضاف من أجل تليين اللحم. واتَّضح أن تناول
جرعات متكرِّرة من هذا المشروب يعالج كل أنواع الأمراض. غير أن أشهر مُستحضراته كان خلاصة
اللحم التي أعدَّها. وفي عام ١٨٥٦ عيَّن مهندسُ سكةِ حديدٍ ألمانيٌّ يُدعى جورج
كريستيان جيبرت، ليبيجَ مديرًا لشركة ليبيج إكستراكت أوف ميت المؤسَّسةِ حديثًا. بيعت
أسهم الشركة في سوق لندن للأوراق المالية.54 وحتى يومنا هذا
لا يزال مُستخلص ليبيج للحم يُباع في ألمانيا. صدرت بطاقات المبادلة الموضَّحة في الشكل
٨-١٢، التي كُتب تعليقُها بالهولندية، في ثلاثينيات القرن
العشرين. إنها بطاقات جذابة، ويُوجد على ظهرها قصص مفيدة عن الكيمياء.55 تخبرنا البطاقة الأولى (مكعبات ليبيج، تعطي الطاقة والمذاق اللذيذ) عن
«الفن المقدس في مصر القديمة» بأسلوب موجز لكنه غني بالمعلومات المفيدة إلى حدٍّ كبير.
أما البطاقة الثانية (رافيولي ليبيج مع البيض: أرقى الأطباق الإيطالية) فتصف تاريخ
بداية الأدوية العامة الشافية من كل داء في أرض العرب، بما في ذلك عملُ كيميائيِّ القرن
الثامن جابر بن حيان. وتصف البطاقة الثالثة (بوالون ليبيج النقي (مكعبات): الدجاج
المثالي) الكتالوني الصوفي راموند لولي (رامون لول) الذي ظهر في القرن الثالث عشر،
والذي يُنسب إليه (زعمًا) عددٌ كبيرٌ من كتُب الكيمياء القديمة. وتُقدِّم البطاقة
الرابعة (معجون الطماطم المركز لليبيج: مذاق قوي) لمحةً معلوماتيةً عن حياة باراسيليوس،
الذي صنع ووصَف الأدوية التسعة والتسعين المكونةً من مركَّبات معدنية بدلًا من المواد
المُستخلصَة والمقطرة التقليدية المستخرَجة من النباتات والحيوانات. وتعرض البطاقة
الخامسة (خلاصة اللحم لليبيج: صديق الذواق) نقاشًا ممتعًا للطبيب الإنجليزي وعضو
الجمعية الملكية، الذي ظهر في أواخر القرن الثامن عشر، جيمس هيجينبوثام. ادَّعى
هيجينبوثام أنه اكتشف «حجر الفيلسوف». وعندما أخذته الجمعية الملكية إلى المحكمة حتى
يثبتَ مزاعمه، سمَّم نفسه أمام زملائه. وتُخبرنا البطاقة السادسة (نكهة ليبيج: تُنكِّه
الطعام) عن جوزيف بالسامو، المعروفِ أيضًا باسم كونت أليساندور دي كاجليوسترو، الذي
أحدث ضجة في بلاط لويس السادس عشر كصانع للمعجزات و«صانع للذهب». لا يَسَعُ المرءَ إلا
تخيُّلُ أن لافوازييه «يصنع لحمًا مفرومًا منه»، لكن يبدو أن الفرصة لم تُتَح له قط.
ونظرًا لاشتهاره بعدة فضائح، انتقل بالسامو إلى روما؛ حيث قُبض عليه في أثناء محاكم
التفتيش وتُوفي في الحبس عام ١٧٩٥.
يصف الجزء الخلفي من بطاقات الصور الشخصية الواردة في الشكل ٨-١٠
تفاصيلَ حياة هؤلاء الكيميائيين المُختلفين، لكننا نحب تنسيق الأسطر في شكل إحصائيات
الذي يظهر على الجزء الخلفي من بطاقات البيسبول التي تضمُّ عادةً بعض الأسطر القليلة
الموجزة الجذابة عن حياتهم المهنية. ولنُحاول تقديم استعراض «منقَّح» للجزء الخلفي من
بطاقة يوستوس ليبيج (الشكل ٨-١٠(g)):
البارون يوستوس «الحارس» فون ليبيج رقم ٥٧
الميلاد: عام ١٨٠٣ في دارمشتات،
الطول: ٥ أقدام
الوزن: ١٤٥ رطلًا.⋆
ألمانيا.
و٩ بوصات.⋆
يكتب على السبورة: باليد
اليمنى.⋆
يمسح السبورة: باليد اليسرى.⋆
اخترع يوستوس، الذي يُفضِّل أن يطلق عليه «السيد الأستاذ الدكتور» أو أحيانًا
«البارون» فقط لأصدقائه، فعليًّا تحليلًا دقيقًا للمواد العضوية، ووضعَ أساس فهْم
الكيمياء العضوية، ويُعدُّ أحد رواد الكيمياء الحيوية. وجعلته معاييره الصارمة في
عمله كرئيس تحرير لمجلة «أنالين دير شيمي أوند فارماتسي» يَحصُل على لقب «الحارس».
وكان أوَّل كيميائي في دوري النخبة يُوقِّع عَقْدَ ترويج مجز لمنتج. وكانت هوايته
الجدل الكيميائي «المُحتدِم» الذي يقول عنه بفخر «لا مكان للتساهل في
قاموسي.»
إحصائيات
مهنية.⋆
المحاضرات التي بدأها
المحاضرات التي أتمها
الطلاب المتأثرون
التحليلات المكتملة
عقوبات الجدل (بالدقائق)
المجلة المنشأة
٣٢٥١
٣٢٥١
٧٠٥
٢٣٤٨
٣٦٥٥
١
⋆ هذه أشياء
تخيُّلية فيما عدا عدد الطلاب الذين أثَّر فيهم والمجلة التي أسَّسها.
يُشير المؤرخ الكيميائي ويليام إتش بروك إلى أن ليبيج كان عالِمًا معروفًا للغاية،
اتخذ مواقفَ قويةً فيما يتعلَّق بقضايا ذات أهمية كبرى للرأي العام، مثل الزراعة والتغذية
والصحة العامة.56 ويُقارنه بروك،56 في هذا الشأن بلينوس بولينج،
الذي هيمنَ على الكيمياء في القرن العشرين، ولعب أيضًا دورًا مهمًّا في النقاش الدائر
حول
الاختبار الجوي للأسلحة النووية، وحول البيئة، وفيتامين سي، والسلام، والصحة العامة.57 لم يكن بولينج أيضًا بعيدًا عن الجدل، وربما يحتوي الجزء الخلفي من بطاقة
مبادلته (الافتراضية) على عدد الطلاب الذي أثَّر فيهم (عشرات الآلاف)، وجوائز نوبل (٢)،
والشيوعيين الأرثوذكسيين والمكارثيين الذين أغضبهم (جميعهم).
أهدي هذا المقال إلى العدد اللانهائي من طلاب الكيمياء الذين يَسمَحون أحيانًا (أحيانًا
كثيرة، بالمناسبة) لعقولهم بالانجراف بعيدًا أثناء الدرس عندما يَرسمون أو يحلمون — مثلًا،
بالسيدة الشابة التي اقتنت كتاب «الكيمياء» لكولي (الشكل ٨-١٣)59 منذ أكثر من قرن وتتحدث إلينا، في يوم جنوبي قائظ في أواخر شهر مايو، ربما
عبْر رسوماتها.
شكل ٨-١٣: ماذا حدث للسيدة الشابة التي رسمَت بإبداع بالغ في كتاب الكيمياء الذي
كان يُدرَّس لها في المرحلة الثانوية منذ أكثر من قرن؟ ما الذي كانت
تحلُم به في يقظتها في قاعة الدرس؟ اقرأ المقال المصاحِب واكتشف «حياتها
السرية».
حسنًا أيها الطلاب، عَلِمنا الآن بالفعل كيف نحصل على الملح الصخري (نترات
البوتاسيوم، كما تعلمون) من الحظائر والفحم من خلال حرق الخشب في ظروف تقلُّ
فيها نسبة الأكسجين. والآن سنتحدَّث عن المكوِّن الأخير للبارود وهو الكبريت.
الكبريت هو مادة صلبة صفراء غير مُتَبَلِّرة تُستخرج عادةً من معدن البيريت عن
طريق تسخينه في بيئة مغلَقة مع مراقبة الأبخرة وهي تصعد بتكاسُل إلى الجوانب
العلوية من الوعاء، و…
فكَّرت واندا قائلة: «إنها ذكية للغاية لكنها حادة في أسلوبها. أتساءل عما إذا كان
أُتيح لها على الإطلاق مزيدٌ من الاختيارات بخلاف التدريس في هذه المدرسة العليا
القديمة الصغيرة. نحن نُطلِق عليها «أستاذة»، لكني أعتقد أنها يُمكن أن تكون جنرالًا
في
الجيش وأنا الضابط المساعد لها.»
«أيها الكولونيل ويتي، نحن تنقصنا الذخيرة، ولدينا عجز في الطعام والضمادات، ولا توجد
متفجِّرات، وكتيبة يانكي تتقدَّم نحونا في الوادي أسفل منا!» يمكن سماع صوت المحرك البخاري
الذي يُحرِّك قاطرة الكتيبة بصوت خفيف للغاية من على بُعد (بوكيتا-بوكيتا-بوكيتا) مع
استخدام القوات الزاحفة مدافعَ الهاون ونيرانَ القناصة للتخلُّص من مقاومة الجنود
الكونفيدراليين بالقرب من مزرعة الألبان. تقول الكولونيل بإصرار عابس «يتحتَّم علينا
إيقاف قطار الذخائر هذا.» «أعرف يا سيدتي، لكننا نتعرَّض لإطلاق النار … ويا إلهي! أُصيب
إد طيِّب القلب! إن الرجال في غاية الشجاعة، لكن من السهل اختراقهم.» وعندئذٍ قطعت
الكولونيل واندا ويتي أحد كُمَّي قميصها، وجذبت زجاجة ويسكي من أحد الضباط، وركضت وهي
تُمسِك بندقيتها باليد الأخرى إلى إد، واحتست جرعة كبيرة من الزجاجة، وسكبت ما تبقَّى
في
الزجاجة على الجرح، وضمدته بالجزء الممزَّق من زيِّها. ما زالت أمامهم ساعتان قبل مرور
القطار عليهم، وعندها ستضيع ساليزبوري وكل هؤلاء الجنود الذين أُطلق سراحهم من السجن
من
أجل الانضمام إلى أبناء وطنهم. لا متفجِّرات — وضع ميئوس منه. ثم كانت الكولونيل ويتي
تتذكر عملية تكوين البيريت التي رأتها مصادفةً بالقرب من الحظيرة منذ بضعة أيام. فجأة،
أعطتْ أوامر إلى أحد الرجال بجمع بضعة أرطال من البيريت، ووضعِها داخل جهاز تقطير من
النحاس، وتسخينها على النار. وأمرتْ جنديًّا آخَر بإحراق بضعة أرطال من الخشب بالكامل
داخل وعاء به فتحة صغيرة فقط من أجل التهوية. ثم جنَّدتْ ثلاثة رجال آخرين لجمع أقدم
رَوثٍ من الأجزاء الرطبة الظليلة في الحظيرة، وعرَّضتها للهواء لمدة ١٥ دقيقة، ثم
وضعتِ الكتلة في ماء مغلي. ثم جمعتْ رماد المعسكر (الغني برماد اللؤلؤ أو كربونات
البوتاسيوم) وأضافته إلى إناء التبريد. ظهرت كتلة صلبة بيضاء، وبَرَدَ المحلول وسكبتْه
عبْر ناموسية. بوكيتا-بوكيتا-بوكيتا، أصبحت الآن أعلى صوتًا. حصل كل رجل يرتدي الزي
العسكري على أمر من واندا بسكب بعض من هذا المحلول في أدوات الطعام الخاصة به، ويغلي
الماء فيها حتى يجف. على هذا النحو، كان الملح الصخري الذي ظهر على نحو عجيب في صورة
بلورات بيضاء في كل آنية طعام يُكشط سريعًا ويُجمع. أما مسحوق الكبريت الأصفر فكان
يُكشط من قمة غلاية تسخين البيريت، وجُمع الفحم المتبقِّي من الخشب في وعاء ضخم.
بوكيتا-بوكيتا-بوكيتا. صرخت واندا: «ماذا كانت هذه الصيغة التي علَّمتَنا إياها الأسبوع
الماضي أيها الجنرال؟!» وبواسطة هذه الصيغة مزجتِ البارود، وركضتْ نحو خط السكك
الحديدية، وشعرتْ بالهواء المندفع مع انطلاق رصاصة القناص التي كادت تصيبها، ووضعَت
البارود في عُلبة على القضبان. بوكيتا-بوكيتا-بوكيتا! اتصلت الأسلاك سريعًا بالمكبس
الذي ضُغط في الوقت المناسب تمامًا — بوكيتا-بوكيتا … انفجار! … «انفجار؟!» … لا …
كابوووووم؟!
انفجار! طرقتِ «الأستاذة» بالمسطرة مرةً أخرى على مكتب واندا والفصل يُقهقِه. ثم
تساءلت: «وماذا كانت جملتي الأخيرة؟ لكن أيها الجنرال …» وصارت القهقهة عاصفةً من
الضحك. لاحظت واندا عندها أن قميصها كان سليمًا، ولم يكن يوجد أمامها أي رَوث للأبقار.
«كم مرة قلتُ لكِ «لا تتركي العَنان لذهنك يا واندا»؟» وبهذا صرفت «الجنرال» الفصل
بنبرة انتصار في هذا اليوم. وهكذا، في يوم ربيعي دافئ منذ أكثر من قرن مضى، جلست واندا
تتأمل مصيرَ بطل خارق وُلد قبل أوانه بمائة عام وبدأت تحلُم. صاحت «جيدي جيرل»: «لقد
اختطف البروسيون الجنرال!» وهي تركض إلى داخل الفصل متجهةً إلى واندا. فوقفتْ على الفور
وأمسكتْ بمقبض سيفها وفردتْ خصلة شعر مجعدة شاردة، ومرة أخرى استعدتْ للإنقاذ — واندا
ويتي — التي لا تُقهر ولا تُهزم حتى النهاية.
(٦) كرنفال بولينج الكاريكاتوري
عندما أجرى لينوس تجربة تقليدية، بإلقاء قِطَع صغيرة من الصوديوم في وعاء من
الماء وأشعل الهيدروجين المتكوِّن، أضاف تطويرًا تعليميًّا. وأصبح منفعلًا
للغاية، في محاكاة لكيميائي مجنون نمطي. فكان يَصيح ويقفز ويركض إلى الطرف الآخر
من طاولة المحاضَرات ويسكب البنزين في وعاء، ويقفز إلى الخلف ويرمي فيه قِطعًا
من الصوديوم. ولدهشتهم من عدم حدوث انفجار، أو أي تفاعُل، تعلَّم طلابه
المرعوبون درسًا لا يُنسى. كان بولينج أيضًا يطرح دومًا أسئلة على الفصل، وكان
أوَّل طالب يجيب يُكافأ بالحصول على قطعة حلوى يَقذفها لينوس له بحماس.60،61
كان لينوس بولينج (١٩٠١–١٩٩٤) أوَّل مَن أوصل ميكانيكا الكم الحديثة التي وضعَها
شرودنجر وهايزينبرج وباولي في عشرينيات القرن العشرين، فعليًّا إلى علماء الكيمياء
التقليديين في ثلاثينيات القرن العشرين، والطلاب الجامعيِّين في أربعينيات القرن العشرين.62 فقد كانت الحجج الرياضية في ميكانيكا الكم بعيدةً عن متناول الغالبية
العظمى من الكيميائيين المعاصرين في ذلك الوقت. وبالإضافة إلى هذا، كانت المسائل
«العنصرية» التي يتعامَل معها الفيزيائيون (ذرَّة H،
وذرَّة He، وجزيء
H2، وأيون-جزيء
)
تفتقر إلى المنفعة والأهمية الكيميائية العملية. ويتمثَّل أحد جوانب عبقرية بولينج في
قدرته على ابتكار أساليبَ مفاهيميةٍ بسيطةٍ للتعلُّم — نماذج مفيدة للكيميائيين الذين
يفتقرون للأساس النظري الكامل. ولا يزال كثير من هذه المفاهيم والنماذج الإرشادية
يُزيِّن كتبنا الدراسية في القرن الحادي والعشرين دون تغيير تقريبًا على مدى أكثر من
ستين سنة. من بين هذه المفاهيم:
(١)
السالبية الكهربائية.
(٢)
التهجين المداري.
(٣)
الرنين.
شكل ٨-١٤: كان كتاب لينوس بولينج «الكيمياء العامة»، الطبعة الأولى التي نُشرت
عام ١٩٤٧، علامةً فارقةً في تدريس الكيمياء. وهاتان الصورتان
(a
وb) الموضَّحان هنا من مسودته التي
نشرها بنفسه، وطُبعت في عام ١٩٤٤، لكتابه الدراسي المستقبَلي
الشهير [بولينج «الكيمياء العامة» (المنشور على نفقته الشخصية، ١٩٤٤،
بإذن من عائلة لينوس بولينج)].
يحمل كتاب بولينج الكلاسيكي، «طبيعة الرابطة الكيميائية»،63 الذي صدَرَت الطبعة الأولى منه عام ١٩٣٩، والطبعة الثالثة عام ١٩٦٠، عنوانًا
على القْدر نفسِه من الوقار والغموض؛ فهو يستحضر كتاب لوكريتيوس الكلاسيكي «عن طبيعة
الأشياء». في الواقع، ربما كان هدفه، على أدنى تقدير، هو قيادة بعثة استكشافية تغوص في
أعماق الروابط الكيميائية لتستعرض ملامحها وموجاتها وتياراتها الإلكترونية.
يُقال إن كتاب بولينج الجامعي الصادر في عام ١٩٤٧، «الكيمياء العامة»،64 كان أكثر تأثيرًا حتى من كتاب «طبيعة الرابطة الكيميائية». سوف يظل
الأساتذة يستخدمون مسودة أي كتاب دراسي سيصدر قريبًا في المقرر الدراسي الذي يُدرِّسونه
من أجل اختبار مدى فاعليته. وفي المسودة الصادرة في عام ١٩٤٤ لكتابه المستقبلي65 نرى رسمَيْن تخطيطيَّيْن أساسيَّيْن، وإن كانا يفتقران إلى الإبداع، رسمهما
المؤلف على الأرجح — الأول يُوضِّح قانون أفوجادرو لدمج كتل الغازات (الشكل ٨-١٤(a))، والآخر خلية كهروكيميائية (الشكل ٨-١٤(b)). وهنا ربما نحاول تخيُّل بولينج، كالمعتاد،
يُحاول الوصول بنفاد صبر إلى ما يتجاوز المُمكِن. وقد وفَّر علم البلورات وحيود
الإلكترونات بياناتٍ عن الترتيبات المكانية للذرَّات المترابطة، مما سمحَ برسم نماذجَ
للجزيئات الشبه الثابتة. وسمحت نماذج بولينج الإرشادية باستِكشاف الأعماق والخطوط
الكفافية الإلكترونية لهذه الجزيئات.
شكل ٨-١٥: جمعت الطبعة الأولى من كتاب بولينج «الكيمياء العامة» بين بولينج
والفنان روجر هايوارد. «الكيمياء العامة» للينوس بولينج، حقوق الطبع محفوظة، ١٩٤٧، لينوس
بولينج. استُخدم بإذنٍ من دبليو إتش فريمان وشركاه.
تتناقض البساطة الراقية والحركة في رسومات هايوارد الموضَّحة هنا
بالتأكيد مع الرسومات الجامدة في الشكل ٨-١٤. كان
بولينج، كالمُعتاد، يحاول الوصول إلى ما هو أبعد من التصوير التقليدي في
محاولة لتخيُّل إعادة ترتيب الأنوية وسُحبِ الإلكترونات التي نعرف
حاليًّا أنها تحدث في الفمتوثانية (واحد كوادريليون من
الثانية).
شكل ٨-١٦: استمرَّ لينوس بولينج في «احتلال مركز الصدارة» عندما شارك في التأليف
مع صديقه القديم الفنان روجر هايوارد لكتاب «بنية الجزيئات» في عام
١٩٦٤. فقبل عصر رسومات الجرافيك للجزيئات، مثَّل تصوير جزيء الهيم، وهو
واحد من ٥٧ رسمًا ملوَّنًا في هذا الكتاب الرائع، محاولتَهما المستنيرة
لنقل جمال الكيمياء لعامة الناس. انظر الصور الملوَّنة. (من كتاب «بنية
الجزيئات» للينوس بولينج وروجر هايوارد، حقوق الطبع محفوظة، ١٩٦٤، دبليو
إتش فريمان وشركاه. استُخدم بتصريح.)
لماذا إذًا لا نذهب إلى أبعد من النماذج الثابتة للجزيئات، ونتصوَّر قصص ميلادها
ووفاتها — ديناميكياتها — وحالات التصادم، وإعادة الترتيب التي تحدث على أبعاد أصغر
بعشرة آلاف مرة من الأبعاد المجهرية، وعلى مقياس زمني من الفمتوثانية
(٠٫٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠١ ثانية) بسرعة للهواء تقترب من ميل في الثانية؟ كان هذا مُستحيلًا
في
أربعينيات القرن العشرين (وعلى مدى عقود تالية!) لكن لماذا لا نتخيَّل مثل هذه الأحداث
—
مثلًا، تغيُّر خطوط الكفاف لكثافةِ الإلكترون في أثناء الاصطدام البطيء الحركةِ لجزيئات
الكلور بذرَّات سطح الصوديوم الفلزي في طريقها لتكوين ملح الطعام المُتَبَلِّر (الشكل
٨-١٥(a)). في هذا المسعى حصل
بولينج على مساعدة من المهندس المعماري الفنان روجر هايوارد. لاحظْ عرضَ التحليل
الكهربائي للماء (الشكل ٨-١٥(b))
وقارِنْه برسم بولينج التخطيطي السابق عليه (الشكل ٨-١٤(b)).
الشكل ٨-١٦ من كتاب «بنية الجزيئات» الصادر عام ١٩٦٤،66 الذي شارك بولينج في تأليفه مع هايوارد، وهو كتاب فني يهتمُّ بالشكل أكثر من
المضمون للعلماء وغير العلماء على حدٍّ سواء. في وقت طباعة هذا الكتاب، لم تكن رسومات
الجرافيك للجزيئات المصنوعة باستخدام الكمبيوتر إلا مجرَّد بارقة أمل في أعين علماء
الكمبيوتر. غير أنَّ رسومات هايوارد كانت تحتوي دائمًا على رُؤى للحدود والخطوط الكفافية
الجزيئية المأخوذة من أفضل الدراسات النظرية في عصرِه. يُصوِّر الشكل ٨-١٦، على نحو ملائم بما يكفي، جزيء صبغة الهيم. توجد أربعة جزيئات
من هذه الصبغة مُدمَجة داخل أربع سلاسلَ بروتينيةٍ في جزيء الهيموجلوبين الضخم: سلسلتَيْ
α
تتكوَّن كلٌّ منهما من ١٤١ جزءًا من بقايا أحماض أمينية، وسلسلتَيْ
β تتكوَّن كلٌّ منهما من ١٤٦ جزءًا من بقايا أحماض
أمينية. اكتشَف بولينج والعاملون معه أن فقر الدم المنجلي مرضٌ وراثيٌّ يتميَّز بالاستعاضة
عن حمض أميني أُحادي القطب في سلسلة β، وهو حمض
الجلوتاميك، بحمض أميني غير قطبي وهو الفالين. وكان اكتشافُ بولينج لتكوين α اللولبي
للبروتينات، على أساس مبادئ الكيمياء البِنيوية التي ساعد في تأسيسها، واكتشاف الأساس
الجزيئي المُطلق لفقر الدم المنجلي، تتويجًا مذهلًا لحياة مِهَنية اشتملَت على الفوز
بجائزة
نوبل في الكيمياء عام ١٩٥٤، وجائزة نوبل للسلام عام ١٩٦٢ (تسلمها عام
١٩٦٣).62
(٧) نَخْب العمر الطويل!
كَتب لينوس بولينج (١٩٠١–١٩٩٤) باستفاضة عن الحفاظ على الصحة الجيدة، وعاش حياته
على
هذا الأساس.67،68 أذكر أني حضرتُ محاضرته في الاحتفال بذكرى مبنى سيلي ماد للكيمياء في كلية
فاسار عام ١٩٨٧. كان عمره حينذاك يُناهز السادسة والثمانين وقدَّم محاضرة حيوية وحماسية
استمرت طوال ساعة اشتملت على عدد من الاستطرادات، أعاد ربطها كلها ببراعة بالفكرة
الرئيسة لحديثه عن النظام الغذائي والصحة.
ومثلما كانت حياة بولينج وصحته مثيرتين للإعجاب، كذلك الحال بالنسبة لكيميائيَّيْن
شهيرَيْن عاشا على الأقل حتى عمر المائة عام؛ هما ميشيل أوجين (١٧٨٦–١٨٨٩) وجويل إتش
هيلدبراند (١٨٨١–١٩٨٣). عاصر الاثنان كلٌّ منهما الآخر لمدة ثماني سنوات؛ ومن ثَمَّ
فإن حياة الكيميائيَّيْن مجتمعتَين تمتدان طوال الفترة من عام ١٧٨٦ حتى عام ١٩٨٣. في
أفرودة بارتينجتون في عام ١٩٦٤ يُفكِّر قليلًا في العالِم الفرنسي شيفيرول ويتخيَّله،
فيقول:
«لقد تُوفي في حياتي، وربما يكون قد تحدَّث إلى لافوازييه.»69 بدأ شيفيرول دراساته الكيميائية تحت إشراف نيكولا فوكلان عام ١٨٠٣، في متحف
التاريخ الطبيعي في باريس وحافظ على ارتباطه بالمتحف طوال نحو ٩٠
عامًا.69،70 ظهر أوَّل إصدار لشيفيرول عام ١٨٠٦ عندما كان في العشرين من عمره وتناول
تحليل العظام. كان هذا قبل عامَين من نَشرِ دالتون نظريته الذرية؛ فقد عمل في بدايات
الكيمياء العضوية، وكان رائدًا في عالَم الكيمياء الحيوانية المُرعب. وفي غضون عَقْد
بدأ
تقريبًا في عام ١٨١٣، اكتشف شيفيرول الطبيعة الحقيقية لفن صنع الصابون التوراتي. فاكتشفَ
أن عملية التصبُّن، وهي تفاعُل دهن الخنزير مع محلول هيدروكسيد الصوديوم، كانت تنتج
عنها أحماض دهنية بالإضافة إلى الجلسرين. وبفحص العديد من الدهون الحيوانية، جمَّع
«مكتبة» (بالمُصطَلحات التجميعية الحديثة) من الأحماض الدهنية. وضع شيفيرول اختبار درجة
الانصهار غير المُتغيِّرة مقياسًا لنقاء موادِّه الجديدة. وفي وقت مبكِّر يرجع إلى عام
١٨١٨،
توقَّع شيفيرول فعليًّا تعريف بيرسيليوس للأيزومرات، قبل ذلك باثني عشر عامًا، عندما
«عرَّف أحد «الأنواع الكيميائية» على أنه يتكوَّن من العناصر نفسها الموجودة بالنِّسَب
نفسها
وبالترتيب نفسه.»69
كان التأثير الأعمق لشيفيرول نابعًا من دراساته عن الألوان والصبغات؛ فقد فرض
الفرنسيون سيطرتهم في صناعة صبغ المنسوجات إبان فترة حكم لويس الرابع عشر في أواخر
القرن السابع عشر. وفي عام ١٦١٩ أصبحت مباني مصنع عائلة جوبلان الموقعَ الرسمي لصناعة
الصبغة الحكومية، وسيطرت على الصناعة الأوروبية لأكثر من قرن من الزمن. وفي عام ١٨٢٤
خلف شيفيرول كلود برتوليه كمُديرٍ لقسم الصباغة في مصانع جوبلان الملَكية. صنع عجلة لونية
أُدخل فيها بُعد ثالث حيث يُمثِّل اللون الأبيض القاعدةَ واللونُ الأسودُ الطرفَ. كانت
هذه
العجلة مُقسمة إلى ٧٢ قِسمًا، وكان القوس الذي يربط المحيط الخارجي للدائرة بالطرف
مُقسَّمًا إلى ١٠ أقسام. (يُظهِر الشكل ٨-١٧ دائرة شيفيرول
اللونية، بالأبيض والأسود، مع «القوس الرأسي».)71 وعند وضْع الاثنين معًا يُشكِّلان نصف كرة تحتوي على كل الألوان والدرجات
اللونية المُمكنة. وكان لعمله في تجاور الألوان تأثيرٌ عميقٌ على الانطباعيِّين الجدد
مثل جورج سورا.70 نُشرَ آخر أبحاث شيفيرول (عن الرؤية) في
عام ١٨٨٣، وهو في السابعة والتسعين من عمره، وحدث آخِر تواصُلٍ عِلميٍّ له مع متحفه
العزيز للتاريخ الطبيعي وهو في عمر ١٠٢.69،70
شكل ٨-١٧: هذه هي العجلة اللونية، بالأبيض والأسود، التي اخترَعها في القرن
التاسع عشر عالِم الكيمياء العُضوية المبكِّر الشهير ميشيل أوجين شيفيرول
(١٧٨٦–١٨٨٩)، الذي نشر أوَّل عمل له عام ١٨٠٦، ونشر فيما بعد آخِر
بحثٍ له وهو في السابعة والتسعين من عمره، وأرسل آخِر تواصُل عِلمي مع
متحف التاريخ الطبيعي القريب إلى نفسه وهو يبلغ من العمر ١٠٢ عامًا.
شكل ٨-١٨: أصبح جويل إتش هيلدبراند (١٨٨١–١٩٨٣) عضوًا في هيئة التدريس
بالجامعة تحت إشراف جيلبرت إنَّ لويس في جامعة كاليفورنيا، في بيركلي،
عام ١٩١٣. وفي كتابه المؤثر «مبادئ الكيمياء»، الذي نُشر لأول مرة عام
١٩١٨، كان هيلدبراند أوَّل مَن استخدم تكوينات لويس الصادرة عام ١٩١٦
في كتاب دراسي (تَظهر هنا الأشكال المأخوذة من كتاب لويس الصادر عام
١٩٢٣). نُشرت الطبعة السابعة والأخيرة من كتاب هيلدبراند عام ١٩٦٤،
ونُشر آخِر بحث كيميائي له في غضون عام احتفاله بعيد ميلاده المائة.
نشر جويل إتش هيلدبراند72 أوَّل بحث له، المأخوذ من رسالته للدكتوراه التي حصل عليها من جامعة
بنسلفانيا (١٩٠٦)، في مجلة «جورنال أوف ذا أمريكان كيميكال سوسايتي» في عام ١٩٠٧.73 وورَد ملخَّص له في المجلد الأول من كتاب «ملخَّصات
كيميائية».74 وبعد عملِ هيلدبراند لفترة من الوقت
مدرسًا في جامعة بنسلفانيا، عيَّنه جيلبرت إنَّ لويس في بيركلي في عام ١٩١٣ — وكان هذا
بداية ارتباط دام ٧٠ سنة بهذه الجامعة. ركَّز في جزء من عمله البحثي طوال حياته على
الكهارل، أو الإلكتروليتات، التي لم تَظهَر طبيعتها الأيونية لأول مرة إلا على يد أرهنيوس
في عام ١٨٨٤. ومع ذلك، فإنَّ تأثيره الأكثر عمقًا كان في عمله معلِّمًا للكيمياء. وفي
الطبعة الأولى من كتابه المؤثِّر «مبادئ الكيمياء»، التي نُشرَت عام ١٩١٨، كان هيلدبراند
أوَّل مَن يذكر تكوينات لويس النقطية التي كانت قد نُشرَت حديثًا (١٩١٦) في كتاب دراسي.
في الأشكال من ٨-١٨(a) إلى
٨-١٨(c) نرى رسومات من كتاب جي إنَّ لويس الصادر عام ١٩٢٣،74 ومعها صفحة من مفكَّرته نُشرت عام ١٩٠٢. نُشر عمل هيلدبراند الشهير في سبع
طبعات، مع ظهور الطبعة الأخيرة في عام ١٩٦٤ — فنُشرَ بذلك على مدار ٤٦ سنة! كان
هيلدبراند نفسه يحبُّ الركض والتزحلُق؛ فكان مدربًا لفريق الولايات المتحدة للتزحلق في
أولمبياد برلين عام ١٩٣٦. وقد احتفَل بعيد ميلاده السابع والسبعين بسباحة سريعة لمسافة
نصف ميل. كان هيلدبراند رئيسًا للجمعية الكيميائية الأمريكية في عام ١٩٥٥. ونُشر آخِر
عمل له، وكان يتحدَّث عن تاريخ الإلكتروليتات، في عام ١٩٨١،75 الذي وافَقَ احتفاله بعيد ميلاه المائة. وفي عام ١٩٨٢، أُطلق على مبنى
الكيمياء في بيركلي الذي كان يضمُّ مكتبُه قاعةَ هيلدبراند، وعلَّق الأستاذ المتقاعد
البالغ من العمر ١٠١ سنة على هذا قائلًا: «سئم أعضاء مجلس الجامعة من انتظار وفاتي قبل
إطلاق اسمي عليه.»73
عودة إلى منتصَف القرن الماضي (١٩٥٩، على وجه التحديد)، ألقى الفيزيائي الحاصل على
جائزة نوبل ريتشارد بي فاينمان كلمةً بعد العشاء (ثمة العديد من الغرف في الأسفل)
تحدَّى فيها العلماء لاستكشاف الحقول المَجهولة في تكنولوجيا النانو؛77،78 فقد لاحظ أن حدود تصغير الأحجام لا تتحقَّق فعليًّا إلا على مستوى الجزيئات
والذرَّات. وكان من بين توقُّعاته التنبؤية الرائعة والجريئة كالمُعتاد فكرته
التالية:78
لكني لستُ خائفًا من التفكير في السؤال النهائي عما إذا كنا، أخيرًا … في
المستقبَل الزاهر … سنَستطيع ترتيب الذرَّات على النحو الذي نُريده، الذرَّات
ذاتها، نزولًا إلى الأسفل! ماذا سيَحدث إذا استطعنا ترتيب الذرَّات واحدةً تلو
الأخرى كما نُريد (في إطار المعقول، بالطبع؛ فلا نستطيع وضعها بحيث تكون غير
مستقرة كيميائيًّا، على سبيل المثال).
على هذه المُستويات الذرية والأكبر قليلًا «المتوسِّطة الحجم»،79 ربما تُمثِّل القوانين الفيزيائية مزيجًا مثيرًا وغير متوقَّع من الفيزياء
الكلاسيكية وميكانيكا الكم.78
قبل عامَين من إلقاء الأستاذ فاينمان خطابَه، نجحت روسيا في إطلاق القمر الصناعي
سبوتنيك البالغ حجمه ١٨٤ طنًّا إلى مدار الأرض. كانت هذه الحزمة الصغيرة من الأدوات،
التي أُطلقَت فوق صاروخ متعدِّد المراحل، بشيرًا بالتطورات الهائلة التي ستحدث في مجال
التصغير في غضون العَقْد التالي، والتي سيُتوِّجها سير الأمريكان على سطح القمر. نتج
عن
مجال التصغير، كناتج شبه ثانوي له، تطوُّراتٌ في التكنولوجيا أوجدت أجهزة الكمبيوتر
العالية القدرة داخل معظَم المنازل الحديثة. في الواقع، أصبحت صناعة الكمبيوتر حاليًّا
المحرِّك الرئيس على الأرجح لتكنولوجيا النانو، رغم أن علم الطب الحيوي سيعمل بالتأكيد
على إعطاء زَخْم لتلك الثورة خلال القرن الحادي والعشرين. وأدَّت التساؤلات العميقة بشأن
حدود سَعة التخزين وسرعة التواصُل، من ناحيتها، إلى إثارة أكثر التساؤلات الأساسية عن
المادة. على سبيل المثال، تَمتلِك ذرَّة الهيدروجين خاصيةَ الدوران المغناطيسي — فيُمكِن
لذرَّات الهيدروجين الدورانُ أو — وهو اختيارٌ مزدوَج له فعليًّا احتمالية مُتساوية. فهل يُمكن لذرَّات
الهيدروجين الفردية المتَّصلة بجزيئات أن تكون أساسًا لأجهزة الكمبيوتر الجزيئية؟ وماذا
عن الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين (دي إن إيه)؟80
ظلَّ يُسيطر على تكنولوجيا النانو، حتى وقتٍ قريب، «أسلوبٌ
تنازليٌّ».77،81 على سبيل المثال، يُمكِن تشكيل مادة كتلية مثل السليكون من أجل تكوين شريحة
إلكترونية معقَّدة، باستخدام الطباعة الضوئية بالأشعة الفوق البنفسجية، حتى مستوى ١٠٠
نانومتر.80 أما الأبعاد الأصغر من هذا فإنَّ الوصولُ
إليها باهظ للغاية.81 تحقَّق حُلم فاينمان بتحريك الذرَّات
الواحدة تلو الأخرى بعد نحو عَقْدَين من الزمن على يد هاينريخ رورير وجيرد كيه بينيج
من
شركة آي بي إم زيورخ، اللذَين تقاسما فيما بعد جائزةَ نوبل في الفيزياء لعام ١٩٨٦.
استُخدم مجهر القوة الذرية، وهو تعديل لمجهَر المسح النفقي، بنجاح في إعادة ترتيب المادة
فيزيائيًّا عن طريق دفع الذرَّات واحدةً تلو الأخرى. أصبحت صورة مجهر المسح النفقي
«للأطواق الكمية»، التي تشكَّلت باستخدام مجهر القوة الذرية من أجل وضع ٤٨ ذرَّة حديد
الواحدة تلوَ الأخرى في دائرة، رمزًا للعلم الحديث.82 في الواقع، تخيَّل الحالِمون وحدات تجميع بتكنولوجيا نانوية (روبوتات
نانوية) قادرة على تجميع هياكل نانوية من ذرَّات أو جزيئات. لا يكون هنا بالطبع عدد
أفوجادرو مناسبًا. فكما أشار ريتشارد إي سمولي، الحاصل على جائزة نوبل — والمشارك في
اكتشاف C60٠ («بوكمينستر
فوليرين» أو كرة بوكي) — فإن تجميع مول واحد من الروابط الكيميائية (العدد الموجود في
٩
مليلترات فقط من الماء) سيَستغرِق من «روبوت نانو» منهك، يعمل على مليار رابطة جديدة
في
الثانية، نحو ١٩ مليون سنة،83 رغم أنني أتوقَّع أن حوافز الإنتاج وأجر ساعات العمل الإضافية يُمكنهما
تقليلُ هذا الوقت بنحو ١٠٪. يُشير سمولي إلى أنه إذا أمكن تصميم «روبوتات النانو»
لتَستنسِخ نفسها ذاتيًّا بكمٍّ هائل، فإن هذه المشكلة ربما يُمكِن التغلُّب عليها. ومع
ذلك،
يُمكن لهذا طرح بعض المشكلات المحتملة الخطورة — يَستحضِر هذا في ذهني الكرتوني صورة
مقطع
«صبي الساحر» من فيلم «فانتازيا»؛ حيث يتعرَّض ميكي ماوس للتهديد من نحو تريليون مكنَسَة
بلهاء ومسعورة وربما حتى شريرة. ثمة مشكلات أخرى مُثيرة للاهتمام أيضًا؛ فيُشير سمولي
إلى
مشكلات «الأصابع السمينة» و«الأصابع الدبقة»؛83 فهو يلاحظ
أن الرابطة الكيميائية الجديدة تتأثَّر في المعتاد بنحو من ٥ إلى ١٥ ذرَّة بالقرب من
موقع
التفاعُل. وربما تحتاج «أذرع روبوت النانو»، المصنوعة هي نفسها من ذرَّات، إلى الاقتراب
من موقع صنْع الرابطة؛ ومن ثَمَّ تدفع جانبًا الذرَّات المُجاورة المطلوبة لتحديد مصير
الرابطة. ربما يتوقَّع المرء أيضًا أن الذرَّات التي ستتحرَّك «ستَلتصِق» على الأرجح
بالأذرع — فتكون تأثيرات السطح أكثر وضوحًا على مستوى النانو منها على المستويات العيانية.
وأخيرًا، يُشير سمولي83 إلى مشكلة «الحب»؛ فربما يُحاول المرء
إجبار الذرَّات على الاندماج بعضها مع بعض، لكن كما أشار فاينمان أيضًا، فإن قواعد
الترابُط والديناميكا الحرارية، في الأساس، هي التي ستُحدِّد إن كانت الذرَّات «ستتزاوَجان»
أم «ستعيشان معًا» «كرفيقين» وحسب.
شكل ٨-١٩: جزيء كاتينان صنعه الأستاذ ستودارت وزملاؤه ليعمل كمُحوِّل نانو يُمكن
التحكم فيه (ثنائي الاستقرار) (انظر النص). [أُعيد طبعه بإذنٍ من كتاب
«قصص عن الأبحاث الكيميائية» المجلَّد الأول (٢٠٠١)، حقوق الطبع محفوظة (٢٠٠١)، الجمعية
الكيميائية الأمريكية.]
ربما يَكمُن الحل لأوجه القصور هذه في استخدام «الأسلوب التصاعُدي» — التنظيم الذاتي
للجزيئات. ويُمكن لبرنامج مساعَدة ذاتية إعادة صياغة هذا الأسلوب كالتالي: «اجعل عدد
أفوجادرو يعمل لصالحك!» في الواقع، ربما يكون اصطفاف تريليونات الجزيئات على نحو
تَكراري ومُتناغم مع قواعد الطبيعة للترابط الكيميائي، استراتيجيةً فعَّالة في التجميع
الشامل للمُحرِّكات النانوية في الدوارق الكيميائية. دعونا نفحص مثالًا بدائيًّا واحدًا
عن
الأسلوب التصاعُدي — التبادل الجزيئي84،85 الموضَّح في الشكل ٨-١٩.84 إنَّ هذا الجزيء الموضَّح مثالٌ على كاتينان بسيط
— في هذه الحالة، جزيئان حلقيان مُتداخِلان تمامًا مثل حلقتَين في سلسلة. تُمثِّل كلُّ
حلقة
جزيئًا منفصلًا قادرًا بالكامل على الوجود مستقلًّا. صُمِّم هذا الجزيء المعيَّن بحيث
يوجد احتمال لحدوث تجاذُب (أو تنافر) بين جزء داخلي في إحدى الحلقات وجزء داخلي في
الحلقة الأخرى. فعندما يتعرض الجزيء بالشكل
[A°] (التبادل مفتوح)
للأكسدة المتعمَّدة فيُصبح
[A+]، بحيث يفقد الجزء
الأوسط في إحدى الحلقات إلكترونًا ويكتسب شحنة موجبة، يَحدث تنافُر بينه وبين المجموعات
الأربع من الشحنات الموجبة في الجزء الداخلي من الحلقة الأخرى، ويدور إلى الشكل
[B+] حيث يقل التنافر
الكهروستاتيكي. وربما من المُثير للدهشة قليلًا أنه عند اكتساب
[B+] إلكترونه، عن
طريق الاختزال إلى انحياز قرب الصِّفر، من أجل تكوين
[B°] (التبادل مغلق)،
لا يدور على الفور إلى جزيء
[A°]
الأصلي.84 ومن ثَمَّ يكون «وضعا التبادُل» مستقرَّين،
وإضافة إلى ذلك، فإن الاختزال المُتحكم فيه لجزيء
[B°] يُعيده إلى
[A°].
توجد نقطة مُثيرة للاهتمام لا بد من الإشارة إليها بشأن الكاتينانات. أولًا كان صُنعُ
الكاتينان في عام ١٩٦٠، بأكبر قدْر مُمكِن من التأنِّي متاحًا في ذلك الوقت، على يد
إيدل فاسرمان.86 فقد أغلق ببراعة جزيئًا مفتوحَ السلسلة مُكوَّنًا من ٣٤ ذرَّة كربون
باستخدام روابط إستر تفاعُلية عند طرفيه، في وجود مقدار متكافئ المولية من نظيره
الألكان الحلقي المكوَّن من ٣٤ وحدة. يصعب تكوين حلقات كبيرة، وتكون الطاقة الإجمالية
الصادرة من حلقة مُغلَقة حديثًا مكونة من ٣٤ وحدة عادةً أقل من ٢٠٪. لكن من بين اﻟ ٢٠٪
هذه،
يَنغلِق نحو ١٪ من الحلقات الجديدة وهي مُرتبطة ﺑ «شريكها» الألكان الحلقي؛ ومن ثَمَّ
تُكوِّن حلقة حول الحلقة الأولى وبذلك يَنتج الكاتينان. تَعكِس هذه الطاقة الصادرة
الشديدة الانخفاضِ الاحتمالَ الضعيفَ للغاية للإمساك بسلسلة طويلة عبْر مركز إحدى
الحلقات ثم إغلاق السلسلة المُترابِطة في حلقتها الخاصة. ظلَّت مثل هذه
الكاتينانات87 أكثر من مجرد أشياء مثيرة للاهتمام والفضول لسنوات. فقد أثارت أسئلة بدَت
مجرَّد دلالات كيميائية — هل يكون جزيئان محايدان مُتسلسِلان غير متفاعلَين من
C34H68
الحلقي فعليًّا جزيئين متصلين ماديًّا، أم إن هذا يُمثِّل بالفعل نوعًا جديدًا؟ أشار
فاسرمان إلى سلوك استشرابي مختلف للكاتينان يتعلَّق ﺑ «أيزومره الطوبولوجي» (الحلقتان
المنفصلتان المرتبطان معًا). كان هذا بالتأكيد تعريفًا «للأيزومر» لم يكن بيرسيليوس
ليتصوَّره قبل ١٣٠ سنة. ويُعدُّ استخدام الأنواع التي تَقتصِر على فئة معيَّنة، مثل
الكاتينانات، في التعامل مع مُشكلات خطيرة في مجال التكنولوجيا، مثالًا رائعًا على
فوائد الأبحاث المجرَّدة التي قد لا تكون مباشرة في جدواها فيما يتعلق ﺑ «أنواع إدارية»
عملية. إنَّ أحد الأمثلة التوضيحية المفضَّلة لديَّ لهذا المبدأ مستمدَّةٌ من البحث عن
١٫٤−ثنائي ألكيل البنزين الغريب والقصير الأمد و«غير المُمتع تنظيميًّا» على يد جونز
وبيرجمان في عام ١٩٧٢.88 وبعد مرور ١٥ عامًا، اكتُشفَت فئة جديدة من العوامل الطبيعية والاصطناعية
المضادَّة للسرطان تُوجَد نواة ١٫٤−ثنائي ألكيل البنزين في مركزها.89
شكل ٨-٢٠: استخدام التعرُّف الجزيئي والتنظيم الذاتي من أجل تكوين الكاتينانات
وروتاكسانات قادرة على التصرُّف كمُحوِّلات نانوية يُمكن التحكُّم فيها (انظر
النص). [أُعيد طبعه بإذنٍ من كتاب «قصص عن الأبحاث الكيميائية» (٢٠٠١)،
حقوق الطبع (٢٠٠١) للجمعية الكيميائية الأمريكية.]
صُمِّم الكاتينان الحديث الموضَّح في الشكل ٨-١٩ بحيث تتفاعل
الحلقات الموجودة داخل الحلقات المُنفصِلة بقوة. بالإضافة إلى هذا، «يتطلب» أحد جوانب
هذا
التفاعل القوي «تعرُّف» المركَّب الطليعي المناسب على مركَّب الحلقة التكميلية وتحركه
إلى داخله (انظر الشكل ٨-٢٠).85 يسبق
هذا التنظيم الذاتي الخطوة التصنيعية الأخيرة حيث تُغلَق السلسلة الطويلة لتصبح دائرة
وتكوِّن الكاتينان بطاقة صادرة هائلة تُقدر بنسبة ٧٠٪. في الواقع، يشبه هذا كثيرًا
الطريقة التي «تعيق» بها الطبيعة القصور الحراري باستخدام التنظيم المسبق عبْر التعرف
الجزيئي قبل تفاعل مُحفِّز. يوضِّح الشكل ٨-٢٠ أيضًا مسارًا مشابهًا
للتنظيم الذاتي من أجل تكوين أيزومر طوبولوجي غريب آخَر — روتاكسان تتعرَّض فيه سلسلة
طويلة ترتبط بجزيء حلقي (بطاقة صادرة مرتفعة نتيجة للتعرف الجزيئي) عندها للتغطية
الكيميائية بمجموعات طرفية ضخمة.
تطرح تكنولوجيا النانو بعض التساؤلات المثيرة للغاية. أولًا، هل تكون ذرَّة واحدة
من
الذهب ذهبًا بالفعل؟ بمعنى، هل تكون فلزية؟ لا بد أن تكون الإجابة لا؛ نظرًا لأن
«الحالة المعدنية» تتطلَّب تغيُّرًا كاملًا في وضع الإلكترونات على مدار كثير (مئات؟)
من
الذرَّات الفلزية. إذًا، متى تبدأ مجموعة من ذرَّات الذهب في الظهور بمظهَر يُشبه الذهب؟
إليك فكرة أخرى — عندما نفكِّر في ماكينة تُشكِّل ترسًا من لوح معدني، لن نُفكِّر في
ماكينة
التشكيل على أنها «حافز». فمن الواضِح أن هذه الماكينة تحدِث تغييرًا ولا تتغيَّر هي
نفسها
بعد العملية فيما عدا أنها تبلى قليلًا. مع ذلك، في الحياة الواقعية «تبلى» الإنزيمات
في النهاية وتفقد فاعليتها. لكن بالطبع لا تُعدُّ ماكينة التشكيل «محفِّزًا» لأنها تُحدِث
تغييرًا ميكانيكيًّا، وليس كيميائيًّا. ومع ذلك، افترض أنَّ ثمة ماكينة نانو أو «روبوت
نانو» يُسهِّل إلى حدٍّ ما عملية تجميع سريعة للغاية (مثل، غلق الدائرة الكيميائية بعد
تنظيم ذاتي لمكونين) للكاتينان الموجود في الشكل ٨-١٩ من مركَّباته
الطليعية. من الواضح أن هذا سيكون تغيُّرًا كيميائيًّا، وستُصبِح ماكينة النانو أو أداة
التجميع النانوية أو «روبوت النانو»، محفِّزًا كيميائيًّا وماكينة في الوقت نفسه.90
لكن لماذا يبدو هذا غريبًا؟ لقد ظلَّ هذا يَحدث طوال مليارات
السنين.90 فيُحفِّز التعرف الجزيئي ترتيب التركيب اللولبي
المزدوَج، والأشكال الناتجة عن مضاعفته واستنساخه إلى إنتاج بروتينات محدَّدة. في الواقع،
يكون التعرف الجزيئي المسئول عن تكوين مجموعة البروتينات والآر إن إيه في الريبوسوم.
كما أنَّ التعرف الجزيئي هو الذي يجذب الحمض النووي الريبوزي الناقل (آر إن إيه الناقل)،
وبروتيناته المحدَّدة المتنقِّلة إلى سطح الريبوسوم. وتكون النتيجة مجموعة جزيئية فائقة
تربط الأحماض الأمينية الفردية في سلاسل لتُكوِّن بروتينات معيَّنة. ومن الواضح أن
الريبوسوم يُمكن اعتباره ماكينة وعاملًا حفازًا في الوقت
نفسه.90 وماذا عن تجميع «روبوتات النانو» باستخدام نفس
مبادئ التنظيم الذاتي هذه؟ أين يُمكن أن تتوقَّف «جراي جو» (مصطلَح الروائي كيه إريك
دريكسلر)91 التي ستَنتج عن هذا؟ هل ستستمرُّ في خدمتنا أم ستتحوَّل إلى مستعمرات فائقة لها
جداول أعمالها الخاصة وبرامجها التليفزيونية؟
هوامش
(1) A. Besant and C. W. Leadbeater, Occult Chemistry—Clairvoyant Observations on
the Chemical Elements, revised edition,
Theosophical Publishing House, London, 1919, pp.
1-2.
(2) A. Besant and C. W. Leadbeater, Occult
Chemistry—a Series of Clairvoyant Observations on the Chemical
Elements, Theosophist Office, Adyas (Madras),
1908.
(3) A. Besant and C. W. Leadbeater, Occult
Chemistry—Clairvoyant Observations on the Chemical
Elements, third edition, Theosophical Publishing House,
Adyas (Madras), 1951.
(6) Unpublished discussions with Professor Joel F. Liebman,
who places occult chemistry in the realm of “arts and séances” and
further suggests the National Séance Foundation as a potential research
funding source.
(7) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley, New York, 2000, p. 36.
(8) C. Jinarajadasa, First Principles of
Theosophy, third edition, Theosophical Publishing House,
Adyar (Madras), 1923, pp. 156–181.
(9) W. H. Brock, The Norton History of
Chemistry, W. W. Norton & Co., New York and London,
1993, pp. 454–459.
(10) R. Boyle, An Historical Account of a
Degradation of Gold, Made by an Anti-Elixir: A Strange Chymical
Narrative, R. Montagu, London, 1739 (the original 1678
edition was anonymous); see A. Greenberg, A Chemical History Tour, John
Wiley, New York, 2000, pp. 92–94.
(11) J. Emsley, The Thirteenth Element;
The Sordid Tale of Murder, Fire and Phosphorus, John
Wiley & Sons, Inc., New York, 2000, pp.
89–96.
(21) W. H. Brock, The Norton History of
Chemistry, W. W. Norton & Co., New York, 1993, pp.
327–330.
(22) American Chemical Society, A
National Historic Chemical Landmark—Separation of Rare Earth
Elements, University of New Hampshire, Durham, New Hampshire,
October 29, 1999, Division of the History of Chemistry,
American Chemical Society, Washington, DC, 1999.
(24) R. Monastersky, The Chronicle of
Higher Education, August 16, 2002, pp.
A16–A21.
(25) P. Levi, The Periodic
Table, Schocken Books, Inc., New York, 1984 (original
Italian edition published in 1975).
(26) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley & Sons, New York, 2000, pp. 10,
12.
(27) Levi, op. cit., pp. 3-4. For a discussion of Neil Bartlett
and the discovery of xenon compounds, see P. Laszlo and G. J.
Schrobilger, Angewandte Chemie, International
Edition in English, Vol. 27, pp.
479–489, 1988.
(28) Los Altos Town Crier, Dec.
9, 1998. See also The University of Chicago Library Catalog Webpage for
Edwin Herbert Lewis (1866–1938), writer and rhetorician, University of
Chicago alumnus, and faculty member from 1896 through 1934 at the Lewis
Institute in Chicago, now part of Illinois Institute of Technology. His
most lasting work is the words to the University of Chicago “Alma
Mater.” See http://webpac.lib.uchicago.edu/webpac-bin.
(29) E. H. Lewis, White Lightning, Covici-McGee, Chicago, 1923.
Herein also lies a brief story. Pascal Covici, was a relative of my wife
Susan (née Covici). He owned a bookstore in Chicago and started to
publish books in 1922 (Covici-McGee; Pascal Covici; Covici-Friede).
Although White Lightning was obscure,
Covici became widely respected for the quality of books and their
artwork. He is quite fairly said to be the discoverer of John Steinbeck,
whose first successful novels were published by Covici-Friede in the
1930s (see T. Fensch, Steinbeck and Covici: The
Story of a Friendship, Paul S. Eriksson, Burlington,
1979). I, too, have a famous relative—my father’s cousin whose biography
is also in print: T. Carpenter, Mob Girl—a Woman’s Life in the Underworld, Simon & Schuster, New
York, 1992. But the less said about that, the better.
(30) Element 43: technetium (Tc, discovered 1939); 61,
promethium (Pm, 1945); 75, rhenium (Re, 1925); 85, astatine (At, 1940);
87, francium (Fr, 1939). Lewis’ book was quite up-to-date—Hafnium (Hf)
was discovered in 1923, the year White Lightning was published, and one
can imagine the author happily updating the title of Chapter 72 in the
galley proofs. Chapter 86 is titled “Niton” (now Radon); Chapter 91 is
titled “Brevium” (now Protactinium). For a brief table on the discovery
of the chemical elements, see A. J. Ihde, The Development of Modern
Chemistry, Harper & Row, New York, 1964, pp. 747–749.
(42) The HArF molecule, is a ground-state molecule observable only
at very low temperatures in a solid matrix. Its decomposition to HF and
Ar is hugely favored thermodynamically but a tiny (8 kcal/mol)
activation barrier allows its covalently held atoms to “shake, rattle
and roll” (i.e., vibrate) under these unearthly conditions (see K. O.
Christie for a brief discussion of “A Renaissance in Noble Gas
Chemistry” in Angewandte Chemie, International
Edition, Vol. 40, pp. 1419–1421 (2001). One can only hope
that Marvin and Jean have greater affinity.
(43) See Stanford University American Literary Studies homepage:
http://www-sul.stanford.edu/depts/hasrg/ablit/amerlit/lewis.html.
Note that Ms Lewis taught Creative writing and literature at Stanford
and co-founded with her husband, author Yvor Winters, a professor at
Stanford, a literary journal Gyroscope. All of this seems to have occurred three or
four years after the fictional Marvin Mahan accepted the endowed chair
at Stanford. ‘Tis a mystery.
(44) J. Lewis, From The Selected Poems of
Janet Lewis, edited by R. L. Barth, p. 91. Reprinted with
the permission of Swallow Press/Ohio University Press, Athens, Ohio. It
is most interesting that Janet Lewis was a writer-in-residence at the
Djerassi Resident Artists Program. (See C. Djerassi, This Man’s Pill: Reflections on the 50th Birthday of
the Pill, Oxford University Press, Oxford, 2001, p. 239).
Professor Djerassi co-authored with Professor Roald Hoffmann the play
Oxygen cited elsewhere in the present text (The
Art of Chemistry). Djerassi coined the term
“science-in-fîction” (see pp. 151–167 in This
Man’s Pill) and Edwin Herbert Lewis’ book White Lightning was perhaps, something of
an early contribution to this genre.
(45) D. S. Neft and R. M. Cohen (eds.), The
Sports Encyclopedia: Baseball, St. Martin’s Press, New
York, 1989.
(46) For those amiable readers who are not baseball cogniscenti, pitchers are notoriously weak
hitters, and to have one lead the League in home runs borders on the
outrageous. Had Ruth been a weak hitter, he probably would have been
elected to the Hall of Fame on the basis of his pitching
alone.
(47) This is an actual contract, signed in December 2000 by
baseball player Alex Rodriguez and the Texas Rangers. Incidentally, the
2001 Texas Rangers finished last in their division. We are heading for
the billion-dollar sports contract. Perhaps universities should be
applying to professional athletes for grants to support academic
infrastructure and research.
(48) A tobacco company in the Canary Islands, Obsequio De La Fabrica De Cigarillos,
published a Series of collectors’ cards of Nobel Prize winners,
including chemists, in 1952. Closer to home, the Topps Company printed
collectors’ cards in 1952 of famous people, including Marie Curie that
closely resembled the company’s wonderful baseball cards.
(49) What did Lavoisier really look like? There are, of course, no
photographs, but see M. Beretta, Imaging a
Career in Science—the Iconography of Antoine Laurent
Lavoisier, Science History Publications/USA, Canton,
2001.
(50) J. R. Partington, A History of
Chemistry, Macmillan and Co., Ltd., London, 1962, Vol. 3,
pp. 496–516.
(51) A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley and Sons, New York, 2000, pp.
168–170.
(52) A. J. Ihde, The Development of Modern
Chemistry, Harper & Row, New York, 1964, p.
263.
(53) W. H. Brock, Justus Von Liebig—the
Chemical Gatekeeper, Cambridge University Press,
Cambridge, UK, 1997, pp. 112–114.
(57) L. Pauling, How to Live Longer and
Feel Better, W. H. Freeman and Co., New York,
1986.
(58) This is written in homage to humorist James Thurber, author
of The Secret Life of Walter Mitty,
and with happy recollections of reading Thurber’s works with my daughter
Rachel.
(59) L. C. Cooley, The New Text-Book of
Chemistry for Use in High Schools and Academies, Ivison,
Blakeman & Co., New York & Chicago, 1881. The drawings on
the title page were drawn by a student, who I think is female by the
nature of these drawings and written names of friends; the year 1891 is
also written in the same hand.
(60) This is a description of Pauling’s teaching style
furnished second hand by Professor Dudley Herschbach, a pioneer
in molecular dynamics and 1986 Nobel Laureate in Chemistry; see
Z. B. Maksić and W. J. Orville-Thomas (eds.), Pauling’s
Legacy—Modern Modeling of the Chemical Bond, Elsevier Press,
Zurich, 1999, p. 750.
(61) For more jubilant dancing, see Edmund Davy’s
description of brother Humphry’s discovery of potassium metal
(A. Greenberg, A Chemical History
Tour, John Wiley & Sons, New York, 2000, p. 182).
(62) T. Hager, Force of Nature,
Simon & Schuster, New York, 1995.
(63) L. Pauling, The Nature of the
Chemical Bond, Cornell University Press, Ithaca, 1939.
(64) L. Pauling, General
Chemistry, W. H. Freeman and Co., San Francisco,
1947.
(65) L. Pauling, General
Chemistry (privately printed in Pasadena, CA,
lithoprinted by Edwards Brothers, Inc., Ann Arbor),
1944.
(66) L. Pauling and R. Hayward, The Architecture of Molecules,
W. H. Freeman and Co., San Francisco and London, 1964.
(67) L. Pauling, Vitamin C and the Common
Cold, W. H. Freeman and Co., San Francisco, 1970.
(68) L. Pauling, How to Live Longer and
Feel Better, W. H. Freeman and Co., New York, 1986.
(69) J. R. Partington, A History of Chemistry, Macmillan and Co.
Ltd., London, Vol. 4, 1964, pp. 246–249.
(70) C. C. Gillispie, Dictionary of Scientific Biography,
Charles Scribners Sons, New York, 1971, Vol. III, pp. 240–244.
(71) M. E. Chevreul, The Principles of Harmony and Contrast of
Colours and Their Applications to the Arts (transl. C. Mantel), third
edition, George Bell and Sons, London, 1899, pp. 56-57.
(72) W. D. Miles and R. F. Gould (eds.), American Chemists and Chemical Engineers, Vol. 2, Gould
Books, Guilford, 1994, pp. 128–130.
(73) J. H. Hildebrand, Journal of the
American Chemical Society, Vol. 29, pp. 447–455, 1907
[Chemical Abstracts, Vol. l, No. 1832 (1907)].
(74) G. N. Lewis, Valence and the Structure
of Atoms and Molecules, The Chemical Catalog Co., Inc.,
New York, 1923, pp. 29, 82, 86.
(75) J. H. Hildebrand, Annual Reviews of
Physical Chemistry, Vol. 32, pp. 1–23,
1981.
(76) This is, of course, derived from the title of the
autobiographical book by the late Professor Richard P. Feynman: R. P.
Feynman, Surely You’re Joking, Mr.
Feynman!—Adventures of a Curious Character, W. W. Norton & Co., New York, 1985.
(77) G. Stix, Scientific
American, Vol. 285, No. 3, pp. 32–37, Sept. 2001.
(79) The definition of “nanotechnology” offered by Mihail C. Roco
of the National Science Foundation indicates, among other things, that
materials and systems must “have at least one dimension of about one to
100 nanometers” (see Stix, op. cit.). One nanometer (nm) is, of course,
one-billionth of a meter (1 × 109-m). The
sizes of atoms are typically presented in most textbooks in Ångstroms
(Å). An ångstrom (1 × 1010-m or 1 × 108-cm) is one-tenth the size of a
nanometer. The diameter of an iron atom (in the metal) is roughly 2.5 Å
or 0.25 nm. Thus, 100 nm would correspond to about 400 iron atoms in a
line. A white blood cell is about 10 micrometers (10µm) in diameter
(see P. Morrison, P. Morrison, and the Office of Charles and Ray Eames,
Powers of Ten, Scientific American Books, Inc., New York, 1982. This
also corresponds to 10,000nm or 40,000 iron atoms in a straight line.
Objects on the order of 1–100nm could be termed “mesoscale” if we
consider subatomic particles to be at the lower end of the
scale.
(80) C. M. Lieber, Scientific
American, Vol. 285, No. 3, pp. 59–64, Sept.
2001.
(81) G. M. Whitesides and J. C. Love, Scientific American, Vol.
285, No. 3, pp. 39–47 (Sept. 2001).
(82) A. Greenberg, A Chemical History Tour, John Wiley and
Sons, New York, 2000, pp. 295–298.
(83) R. E. Smalley, Scientific
American, Vol. 285, No. 3, pp. 76-77, Sept.
2001.
(84) A. R. Pease, J. O. Jeppesen, J. Fraser Stoddart, Y. Luo,
C. P. Collier, and J. R. Heath, Accounts of Chemical Research, Vol. 34,
pp. 433–444, 2001.
(85) R. Ballardini, V. Balzani, A. Credi, M. T. Gandolfi, and M.
Venturi, Accounts of Chemical
Research, Vol. 34, pp. 445–455, 2001.
(86) E. Wasserman, Journal of the
American Chemical Society, Vol. 82, pp. 4433-4434,
1982.
(87) G. Schill, Catenanes, Rotaxanes and
Knots, Academic Press, New York,
1971.
(88) R. R. Jones and R. G. Bergman, Journal of the American Chemical Society, Vol. 94, p.
660, 1972.
(89) M. D. Lee, T. S. Dunne, M. M. Siegel, C. C. Chang, G. O.
Morton, and D. B. Borders, Journal of the
American Chemical Society, Vol. 109, pp. 3464-3465,
1987.
(90) G. M. Whitesides, Scientific
American, Vol. 285, No. 3, pp. 78–83, Sept.
2001.
(91) K. E. Drexler, Scientific American, Vol. 285, No. 3, pp.
74-75, Sept. 2001.