خاتمة الجزء الثالث
كان موضوع الجزء الثالث من هذا الكتاب هو الطريقة التي تشكَّلت بها
طبيعة المجتمعات البشرية بصورةٍ جماعية من خلال الانتشار الواسع
للتأثيرات الخارجية. قد تكون هذه الطبيعة جذَّابة أو مُنفِّرة؛ ولكنها
كانت مُذهِلة بلا حدود لعلماء الاقتصاد.
1 انبثقَت فروعٌ كاملة من عِلم الاقتصاد لتتناول الموضوعات
المتنوِّعة التي ناقشناها في هذه الفصول؛ جغرافيا المدن والتنمية
الاقتصادية بصفة عامة،
2 وكيفية استنزاف الموارد البيئية في غياب المُحفزات على
الاهتمام بها،
3 والطريقة التي تَنتهجها أنواع الأسواق المُختلفة لتخصيص
الموارد وتلخيص المعلومات التي يَكشِف عنها التجَّار عن غير قصدٍ حول
دوافعهم ومُعتقداتهم.
4 يُوضِّح هذا المثال الأخير أن بعضًا من العوامل الخارجية
الأقل وضوحًا، ولكنَّها ذات أهمية، هي تلك الناشئة عن المعلومات؛ فما
يفعله شخصٌ يُمكن أن يكشف للآخَرين، عادةً بالمجان، عن معلوماتٍ قد
يُنفِق الشخص نفسه الكثير من الوقت أو المال أو الجهد ليتحصَّل عليها.
وبدافع الغيرة من هذه الاكتشافات، قد يَندفِع الناس نحو اكتناز
المعلومات، غالبًا ما يَنجحُون في ذلك نجاحًا جزئيًّا فقط. وسواء نجحت
جهودهم أم فشِلَت، فإن جهودهم لاكتناز المعلومات تُشكِّل المؤسسات التي
يتألَّف منها المجتمع البشري.
5 على سبيل المثال، تستطيع الشركات أن تُوجِّه بعض أنوع
المعلومات على نحوٍ أكفأ مما يُمكن للأسواق أن تفعل، وهذه الميزة تُعطي
الشركات أفضليةً على الأسواق فيما يتعلَّق بتنسيق بعض أنواع الأنشطة.
وعندما تكون هذه الميزة قوية، تستطيع الشركات أن تصير كبيرةً جدًّا،
لتَبرُز كجزُر عظيمة ذات تسلسُلٍ هرَمي وتخطيط وسط بحْرٍ من نشاط السوق
اللامركزي.
مثلما يَستنزف الصيَّادون مخزون سمك القد الباقي في عرض البحر دون رغبةٍ
منهم في القيام بذلك، رهنًا فقط بالقانون الصارم المُلزم بترك أعدادٍ
أقل من صيد اليوم لصائدي الغد، كذلك يُشكِّل البشر في خِضمِّ استغلالهم
للرموز مخزون المعرفة المتاحة لمُستخدِمي معرفة الغد. غير أن استغلال
المعرفة يُضيف إلى المخزون ولا يَستنزفُه، ومن ثَمَّ فجهود الباحثين
اليوم تعني، سواء كانوا يَعتزمُون ذلك أو لا، أنَّ أحفادنا سيعرفون
أمورًا كثيرةً لم نكن نعرفها اليوم. وكما سنرى، هذا ليس أمرًا جيدًا
دومًا.
يستكشف الجزء الرابع واحدًا من أفتك العوامل الخارجية على الإطلاق؛
وهو الطريقة التي يُمكن بها للتعاون داخل مجموعة (غالبًا ما تكون
مدفوعة برغبةٍ في التغلُّب على بعض مواطن قصور العمل الفردي غير المنسق)
أن يجعل أفراد المجموعة أشدَّ عُدوانية في تعامُلاتهم مع الغرباء. ومن بين
كل موروثات الماضي من مجتمع الصيد والجمع، يُشكِّل هذا الأمر التهديد
الأكثر مَدعاةً للقلق للتجربة الكبرى التي بدأتها الإنسانية قبل عشرة
آلاف سنة مضَت.