الفصل الثاني

«الفلسفة» تلتفت إلى المؤلف

وا أسفاه، ها هو العقل يهوي إلى حضيض اليأس،
والبصر تلفُّه العتمة،
عندما تُضخِّم عواصف الحياة من وزن هموم الدنيا،
ينسى العقل نوره الباطن، ويؤخذ بالظلام الخارجي،
هذا الرجل كان يومًا طليقًا متجهًا إلى السماء بخشوعٍ وولوع،
يتأمل الشمس القرمزية والصفاء البارد للقمر،
كان فلكيًّا يعكف على متابعة الكواكب في أفلاكها،
هذا الرجل كان يَنْشد معرفة مصدر العواصف التي تعزِفُ وتثير البحار؛
الروح التي تحرك العالم،
السبب الذي يجعل الشمس تنتقل من الشرق المُشعِّ إلى الغرب المائي،
كان ينشُد معرفة السبب الذي يجعل ساعات الربيع معتدلةً تَزِين الأرض
بالزهور، ومَن الذي يفعم الخريف بالعناقيد المكتنزة عند اكتمال العام،
ها هو العقل الذي كان يبحثُ ويستكشف أسرار الطبيعة الخفية،
يَرزَح في قلب الظلام،
عنقه مكبَّلٌ بالأغلال الثقيلة،
مرغمًا تحت وطأتها أن يتأمل التراب الحقير.

ومضت تقول: «غير أن الوقت وقت علاجٍ لا وقت شكوى»، ثم حدَّقت بملء عينيها قائلةً: «ألست أنت مَن أرضعته يومًا من لَبَني وأطعمته من طعامي إلى أن بلغ أشدَّه؟ لقد منحتُك أسلحةً كفيلةً بأن تحميك وتَذُود عنك ولكنك ألقيت بها بعيدًا؟ ألا تعرفني؟ لماذا أنت صامت؟ هل أصمتك الخجل أم أسكتك الذهول؟ كنت أودُّ أن يكون الخجل، ولكن الذهول فيما أرى هو الذي يَتَملَّكك.»

عندما وَجَدتني صامتًا، بل مبلسًا غير قادرٍ على النطق، وضعت يدها برفقٍ على صدري وقالت: «لا خطر، إنه يعاني من شيءٍ من النسيان، ذلك المرض الشائع في العقول الضالة، لقد نسي نفسه برهةً وسوف يتذكَّرُها بسهولةٍ إذا ما تَعرَّف عليَّ، ولكي أمهِّد له ذلك سأُبدِّد بعضًا من ضباب الهموم الدنيوية التي تغشِّي على عينيه.»

قالت ذلك ثم جمعت طرف ردائها وجفَّفت عينيَّ المُغرورقتين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤