الفصل الأول

الفلسفة تعِد بالسعادة

حين انتهت من أنشودتها كنت مأخوذًا بسحر نغمها العذب، مستغرقًا أود أن أظل مصغيًا؛ لذا قلت بعد لحظة: «أيتها الراحة الكبرى للروح المتعبة، كم روَّحت عني بعميق فكرك وشجيِّ غنائك، لقد عُدْت الآن قادرًا على تَلَقِّي ضربات القدر، ولم أعُد أوجس خيفةً من العلاجات الحاسمة التي حدَّثتني عنها، بل أراني أتوق إلى سماعها وأُلِحُّ إليك في طلبها.»

ردَّت السيدة: «لقد عرفت ذلك حين بدأت تتشبث بكلماتي بانتباهٍ صامت، ولقد توقعت منك هذا التوجُّه العقلي، أو، إن شئت الدقة، خلقته فيك، العلاجات القادمة ستكون في الحقيقة مُرَّة المذاق، ولكنها ما أن تنسرب إلى داخلك حتى تجد لها حلاوةً باطنةً تَشيع فيك، قلت إنك مشوقٌ إلى سماع المزيد، وسوف يزداد اشتياقُك لو عرفت إلى أين أريدُ أن أقودَك.»

ب : «إلى أين؟»
ف : «إلى السعادة الحقة، التي تهفو إليها روحك فيحجبها بصرك الذي تُغَشِّي عليه أوهامك عنها فلا تراها.»
ب : «أستحلفك أن تكشفي لي عن طبيعة هذه السعادة الحقة، وأن تُعجِّلي بي إليها.»
ف : «سأفعل ذلك من أجلك بكلِّ سرور، ولكن في البداية سأحاول أن أرسم لك صورةً عامةً عن سبب السعادة، عندئذ، وبإدراكٍ صحيحٍ لذلك، سيكون بوسعك أن تُشِيح ببصرِك إلى الجانب الآخر وتميز هيئة السعادة الحقيقية.»
مَن يشأ أن يبذُر في أرضٍ بكر،
فليُطهرها أولًا من الأحراش،
وليقطع السراخس والعُلِّيق بالمنجل؛
حتى يمهِّد الطريق لإلهة الحصاد المثقلة بالغلال اليانعة،
اللسان الذي ذاق الأمر في البداية،
سيجد الشهد الذي كدَّ النحلُ في إعداده
أكثر حلاوة،
النجوم تكون أكثر بهاءً وتألقًا
عندما توقف العاصفة دويَّها ومطرها،
وليس قبل أن يطرد نجمُ الصباح جحافل الظلام،
يُقبلُ النهار بكل وضاءته يقود عربته الوردية
أنت أيضًا، وقد بصُرت بوجه السعادة الزائفة أولًا،
بوسعك الآن أن تَضَع نيرها عن عنقكن
وجديرٌ بالسعادة الحقيقية الآن أن تَنفُذ إلى روحك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤