الفصل الثامن

الدوافع الزائفة إلى السعادة

ما من شك، إذن، أن جميع هذه الطرق إلى السعادة هي تُرَّهاتٌ لن تصلَ بنا إلى الغاية التي وَعَدَتنا بها، وإن الشرور التي تكتنفها لهائلةٌ كما سأبيِّن لك باختصار.

فإذا أردت أن تَذْخر مالًا فإنك، لا بد، مُنْتزِعه من حائزيه.

وإذا أردت أن تتألق في أبهة المنصب فسوف يتعَيَّن عليك أن تنبطح لمن أنعم عليك به: أي أنك إذا أردت أن تَبُزَّ الآخرين في الكرامة سيكون عليك أن تُرخِص نفسك وتهينها بالتَّزَلُّف!

وإذا أردت السلطة فلا بد من أن تُعرِّض نفسك لمؤامرات رعاياك وأن تتجشَّم مخاطر جسيمة.

وإذا استهوتك الشهرة والمجد فسوف تجد نفسك في مسلكٍ وَعْر، تتقاذفُك الدروب وتشتبه عليك المسالك إلى أن تُضنيك الهموم وتمحوك.

وإذا قلت أخُبُّ في الملذات ما حييت فسوف يَلْفِظك الجميع بازدراء، باعتبارك خادمًا لأحقر مولًى، وعبدًا لأهش سيد — الجسد. أو فانظر كم هي تافهةٌ تلك الغاية التي تَهوِي إليها قلوب عبدة الجسد، وكم هي قلقةٌ غير مضمونة، وهل بوسعك أن تفوق الفيل ضخامةً، أو الثور قوةً، أو النمر سرعة؟ انظر إلى قبة السماء وتأمل ثبات بنائها ورشاقة حركتها وكف عن الإعجاب بما لا يستحق الإعجاب، على أنَّ أعجَبَ من السماء العقل الذي يُسيِّر السماء.

إن جمال الجسم هاربٌ وعابرٌ وأسرع زوالًا من زهور الربيع، وإذا كان لنا، كما يقول أرسطو، بَصَر لينكيوس Lynceus١ الأسطوريُّ الثاقب الذي يَنفُذ في الأشياء، فإن جسد ألكيبياديس Alcibiades٢ البديع في ظاهره سيبدو لنا شديد القبح بمجرد أن نرمُق أحشاءه، ليست طبيعتك نفسها ما يجعلك تبدو جميلًا بل ضعف أبصار من ينظرونك، فتَعشَّق مفاتن الجسد كما تشاء، ولكن تَذَكَّر أن ثلاثة أيامٍ من الحُمَّى لن تُبقي لها أثرًا.

وصفوة القول إن هذه الأشياء، التي لا تأتي بالخير الذي وعدت به ولا تبلغ كمال الخير إذا اجتمَعَت، ليست هي الطريق إلى السعادة، ولا يمكنها بذاتها أن تجعل الناس سعداء.

وا أسفاه، يا للجهل الفاجع
الذي يُضِلُّ بني الإنسان عن سواء السبيل،
مَن ذا الذي يُنَقِّب عن الذهب في أغصان الشجر؟
وعن الجواهر في عرائش العنب؟
ويَنصِب شباكَه في قمم الجبال
ليصيدَ أسماكَ الوليمة؟
أيُّ صيادٍ يلتمس العَنَز البريَّ في عُرض البحر؟!
… … …
إنهم لَيَعرفون أي مياهٍ تزخَرُ أعماقها بالدر المكنون،
وأي سواحل تزخرُ بالأرجوان،
ويعرفون أن يُلتمس السمكُ الطري،
وأين يُلتمس المحار،
ولكنهم سادرون في عَماهم
لا يعرفون أين يَكمُن الخير الذي يريدون،
ويهبطون إلى الأرض
ينبشون فيها عمَّا هو أعلى من السماء.

•••

أية لعنةٍ بحجم غفلتكم يمكن أن أستنزلها عليكم؟
الهَثوا وراء الثروة والمجد،
وحين يستوِي لكم منهما ركامٌ زائف؛
هنالك تُدركون ما هو الخير الحقيقي.
١  لينكيوس، في الميثولوجيا اليونانية، واحد من بحارة السفينة أرجونوت الذين لديهم بصرٌ ثاقبٌ يستطيع أن يرى في الظلام، ويستطيع أن يكشف مكان الكنز المخبوء.
٢  ألكيبياديس قائدٌ أثيني في أواخر القرن الخامس قبل الميلادي، اشتهر بالثروة والجمال وبسوء استخدامه لهما، ذكره أفلاطون في محاورة «المأدبة» Symposium.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤