الممثل كين في الفلسفة الوجودية١
لو ترك «سارتر» الفلسفة وحصر جهوده في الرواية التحليلية، لما تبددت هذه الجهود في الكلام الفارغ الذي يسمونه بالوجودية، ولا شيء فيه من الفلسفة على الإطلاق، ولا مصير له غير الإهمال بعد سنوات، إن لم يكن قد دخل منذ اليوم في ظلال الإهمال.
لقد كانت المسرحية التي وضعها عن الممثل كين أو خلل العبقرية تحفة قليلة النظير في الأدب التمثيلي الحديث، ولا يستطيع المنصف أن يوازن بينها وبين تحفة إسكندر دوماس إلا حكم بالرجحان لهذه الثمرة العصرية من ثمرات التحليل والدراسات النفسية.
لا شيء من الحب في الرواية ولا في حياة العبقري أدموند كين، ولكنها الكبرياء في نفوس الجميع، وأولهم الملك جورج الرابع، الذي ظهر في رواية دوماس باسم ولي العهد حرصًا على العلاقات السياسية.
ومن الواضح أن الممثل كين يزاحم الملك على معشوقته مرضاة لكبريائه.
ولكن من المستغرب أن تهيم هذه المعشوقة النبيلة بالممثل المنبوذ مرضاة لكبريائها، وهي — فيما يبدو من ظاهر الأمر — تبتذل كبرياءها بمغازلته، وتهين كرامتها بالمناوبة بينه وبين الملك وزوجها النبيل.
لكنها غرابة ظاهرة ليس إلا.
أما الواقع فهو أن الكبرياء تعمل هنا ما لم تعمله في غرام كين بالمعشوقة النبيلة؛ لأنها تشبع غرور المرأة كله حين يقال إنها تضرب الممثلاث في ميدانهن، وإنها «أنثى» قبل كل شيء.
وتبرز هذه المعاني في المساومة بين كين والمعشوقة النبيلة على مكافحة الغيرة «العلنية».
فالنبيلة تهدده باستقبال ولي العهد في مقصورتها والإقبال عليه بالمغازلة الفاضحة، التي لا بد أن يلحظها الجمهور.
ويجن جنون الممثل فيسألها عن شروطها، فلا تشرط عليه شيئًا إلا أن يُعانق على المسرح ممثلة غير الفتاة الجميلة «أنا دنبي».
وإن المسكين ليعلم أن المغازلة في مقصورة علنية بين المعشوقة النبيلة وولي العهد لا تكون إلا دورًا من أدوار التمثيل.
ولكن هذا الذي يعنيه دون الحقيقة؛ فهو لا يرضي كبرياءه إذا كانت النبيلة تحبه في سريرتها ويرى الجمهور منها أنها تغازل ولي العهد على منظر منهم ومن صاحبها كين.
فلا كبرياء في هذا الحب المسرحي، بل هو إذلال ومجاهرة بالإذلال في غير مجاملة.
وعلى هذه الوتيرة تجري مناظر الرواية كلها، وتنكشف العواطف الإنسانية بين يدي سارتر من وراء المظاهر الفنية والطبيعية.
ويريد سارتر مع هذا أن يحسب في الفلاسفة، ولا يسره أن يخرج من عدادهم ليلحق بزمرة الروائيين.
اضحك معي أيها القارئ غير مأمور.