نشيد أخناتون١
درج المؤرخون على عقد مقارنة بين ما جاء في نشيد أخناتون، وبين ما جاء بالمزمور الرابع بعد المائة من مزامير داود، فهل معنى هذا أن أحدهما تأثر بالآخر، أو أن الأمر مجرد توارد أفكار؟
من المحقق أن العبرانيين وفدوا إلى مصر وأقاموا فيها منذ عهد إبراهيم — عليه السلام — وأنهم ما زالوا إلى عهد موسى — عليه السلام — يرجعون إلى العبادات المصرية، ولو كانت على غير سنة التوحيد، كما فعلوا حين طلبوا العودة إلى عبادة العجل والرجعة إلى الديار المصرية، على ما هو مشهور في كتب التاريخ والأسفار الدينية.
والسؤال هنا عن المزامير التي وردت في كتاب العهد القديم، وقد نقلت إلى ذلك الكتاب بعد نظم أخناتون لنشيده في صلوات التوحيد بأكثر من ثلاثة قرون، فلا شك فيما هو الأسبق بين النشيدين. ولكن «أرثر ويجال»، مؤرخ المصريات المعروف، يرجع إلى التاريخ القديم قبل أيام أخناتون، ويظن أن آتون وآتوم إنما هما تصحيف لاسم «أدوناي»؛ بمعنى السيد أو الإله في اللغة العبرية، وأن أخناتون ورث آراءه من أمه الآسيوية! وذلك وهم سيق إليه ويجال لتشابه الأسماء مع الاختلاف البعيد بين صفات آتوم وصفات أدوناي؛ فإن آتوم من أقدم الأرباب المصرية في معابد رع، وقد جاء في الفقرة الرابعة عشرة من القسم الأول في كتاب الموتى على لسانه: «أنا آتوم منفردًا في نون، وأنا رع حيث ينزع مع الفجر ليبسط يديه على الدنيا التي خلقها.» ولا شبه بينه وبين أدوناي وأدونيس في صيغته اليونانية؛ لأن أدونيس رب الربيع والغرام، ولا شيء من ذلك في خصائص آتوم، الذي يبدو على مثال الكهول ذوي اللحى ويتقلد مفاتيح الحكم والحكمة ويرجع إلى مبدأ الخليقة، حيث لا شيء غير الماء والظلام.
فإذا كانت المقارنة بين المزامير على رواية العهد القديم وبين أناشيد أخناتون، فلا محل للخلاف فيمن هو السابق منهما ومن هو اللاحق بعده، وقد كانت دعوة التوحيد في أناشيد أخناتون فترة من فترات العقائد المنزهة، لحقت بها فترات طويلة من الردة بين رعايا الفراعنة الأقدمين أبناء وادي النيل وأبناء إسرائيل.