داروِن وحاسة الجمال١
قرأت لداروِن قوله: أما البحث في حاسة الجمال ذاتها، ثم النظر في كيفية نشوئها ونمائها في عقل الإنسان وبعض الحيوان؛ فموضوع مغلق يحيط به الإبهام، وفي هذا الصدد أودُّ أن أعرف هل حقيقةً أن داروِن مات وهو مؤمن بوجود قوة تتحكم في هذا الكون غير الطبيعة؟
إن داروِن قال غير مرة إنه يشعر بأن وجود القدرة الإلهية أقرب الحلول إلى العقل عند النظر إلى قضية الوجود كله، ولكنه كان يقول أيضًا إن شعوره هذا لا يلزم أحدًا بموافقته؛ لأنه لا يملك البرهان القاطع الذي يلزمه غيره باعتقاده.
وكان يكرر أحيانًا ذكر المتاعب والآلام وألوان الشقاء التي تحيط بالأحياء كافة في هذا الوجود، ثم يذكر معها أنها من أسباب الشك عند المترددين والمنكرين.
ولكنه كان يعود فيقول على أسلوبه في تفسير حقائق الحياة: إن بقاء أنواع الأحياء، ورغبة هذه الأنواع في التوالد، دليل قوي على أن الشر في الحياة لا يزيد على الخير، وأن أسباب الإقبال على الوجود لا تقل عن أسباب الإعراض عنه والنقمة عليه.
أما حاسة الجمال، فقد نظر إليها داروِن وشريكه والاس نظرتين متقاربتين، فكان والاس يرى أنها من دلائل وجود الله، وأن الموسيقى خاصة، والعبقرية الفنية عامة، آيتان من آيات القدرة العلوية؛ لأن تفسيرهما بالضرورة المادية أو الاجتماعية غير مستطاع.
فبقاء الأنسب غير بقاء الأصلح من وجهة الصلاح العامة بين جميع الأحياء والبيئات.
فالإنسان أصلح من الميكروب وأقوى منه وأقدر على المقاومة إذا نظرنا إلى الميكروب على انفراد، ولكن هذا الميكروب يبقى في المستنقع الموبوء؛ لأنه أنسب لوجوده حيث يتعرض الإنسان للموت والفناء إذا أقام بذلك المستنقع ولم يتخذ لنفسه وسائل الحيطة والوقاية.
وقياسًا على هذا يصح أن يقال إن الرجل الشرير يعيش ويسعد بين أبناء البيئة الشريرة؛ لأنها بيئة تناسبه وتوافق استعداده لمجاراتها ولمقاومتها على السواء، ولكن الرجل الفاضل يهلك في تلك البيئة، ولا يوافق أهلها أو يوافقونه على شيء من أخلاقه ومطالبه، فهو أصلح من أهلها إذا نظرنا إلى الوجهة الإنسانية العامة، ولكنه ليس بأنسب من أهلها للبقاء فيها كما يبقون، وهذا هو الفارق بين الأنسب والأصلح في الترجمة، وهو كذلك مصدر الأخطاء الكثيرة عند من يحسبون أن مذهب التطور يرادف معناه مذهب التقدم والارتقاء.