تاريخ المستقبل
يقارن دي ويت بين أبيقور والقديس بولس إمام المسيحية في القرن الأول بعد الميلاد، ويعزز مقارنته بالنصوص وشواهد الحياة، ويدع القارئ وهو على يقين من سخافة التاريخ وطهارة الفيلسوف المظلوم.
ولو اتسع المقال للتمهيد والتصحيح على هذه الوتيرة، لكانت هذه الأعجوبة سيدة الأعاجيب بين واردات الأدب الأخيرة، ولكنها أسلم وأوضح؛ حيث تأتي بعد تمهيدها الملائم، ومع تصحيحها المطلوب.
ونحن نستبدل بها هذه الخاتمة عن كتاب في تاريخ المستقبل، فربما كان الكذب على تاريخ المستقبل أقل كثيرًا من كذب المؤرخين على الماضي البعيد، أو على الحاضر القريب.
وأشهد بعد هذا أن الكتاب الأخير عن تاريخ المستقبل جد صارم، لا يأتيه الهزل من بين يديه ولا من خلفه.
غير أننا معشر الشرقيين سنضحك منه قبل أن نطويه ضحكة الرضا، وسيضحك منه معشر الغربيين ضحك الاستخفاف، ويتمنون له التكذيب من الغد؛ لأنهم لا يملكون في أمره غير هذا الضرب من الأكاذيب.
يتحدى الكتاب مصير الإنسان، ويستند في نبوءاته إلى الإحصاء وأطوار التقدم حسب الحقائق التي يعلمونها اليوم، أو الحقائق من طراز ١٩٥٤.
إننا خلقاء أن نشكر هاريسون براون على هذا الكتاب، الذي بحث فيه أحوال الإنسان كما تتكشف اليوم للناظر المثقف الجلي النظر.
ويشفق المؤلف على قرائه من جد العلم فيمزج فصوله بالشعر، ويخص الشعر الشرقي بقسط غير قليل، فهو يفتتح الفصل الأخير بأبيات الخيام التي يقول فيها:
ويختتم الفصل بأبيات تاجور التي يصف بها العالم الإنساني كما يتمناه:
•••
قال ونرجو له الصدق فيما قال:
ولا بد أن يضحك الشرقيون والغربيون راضين أو ساخرين، فقد لبثوا مائة سنة يسمعون أن الحضارات جميعًا صائرة على الصناعة والتصنيع، ويعلمون أنه رأي العلم وأنها نبوءة الواقع الملموس باليدين.
وبقي اليوم بعد قول الخيام وقول تاجور بيت واحد يقوله أبو العلاء: