قصور الفلسفة١
سنصحب القارئ في هذه المقالة إلى «قصور الفلسفة»، أو مباهج الفلسفة على قولين.
وكلاهما اسم كتاب واحد، تبدل اسمه باختيار مؤلفه الكاتب الأمريكي «ديورانت» ومترجمه الأديب المصري الدكتور أحمد فؤاد الأهواني.
وأمنيتنا للكتاب في ترجمته العربية أن يصيب من الرواج مثل نصيبه بين قراء اللغة الإنجليزية، مع حفظ النسبة بين تعداد قراء اللغتين.
كان ابن رشد يُسمى الشارح وكفى، فإذا قيل الشارح فلا حاجة إلى التسمية.
ولو أنك أردت أن تطلق على كاتب حديث لقب الشارح، لكان «ديورانت» صاحب هذا الكتاب أحق الناس به غير مدافع؛ لأنه يحسن الفهم والشرح والتلخيص على نحو نادر بين كُتاب الفلسفة، فيُقبل القراء على كتبه بالألوف وعشرات الألوف، وربما بلغوا مئات الألوف إذا صدقنا إعلانات الناشرين، وهل تراهم يكذبون على عمال الضرائب إن كذبوا على القراء والنقاد؟!
وقد طبع أحد كتبه «قصة الفلسفة» في طبعة جيبية، فراج رواج القصص الغرامية أو البوليسية، وفتح الأبواب لرواج الكتب المنوعة من هذا القبيل.
وأحسن الدكتور الأهواني ترجمة الكتاب في معانيه ومدلولاته، وواجه مشكلة المصطلحات بأمانة مشكورة؛ لأنه شفع الاصطلاح المترجم بالأصل الإنجليزي، فمن رجع إلى الأصل لم يفته المعنى المقصود، وقد يحاول المترجم محاولة ناجحة للتعديل والملاحظة والوصول إلى المصطلح المتفق عليه.
ونحن نبدأ من البداءة باسم الكتاب أو باسميه، وهما الاسم الأول في طبعته الخاصة والاسم الثاني في طبعته العامة أو الشعبية.
وهنا وهناك كلمات نلاحظ عليها أنها لا تُطابق معناها كل المطابقة، ومنها أن المترجم نقل كلمة الأسباب الرديئة أو السيئة فسماها الباطلة (ص١٦) ولا يلزم من السبب الرديء أن يكون باطلًا، وإنما يلزم منه أنه غير مستحسن وكفى، ونذكر لهذه المناسبة أن موظفًا — لبقًا — غاب عن مكتبه يومًا وسأله رئيسه عن سبب غيابه فقال له: إن السبب الصحيح هو السكر والعربدة والتأخر في النوم إلى ما بعد ميعاد الدواوين، ولكنه سبب رديء وإن يكن هو السبب الصحيح.
فالرديء يُقابله الحسن، والباطل يُقابله الصحيح، والفرق ظاهر بين ما هو حسن وما هو صحيح.
مباهج النحو والصرف
وعلى هذا الاختلاف بيننا وبين الأستاذ المترجم، نود أن نستعير منه كلمة المباهج للمسائل النحوية الصرفية كما استعارها للمسائل الفلسفية، عسى أن تسوغ ملاحظات النحو والصرف على مقدمة الكتاب ولو بعض التسويغ.
فمن سهوات العارفين تلك الفلتات التي جاءت في مقدمة الدكتور إبراهيم مدكور، فكانت أحق شيء بالتنبيه؛ لأنها من غرائب السهو، إذا لم تكن في السهو غرابة في كثير من الأحيان.
يقول الدكتور: «إنا نتساءل إذا كان من اليسير أن يقدم له الدواء.»
وجواب «إذا» في هذه العبارة غير مذكور وغير مقدر، ونحن قد نقول مع زهير:
فنفهم جواب «إذا» من الكلام السابق، ويكون المقصود «أنه إذا كان المقدور آتيًا فإنني لا أسبقه.»
نتساءل هل يقدم له الدواء؟
وقال الدكتور مدكور بعد ذلك: «في كتاب مباهج الفلسفة جهد كبير وعرض شيق.»
والشيق هو المشوق أو المشتاق، وليس الكتاب مشوقًا أو مشتاقًا ولكنه شائق يجعلنا نحن مشتاقين إليه أو شيقين.
وقال الدكتور: «وهو أديب بقدر ما هو فيلسوف.» وتلك محاكاة عرفية للتعبير الأجنبي، وإنما المألوف في التعبير العربي «أن حظه من الفلسفة كحظه من الأدب»، أو أنه «على نصيب سواء من الفلسفة والأدب»، أو أنه «يُحسن الفلسفة كما يُحسن الأدب»، ولا بأس بالمحاكاة الحرفية إذا لم يكن في العربية ما يغني عنها، فإن أغنت عنها العبارات العربية فهي أولى.
وحسبنا هذا من مباهج الفلسفة ومن مباهج النحو والصرف، مع رجاء المعذرة ممن يرفعون كلمة المباهج ويضعون في موضعها المزعجات، ولولا أننا لا نحب أن تتسع الفجوة بيننا وبين الغربيين لتركنا لهم مباهجهم وأبعدنا مباهجنا عن الفلسفة واللغة، ولكنهم إذا أفلحوا في ترويج الفلسفة بين مئات الألوف من قرائهم فلنطمع في بعض هذا الرواج عندنا، ولتكن بسائط اللغة بيننا من المفهومات التي تُدرك لها أسباب لا تتوقف على النحاة.