التقديس والتشويه في التاريخ
القديس ماكلين
وهذا ممسوخ قد ظهر بتطويب القداسة على ما يظهر من كهنوت الماركسييين؛ هذا هو ماكلين.
كان ماكلين جاسوسًا ممسوخًا سكيرًا يعمل في مصر لخدمة الصهيونية، ويبذل جهده لإقناع دولته بضرب المصريين والاستيلاء على حكومة هذا البلد؛ لأنهم اجترءوا على مقاومة إسرائيل.
وكتبنا نحن ننكر ذلك فيما أنكرناه؛ فحقت علينا اللعنة من سماء الماركسية السفلية؛ لأننا ذكَرناه بغير ما ينبغي من التقديس والتطويب.
وكتب إلينا السيد «محمد علي أحمد» من شارع بين الصورين يحيينا تحية نشكره عليها، ثم يروي لنا نبأ اللعنة التي حقت علينا للمساس بالقديس المظلوم.
قال: «… ومشينا في حوارٍ وأزقة ملتوية، رائحة العفونة والقاذورات تزكم الأنوف منها، ودخلنا الماخور العفن، فوجدنا في غرفة ضيقة بضعة من الأشخاص جالسين ذوي لحًى وشعر منفوش بينهم فتاتان، وقدمني إليهم على أني رفيق عاطف.»
إلى أن قال: «إلا أن دجَّالهم الأكبر ما انفك أن أرغى وأزبد، وبدا في الهذيان والهجوم الحقير على شخصكم الكريم، وانتقل إلى مقالكم الهائل عن الكلبين ماكلين وبرجس، فقال إن سيادتكم المبجلة هي التي تتهرب من اتهام نفسها … وإنكم إلى الآن لم تتزوجوا، وإنه يوجد شخص عند سيادتكم سموه عم مرسي وفضحوا لي إحدى دسائسهم وأفعالهم، وأنهم لهم دائمًا جواسيس في مجالسكم قاتلهم الله …»
وصاحب الخطاب السيد «محمد علي أحمد» طيب القلب جدًّا — كما هو واضح في خطابه — لأنه لم يستطع أن يتخيل الهاوية التي ينحدر إليها هذا الواغش البشري، فلم يخطر على البال أن إنسانًا يتشوه هذا التشويه فيتعصب للصهيونية على قومه ويغضب لمقاومتها وذكر الحقائق عن العاملين لخدمتها.
وقد يشوه الطبع فيبتذل الصدق ويسقط في حساب الأخلاق وفي حساب الغيرة الوطنية وفي حساب العقيدة الدينية، ثم يبقى له أثر من الشعور الآدمي، يثير فيه شيئًا من النخوة لمئات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ المشردين على مرأى من بلادهم، ليستبيحها شذاذ الآفاق من صنائع الاستعمار.
أما أن يبلغ التشويه هذا المبلغ بمخلوق آدمي، فلا صدق ولا وطنية ولا دين ولا مروءة إنسانية، فهذا من وراء الخيال — بحق — في تصور الرجل الطيب كاتب الخطاب.
ولكن كاتب الخطاب يفرط في الطيبة إذا ظن أن الصدق شيء له قيمة في كلام الذين يقدسون ماكلين وأشباه ماكلين، وكثير منه أن يظن بهم الصدق حتى في دعوى التجسس على بيتي، فإني أسكن هذا البيت منذ ثلاثين سنة، لم يدخله أحد قط يُسمى «عم مرسي»، وليس في وسع أحد أن يخلق «عم مرسي» هذا أو يدل على … وهكذا يمتنع الصدق عليهم حتى فيما لا شرف للصادق فيه، وأما الزواج والعزوبة فما دلالتهما إن صدقوا أو كذبوا؟ ألم يكن ماكلين من المتزوجين؟
والعبرة من قصة القديس ماكلين هذه أنها تبين «لزوم» الماركسية لهذا الواغش الممسوخ من الآدميين.
فلا يستطيع مخلوق يعلم أنه ساقط في حساب الخلق والوطنية والدين والشعور الإنساني، ثم يحتمل هذا الخزي دون أن يبخع نفسه بيديه.
فإذا كانت الماركسية تنقذه من هذا الخزي وتحسبه شرفًا له، فهي أحق بضرب المثل من تهافت الغريق على القشة في التيار الجارف، وغير عجيب أن يتهافت عليها الممسوخ المشوه وهي بديل عنده من الخزي والانتحار.
وأود في ختام هذه الكلمة أن أهدئ من غضب الرجل الطيب وإخوانه؛ لأنهم لا يريدون أن يسمعوا كلمة تكدرهم عن كاتب هذه السطور، فالكلمة التي تكدرهم في الواقع هي كلمة ثناء علينا تخرج من فم واحد مع الثناء على ماكلين وأشباه ماكلين، وما يضيرهم أن يصبح كاتب هذه السطور ويمسي ملعونًا مكذوبًا عليه ممن يوزن ثناؤهم بذلك الميزان.