أكاذيب السياسة١
وجنتر هذا هو صاحب المؤلفات المشهورة عن داخل أوربة وداخل آسيا وداخل الولايات المتحدة وداخل أمريكا الجنوبية، وما وراء الستار من القارة الأوربية.
وملاحظتنا على هذه المؤلفات أنها حافلة بالمعلومات المباشرة والصور الشخصية والأخبار «الصحفية» التي يفرغها في قالب التاريخ.
ولكنك لا تستريح إلى أحكامه كما تستريح إلى معلوماته وصوره وأخباره.
لأنه قلما يخالف أحدًا من ذوي الجاه في بلد من البلدان، وقد يرضي أكثر من فريق واحد بين ذوي الجاه هنا وهناك.
ومن أمثلة ذلك كلامه عن السودان.
فالسيد عبد الرحمن المهدي عنده زعيم لا يحب أن «تبتلع مصر بلاده».
وماذا عن ابتلاع الإنجليز؟
لا شيء! ولا حرف!
وعنده أن المهدي الكبير زعيم مات قبل الأربعين، ولكنه أفلح في إنقاذ السودان من طغيان المصريين.
وأجهل المؤرخين المعاصرين يستطيع أن يعلم أن أبناء مصر والسودان قد ثاروا على طغيان واحد، وأن ثورة مصر على ذلك الطغيان كانت سابقة لثورة السودان بسنوات.
وندع ما عدا ذلك من أكاذيب السياسة التي يجريها مجرى الوقائع المسلمة.
فعنده أن الإنجليز تدخلوا في السودان؛ لأن مصر فزعت إليهم وتوسلت إليهم أن ينقذوها من ورطتها في الجنوب.
وأجهل المؤرخين المعاصرين مرة أخرى يعلم أن الإنجليز أكرهوا مصر على «الفزع»، وأسقطوا وزيرًا؛ لأنه لم يقبل أن يفزع كما أرادوا.
إلا أننا — بعد هذه الأباطيل — نحمد الله على اليوم الذي دخلت فيه أفريقيا في حساب كُتاب الغرب، فكتبوا عنها كما يكتبون عن قارات الدول القوية، بل زادوا في نصيبها على نصيب تلك القارات؛ لأن كتاب جنتر عن القارة «المجهولة» أضخم وأهم من كتبه الأخرى.
لقد كانت هذه القارة مجموعة من الملحقات بإنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال، وكل من مد يديه لإلحاق القسم المتفق عليه من أقسامها، أو من أشلائها.
فاليوم هي «كيان» مقصود لذاته، غير محسوب على سادته، يبحثون عن مستقبله من داخله ولا يكفيهم أن يبحثوا عنه في لندن وباريس وبرلين، وغيرها من عواصم السادة المستعمرين.