محاكمة الخديو عباس١
قرأت اليوم «محاكمة الخديو عباس» منقولة من الأوراق التي احتفظ بها سعد زغلول وبقيت محفوظة إلى الآن.
وتساءلت أخبار اليوم: ترى لماذا احتفظ بها سعد ولم يكن وزيرًا في أثناء نظر القضية؟
ومن وفاء حق التاريخ أن نسجل هنا ما نعلمه عن هذه القضية، التي كان لها شأن خطير في تاريخ مصر الحديث، أوشك بعضنا أن ينساه.
إن سعدًا احتفظ بتلك الأوراق؛ لأن حساب دائرة سيف الدين ودائرة صالحة هانم التي حذف اسمها من الأسرة الخديوية؛ كان سبب استقالته من وزارة الحقانية، وهي الاستقالة التي تُذكر بين أشرف الذكريات في تاريخ الوزارات المصرية وغيرها من الوزارات.
إن لورد كتشنر يظهر أخيرًا بمظهر الحارس الغيور على نزاهة الحكم، مع أنه كان يتعرض لها من مبدأ الأمر لحماية صاحبه حسين محرم باشا وشفاء حزازته من الخديو عباس.
وقد كان سعد وزيرًا للحقانية حين راجع أعمال المجالس الحسبية، فلاحظ في أوراق الدائرتين كثيرًا من الخلل وسوء التصرف، وأراد أن يحيل الوصي حسين محرم إلى القضاء، فوقف له لورد كتشنر، وطالبه بتقديم الأدلة على الخلل قبل اتخاذ إجراءات المحاكمة؛ أي طالبه بوضع المركبة أمام الحصان كما قال له سعد؛ لأن حجز أوراق الدائرة جميعًا أول عمل من أعمال الإثبات.
وأبى ضمير سعد أن يسكت على الخلل الواضح أمام عينيه، فاستقال بعد مقابلة عاصفة بينه وبين اللورد الحاكم بأمره، وقالت دائرة المعارف البريطانية وهي تروي القصة: «إن أدلة إدانة زغلول لم تكن كافية، ولكنها كما وقر في الأذهان كانت صحيحة في جملتها.»
أما حماسة كتشنر للدفاع عن حسين محرم باشا، فسرُّها معروف عند الكثيرين، وبعض ما يقال عنه إنه كان يدير له رحلات الصيد على اختلافه ويصحبه في تلك الرحلات.
ولا نعلم بين مفاخر النزاهة واستقلال الرأي مفخرة أعظم من مفخرة الرجل الذي يناضل سلطة العرش وسلطة الاحتلال دفاعًا عن حقوق لا يدري بها أصحابها في خارج القطر، ولا يملكون المطالبة بها لو علموا بتلك الحقوق.