بين الإحراق والتحنيط١
حضارة البراهمة تنكر الجسد وتوحي بإحراقه بعد الموت؛ لأنه مصدر الشهوات والأباطيل والشرور.
وحضارة الفراعنة تحتفظ بالجسد؛ لأنه بيت الروح الذي تعود إليه بعد طول الغياب، يوم القيامة.
وبين هؤلاء وهؤلاء أمم يتركون الجسد للأرض، كأنهم يقولون إنه تراب وإلى التراب يعود.
وصاحبنا أغاخان قد نشأ في الهند وعاش آباؤه في إيران، ويقول مذهبه إنه ينتمي إلى الرسول بالجسد أو بالروح، ويعيش هو حيث شاء في جميع القارات.
وهو لذلك حائر بجسده ماذا يصنع به بعد عمر طويل.
إنه يحرص عليه ولا يريد أن يُحرق كما يفعل البراهمة، ولكنه لا يريد أن يحفظه بالتحنيط كما تحفظ الموميات.
فلا جرم يحب هذه البقاع التي أراها أمامي الساعة ويراها الأبد كل ساعة؛ لأنها حلت له المشكلة أيسر الحلول، وشهد فيها بعينيه أنها تحفظ الأجساد من البلى بغير حاجة إلى التحنيط.
ولهذا يختارها لمثواه الأخير.
يا للإنسان من الموت! ويا للموت من الإنسان!
إن حبه لحياته لا ينتهي عند القبر ولا عند يوم القيامة، ولولا ذلك لما دامت قداسة الذكرى ولا كانت آمال الخلود.