يقظة أفريقيا١
خبر اليوم، بل خبر الجيل، بل خبر المستقبل، أن القارة الأفريقية تتحفز لتكوين «كتلة» من شعوبها، وأن ميلاد هذه الكتلة يوشك أن يعلن في مدينة الخرطوم.
أي مارد يتيقظ بعد مصابه الطويل بمرض النوم!
إن القارات جميعًا قد أثبتت لها وجودًا قويًّا في تاريخ بني الإنسان، إلا القارة الأفريقية في جملتها، فإنها لم تتحرك قط حركة عالمية عامة أو إنسانية شاملة، ومن تحرك من شعوبها قبل اليوم فإنما تحرك بمعزل عنها.
آسيا ثم أوربة ثم أمريكا …
وأين أفريقيا؟
في سبات عميق!
واليوم يتيقظ هذا المارد النائم، وبعد زمن يعلمه الله يعمل عمله ويقوم بدوره في تاريخ الإنسانية، ولا يدري أحد في أيامنا هذه ماذا يكون هذا الدور بعد جيل واحد، ولكنه طال به الزمن أو قصر لا بد أن يبدأ بخطوة لا سبيل إلى اجتنابها، وهي تحقيق المصير البديهي الذي يتلخص في كلمتين: أفريقيا للأفريقيين!
ومن المضحك أن يوجد في هذا الزمن «شعيب» ضئيل في جنوب القارة، يتوهم أنه قادر على كبح هذا التيار، ويجعل سياسته كلها في المستقبل «أن يكون ضدًّا أبديًّا» لسياسة الواقع الذي لا محيص منه، وهو أن أفريقيا خلقت للأفريقيين، أيًّا كان مدلول هذه الكلمة يوم يتحقق ذلك المصير.
ففي هذه الأيام تصدر القوانين في أفريقيا الجنوبية بعزل البيض من غير البيض، ويظن أصحاب هذه القوانين أنهم يحصنون أنفسهم من هذا «السواد الأعظم» بهذه الخطوط على الورق، أو بهذه «الإجراءات» في دواوين الإدارة.
ولعلهم لو أرادوا لفتحوا أعينهم منذ اليوم، وعلموا أن الحصن الوحيد الذي سوف يلوذون به في المستقبل، أن يزول الحاجز بينهم وبين ذلك السواد، وأن تشملهم كلمة الأفريقيين قبل أن تشملهم العصبة التي يسمونها بعصبة «اللون الأبيض».
وويل لهم يومئذ لو بقيت من أوراق القوانين التي ينمقونها اليوم ورقة واحدة تحجزهم عمن حولهم من الملونين.
إن هذه الورقة لن يكون لها معنى في ذلك اليوم المنظور المحتوم، إلا أنها حكم الفناء.